وكالات – كتابات :
نشرت مجلة (غاكوبين) الأميركية؛ مقالًا، لـ”سبينسر بيتسون”، أستاذ العلوم السياسية المساعد في جامعة “بوسطن”، ناقش فيه بعض المشكلات التي يواجهها الفقراء في “الولايات المتحدة”، مؤكدًا أن واضعي الدستور الأميركي عمدوا إلى تهميشهم وإقصائهم من عملية وضع السياسات واختزلوا دورهم في اختيار مُمثِّلين لهم.
يطرح الكاتب، في مستهل مقاله؛ سؤالًا: لماذا يلوم كثيرٌ من دراسي وخبراء السياسة؛ الفقراءَ على فقرهم ؟
ويجيب الكاتب مستشهدًا بما يقوله، “دانييل تريسمان”، العالم السياسي في جامعة “كاليفورنيا”، في “لوس أنغلوس”، في مقال كتبه تحت عنوان: (لماذا لا يُدلي الفقراء بأصواتهم على استغلال الأغنياء ماليًّا)، إنه: “في ظل الديمقراطية، يجب أن يُصحِّح التفاوت في الدخل مساره بنفسه من الناحية النظرية. وينبغي أن تُدلي الأغلبية الفقيرة بأصواتها فيما يتعلق بفرض الضرائب على الأغنياء وتقسيم العائدات الناتجة فيما بينها. ولكن لا يحدث هذا الأمر في الولايات المتحدة”.
ومع أن “تريسمان” يُشير إلى أن هناك عددًا من العوامل التي ربما تُفسِّر هذا اللغز الواضح، إلا أنه يُركِّز على الجهل السياسي الذي يتَّسم به الفقراء، وتصوراتهم الخاطئة بشأن التفاوت الاقتصادي: و”رغبة الملايين في النظر إلى أنفسهم باعتبارهم يزيدون أو يقلِّون عن المعدلات المتوسطة”.
الفقراء تحت مظلة الديمقراطية التمثيلية..
وأشار “بيتسون” إلى أن كثيرًا من خبراء علوم السياسة الآخرين؛ يسوقون حُججًا مماثلة، ويُرجِعون التفاوت الاقتصادي إلى السلوك الانتخابي وتصرُّفات الفقراء. على سبيل المثال، يدَّعي “إيان شابيرو”، عالم السياسة في جامعة “ييل”، أن معظم الفقراء لا يريدون أن يتكبَّد الأثرياء فاتورة ضريبية أعلى؛ لأنهم لا يوازنون أنفسهم بالأثرياء، ولكن يوازنون أنفسهم بأولئك الأقرب إليهم في النظام الاجتماعي.
ولكن كما أوضح الكاتب، في كتابه الذي سيُصدر قريبًا؛ بعنوان: (المواقف الطبقية في أميركا)، تقوم هذه الحُجَج على أساسٍ هش: ذلك أنها تفترض أن الفقراء يتمتعون بفرصة التصويت المباشر على إمكانية أن تفرض البلاد ضرائب أعلى على الأغنياء. وفي الحقيقة، وفي ظل الديمقراطية التمثيلية، يُدلي المواطنون بأصواتهم للسياسيين، ويتولى السياسيون مسؤولية وضْعِ السياسة. وليس هناك ما يضمن أن يفعل السياسيون ما يُريده عامة الناس.
وبدلًا من إلقاء اللوم على الفقراء بسبب التفاوت الاقتصادي، لعلَّه من الأجدى أن ننظر إلى ما يحدث عندما يُسمح فعليًّا للجمهور بالإدلاء بأصواتهم مباشرةً على الزيادات الضريبية.
مبادرات حكومية للناخبين الفقراء..
ويضيف “بيتسون”: في السنوات الأخيرة، أعطى عدد من المبادرات الحكومية، الناخبين، الفرصة لزيادة العبء الضريبي على أصحاب الدخل المرتفع. وفي معظم الحالات، (وليس كلها)، حققت هذه التدابير نجاحًا. وفي عام 2016، وافق ناخبو ولاية “مين” الأميركية على إقرار ضريبة إضافية بنسبة: 3% على أولئك الذين يكسبون أمولًا أكثر من: 200 ألف دولار. وفي العام ذاته، أدلى سكان ولاية “كاليفورنيا” أيضًا بأصواتهم على زيادة الضرائب على الأغنياء.
ويرى الكاتب الأميركي؛ أن المستقبل يَعِد بتحقيق مزيد من هذه التدابير المماثلة. على سبيل المثال، من المقرر أن يُدلي سكان ولاية “ماساتشوستس” بأصواتهم على تعديل دستوري يقترح زيادة الضرائب المفروضة على الأرباح التي تزيد عن مليون دولار في وقتٍ لاحقٍ من هذا العام. ويًشير استطلاع أُجري مؤخرًا إلى أن ثلاثة أرباع الناخبين المُسجَّلين في الولاية يؤيدون هذا التعديل.
ولا يمكن أن نعرف على وجه الدقَّة؛ كيف سيُدلي السكان خارج هذه الولايات، ذات الميول الديمقراطية، بأصواتهم على تدابير مماثلة. ولكن تُظهِر دراسات استقصائية أُجريَت على عيِّنات تمثيلية على الصعيد الوطني من الأميركيين باستمرار أن الأغلبية الفقيرة تريد أن يدفع الأغنياء مزيدًا من الأموال. ومن المرجح بصفة خاصة أن يدعم الأميركيون الفقراء فَرْض ضرائب أعلى على الأغنياء.
ما المشكلة الحقيقية التي يواجهها الفقراء في “أميركا” ؟
ويوضح “بيتسون” قائلًا: وبعبارة أخرى، لا تكمن المشكلة في أن الفقراء يعارضون زيادة الضرائب على الأغنياء. ولكن تتمثَّل المشكلة في أن إرادتهم لا تُشكِّل أهمية في غالب الأحيان. وكما خلُص، “مارتن غيلنس”، الأستاذ في جامعة “برنستون”، في أحد مقالاته المؤثرة، يكاد لا يكون للأميركيين الفقراء، بل وحتى الأميركيين من الطبقة الوسطى، أي رأي فيما يتعلق بالسياسة العامة؛ عندما تختلف آراؤهم عن آراء نظرائهم الأثرياء.
وينتهي “غيلنس”؛ إلى أن: “التأثير في النتائج الفعلية للسياسة؛ يبدو مقتصرًا على مَنْ يتربَّعون على عرش توزيع الدخل”.
ولنأخذ على سبيل المثال مشروع قانون فَرْض الضرائب، الذي قدَّمه “الحزب الجمهوري”، وأقرَّه “الكونغرس”، في كانون أول/ديسمبر الماضي. ونظرًا لأنَّه يُمثِّل تحوُّلًا هائلًا للثروة إلى القمة، لم يحظَ القانون بشعبية على مدار التاريخ. وإذا كانت النتيجة تتوقف على الرأي العام، لكان مصيره إلى مهبِّ الريح. ولكنَّ “الكونغرس” وافق عليه ومرَّره.
ويتعلق جزء من هذه المشكلة باتِّساع فجوة التفاوت في الدخل؛ وقوة فئة الجهات المانحة. ولكن حظي هذا الإجراء أيضًا بدعم النظام السياسي الأميركي منذ البداية؛ إذ قلَّل واضعو الدستور عن عمد من نفوذ المواطن العادي من خلال اختزال إسهاماته في إطار انتخاب مُمثِّليه.
وجادل “جيمس ماديسون”، (رابع رئيس للولايات المتحدة)، بأن “الكونغرس” يجب أن: “يُوسِّع نطاق وجهات النظر العامة من خلال تمريرها عبر وسيطٍ متمثِّل في هيئةٍ مختارةٍ من المواطنين”، أي مُمثِّلي “الكونغرس”.
وأعرب “ماديسون” عن أمله في أن يواصل هؤلاء المسؤولون المنتخبون وَضْع سياسات: “تتمتع بمزيد من التوافق مع الصالح العام؛ أكثر من السياسات التي ربما قدَّمها الأميركيون أنفسهم، واجتمعوا لهذا الغرض”. وأعتقد “ماديسون” أن المُمثِّلين لن يتَّبِعوا الرأي العام وأعتقد أن هذا قرار صائب.
نفوذ غير مشروع..
ويُشير الكاتب إلى أن واضعي الدستور أعربوا عن قلقهم على نحوٍ خاص من أن الفقراء ربما يكون لديهم نفوذ غير مشروع على السياسة العامة.
وكما يُشير عالما الاجتماع: “مايكل ديلي كاربيني” و”سكوت كيتر”: “عَمَدَ واضعو الدستور إلى مساواة الوضع الاجتماعي والاقتصادي بالقُدرة المدنية”؛ وطمأن “ألكسندر هاملتون”، (أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة وأحد مُفسِّري الدستور الأميركي)، قُرَّاءه؛ بأن الهيئة التشريعية الوطنية: “ستتألف بالكامل تقريبًا من مالكي الأراضي والتُجَّار وأعضاء المهن المُكتسَبة من خلال التعليم”.
ولو كان “هاملتون” على قيد الحياة اليوم، لربما كان سعيدًا بمعرفة أن أصحاب الملايين يمثِّلون الأغلبية في “الكونغرس” ويمثِّلون الأغلبية في المحكمة العليا. كما سيطروا على تِسْع من آخر: 13 ولاية رئاسية. ولكن بطريقة أو بأخرى، لا يزال كثيرون يلومون الفقراء على افتقارهم إلى التأثير في النظام السياسي، على الرغم من أن النظام مُصمَّم للحد من نفوذهم.
هل يرفض الفقراء زيادة الضرائب على الأغنياء ؟
صحيح أن حقوق الانتخاب لم تُعد مقصورة على ملاك الأراضي من الذكور البيض. وصحيح أيضًا أن كثيرًا من الفقراء لا يشاركون في وَضْعِ السياسات الانتخابية. ولكن لا يعني هذا أنهم يرفضون دعم زيادة الضرائب على الأغنياء. وبدلًا من ذلك، شعر كثيرون بالإمتعاض بسبب خبراتهم مع الحكومة، لا سيما مع نظام الرعاية الاجتماعية، أو حُرِموا تمامًا من الإدلاء بأصواتهم بسبب السجن أو الإدانات الجنائية.
ويختتم الكاتب الأميركي؛ مقاله بطرح سؤال: لماذا لا يُدلي الفقراء بأصواتهم على استغلال الأغنياء ماديًّا ؟
ويجيب: هذا سؤال سهل الإجابة: لأنهم لم يُمنَحوا هذا الخيار. ولعلَّ السؤال الأفضل هو: “كيف يمكن أن يحصل الفقراء على مزيد من السلطة والنفوذ” ؟