خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في خطوة أثارت جدلاً واسعاً في الداخل الليبي، وافق البرلمان الإيطالي، الأربعاء الماضي، على زيادة الوجود العسكري في ليبيا ونشر ما يصل إلى 470 جندياً في “النيجر”، لمكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب البشر إلى أوروبا.
ومن المتوقع أن يعمل حوالي 400 جندي في ليبيا إرتفاعاً من حوالي 370، وسترسل إيطاليا بإعتبارها عضواً في “حلف شمال الأطلسي”، (ناتو)، 60 جندياً إلى تونس، لدعم السيطرة على الحدود ومكافحة الإرهاب.
ويأتي التركيز على إفريقيا، في وقت تسعى فيه إيطاليا إلى وقف وصول المهاجرين إلى شواطئها. ويعبر المهاجرون، وغالبيتهم أفارقة، دول الساحل الصحراوي أولاً للوصول إلى ليبيا، حيث ينطلقون بعد ذلك في قوارب إلى إيطاليا. ووصل أكثر من 600 ألف في السنوات الأربع الماضية.
وفي نهاية العام الماضي، ذكر رئيس الوزراء أنه سيعيد نشر بعض الجنود من العراق وأفغانستان إلى شمال إفريقيا، وهو أمر استدعى أن يستأنف البرلمان العمل للموافقة على ذلك، بعدما كان قد أوقف جلساته بالفعل قبل الانتخابات العامة المقررة، في الرابع من آذار/مارس القادم.
ويعد التواجد الإيطالي في ليبيا قديماً، إلاّ أن الخطوة الأخيرة زادت من حدة الجدل القائم حول حقيقة الدور الذي تلعبه حكومة “باولو غينتلوني” في ليبيا، التي تعيش منذ سنوات طويلة تحت وطأة الفوضى السياسية والأمنية ووسط سطوة ميليشيات مسلحة.
تناقض المواقف الإيطالية..
كانت قد رفضت إيطاليا، في وقت سابق، الإعتراف بوجود قوات عسكرية تابعة لها على الأراضي الليبية، فقد جاء قرارها الأخير ليؤكد الدور الميداني الذي تلعبه روما على الأرض الليبية، وهو دور يرافقه جدل وإنقسام محلي ليبي واسع النطاق. إذ أكّد مجلس النواب، (طبرق)، رفضه قرار البرلمان الإيطالي مطالباً السلطات بالتوقف عن إنتهاك السيادة الليبية.
فيما تواجه حكومة الوفاق الليبية إتهامات بالتواطؤ مع الجانب الإيطالي لتوسيع نفوذه في ليبيا، مقابل الحصول على دعم أكبر على الصعيد السياسي الدولي.
وأيد حزب “إيطاليا.. إلى الأمام” المعارض، بزعامة رئيس الوزراء السابق “سيلفيو برلسكوني”، القرار، بينما عارضته حركة “خمس نجوم” المناهضة للمؤسسات؛ قائلة: إن “القرار سيمنع أي حزب يفوز بالانتخابات من تحديد أولويات سياسته الخارجية”.
ينتهك السيادة الليبية..
إستنكرت مجموعة من النشطاء والسياسيين الليبيين الوجود العسكري الإيطالي على الأرض الليبية، قائلين: أنه “ينتهك سيادة ليبيا وإستقلالها وحرمة أراضيها وأمنها القومي، ومخالف لقواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة”.
وأشاروا، في بيان مشترك، إلى أنهم “يستنكرون بشدة ويدينون كل وجودٍ عسكري إيطالي على الأرض الليبية مهما كانت مبرراته”، معتبرين في الوقت نفسه أنّ “السكوت عن هذا التصرف أو القبول به من أي سلطة ليبية، هو خيانة عظمى تستحق العقاب وفقًا للقانون”، مشددين على أن “الشعب الليبي لا يمكن أن يقبل عودة الإستعمار من النافذة بعد أن طُرد من الباب”.
إستغلت حالة الفوضى المؤسساتية..
أضاف البيان؛ أن “الحكومة الإيطالية إستغلت حالة الفوضى المؤسساتية في ليبيا، وأرسلت قواتها”، لافتًا إلى أن القوات الإيطالية دخلت ليبيا بكامل معداتها وأسلحتها المحظورة، بمقتضى قرارات المجلس، دون الحصول على أي استثناء من لجنة العقوبات، وهو ما أعتبرته “خرقًا واضحًا للحظر يجب على مجلس الأمن إدانته، ومطالبة إيطاليا بالاِنصياع لقرارات المجلس وسحب قواتها من ليبيا”.
وطالب، الموقعون على البيان، مجلس النواب إلى “عقد اجتماع في جلسة كاملة النصاب، في أقرب وقت ممكن، والطلب من إيطاليا سحب قواتها فوراً من الأراضي الليبية”، محذّرين من أن “الشعب الليبي قد يتعامل مع الوجود العسكري الإيطالي مباشرةً للحفاظ على كرامته وإستعادة سيادة بلاده”.
مطالب بعقد جلسة برلمانية طارئة..
كما أدان “الحراك الوطني من أجل ليبيا”، في بيان له، ما تناوله البرلمان الإيطالي، وإقراره توسيع وجود قوات بلاده في ليبيا.
وأشار البيان إلى أن أعضاء “الحراك الوطني من أجل ليبيا” تابعوا بإهتمام بالغ ما تناوله البرلمان الإيطالي، معتبرين إياه إنتهاكاً صارخاً للكرامة الوطنية، وخرقاً واضحاً لكل الأعراف والقوانين الدولية، وتدخلاً مباشراً في الشؤون الداخلية.
وأكد “الحراك” على أن الشعب الليبي، الذي قدم التضحيات الجسام في ملحمة الجهاد المقدس ضد الغزو الإيطالي، ودفع في سبيل ذلك قوافل من الشهداء، وخرج منها منتصراً، سيكون أكثر إرادة وقوة وصلابة من ذي قبل.
كما طالبوا “المجلس الرئاسي” بالتواصل مع الحكومة الإيطالية، ونقل مظاهر الإستياء الشعبي عبر مؤسساته ومنظماته، وتوضيح خطورة أبعاد هذا القرار، وإنعكاساته على العلاقات بين البلدين.
تحذير من خطوات تصعيدية..
إستنكرت الحكومة المؤقتة برئاسة، “عبدالله الثني”، في ليبيا، عزم إيطاليا إرسال قوات عسكرية إلى الأراضي الليبية، بعد موافقة البرلمان الإيطالي على ذلك، محذرة من “الإقدام على مثل هذه الخطوات التي سنتبعها من جانبنا بخطوات تصعيدية تحفظ لنا هيبتنا وسيادتنا وكرامة مواطنينا”.
وأكدت، في بيان، على أن “ليبيا بلد حر ذو سيادة، ونضع الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وكافة المنظمات الدولية والإقليمية أمام مسؤولياتهم في الإلتزام بقرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة بخصوص ليبيا”.
وطالبت الحكومة بمنع “أي تحرك فردي من شأنه تأجيج الصراع في ليبيا، التي تعاني الإنقسام ووقوف جماعات تدعمها إيطاليا في وجه السلطات الشرعية، التي جاءت عبر صناديق الإقتراع”.
وخاطب البيان المجتمع الدولي بالقول: أن “الليبيين فيما لو أرادوا عوناً من أحد لإعادة الإستقرار في غرب البلاد، فلن يكون عبر إيطاليا التي إعتذرت لليبيين في وقت سابق عن حقبة إستعمار مقيتة عانى خلالها آباءنا وأجدادنا الأمرين”.
إعلان هجوم لإحتلال جزء من ليبيا..
أوضح البيان كذلك: “لن نمكن أية قوات أجنبية، أياً كانت، من الدخول إلى أراضينا وإنشاء أي قواعد كانت تحت أي مسمى، وإننا سنعتبر هذه القوات في مثابة إعلان هجوم لإحتلال جزء من بلادنا الغالية، حتى وإن كان ذلك قد تم بتصريح العملاء”.
وأشار البيان، إلى أن القوات المسلحة “عملت على مدى الأعوام الثلاثة الماضية على إجتثاث الإرهاب من جذوره، وتمكنت بكل قوة وشجاعة من ذلك، دون مساعدة من أحد لها على الأرض، وأمنت ثلاثة أرباع الساحل الليبي الممتد على نحو 1500 كيلومتر من شواطئنا على البحر الأبيض المتوسط، ولم تسجل حتى حالة واحدة لعبور مهاجرين إلى الضفة الأخرى من المتوسط بفضل تأمينها الجيد لشواطئنا”.
وجددت الحكومة المؤقتة التأكيد على أن “تهريب المهاجرين لن يكون أبداً ذريعة لإحتلال ليبيا”، داعياً إلى “معالجة الأمر من دول المصدر”.
ما نشر حول الموضوع تم إستغلاله..
الخبير في شؤون الهجرة بالسفارة الليبية في روما، الدكتور “محمد السويب”، صرح حول ما يدور من جدل سياسي بشأن قرار البرلمان الإيطالي بزيادة التواجد فى ليبيا؛ بأن القوات الأمنية المتواجدة فى قرية النخلة بجنزور بالقرية السياحية “بالم ستي”. وهي متواجدة لحماية البعثات الدبلوماسية وبإشراف الأمم المتحدة، وهؤلاء سيتم تغييرهم بالمناوبة، وأن ما نشر من أخبار حول الموضوع قد تم إستغلاله بشكل غير صحيح.
العلاقة قائمة على الصداقة والاحترام..
رداً على ما نشر، أكدت السفارة الإيطالية بطرابلس على أن العلاقة بين إيطاليا وليبيا قائمة على الصداقة والاحترام الكامل للسيادة الليبية، مشيرةً إلى أن المعلومات التي تناقلتها وسائل الإعلام بخصوص تصويت البرلمان الإيطالي؛ “غير دقيقة”.
وأشارت السفارة الإيطالية بطرابلس، في تغريدة على الصفحة الرسمية بموقع (تويتر)، إلى “أن إيطاليا ملتزمة بتوفير المساعدة الفنية اللازمة للتأكيد بقوة على سيادة ليبيا”.
الإقتتال السياسي زاد من التدخل الخارجي..
المتابعون للشأن الإفريقي يرون أن هذا التوجه الإيطالي لدعم الوجود العسكري في منطقة شمال إفريقيا يأتي تزامناً مع خطة إيطالية لمكافحة الهجرة غير الشرعية، ومنع وصول المهاجرين إلى سواحلها عبر البوابة الليبية، إذ سجلت إيطاليا وصول أكثر من 600 ألف مهاجر غير شرعي قادمين من ليبيا ويحملون مختلف الجنسيات، نظراً للمشهد الأمني غير المستقر في طرابلس، وأيضاً سطوة الميليشيات المسلّحة وميليشيات تهريب البشر.
فرغم الجهود الدولية لحلحلة الأزمة؛ فشلت أطراف الصراع الليبي في الإحتكام إلى اتفاق موحد ينهي سنوات من الإقتتال السياسي والعسكري، وهو ما زاد من تداخل الأدوار الخارجية في شؤون البلاد وصل حد طرح فرضية التدخل العسكري الأجنبي في أكثر من مناسبة نتيجة الفوضى السياسية وتنامي التهديد الإرهابي على الأراضي الليبية.
ويربط متابعون للشأن الليبي التدهور الأمني والإقتتال العنيف الذي تعيش على وقعه ليبيا، وخاصة في الفترة الأخيرة، والذي أحتدم مؤخراً بسعي المجتمع الدولي إلى البحث عن حل ينهي هذا الصراع ويعيد المشهد السياسي إلى مرحلة من الإستقرار تتم على أساسه إعادة بناء الدولة الديمقراطية.
ورغم نفي الدول الأوروبية الفاعلة في الميدان الليبي، ونقصد “أميركا وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا وروسيا”، أيضاً، نيتها التدخل العسكري في ليبيا، ظهرت في الواجهة هذه الخطوة الإيطالية، والتي زادت من حدّة الإنتقادات المحلية لحكومة الوفاق وللحكومة الإيطالية على حد سواء.
يبقى ضمن دائرة الإستفهام..
من جانبه قال الكاتب والمحلل السياسي الليبي، “عيسى عبدالقيوم”، أنه قبل أيام أكدت رئيسة البرلمان الإيطالي “لاورا بولدريني” – بحسب وكالة (آكي) الإيطالية للأنباء – إن الاتفاق مع ليبيا بشأن المهاجرين كان خطأ. وأضاف “عبدالقيوم” أن هذا ما ستكشف عنه الأيام القادمة بخصوص ملف تدخل إيطاليا العسكري فى ليبيا، معتبراً قرارها الأخير بزيادة القوة القتالية في ليبيا؛ وإن جاء فى سياق دعم جهود السلام العالمي، إلا أنه يبقى ضمن دائرة الإستفهام كونه يتركز فقط في مدينة واحدة ليس بها أي إضطرابات أو صدامات وهي “مصراتة” ويغيب مثلاً عن الجنوب الذي يعجّ بالدواعش.
اتفاقيات مصيرها الإلغاء..
أضاف “عبدالقيوم” إنّ إيطاليا تعلم أن قراراتها تمّ توقيعها بشكل ثنائي مع مدينة، وليس مع الدولة الليبية، وهو ما سيجعل كل هذه الاتفاقات عرضة للإلغاء قريباً. وعن الطّموحات الإيطاليّة في ليبيا أجاب الكاتب الليبي؛ أن “إيطاليا في قفزها وتوقيعها مع (مدينة)، وليس الدولة … ومع ممثل تلك المدينة فى المجلس الرئاسي، الذي تعرف أنه لم ينل الشرعية … وأن مدته قد إنتهت وفق الاتفاق السّياسي في 17 – 12 – 2017.. هي تحاول كسب مساحة وجود اقتصادي مبكر وضمان استمرار شركتها النفطية … وهو ما كشفت عنه بعض الاتفاقات الموقعة.. وكذلك هي تسعى لحجز الهجرة غير الشرعية داخل الأراضي الليبية كي تتخلص من الأعباء القانونية، التي يرتبها وصولهم إلى شواطئ إيطاليا.. ووجدت في الميليشيات شريكاً غير مكلف للقيام بهذه المهمة مقابل حمايتها لمن يحمي ويشرعن تلك الميليشيات”.
حكومة الوفاق أصبحت طرفاً في الصراع..
عن موقف حكومة الوفاق، قال إن “حكومة الوفاق، غير الدستورية، هي من يشرعن، عبر عضوها أحمد معيتيق، للوجود الإيطالي العسكري، وهي من ورط ليبيا فى اتفاقية الهجرة الكارثية التي إعترفت رئيسة البرلمان أنها كانت خطأ.. حكومة الوفاق باتت طرفاً في الصراع وشرعت في البحث عن حلفاء من الخارج لحمايتها مقابل الوعود الاقتصادية، ويبدو أن أقرب المستجيبين كانت إيطاليا”.
ليبيا تعيش أسوأ أحوالها..
حول دخول ليبيا في حرب تجاذبات خارجية خاصة في ظل النفوذ الإيطالي المتزايد والدور الروسي والبريطاني والأميركي، قال الكاتب الليبي؛ إن ليبيا تعيش أسوأ أحوالها، مشيراً إلى أن التدخل لم يعد أميركي روسي، كما كان، بل وصلنا إلى مستوى تدخل مباشر لدول مثل “قطر وتركيا والسودان وتشاد”، وفق تعبيره.
وتابع “عبدالقيوم”: “والسبب هو صراع السلطة المحتدم على حساب الوطن للأسف.. وتلك الدولة تبحث عن مصالحها، وبكل تأكيد لن تجد واقعاً تمرره عبرها أفضل من الواقع الليبي المتشظي، وما لم تنته الأجسام الموجود حالياً والفاسدة سياسياً ومالياً والمفتقرة للعمق المعرفي والخبرة السياسية، فإن ليل ليبيا سيطول”.