20 يوليو، 2025 12:57 ص

بتصاعد أحداث السويداء .. إسرائيل تسير نحو تحقيق أهدافها الخفية .. فهل تتمكن من ذلك ؟

بتصاعد أحداث السويداء .. إسرائيل تسير نحو تحقيق أهدافها الخفية .. فهل تتمكن من ذلك ؟

خاص: كتبت- نشوى الحفني:

خلال الثلاثة أيام الماضية؛ شهدت الساحة السورية تصعيدًا عسكريًا وأمنيًا خطيرًا، في محافظة “السويداء” الجنوبية، وشمل تكثيفًا غير مسبّوق للغارات الإسرائيلية، في تطورٍ جديد للتوترات الإقليمية والداخلية التي تشهدها “سورية” بعد سقوط نظام “بشار الأسد” وتشّكيل حكومة انتقالية، بالتزامن مع تساؤلات عن حرص “إسرائيل” على التدخل في “سورية”، رُغم إنهاك جيشها في “غزة”، وبعد حرب استمرت (12) يومًا ضد “إيران”.

أسباب اندلاع الاشتباكات تعود إلى مواجهات عنيفة اندلعت بين قوات الجيش السوري والفصائل المحلية المسلحة من الطائفة الدرزية بالمحافظة، والتي تصاعدت بشكلٍ حاد في محيط مبنى المحافظة وقيادة الشرطة والمستشفى الوطني، وسط استغاثات مدنية وعاملين في القطاع الصحي بعد وصول القتال إلى المشفى.

وأعلن وزير الدفاع السوري؛ “مرهف أبو قصرة”، الثلاثاء الماضي، عن وقف إطلاق النار بالتنسيّق مع زعماء الدروز، إلا أن رئيس الطائفة الدرزية؛ الشيخ “حكمت الهجري”، اتهم القوات السورية بنقض العهد، ودعا إلى التصدي لها، مؤكدًا أن البيان المَّرحب بدخول قوات الجيش والداخلية صدَّر تحت ضغوط من “دمشق” وجهات خارجية، مما يُشيّر إلى أن التوتر لم يقتصّر على خلافات عسكرية فحسّب، بل يمتدّ إلى خلافات عميقة بشأن السيّادة والسلطة على المحافظة.

تصاعد المواجهات..

خلال المواجهات؛ قُتل ما لا يقل عن: (116) شخصًا، بحسّب (المرصد السوري لحقوق الإنسان)، بالإضافة إلى إصابة المئات، مع غياب أرقام دقيقة حتى الآن، وهذه الأرقام تعكس حجم العنف غير المسبّوق الذي تشهده المحافظة.

وبسبب تصاعد الأحداث، أعلنت العشائر العربية في “سورية” النفير العام: لـ”دعم عشائر البدو”، معرَّبة عن قلقها من ما قالت إنه: “جرائم قتل وإبادة” بحق عشائر البدو في محافظة “السويداء”، متهمة فصائل درزية بارتكابها، وهو ما جعل الرئاسة السورية تقوم بإرسال قوات إلى “السويداء”، بهدف فضّ الاشتباكات بين فصائل من الدروز والمسلحين من عشائر البدو.

غارات جوية إسرائيلية..

وبالإضافة إلى ذلك نفذّت القوات الإسرائيلية عدة غارات جوية على أهداف في محافظة “السويداء” ومحيط “المشفى الوطني”، في محاولة للاحتلال الإسرائيلي ردع تقدم الجيش السوري داخل المدينة، والأكثر لفتًا للانتباه كان القصف الإسرائيلي لمقر “هيئة الأركان”، و”القصر الرئاسي” و”وزارة الدفاع” في “دمشق”، أسفرت عن استشهاد (03) أشخاص على الأقل وإصابة العشرات، بينهم نساء وأطفال، قبل إعلان وقف إطلاق النار الهش في “السويداء”.

تهديد إسرائيلي..

وقبل الهجمات المباغتة على قلب “دمشق”؛ قال رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي؛ “بنيامين نتانياهو”، و”وزير دفاعه؛ “يسرائيل كاتس”، في بيان مشترك يوم الثلاثاء،: “تلتزم إسرائيل بمنع إلحاق الأذى بالدروز في سورية، انطلاقًا من عهد الدم الراسخ الذي يجمعهم بمواطنينا الدروز في إسرائيل”.

وردت الرئاسة السورية على الهجمات الإسرائيلية ببيان قالت فيه: “هذه سياسة متعمدَّة من جانب إسرائيل لإشعال التوترات ونشر الفوضى وتقويض الأمن والاستقرار في سورية”، قبل أن يُعلن الرئيس السوري؛ “أحمد الشرع”، الخميس، بأن القوات السورية ستنسحب من “السويداء”.

من هم الدروز ؟

وينتشر الدروز في “سورية ولبنان والأردن والأراضي الفلسطينية المحتلة”. ويعيش حوالي: (150) ألف دُرزي في شمال دولة الكيان العبري، حيث يخدمون في جيش الاحتلال الإسرائيلي بشكلٍ إلزامي، بخلاف (عرب 48). وفي “الجولان” المحتل، يعيش أكثر من: (20) ألف دُرزي ينظرون إلى أنفسهم على أنهم سوريون لا إسرائيليين.

وفي عام 1981؛ انفصلت المجتمعات الدُرزية على جانبي الحدود بين “إسرائيل” و”سورية” عن بعضها البعض، إلا أن سقوط نظام الرئيس السوري السابق؛ “بشار الأسد”، أتاح إمكانية إعادة التواصل.

وخلال اشتباكات هذا الأسبوع؛ اندفع بعض الدُروز في الأراضي التي تحتلها “إسرائيل” عبر الحدود إلى “سورية” – على عكس رغبة الحكومة الإسرائيلية الصريحة – للتعبير عن تضامنهم مع إخوانهم في “سورية”. وبالنسبة للبعض، كانت هذه هي المرة الأولى التي يلتقون فيها بأقارب يعيشون في البلدات المجاورة.

في عام 2019؛ خلال إدارة “دونالد ترمب” الأولى، أصبحت “الولايات المتحدة” الدولة الأولى والوحيدة التي تعترف بسيّادة “إسرائيل” على “مرتفعات الجولان” المحتلة.

وتقول صحيفة (واشنطن بوست) في تقريرٍ لها: “لقد اتخذت إسرائيل من إساءة معاملة الدُروز وقتلهم؛ ذريعة لشّن هجمات من قبل”، وأقرب مثال على ذلك تصعيد “إسرائيل” ضد “لبنان” و(حزب الله)؛ في تموز/يوليو 2024، ردًا على مقتل (12) دُرزيًا سوريًا في صاروخ أُطلق من “لبنان” على ملعب كرة قدم في مرتفعات “الجولان” المحتلة.

ماذا تُريد “إسرائيل” ؟

ويقول موقع (24) الإماراتي؛ إن “إسرائيل” تبَّرر تدخلها في “السويداء” وجنوب “سورية” بعدة أسباب؛ واعتبارات أمنية واستراتيجية إقليمية، وعلى حد مزاعم “تل أبيب”، فإن أول الأسباب منع تموضع القوات السورية هناك، حيث أعلنت القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية، أن التدخل جاء لحماية الطائفة الدُرزية في “السويداء”، زاعمة وجود: “رابطة أخوة عميقة مع الدُروز في إسرائيل” وروابط عائلية وتاريخية مع دُروز “سورية”.

في الوقت نفسه؛ برّرت “إسرائيل” قصفها لمواقع وتحركات الجيش السوري، بأنه رد على: “إدخال قوات وأسلحة بشكلٍ مُخالف لسياسة نزع السلاح المتَّفق عليها جنوب سورية”، حيث تعتبر “تل أبيب” وجود القوات المسلحة السورية جنوب البلاد تهديدًا مباشرًا لمصالحها الأمنية، خصوصًا مع توسّع الاشتباكات وإمكانية انفلات السلاح أو تسلل جماعات معادية إلى الحدود مع “الجولان” المحتل.

ومن الأهداف الإسرائيلية الواضحة؛ فرض منطقة عازلة، وتأمين الحدود الشمالية، حيث تستغل “تل أبيب” تطورات الجنوب السوري كفرصة لإعادة رسم الوضع الميداني في محيط “الجولان”، فضلًا عن تثبّيت منطقة عازلة فعلية تمنع اقتراب أي قوات نظامية أو حليفة لـ”إيران” و(حزب الله) من الشريط الحدودي، وهو الأمر الذي يُثّير تساؤلات حول ترسيّخ وجود عسكري دائم في الجنوب السوري، في استغلال واضح للهشاشة الأمنية والسياسية الراهنة في البلاد.

محاولة لتفتّيت “سورية”..

ويرى الدكتور “طارق فهمي”؛ أستاذ العلوم السياسية بجامعة (القاهرة)، أن التدخل الإسرائيلي في “سورية” يتجاوز مسألة حماية الأقليات أو وضع الدُروز، ويُشير إلى أن هذا التدخل يُمثّل محاولة لتفتّيت الدولة السورية بصورة أو بأخرى، وفتح المجال أمام إقامة دويلات للطوائف المختلفة كالدروز والعلويين والأكراد، مؤكدًا أن المَّخطط الإسرائيلي يهدف إلى تقسيّم “سورية” إلى: “كانتونات”، وهو مشروع قديم جديد يتكرر بشكلٍ أو بآخر.

ويؤكد “فهمي” أن الحكومة الإسرائيلية تُسجل حضورًا كبيرًا في هذا المَّخطط، وإذا نجح مشروع التقسيّم، فسيُفتح المشهد أمام: “الأثنيات كاملة” في الفترة القادمة، وهذا يعني أن الحدود التي ارتُسمت بالدم في “سورية”؛ طوال الحرب والمواجهات الحالية، ستّسمح بمزيد من هذا التدخل، والأمر الأكثر خطورة، وفقًا لـ”فهمي”، هو أن مَّخطط للأقليات تسّعى “إسرائيل” للانتقال به من “سورية” إلى “العراق” ومن “العراق” إلى “تركيا” وغيرهما.

ويختتم “فهمي” تصريحاته بالقول؛ إننا أمام مشهد: “مفتوح لن يقتصّر على دعم الأقلية”، خصوصًا مع عسكرة الأزمة وفشل النظام السوري في إقرار الأمن، موضحًا أن هذا يُعدّ اختبارًا قاسيًا للنظام السوري، لكن تقديراته تُشير إلى أن النظام: “لن يستطيع أن يقوم بأي استراتيجيات مجَّابهة في التعامل مع التدخلات الإسرائيلية في سورية، وخصوصًا مع فتح ملف الأثنيات والعرقيات في هذا البلد”.

طموح استراتيجي متعدَّد الأوجه..

أما “ياسر مناع”؛ الخبير في الشؤون الإسرائيلية، يقول إن التحركات الإسرائيلية المتسَّارعة في “سورية” بعد سقوط نظام “الأسد”؛ تعكس طموحًا استراتيجيًا متعدَّد الأوجه، موضحًا أن تدخل “تل أبيب” يتجاوز مسألة حماية الدُروز إلى أهدافٍ أبعد.

موضحًا؛ إن “إسرائيل” تسّعى لاستغلال الفراغ الأمني لترسيّخ سيّطرتها على الحدود الشمالية عبر إنشاء منطقة عازلة دائمة، وهو ما يتضح من رفضها الالتزام بـ”اتفاقية فك الاشتباك” لعام 1974؛ ودفعها بقواتها نحو “الجولان”.

بناء حزام أمني..

ووفقًا لـ”مناع”؛ يُضاف إلى ذلك سّعي “إسرائيل” لبناء: “حزام أمني” من خلال استمالة الطائفة الدُرزية السورية، ليس فقط كخط دفاع أمامي، بل كحليف موثوق يُمكن الاعتماد عليه في مواجهة أي تهديدات مستقبلية، وهذا الاستقطاب لا يقتصّر على الدعم الإنساني والمالي، بل يمتدّ إلى ربطهم اقتصاديًا وربما عسكريًا بـ”إسرائيل”، ويرى أن هذه السياسة تهدف في النهاية إلى تقويض وحدة الدولة السورية الجديدة وتشجيع النموذج الفيدرالي الذي يٌقسّم “سورية” إلى كيانات إثنية، مما يخدم المصالح الأمنية والاستراتيجية الإسرائيلية في المنطقة.

دور إسرائيلي في تأجيج الوضع..

وفي تحليله للمشهد العام؛ لم يستّبعد العميد “أيمن الروسان”، خبير عسكري واستراتيجي، أن يكون الاحتلال الإسرائيلي قد لعب دورًا مباشرًا في تأجيج الوضع بـ”السويداء”، موضحًا أن: “الصراع الذي ظهر كاشتباك بين ميليشيات دُرزية وعشائر بدوية، قد يكون قد افُتعل من الأساس ضمن خطة مبَّرمجة لاستدّراج الجيش السوري نحو التصعيد الداخلي”.

وأكد أن “إسرائيل” عمدَّت إلى استغلال بعض الفيديوهات المتداولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ والتي توثق ممارسات مسيَّئة أثارت غضب الشارع السويدائي، ومنها مقاطع تُظهر إساءة أحد عناصر العصابات المسلحة لشيخ دُرزي كبير باحترامه، في محاولة لإثارة الفتنة المجتمعية.

لم ينسجم مع أجندات إسرائيلية..

ونوه العميد إلى أن الدولة السورية؛ ربما خالفت التوقعات الإسرائيلية والغربية في طريقة تعاملها مع ملف الجنوب السوري، مشيرًا إلى أن “إسرائيل” قدّمت خلال محادثات جرت في “أذربيجان”؛ ما وصفه: بـ”أجندة تطبيع وسلام”، بينما جاءت الحكومة السورية بأجندة ترتكز على الترتيبات الأمنية والتوافق المحلي، وهو ما قاد إلى خلاف في الطروحات. بحسب قوله.

وأوضح أن هذه الفجوة في المواقف دفعت “إسرائيل”، حسّب تقديره، إلى السّعي لإفشال أي تقارب سوري داخلي، عبر إشعال الأزمات الطائفية والعرقية، وخلق حالة من الفوضى في مناطق حساسة مثل “السويداء”، ما يعكس رغبتها الدائمة في تقسّيم “سورية” وتهديد وحدتها الوطنية.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة