خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في تأكيد جديد منه أثار تنّديد الغرب وزيادة التكهنات؛ أعلن الرئيس الروسي؛ “بوتين”، الجمعة، أن بلاده نقلت مجموعة أولى من الأسلحة النووية إلى “بيلاروسيا”، في ترجمة عملية لما سّبق أن أعلنته “موسكو”؛ في آذار/مارس الماضي، مشيرًا إلى أن “روسيا” لديها: “أسلحة نووية أكثر من حلف الـ (ناتو)”، ومشّددًا: “استخدام الأسلحة النووية ممكن إذا واجهنا خطرًا على أمننا”.
وقال “بوتين”؛ خلال منتدى اقتصادي في “سان بطرسبرغ”؛ (شمال غرب)، نقل التلفزيون الروسي وقائعه مباشرة، إن: “أولى الرؤوس النووية تم نقلها إلى أراضي بيلاروسيا. إنها فقط الأولى. بحلول نهاية الصيف، سنُنجز هذا العمل بشكلٍ كامل”.
وذكر أن: “نشر الأسلحة النووية التكتيكية”؛ في “بيلاروسيا”، كان ثمرة اتفاق أعلن في آذار/مارس مع الرئيس؛ “ألكسندر لوكاشنكو”، الذي وضع أراضي بلاده في تصرف “موسكو” لمهاجمة “أوكرانيا”. واعتبر “بوتين” أن هذا الأمر يُشّكل عنصر ردع: “لمن يُفكرون في إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا”.
تندّيد أميركي..
من جهته؛ ندّد “البيت الأبيض”، السبت، بتصريحات الرئيس “بوتين”. كما نفى “البيت الأبيض” أن تكون “الولايات المتحدة” أجرت أي تعديلات على وضعها النووي؛ ردًا على تصريحات الرئيس؛ “بوتين”.
وردًا على أسئلة الصحافيين على متن طائرة الرئاسة الأميركية، أكدت أيضًا “أوليفيا دالتون”، نائبة المتحدث باسم “البيت الأبيض”، التزام “الولايات المتحدة” بمبدأ الدفاع المشترك لـ”حلف شمال الأطلسي”.
كما أعلن الرئيس الأميركي؛ “جو بايدن”، أن نشر “روسيا” أسلحة نووية تكتيكية في “روسيا البيضاء”: “انعدام كامل للمسؤولية”.
كما قال وزير الخارجية الأميركي؛ “آنتوني بلينكن”، الجمعة؛ إن: “لا سبب” لدى “الولايات المتحدة” لتغيّير وضعيتها النووية بعد قيام “موسكو” بنشر رؤوس نووية في “بيلاروس”، فيما شدّد وزير الدفاع الأميركي؛ “لويد أوستن”، على أن بلاده لن تنجر إلى حرب اختارها الرئيس الروسي.
تواصل خطابها المتهور..
حذر أمين عام “حلف شمال الأطلسي”؛ الـ (ناتو)؛ “ينس ستولتنبرغ”، الجمعة، من أن “روسيا” تواصل خطابها النووي المتهور.
وقال أمين عام الـ (ناتو)، خلال مؤتمر صحافي، إن الحلف لم يشهد أي تغييّر في موقف الترسانة النووية الروسية.
قد تُجبر حلفاء “كييف” على التراجع..
حول تصريحات “بوتين”؛ يقول محللون أميركيون؛ لصحيفة (يو. إس. نيوز) الأميركية، أنها يمكن أن تحمل رأسًا نوويًا عبر “المحيط الأطلسي”.
وبشكلٍ أقل كارثية، ولكن خطر بنفس القدر بالنسّبة لـ”أوكرانيا”، يخشى آخرون من أن مجرد التهديد باستخدام الأسلحة النووية يمكن أن يكون كافيًا لإجبار حلفاء “كييف”؛ في “أوروبا”، على البدء في التراجع عن الدعم القوي لجيشها، خاصة مع بدأ هجوم الربيع.
يقول محللون آخرون للصحيفة الأميركية، إن احتمال استخدام “بوتين” للأسلحة النووية بعيد، لكنه ليس مستحيلاً.
وذكروا إن احتمال اختيار “روسيا” – أو اختيار “بوتين” – لاستخدام الأسلحة النووية مباشرة ضد الغرب منخفض بشكلٍ ضخم.
قالت “كاثرين لولور”؛ كبيرة محللين في “المعهد المستقل لدراسة الحرب”: “لا ينبغي حتى التفكير بجدية في هذا الأمر.. بوتين سيحب ذلك إذا اعتقد القادة الغربيون أنه قد يفعل ذلك”.
ذكرت “لولور”: “ليس لدى بوتين ميول انتحارية”.
وتُضيف أن “بوتين”؛ في النهاية، لا يُريد الحرب مع الـ (ناتو) – لا سيما بالنظر إلى الوضع الحالي للجيش الروسي. “لم يستطع حتى كسّب حرب تقليدية في أوكرانيا”.
نوهت “لولور” إلى أن هذه الظروف يمكن أن تتغير إذا شعرت “روسيا” أنها في وضع دفاعي بشكلٍ مباشر وتحتاج إلى منع: “كارثة شاملة” – وهو سيناريو ذو أهمية متجدّدة في ضوء هجوم “أوكرانيا”.
وقالت: “عليك التفكير في رد الفعل البشري على الاستخدام النووي”، واصفة التأثير على جندي أوكراني شهد سّحابة عيش الغراب بالمدمر للروح المعنوية للقوات الأوكرانية الباقية.
أحد سيوف “بوتين” النووية..
ويقول كاتب الشؤون السياسية في وكالة (بلومبيرغ) للأنباء؛ “أندرياس كلوث”، إن قرار “بوتين” واحد من: “سيوفه النووية”؛ وأبرز أحداثه العسكرية منذ أن هاجم “أوكرانيا”؛ في شباط/فبراير 2022، مشيرًا إلى أنه لا يمكن لحلف الـ (ناتو) أن يترك هذا التصّعيد دون رد. لكن السؤال يكمن بكيفية الرد لا وجوبه.
وبحسّب “كلوث”؛ توقيت “بوتين”: “يكشف كل شيء أعلنه لأول مرة عن نيته تسّليح بيلاروسيا بالأسلحة النووية الروسية؛ في آذار/مارس، وهذا الشهر أخبر ديكتاتوره الأليف في مينسك؛ (ألكسندر لوكاشينكو)، أن الاستعدادات ستكتمل بحلول 08 تموز/يوليو المقبل”، فيما بدأت الرؤوس الحربية بالتواتر على “بيلاروسيا” بعد ذلك مباشرة، ليتزامن وصول: “طلائع السيوف النووية”؛ مع انعقاد قمة الـ (ناتو) الدورية؛ في “فيلنيوس”، 11 و12 تموز/يوليو 2023.
لا شك أن نية “بوتين”؛ هي كشف تأثير قدراته النووية، وهل ستسّاعده في التغلب على اجتماع الـ (ناتو) والسّخرية منه، حيث سيكون هو وحربه العدوانية، بطريقة أو بأخرى: “الموضوع الوحيد”. لبحث الـ (ناتو) رفع هدفه من الإنفاق العسكري، كما يتابع “كلوث”.
وبحسّب (بلومبيرغ)؛ يُريد “بوتين” و”لوكاشينكو” مقاطعة وإفساد إظهار الوحدة والعزم الحلفي في “الأطلسي”؛ ودور “لوكاشينكو” في هذه اللعبة: “ضئيل”، لكنه: “لئيم” أيضًا، ففي الأسبوع الماضي، تفاخر بأن هذه الرؤوس الحربية: “أقوى بثلاث مرات” من القنابل الذرية التي ألقيت على “هيروشيما” و”ناغازاكي”، وأنه لن يتردد في مطالبة “بوتين” بإسّقاطها، لكنه أهمل (لوكاشينكو)؛ أن يذكر أن “بوتين” لن يتشاور معه بأي حال من الأحوال إذا أراد إطلاق أسلحته النووية في أي وقتٍ كان.
تطويق الـ”ناتو”..
ويُكمل “كلوث”: “يُقصد بحركة الرؤوس الحربية القريبة جدًا من الـ (ناتو)؛ أن تكون عملًا من أعمال الإرهاب النفسي، وهناك تكهنات منذ فترة طويلة في الغرب بأن بوتين قد يكون لديه بالفعل أسلحة نووية في كالينينغراد؛ (المكان الروسي المعّزول والمحشور بين بولندا وليتوانيا)، وبالتالي جغرافيًا داخل أراضي الـ (ناتو). وجلب الرؤوس النوية الذرية إلى بيلاروسيا المجاورة، سيُزيل أي غموض لدى أعضاء الـ (ناتو) الشرقيين، وحتى أولئك الذين يتواجدون في وسط أوروبا من أنهم الآن في مرمى نيران أسلحة بوتين”.
ويُضيف كاتب الشؤون السياسية؛ “كلوث”: “يبدو أن الرئيس الروسي يستمتع بالمفارقة التاريخية، في التسعينيات بعد الحرب الباردة، عندما كانت أوروبا والعالم على أمل دخول عصر جديد، بعدما سّلمت جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق؛ بيلاروسيا وأوكرانيا وكازاخستان، طواعية ترسّاناتها النووية إلى روسيا ـ باسم عدم الانتشار في المقابل، حصلوا على ضمانات أمنية من روسيا، وكذلك من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة”.
أعاد سّباق التسّلح عمدًا..
وبالتالي؛ فإن وضع “بوتين” للرؤوس الحربية، مثل غزوه لـ”أوكرانيا”، يُمثل خرقًا لهذه التفاهمات وانعكاساتها، لقد أعاد عمدًا ليس الحرب فقط، بل سّباق التسّلح النووي إلى “أوروبا”، أولاً، بالتهديد باستخدام القنابل النووية، وثانيًا، بتعليق مشاركة “روسيا” في معاهدة (نيو ستارت)، المعاهدة الأخيرة المتبقية لضبط الأسلحة بين “موسكو” و”واشنطن”. والآن عن طريق نقل هذه الأسلحة المدمرة إلى “بيلاروسيا”.
على النقيض من ذلك؛ قلص الـ (ناتو) وجوده النووي في “أوروبا”؛ منذ الحرب الباردة. وفي أوائل السبعينيات، احتفظت “الولايات المتحدة” بحوالي: 7000 سلاح نووي في “أوروبا” وفي الوقت الحاضر، من المُقّدر أن يكون هناك حوالي: 100 فقط. ويتم تخزين هذه الرؤوس الحربية في 06 قواعد في 05 دول حليفة كانت أعضاء بالفعل في الـ (ناتو) خلال الحرب الباردة، هي: “ألمانيا وبلجيكا وهولندا وإيطاليا وتركيا”، مع الإشارة إلى أن العضوين الآخرين في الـ (ناتو)، “المملكة المتحدة وفرنسا”، لديهما ترسّانات ذرية خاصة بهما.
تغييّر الاستراتيجية التقليدية..
وبحسّب الوكالة الأميركية؛ لم تترك عدوانية “بوتين” مكانًا في الـ (ناتو) لضبط النفس، وهي استراتيجية عفا عليها الزمن وفي “قمة فيلنيوس”، من المقرر بالفعل أن يُغير حلفاء الـ (ناتو) استراتيجيتهم التقليدية؛ (بمعنى غير النووية)، من: “الانتقام” إلى: “الإنكار”. في الأولى يعني أن الحلف في رغبته عدم استفزاز (الكرملين)، وأبقى حتى الآن معظم قواته في المؤخرة، ولن يُرسل تلك القوات إلا لاستعادة حلفاء الـ (ناتو) مثل: “إستونيا أو لاتفيا أو ليتوانيا”، إذا تم الاجتياح من قبل “روسيا”. ويعني أنه في المستقبل، ستوقف قوات الـ (ناتو) الاجتياح الروسي عندما يتخطى الجيش حدود أي دولة حليفة.
وعلى نفس النهج؛ يتعين على “الولايات المتحدة” وحلفائها الرد على استفزاز “بوتين” النووي بمنطق: “الردع القديم”، ولكن المثبّت، وسابقًا كان الـ (ناتو) يُرابط صواريخ أميركية في “ألمانيا الغربية”، ليس للتصّعيد، ولكن لحمل “موسكو” على التوقف عن القيام بذلك. اليوم وضع “بوتين” أسلحة نووية في “بيلاروسيا”، فيجب على “أميركا” نقل بعض رؤوسها الحربية إلى دول الـ (ناتو) الشرقية؛ التي تشعر بأنها الأكثر تهديدًا؛ (بولندا ودول البلطيق).
وبحسّب (بلومبيرغ)، إذا كانت هناك أي طريقة لإيقاف “بوتين”، فيجب أن تكون بإرادة من حديد، حتى لو كانت باستخدام السلاح النووي، لقد قام حتى الآن بالعديد من الفظائع، غزو دولة مجاورة لم تُهدده، إلى عمليات تغيّير ديمغرافي وسكاني في “أوكرانيا”، وتدمير “سّد نوفا كاخوفكا”، إلى جانب أكاذيبه المسّتمرة وسّخريته المتواصلة من العالم أجمع.