خاص: كتبت- نشوى الحفني:
في تحول جديد يجمع بين “الصين” و”أميركا” في مجال الطاقة العراقي؛ وقّع “العراق” اتفاق مباديء مع شركة (شيفرون) الأميركية بشأن “مشروع الناصرية”، المكّون من أربع رقُع استكشافية، وتطوير حقل (بلد) النفطي وأي حقول نفطية منتَّجة ورُقع استكشافية أخرى.
وأعرب رئيس الوزراء العراقي؛ “محمد شيّاع السوداني”، الثلاثاء الماضي، في بيان عن ترحيبه بعودة شركة (شيفرون) للعمل مجددًا في “العراق”، مُضيفًا أن الحكومة: “اختطت منهجًا مختلفًا في التعامل مع شركات النفط الكبرى واستثماراتها في العراق، خاصة الأميركية منها”.
وتم توقّيع اتفاقية مباديء بين “وزارة النفط” العراقية وشركة (شيفرون) لتطوير عددٍ من الرُقع الاستكشافية، وثّمن “السوداني” عمل الشركة بنقل التكنولوجيا النفطية لـ”العراق” والمسَّاهمات المجتمعية والسياسات البيئية السليمة التي تنتهجها خلال عملها في المشاريع النفطية.
وقال “السوداني”: “علاقتنا مع الولايات المتحدة علاقة استراتيجية، وقد عملت الحكومة على جذب الشركات للعمل في العراق، بجانب اهتمامها للارتقاء بواقع القطاع النفطي، سواء كان في مجال الإنتاج أو التصفية أو استثمار الغاز المصاحب والغاز الطبيعي، واستخدام أحدث أنواع التكنولوجيا لتطوير هذا القطاع المهم”.
يحتاج لتوازن حساس بين القوى العالمية..
في تعليقه على تلك الخطوة؛ قال الخبير الاقتصادي؛ “صفوان قصي”، في تصريح لـ (إرم بيزنس)، أن توقّيع “العراق” اتفاقية مع (شيفرون) الأميركية يُمثّل خطوة استراتيجية لرفع التصنيف الائتماني وجذب استثمارات في قطاعات مكمّلة كالبتروكيماويات.
لكن في المقابل؛ استفادت الشركات الصينية المستَّقلة من ثغرات العقود الاستثمارية لتعزيز حضورها، وهو ما يمنح “العراق” هامش مناورة، لكنه يضعه أيضًا أمام توازن حساس بين القوى العالمية.
من الخام إلى المشَّتقات..
مشيرًا إلى أن التحول من تصدير الخام إلى إنتاج المشَّتقات النفطية هو الخيار الأذكى لـ”العراق”، إذ يُحقق عوائد إضافية ويوفر أكثر من: (180) مادة تدخل في الصناعات المحلية.
هناك مشروعات مثل (مصفى الفاو) واتفاقيات كبرى مع (توتال) و(إيني) تؤكد هذا التوجه. كما أن استثمار الغاز المصاحب يُمكن أن يحّول “العراق” من بلد يُحرق ثروته يوميًا إلى مصدر للطاقة والكهرباء نحو “أوروبا”.
وبحسّب “قصي”؛ لا يمكن لـ”العراق” أن يبقى أسيّر النفط وحده. مشاريع الطاقة الشمسية والرياح، خصوصًا مع شراكات مع (مصدر) الإماراتية، تُمثّل مسّارًا موازيًا لتقليل الانبعاثات وزيادة الصادرات النفطية عبر تخفيض الاستهلاك المحلي.
معضلة الفساد..
بينما يريى النائب العراقي؛ “سجاد سالم”، في تصريحات لـ (إرم برس)، أن كل هذه المشاريع قد تبقى بلا أثر ما لم يُعالج ملف الفساد، موضحًا أن قطاعات مهمة مثل الضرائب وأملاك الدولة معَّطلة بسبب الفساد المتجذر، ويُشدّد على أن السيّطرة على المنافذ الحدودية وتطبيق الأتمتة الحكومية هما المدخل لتعزيز الإيرادات غير النفطية.
ويعتبر “سالم” أن العقود النفطية نفسها متقدمة وتُراعي المصلحة العراقية، لكن إدارتها داخل نظام سياسي قائم على المحاصصة يجعلها عُرضة للتلاعب.
ويؤكد أن إخراج “وزارة النفط” من دائرة الصفقات الحزبية؛ شرط أساس، لجذب استثمارات حقيقية.
يُشير النائب إلى أن البرلمان صّادق على قوانين استثمارية مهمة، لكن البيئة الاستثمارية ما زالت طاردة بسبب البيروقراطية والابتزاز. ويقترح اعتماد: “النافذة الواحدة” لتسهيّل الإجراءات وتوفير بيئة آمنة وشفافة للاستثمار في قطاعات غير نفطية كالزراعة والتكنولوجيا.
لهذا يقف “العراق” اليوم أمام خيار حاسم؛ إما أن تتحول عقود الطاقة ومشاريع البُنية التحتية إلى قاطرة للتنمية، أو تبقى مجرد عناوين بلا أثرٍ ملموس.
شهادة ثقة في مناخ الاستثمار المحلي..
من جهته؛ يقول الكاتب؛ “عبدالرحمن صلاح”، مدير تحرير منصة (الطاقة)، في مقالٍ له على موقع المنصة، تحت عنوان: “فرص عودة الشركات الأجنبية الكبري لقطاع النفط العراقي”، أن صفقة (شيفرون) تأتي في وقتٍ شديد الحساسية والأهمية لقطاع الطاقة المحلي، خاصة النفط والغاز الذي يشهد تراجعًا على مستوى تطوير البُنية التحتية. فبعد سنوات من انسحاب الشركة الأميركية العملاقة، ضمن موجة انسحاب لكبرى الشركات الأميركية والأجنبية من البلاد، تعود (شيفرون) مرة أخرى إلى “العراق” من بوابة حقل (الناصرية) في محافظة “ذي قار”.
ورغم أن هذا التوقّيع عبارة عن: “اتفاق مباديء” غير مُلزم للطرفين، فإنه يُمثّل لحظة فارقة في مسيّرة قطاع “النفط العراقي”، ونقطة تحول قد تكون تاريخية لهذا البلد، إن أراد حقًا دفع قطاع الطاقة إلى الأمام من خلال استثمارات الشركات الأجنبية العملاقة.
فبعد انسحابها – تحديدًا – من “إقليم كُردستان العراق” قبل (05) سنوات نتيجة ظروف أمنية غير مستَّقرة، يُعدّ وجود (شيفرون) في “العراق” مرة أخرى شهادة ثقة رفيعة المستوى في مناخ الاستثمار المحلي، وقد تكون بوابة لعودة الشركات الأجنبية الكبرى، وخاصة الأميركية، من جديد.
وذكر “صلاح”؛ أنه في مطلع العام الماضي (2024)، غادرت (إكسون موبيل) الأميركية الأراضي العراقية رسميًا، وسلّمت جميع العمليات في حقل (غرب القرنة 1)؛ (يتجاوز إنتاجه: 600 ألف برميل نفط يوميًا)، إلى شركة (بتروتشاينا) الصينية، سبقها مغادرة شركة (شل) العالمية، و(بي. بي) البريطانية.
سيّطرة الشركات الصينية..
وزاد؛ على مدار أقل من عامين، أصبح وجود الشركات الصينية في “العراق”؛ هو العنوان الأبرز والأهم بالنسبة للاستثمار في قطاع النفط والغاز، إذ تحوّل الأمر من: “المنافسة” إلى: “السيّطرة” شبه الكاملة، وسط غياب الشركات الأجنبية التي توالى انسحابها، نتيجة المناخ السياسي والاقتصادي غير المواتي.
فقد استغلت الشركات الصينية غياب نظيرتها الأميركية والعالمية عن المشهد في “العراق”، وقدّمت مزايا لا يمكن بأيّ حال معها المنافسة، خاصة في جولة التراخيص الخامسة التكميلية وجولة التراخيص السادسة، التي أعلنت نتائجها “وزارة النفط”؛ في أيار/مايو 2024.
واقتنصّت (07) شركات صينية أكثر من: (20) ترخيصًا، في حين لم تتمكن أيّ شركة أجنبية أو عربية أخرى من الحصول على أيّ ترخيص، نظرًا لعرض الشركات الصينية أقل نسبة ربح تحصل عليها نظير تطوير الحقول.
ورغم شراء عدّة شركات عالمية – مثل (إيني) الإيطالية و(قطر) للطاقة و(بي. بي) البريطانية – ملف المعلومات الخاص بالرُقع النفطية والغازية المطروحة في الجولتين، فإنها لم تتقدم للمنافسة في النهاية.
وأوضح “صلاح”؛ أنه رُغم هذا الفوز الساحق للشركات الصينية، فإنها لم تتقدم حتى الآن في عمليات الاستكشاف أو الحفر في أيٍّ من الحقول النفطية والغازية التي تحولت إلى محفظتها الاستثمارية، وذلك بحسّب مصادر مطّلعة تحدّث إليها.
ولِمَ لا؛ وأغلب هذه الشركات مثل (زيبك-ZEPC) و(يو. إي. جي-UEG) و(جيو جيد-GEO-JADE)؛ ليست لديه الخبرات العالمية الكافية، والانتشار، لسرعة استغلال رُقع نفطية وغازية شديدة التعقيد، مثل التي توجد في “العراق”؟.
فرصة لتحريك المياه الراكدة..
وعن أسباب هذا التأخير؛ قالت المصادر: “تفاجأنا بوتيرة العمل المتباطئة للغاية، وبعض هذه الشركات لم يتحرك بأيّ جدّية منذ توقّيع العقود معها بعد إعلان نتائج جولتَي التراخيص”.
وعطفًا على ذلك؛ جاء التفاوض لعودة شركة (شيفرون) إلى “العراق” مرة أخرى، في محاولة لتحريك المياه الراكدة، خاصة من خلال حقل (الناصرية) الذي يتميز بإمكانات نفطية واعدة، وفقًا لتصريحات رئيس “شركة نفط ذي قار” الحكومية.
هل تعود الشركات الأجنبية للعراق ؟
إن وجود شركة (شيفرون) في “العراق” مرة أخرى يُمثّل فرصة ذهبية لـ”وزارة النفط” والحكومة عمومًا، وشهادة دولية مهمة، في توقيت حرج، خاصة إذا نجحت الجهود في تحويل اتفاق المباديء إلى اتفاق نهائي للتنقيب والتطوير.
وهذه ليست الصفقة الأولى التي يتحرك “العراق” لإنجازها، خاصة مع الشركات الأميركية، إذ تسعى حكومة رئيس الوزراء؛ “محمد شيّاع السوادني”، إلى توقّيع تفاهمات مع شركات أخرى، في مقدّمتها (إكسون موبيل وكونوكو فيليبس).
هذه التحركات تأتي بعد زيارات أجراها “السوداني” إلى “أميركا”؛ في السنوات الماضية، تبعها جولات قام بها وزير النفط؛ “حيان عبدالغني”، ثم زيارة وفود أميركية إلى “بغداد”.
إلى ماذا يحتاج العراق ؟
لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن.. ما هي الحوافز والفرص الاستثمارية التي سيقدّمها “العراق” للأميركيين أو الشركات العالمية؟
وأوضح “صلاح” إن “العراق” يحتاج إلى تسهيلات استثمارية، وحوافز تشجع الشركات العالمية على ضخ استثماراتها، وفي مقدّمة ذلك صياغة عقود تسمح بالمنافسة، وليس احتكار الشركات الصينية، من خلال نسب تقاسم أرباح عادلة.
كما يحتاج “العراق” فوق كل ذلك؛ إلى ضمان بيئة آمنّة ومستَّقرة، تُحافظ على رأس المال الأجنبي، وتشجع على استقدام الخبرات العالمية، دون مخاوف من وقوع هجمات هنا أو هناك، وأن تتمكن الدولة من بسط نفوذها وإحكام قبضتها الأمنية.
وإذا نجحت الحكومة في كل ذلك، فقد تكون عودة (شيفرون) إلى “العراق” هي البداية فقط لمزيد من الشركات ذات السمعة والخبرة، وفرصة لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية التي من شأنها دعم اقتصاد البلاد، وتوفير فرص العمل لأبنائها.