وكالات – كتابات :
من الذي فاز بنتائج القمة “السعودية-الأميركية”؛ بـ”جدة”، أو نال مكاسب أكبر منها ؟.. يبدو هذا السؤال محورًا للنقاش في “الولايات المتحدة”، مع استمرار الجدل حول زيارة الرئيس الأميركي؛ “جو بايدن”، للمنطقة في ظل انتقادات ديمقراطية داخلية لها.
كانت القمة رفيعة المستوى التي عقدها ولي العهد السعودي؛ “محمد بن سلمان”، مع الرئيس الأميركي؛ “جو بايدن”، هذا الأسبوع، نصرًا عاجلاً للأمير، فهي إيذان صريح بأن عزلته على الصعيد العالمي قد ولَّى زمنها، حسبما ورد في تقرير لصحيفة (وول ستريت جورنال) الأميركية.
أما الرئيس الأميركي، فيتعين عليه الانتظار أسابيع، وربما شهورًا، قبل أن يعرف هو والعالم معه، ما إذا كانت زيارته إلى الشرق الأوسط قد آتت أُكُلها لـ”الولايات المتحدة”؛ أم لم تنفعها بشيء.
هل تحقق هدف “بايدن” الرئيس من القمة ؟
كانت غاية “بايدن” من الزيارة؛ وخاصة القمة “السعودية-الأميركية”، هي عودة العلاقات الأميركية مع منطقة الخليج الغنية بـ”االنفط”؛ لسابق عهدها، بعد خلاف مع القادة السعوديين على إثر انتقاد “بايدن” للبلاد بسبب انتهاكات حقوق الإنسان؛ واغتيال الصحافي؛ “جمال خاشقجي”.
لكن “بايدن” يعود إلى “واشنطن” من غير تقديم السعوديين لتعهدٍ، بزيادة إنتاج “النفط”، وأدهى من ذلك أن كثيرًا من التباشير السياسية الأخرى؛ (مثل زيادة إنتاج النفط)، التي روَّج لها “البيت الأبيض” جاءت محكومة بالتغير التدريجي، أو مفتقرة إلى إجراءات واضحة.
وقال مسؤولون أميركيون إنهم واثقون بأن القمة ستُفضي إلى مزيدٍ من التقدم الملموس، لكنهم أقروا بأن ذلك سيستغرق بعض الوقت في الغالب.
وقال “غوناثان شانزر”، نائب الرئيس الأول للأبحاث في “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات” الأميركية؛ المعنية بمهاجمة “إيران”، إن: “بايدن؛ يُراهن على خطة طويلة الأمد. فهو يُريد إبعاد السعوديين عن الصين، ومن الواضح أنه يُفكر في خفض أسعار النفط على المدى المتوسط إلى الطويل. بالإضافة إلى ذلك، فإنه يرمي بسهم لنفسه في أي اتفاق سلام بين السعوديين والإسرائيليين، بحيث إذا تم الأمر، يكون له نصيب” من هذا النجاح.
يواجه “بايدن” انتقادات عنيفة من الناخبين الأميركيين بسبب زيادة التضخم، ومن ثم فهو يطمع في خفض أسعار “النفط” بالاتفاق مع دول المنبع، خاصة قبيل انتخابات التجديد النصفي لـ”الكونغرس”، المُقررة في تشرين ثان/نوفمبر. ولما كانت أسعار “النفط” زادت زيادة حادة بسبب المخاوف من اضطراب الإمدادات في أعقاب الغزو الروسي لـ”أوكرانيا”، فإن “الولايات المتحدة” تأمل في أن تؤدي زيادة إنتاج “النفط” من الشرق الأوسط إلى إبعاد الدول الأوروبية عن “النفط والغاز” الروسيين.
“السعودية” قللت من احتمالات حدوث زيادة كبيرة لإنتاجها النفطي..
بعد القمة “السعودية-الأميركية”، قال “بايدن” إنه واثق بأن “السعودية” تميل إلى زيادة إمدادات “النفط” في الأسابيع المقبلة، لكن مسؤولين سعوديين خففوا من الثقة التي حملتها تلك التوقعات، وأكدوا أن المملكة ستفعل ما هو مطلوب لتحقيق التوازن في سوق “النفط” إذا كان وقع نقص في المعروض.
وقال مسؤولون سعوديون إن أي إجراء بخصوص إنتاج “النفط” يحتاج إلى التنسيق مع بقية مُنّتجي “النفط” في تحالف (أوبك+)؛ الذي يضم “روسيا”. وبما أن الاتفاقية الحالية لـ (أوبك+) ينتهي أمدها في نهاية آب/أغسطس المقبل، فإن السعوديين والروس هم الموكلون باتخاذ القرارات الحاسمة بشأن الإنتاج خلال الشهر المقبل.
إذا أسفر اجتماع (أوبك+) في نهاية المطاف؛ عن تزحزحٍ طفيف من السعوديين عن موقفهم بشأن زيادة إنتاج “النفط”، فالأقرب أن تزداد الانتقادات لـ”بايدن” في “الولايات المتحدة”، خاصة أنه يعُاني بالفعل انخفاضًا في معدلات التأييد، ومصاعب عديدة بشأن ارتفاع الأسعار، واستياء كثيرين داخل حزبه (الديمقراطي) بسبب التعثر في تنفيذ برنامجه التشريعي وعجزه عن تقويض قرار “المحكمة العُليا” بشأن إلغاء حق الإجهاض.
“بايدن” قال إنه طرح قضية “خاشقجي” !
حاول “بايدن” أن يستبق توبيخ الديمقراطيين بشأن قرار السفر إلى المملكة، فقال للصحافيين بعد اجتماعه بالمسؤولين السعوديين؛ إنه استحضر قضية مقتل “خاشقجي” في أثناء اجتماعه مع ولي العهد. ومع ذلك، شكك بعض الديمقراطيين في جدوى المساعي الدبلوماسية للرئيس الأميركي.
وفي معرض الإشارة إلى السلام بالقبضة بدلاً من المصافحة بين “بايدن” وولي العهد السعودي، كتب النائب الديمقراطي؛ “آدم شيف”، تغريدة يوم الجمعة 15 تموز/يوليو، قال فيها: “إذا احتجنا يومًا إلى تذكير مرئي بالقبضة (الهيمنة) المستمرة التي يتمتع بها المستبدون الأثرياء بالنفط على السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فقد حصلنا على هذا التذكير اليوم. تبادل قبضةٍ واحد يوازي ألف كلمة”.
لا جديد استثنائيًا في “اليمن”..
مع ذلك؛ أسفرت زيارة “بايدن” إلى المملكة عن إحراز بعض التقدم في عدة قضايا بارزة، منها نقل السيادة لـ”السعودية” على جزيرتين إستراتيجيتين في “خليج العقبة” باتفاقٍ يُشير إلى تنامي الثقة بين “إسرائيل” ودول عربية عديدة. كما وافقت “السعودية” على رفع القيود المفروضة على عبور الطائرات التجارية الإسرائيلية فوق المملكة.
لكن نتائج التحركات السياسية الأخرى جاءت غامضة، فقد أعلن “البيت الأبيض” أن “السعودية” أبدت إلتزامها بتمديد وقف إطلاق النار المُقرر في “اليمن” بوساطة من “الأمم المتحدة”، مع أن “الرياض” لم تُصّدق على ذلك علنًا حتى الآن، ولم توضح إدارة “بايدن” مدة التمديد، والموعد المرجو لإجراء مزيدٍ من المحادثات بشأن الأمر.
وبعيدًا عما قالته “الولايات المتحدة” بأن السعوديين سيعملون على تسوية الشؤون المتعلقة بالحرب في “اليمن”، وهو أمر كانت “السعودية” تمضي فيه بالفعل، فإن “البيت الأبيض” لم يتناول أي تنازلات محددة وافق عليها السعوديون خلال اجتماعات القمة فيما يتعلق بحماية حقوق الإنسان.
ليسوا في عجلة بشأن “ناتو الشرق الأوسط”..
ومع أن “الولايات المتحدة” قالت إنها ستُسرِّع جهود تعزيز الدفاع الجوي في الشرق الأوسط، فإن الخلافات بشأن الأمر بين الدول المجتمعة في “جدة” ثبَّطت المساعي الرامية إلى تحقيق تقدمٍ جوهري في التعاون الإقليمي، ولم تنجح إدارة “بايدن” في الحصول على إلتزام من السعوديين بدمج “إسرائيل” رسميًا في منظومة دفاعية مشتركة، وهي القضية التي أُفردت لها مناقشات خاصة مكثفة قبل الرحلة.
وقال وزير الخارجية السعودي؛ الأمير “فيصل بن فرحان”، بعد القمة، إنه: “لم يُطرح بتاتًا أي نوع من التعاون العسكري أو التقني مع إسرائيل” خلال الاجتماعات.
على الجانب الآخر؛ كانت فوائد الزيارة جليَّة للسعوديين على الفور، فمنذ اللحظة التي وصل فيها “بايدن” إلى القصر الملكي في “جدة”، قرع المسؤولون السعوديون الطبول وتغنوا في حماس بأن الاجتماع دليل بازغ على عودة نفوذ ولي العهد. وانتشرت في وسائل الإعلام الحكومية صور الزعيمين الأميركي والسعودي ولقطات فيديو لهما معًا.
وقالت الأميرة “ريما بنت بندر”، سفيرة السعودية في “واشنطن”، إن الزيارة واجتماع الزعيمين يُشيران إلى: “إمكانية التعجيل بحل الأمور، لأن العلاقة شخصية، ولطالما حظيت المملكة تاريخيًا بعلاقة شخصية مع رئيس الولايات المتحدة. ومن ثم، فالمسألة لا تتعلق بطي صفحة ماضٍ ما، بل تتعلق بتعزيز العلاقة بين الجانبين”.
“ابن سلمان” قدم درسًا وعظيًا مضادًا لـ”بايدن”..
أما فيما يتعلق باستحضار “بايدن”؛ لجريمة قتل “خاشقجي”، خلال الاجتماع الخاص مع ولي العهد السعودي، فقد قال مسؤولان سعوديان مطلعان إن؛ الأمير “محمد بن سلمان”، ردَّ على “بايدن” بالإحالة إلى ما وصفه باحتجاجات أميركية ضعيفة على كثير من الانتهاكات الأخرى لحقوق الإنسان، واستدعى ولي العهد أمثلة منها: تعذيب الجيش الأميركي لمعتقلي “سجن أبوغريب”؛ في “بغداد”، قبل نحو عقدين، ومقتل الصحافية الفلسطينية الأميركية؛ “شيرين أبوعاقلة”، بالرصاص في وقت سابق من هذا العام؛ خلال مداهمة إسرائيلية لـ”الضفة الغربية”.
وزعم المسؤولان السعوديان أن ولي العهد السعودي قال لـ”بايدن” إن “الولايات المتحدة” لا يمكنها فرض قيمها على الدول الأجنبية، مثل “السعودية”، واستدل بما آلت إليه مساعيها السابقة من حروب فاشلة في “العراق” و”أفغانستان”.
السعوديون أحاطوا الزيارة بسياج صارم..
بالإضافة إلى ذلك؛ لم يتوانَ السعوديون عن التعبير عن غضبهم الشديد، بعدما سأل مراسل أميركي؛ الأمير “محمد بن سلمان”، إذا كان سيعتذر لعائلة “خاشقجي”. ونشرت حسابات سعودية على مواقع التواصل الاجتماعي صورًا لولي العهد وهو يبتسم، فيما يُصيح المراسل الأميركي بسؤاله، ووصفت الابتسامة المصطنعة بأنها علامة تحدٍّ من الأمير “محمد بن سلمان”، وأن “بايدن” جاء إلى “جدة” ليطلب: “العفو” بعد تعهده السابق بنبذ المملكة، حسب الصحيفة الأميركية.
اتخذ المسؤولون السعوديون تدابير أخرى لإبعاد الأمير عن المواقف المُحّرجة، فأصدر الديوان الملكي تعليمات لموظفيه بعدم السماح للمراسلين بإحضار معدات الإرسال أو الميكروفونات المحمولة إلى غرفة الاجتماع. وهكذا، لم يتمكن الصحافيون الأميركيون من سماع الملاحظات الموجزة من “بايدن” وولي العهد خلال الجزء المفتوح لوسائل الإعلام. وعندما بدأ الصحافيون في طرح الأسئلة على الأمير “ابن سلمان”، قطعت قناة (العربية) السعودية البثَّ المباشر.