يربط بين الاكراد على جانبي نهر دجلة الذي يجري بين سوريا والعراق صلة القرابة وتاريخ من القمع والان خطوط وقود وزوارق تنقل المساعدات الغذائية والطبية عبر المياه التي تفصل بينهما.
وشريان الحياة الذي تقدمه كردستان العراق لجيرانها يمد نفوذ مسعود البرزاني رئيس الاقليم شبه المستقل الى الاكراد في سوريا فيما تهدد الحرب الاهلية بتجزئة البلاد.
وبالنسبة لاكراد سوريا يمثل الصراع فرصة لكسب نوع من الحقوق التي يتمتع بها أقرانهم في العراق الذين يعيشون شبه مستقلين عن بغداد ولهم حكومتهم وقواتهم المسلحة وسياسة خارجية مستقلة بشكل متزايد.
وقال المؤرخ جوردي تيجيل جورجاس وهو خبير في شؤون الاكراد السوريين مقره سويسرا ”بالاضافة الى البعد الانساني يوجد بعد سياسي.” وأضاف “حكومة اقليم كردستان والبرزاني كزعيم لدولة كردية فعلية يظهرون انهم وطنيون ملتزمون.” ونقل عن البرزاني قوله في صحيفة نصف شهرية لحزب كردي سوري قريب من حزبه “إنهم اشقاؤنا ويربط بيننا مصير مشترك.”
ولم يتضح ما الذي يأمل البرزاني في كسبه لكن المساعدات تعزز علاقاته مع الاكراد في سوريا الذين قدم لهم بالفعل دعم سياسيا استعدادا لانتقال للسلطة في المستقبل.
ونفى المتحدث باسم حكومة اقليم كردستان سفين دزة يي وجود أي دافع خفي أو سياسي للمساعدات واصفا اياها بأنها واجب.
والمناطق الكردية في الطرف الشمالي الشرقي في سوريا نجت من أسوأ أحداث القتال بين المعارضين وقوات الرئيس بشار الاسد لكنها رغم ذلك تعاني من نقص حاد في الوقود والغذاء.
وعلى الجانب العراقي من النهر تتجه شاحنات بيضاء الى حافة النهر ويحمل رجل بعد الاخر جوالات الدقيق (الطحين) والطماطم (البندورة) المعلبة والسمن الى قارب يعمل بمحرك وينتظر لينطلق بالحمولة مسرعا الى سوريا. ويرفرف العلم الكردي فوق الرؤوس.
ويبلغ عدد الاكراد الذين يتوزعون بين سوريا والعراق وتركيا وايران نحو 25 مليون نسمة ويوصفون عادة بأنهم أكبر جماعة عرقية في العالم بدون دولة.
وفي سوريا حيث يشكل الاكراد نحو عشرة في المئة من السكان يتم التمييز ضدهم بطريقة ممنهجة في ظل حكم الاسد ووالده من قبله الذي جرد أكثر من 100 ألف من جنسيتهم.
ويتناقض اسلوب كردستان ازاء سوريا بشدة مع اسلوب الحكومة المركزية الشيعية في العراق التي يتزعمها نوري المالكي والذي يقول ان سياسة العراق هي “عدم التدخل” في سوريا لكن مصالحه تتوافق بقوة مع مصالح الاكراد في ايران التي تساند الاسد.
وقال رئيس نقطة العبور شوكت بربيهاري الذي كان يتحدث وقد علقت على الحائط ورائه صورة للملا مصطفى والد مسعود البرزاني “الحكومة المركزية لم تعترض حتى الان.”
وتم افتتاح نقطة عبور فيشخابور في منتصف يناير كانون الثاني وتشيد السلطات جسرا عائما فوق النهر ليصبح من السهل التنقل.
وقال بربيهاري “إننا نساعد اشقاءنا وشقيقاتنا في كردستان الغربية” مستخدما التسمية التي يشير بها الاكراد الى منطقة في سوريا يطالبون بها كجزء من وطنهم “كردستان الكبرى”.
وتبرعت حكومة اقليم كردستان في شمال العراق حتى الان بنحو مليون لتر من وقود الديزل والف طن من الدقيق (الطحين) بالاضافة الى امدادات طبية لاقرانهم الاكراد عبر النهر. وبمجرد تحميل الشحنة يستغرق كل زورق أقل من دقيقة للوصول الى الجانب الاخر من النهر.
وقال أمين أحمد (49 عاما) وهو واحد من عشرات الالاف من اكراد سوريا الذين سعوا للجوء الى الاقليم شبه المستقل “نشكر الله ونشكر رئيس كردستان على هذه المساعدات التي هي بلسم لجروحنا.”
وبعد تفريغ الشحنة في سوريا توزع المساعدات على الاكراد والعرب على السواء بواسطة لجان تعمل تحت رعاية “المجلس الكردي الاعلى” وهو هيئة شكلت في العام الماضي لاصرار البرزاني على توحيد الفصائل الكردية السورية المتنافسة.
والجماعة الكردية المهيمنة ميدانيا في سوريا هي حزب الاتحاد الديمقراطي المتحالف مع حزب العمال الكردستاني المحظور الذي يخوض تمردا منذ 28 عاما ضد الدولة التركية.
ويضم المجلس الوطني الكردي في سوريا وهو جماعة اضعف لكن اكثر قبولا لدى المجتمع الدولي ما يزيد على عشرة احزاب أصغر يرتبط العديد منها بعلاقات وثيقة مع الجماعات الكردية العراقية.
ويشعر كل من حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي بالقلق من المعارضة السورية التي يرون انها بطبيعتها معادية لمصالحهم لكنهم يختلفون بشأن أفضل السبل للاستفادة من الحرب الاهلية.
ويتهم المجلس الوطني الكردي حزب الاتحاد الديمقراطي بالتواطوء مع الاسد مقابل السماح بتفوق الحزب دون منازع في المناطق الكردية في سوريا. ويخدم هذا الوضع مصالح الاسد من خلال اثارة قلق تركيا التي أيدت الانتفاضة ضده.
ونتيجة الصراع السوري مازالت غير مؤكدة الى حد بعيد لكن محللين يقولون ان البرزاني ربما يتطلع الى تعزيز موطيء قدمه في الجانب الاخر من الحدود.
وقال جورجاس “جميع الخيارات مفتوحة في سوريا مادام كل شيء ممكنا والبرزاني ربما يضع عينه على الجزيرة العليا” في اشارة الى الاراضي التي يتركز فيها أكراد سوريا.
لكنه قال ان من المستبعد ان تكون أي حكومة في المستقبل في سوريا مستعدة للتخلي عن قدر كبير من السيطرة على منطقة بها أحد ابار النفط القليلة في البلاد ولن تؤيد تركيا ايضا كيانا كرديا اقوى مما ينبغي على حدودها الجنوبية.
ويقول سياسيون أكراد عراقيون ان اهتمامهم الرئيسي هو منع الاكراد السوريين من ارتكاب أخطاء التسعينات عندما خاض الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه البرزاني حربا اهلية دامية ضد حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني.
ورغم أنهما دفنا أحقادهما لتشكيل حكومة مشتركة لكن الخلافات بين حزبيهما مازالت باقية وفي سوريا يدعمان أحزابا كردية مختلفة داخل المجلس الوطني الكردي.
وقال جورجاس “يفترض المرء ان حزب الاتحاد الوطني الكردستاني سيحاول تقويض تحركات البرزاني ازاء سوريا” مشيرا الى ان تلك الاحزاب المتحالفة مع الطالباني تميل فيما يبدو نحو حزب الاتحاد الديمقراطي.
وقال سياسي كردي بارز ان اهداف البرزاني هي التأكد من ان حدود كردستان مع سوريا آمنة واحتواء حزب الاتحاد الديمقراطي. واضاف السياسي الذي طلب عدم نشر اسمه “نريد ابقائهم داخل الخيمة”.
ويقول محللون ان حكومة اقليم كردستان اقام علاقات وثيقة مع تركيا ولا تريد ان يعقد حزب الاتحاد الديمقراطي تلك العلاقة الاستراتيجية.
وقال كريسبين هوز مدير يورواسيا جروب لاستشارات المخاطر السياسية في الشرق الاوسط وشمال افريقيا “احساسي هو انه لا توجد استراتيجية شاملة. انها بدرجة أكبر رد فعل ازاء أحداث متغيرة مع تركيز على حماية المكاسب التي حققوها بالفعل.” ,وأضاف “الطموحات موجودة بالفعل للتوسع لكن الرغبة الرئيسية هي عدم حدوث تراجع لشيء.”