خاص : ترجمة – آية حسين علي :
لم يعد المجتمع الروسي صامتًا أو رافضًا للاحتجاج، ورغم أن موجة الاحتجاجات التي اندلعت في 2011 و2012 للتعبير عن رفض الشعب لتزوير الانتخابات؛ لم تنجح في تحقيق أهدافها، إلا أنه منذ ذلك الحين إزداد عدد المسيرات والوقفات والتعبير عن الاعتراض، كما أن منظمات للدفاع عن البيئة والحيوانات وحقوق المرأة، رغم كونها لا تزال هزيلة وضعيفة، إلا أنها شكلت نسيج اجتماعي متمرد.
وبينما بدأت تبرز نظرة ناقدة خجولة في عيون الشعب انتشرت، خاصة على “الإنترنت”، استخدمت السلطات سلاح القوانين التي تُفصل على أعين الحكومة من أجل محاربة هذا الشعور ومظاهره، وتسعى الحكومة إلى خنق أي نوع من أنواع الاحتجاج أو المعارضة، سواء في الشوارع أو على الشبكة العنكبوتية، التي لم يستطع “الكرملين” السيطرة عليها أبدًا، وصممت مجموعة من المواد والقوانين شبيهة بتلك التي تلاحق الخطاب الذي يدعو إلى الكره أو التشدد، لكنها فضفاضة لدرجة أنه يمكن استخدامها لتجريم أي تصرف يقوم به أي شخص يدعو إلى الاحتجاج.
التحريض على نشر الكراهية..
بهذه الطريقة؛ أصبحت، “ماريا موتزنايا”، (23 عامًا)، في نظر القانون متشددة وخطيرة، بعدما نشرت مجموعة من الصور على موقع (فكونتاكتي) الروسي، الشبيه بـ (فيس بوك)، تظهر أحدها 3 راهبات بينما يدخنون سيجارة، وصورة أخرى تظهر مجموعة من الأشخاص يمشون في شارع مليء بالوحل وكتبت تعليقًا عليها: “روسيا بها مشكلتين”، وعلى إثره وجهت لها تهمًا بالإرهاب ونشر الكراهية وجرح مشاعر المؤمنين.
وذكرت “موتزنايا”، لصحيفة (الموندو) الإسبانية؛ في لقاء عن طريق “الفيديو كونفرانس”: “لقد كنت ضحية لموقف سيرالي، لقد حضرتك الشرطة إلى منزلي، وأخذت كل الأجهزة الإلكترونية الخاصة بي”، وشددت “موتزنايا” على أن ما حدث لها يمكن أن يمر به أي شخص آخر، وأنه من الواضح أن السلطات تحاول إسكات أصوات الأجيال المقبلة من الناخبين.
والآن بعد مرور عام ونصف على النظر في القضية، تعرضت فيها لإعتداءات منظمة، واختبرت فيها مشاعر الخوف من السجن لمدة قد تصل إلى 6 أعوام ونصف العام، أغلقت القضية، وغادرت الفتاة “روسيا”.
وتعتقد الناشطة أن القضية جاءت بسبب دعمها للمحامي والناشط الروسي، “أليكسي نافالني”، الذي ينشر تدوينات معارضة للفساد، وترى أن تطبيق قانون منع الخطاب الذي يدعو إلى الكره، معها، كان مجرد مبرر من أجل إسكاتها.
قانون فضفاض..
بعد عدة أشهر شهدت الكثير من القضايا المماثلة، تم تعديل القانون المثير للجدل، لتصبح العقوبة واجبة بعد إرتكاب الشخص للخطأ للمرة الثانية، وأشارت “إكتارينا فونوكوروفا”، من “مركز حقوق الإنسان”، إلى أن: “القانون فضفاض للغاية؛ ولا يُعتبر واضح لدرجة أنه يمكن استخدامه من عدة جهات”.
وخلال 7 أعوام فقط؛ تزايدت أعداد القضايا الشبيهة بقضية “موتزنايا”، التي وجهت فيها تهم التشدد إلى المتهمين، وارتفعت من 656، عام 2010، حتى 1521، خلال 2017.
ومن بين القوانين؛ قانون يجبر تطبيقات الرسائل على تسليم البيانات الشخصية للمستخدمين للسلطات، ويوقع جرائم على من ينظمون مسيرات معارضة يشارك فيها صغار، وتنطلق دون الحصول على تصريح، ويناقش البرلمان، خلال هذه الفترة، قانون يستهدف – في جوهره – تجريم عدم احترام الحكومة أو العلم أو الرئيس أو السلطات.
اعتقالات بالجملة..
خلال احتجاجات عام 2010؛ طبقت الحكومة تمييزًا واضحًا بين النشطاء المعارضين مثل، “أليكسي نافالني”، والتابعين لهم، والمواطنين العاديين، ويشهد هذا السلوك تعمقًا كبيرًا في ظل وجود القوانين الجديدة، وخاصة مع تزايد حالة عدم رضا الشعب بسبب الأزمات الاقتصادية والإصلاحات الاجتماعية، مثل الخاصة بأصحاب المعاشات، والتي أدت إلى خروج آلاف من الروس لم يشاركوا من قبل في مظاهرات، وعمت المسيرات المدن الروسية في حين قابلتها الحكومة باعتقال المئات.
وفي إحدى المسيرات، التي خرجت في 9 أيلول/سبتمبر الماضي، وصل عدد المعتقلين إلى 900 شخص، من بينهم، “إيكاترينا إفانوفا”، (14 عامًا)، وهي طالبة في الصف الثامن، وأرسلت إلى لجنة تربوية تأديبية.
تدمير الديموقراطية من أجل الأمن..
صرح العضو في المجلس الفيدرالي لحركة (روسيا مفتوحة)، “ألكسندر سولوفوف”، بأن: “الحكومة في روسيا أوتوقراطية، تدمر كل المؤسسات الديموقراطية شيئًا فشيئًا تحت مبرر الحفاظ على الأمن، وتريد السيطرة على كل ما يمكن أن تكون له سيطرة على أي مجال من مجالات الحياة أو يغذي النسيج المجتمعي للناخبين الذين يعملون عقولهم”.
وأنشأت الحركة على يد رجل الأعمال الروسي المعارض، “ميخائيل خودوركوفسكي”، الذي نُفي إلى “لندن”، وهو من يقوم بتمويلها، وتستهدف تعزيز المشاركة السياسية، خاصة على المستوى المحلي، لذا فهي تجمع كل العوامل التي تجعلها تحت أعين الحكومة، وتعتبر “منظمة غير مرغوب فيها”؛ وهو وصف قانوني يُطلق على المنظمات الأجنبية التي تضع ضمن أهدافها التحريض على الاحتجاج وتكدير الاستقرار السياسي، أو تشكل تهديدًا على الأمن الوطني، ومنذ عدة أسابيع وجهت تهمة التعاون مع منظمة غير مرغوب فيها لأول مرة لإحدى أعضاءها هي، “أناستاسيا شيفشينكو”، وفرضت عليها الإقامة الجبرية وتواجه حكمًا بالسجن لمدة 6 أعوام.
ولفتت قضية “شيفشينكو” إنتباه منظمات المجتمع المدني الروسية والدولية واعتبرتها تهديدًا ومثالاً على الطريقة التي يستخدم بها القانون من أجل تخويف وملاحقة الناشطين المناهضين للفساد وتزوير الانتخابات وإنتهاكات حقوق الإنسان.
وأشارت مديرة منظمة العفو الدولية لأوروبا الشرقية وآسيا الوسطى، “ماري ستروزرس”، إلى أنه: “خلال السنوات الماضية؛ قامت السلطات الروسية بتجريم الاحتجاج بشكل متلاحق”.