بالآلة العسكرية وتسونامي الديون العالمية .. “فورين بوليسي”: الدولار الأميركي سيظل سيد العالم !

بالآلة العسكرية وتسونامي الديون العالمية .. “فورين بوليسي”: الدولار الأميركي سيظل سيد العالم !

وكالات – كتابات :

على عكس ما كان متوقعًا، يبدو أن 2022 هو عام “الدولار”، فلرمز الهيمنة الأميركية عناصر قوة لا تتوفر لغيره من العُملات، فإلى أين تتجه محاولات “الصين” و”روسيا” لإنشاء نظام مالي عالمي جديد ؟.. بحسب تقارير دعائية أميركية.

مجلة (فورين بوليسي) الأميركية تناولت قصة “الدولار”؛ في تحليل عنوانه: “العالم يشهد كيف يعمل الدولار حقًا”، ألقى الضوء على كيفية تعبير عام 2022 عن قوة “الدولار” حقًا، واصفًا تلك القوة بأنها تجلت بشكل علني لا يمكن إنكاره، رغم معاناة الاقتصاد العالمي من تلك الهيمنة الأميركية.

ففي الربيع، أظهرت العقوبات المالية التي فُرضت على “البنك المركزي الروسي”، في أعقاب الهجوم الروسي على “أوكرانيا”، الذي تصفه “موسكو” بأنه عملية عسكرية خاصة؛ ويصفه الغرب بأنه غزو، مدى قوة النفوذ المالي لـ”الولايات المتحدة”، خاصة عندما يجري ذلك بالتعاون مع شركاء “أميركا” الأوروبيين. إذا قمت بتصدير أكثر بكثير مما تستورده، وبالتالي تمتلك احتياطيات ضخمة من العُملات الأجنبية – مثل: 500 مليار دولار في حالة “روسيا” – فلا يوجد مكان آخر للاحتفاظ بهذه العُملات بخلاف “الدولار” أو “اليورو”. وإذا تعلق الأمر بالمواجهة، فهذا يضعك تحت رحمة السلطات المالية لـ”الولايات المتحدة” وشركائها في التحالف. والـ (ناتو) يكشف عن نفسه كقوة مالية.

إلى متى تستمر قوة “الدولار” عالميًا ؟

لقد نجحت “روسيا”، حتى الآن، في اجتياز العاصفة، ولكن للقيام بذلك كان عليها إغلاق نظامها المالي في وجه العالم الخارجي. لقد تقلصت وارداتها بالكاد إلى أكثر من نصف مستواها قبل الأزمة.

عندما طُبِّقَت العقوبات، أثارت الصدمة التي تعرضت لها “روسيا” التساؤل حول إمكانية استمرار النظام النقدي الذي يمنح “الولايات المتحدة” مثل هذه القوة الأحادية الجانب.

من المؤكد أن “روسيا والصين والهند” سوف تتطلع إلى بناء نظام عُملة بديل. قد يكون هذا بالعُملة الصينية، وسوف يتركز على تبادل السلع الأساسية. قد يكون أحد النماذج هو نوع الصفقة التي تم التوصل إليها مؤخرًا بوساطة مُنتج أسمنت هندي رائد، دفع ثمن واردات الفحم الروسي بالعُملة الصينية.

مثل هذا النظام من شأنه أن يضمن الاستقلال عن “الولايات المتحدة”. لكن الأمر سيستغرق سنوات، إن لم يكن عقودًا، للوصول إلى نطاق كبير؛ بحسب مزاعم التقرير الأميركي. علاوة على أنه يعتمد على النقص المستمر في المواد الخام الرئيسة، ما يجعل من المُثير للاهتمام توثيق العلاقات المتميزة بين العملاء والموردين، والنمو المستمر للاقتصاد الصيني، ما يجعله يبدو وكأنه بطل المستقبل الاقتصادي.

ليس من المضمون استمرار هذه الاتجاهات. من وجهة نظرنا الحالية، بعد ستة أشهر من بداية الحرب في “أوكرانيا”، يبدو المستقبل خارج “الدولار” بعيدًا أكثر من أي وقت مضى. مع تباطؤ الاقتصاد العالمي، أصبحت أسعار السلع الأساسية بعيدة عن ذروتها. لا يزال هناك طلب فائض على “النفط والغاز والفحم”، لكن السلع الأخرى مثل خام الحديد أصبحت رخيصة. فبدلاً من تأكيد هيمنتها كمركز بديل للاقتصاد العالمي، تشهد “الصين” نزيفًا في رأس المال الأجنبي بمعدل أسرع حتى مما شهدته فترة الأزمة: 2015 -2016، بحسب إدعاءات (فورين بوليسي).

ومع تضاؤل ​​الحديث عن منافسين لنظام “الدولار”، فإن ما يُهيمن على دورة الأخبار الاقتصادية العالمية في منتصف عام 2022؛ هو وجه آخر للقوة المالية الأميركية: تشديد سياسة “الاحتياطي الفيدرالي” استجابة للتضخم وارتفاع “الدولار” الأميركي. وهذا يُغير الظروف التي يعمل في ظلها الاقتصاد العالمي بأسره، ليس من خلال التدخلات القانونية أو الجيوسياسية، ولكن من خلال قيم العُملات وأسعار الفائدة والطلب والعرض على الائتمان. هذا الوجود الشامل لـ”الدولار” هو الذي يعتمد عليه النفوذ العلني للعقوبات المالية في نهاية المطاف.

ما أسرار قوة “الدولار” ؟

نظام “الدولار” هو شبكة تجارية ومالية في المقام الأول. تلعب القوة السياسية والعسكرية دورًا في ترسيخ الهيمنة العالمية لـ”الدولار”. من الصعب أن نتخيل أن ديون الخزانة الأميركية لها المكانة التي تتمتع بها في الاقتصاد العالمي إذا لم تكن مدعومة في نهاية المطاف من قبل القوة العسكرية البارزة في العالم؛ كما يقرر التقرير الدعائي الأميركي.

لكن الدافع الأغرب لاعتماد “الدولار”؛ كعُملة رئيسة للتجارة والتمويل، هو أن السيولة بـ”الدولار” وفيرة ورخيصة، والعُملة مقبولة عالميًا. هذا هو السبب في أن ما يقرب من: 90% من جميع تداولات العُملات -معدل دوران يومي قدره: 06 تريليونات دولار قبل جائحة (كوفيد) – تنطوي على “الدولار”. وسواء كانت هناك حرب باردة جديدة مع “الصين” أو “روسيا” أم لا، فإن الزيادة المفاجئة غير المتوقعة في أسعار الفائدة الأميركية – التي تُشدد شروط الائتمان وتقوي “الدولار” – تتسبب في صدمة من خلال هذه الشبكة الكاملة من المعاملات التجارية.

يؤدي ارتفاع “الدولار” بطبيعة الحال إلى وجود رابحين وخاسرين. هذا يعني أن العُملات الأخرى تنخفض بشكل نسبي. قد يتوقع المرء أن آثار ارتفاع “الدولار” ستعوضها آثار انخفاض قيمة العُملات الأخرى. ولكن بسبب انتشار “الدولار” في كل مكان لم يكن هذا هو الحال.

إذا ارتفع “الدولار”، فإن أي شخص اقترض بـ”الدولار” – وهناك تريليونات من الديون المستحقة في جميع أنحاء العالم – يواجه رسوم خدمة ديون أكثر إيلامًا. هذا علاوة على أن ارتفاع “الدولار” يرفع التكلفة العالمية للصادرات المُسّعرة بـ”الدولار”، ما يجعلها أقل قدرة على المنافسة. بشكلٍ عام يُعتقد أن ارتفاع “الدولار” بنسبة: 1% سيقضي على حوالي: 0.7% من التجارة العالمية في غضون عام.

لذلك، فمن الأخبار السيئة أنه منذ منتصف عام 2021، مع قيام “بنك الاحتياطي الفيدرالي” برفع أسعار الفائدة، ارتفع “الدولار” بنسبة: 15% مقابل سلة من العُملات. تم تخفيض كل من “اليورو والين” إلى مستويات دنيا قياسية، وكذلك عُملات الأسواق الناشئة التي تتراوح من “تشيلي” إلى “تركيا” إلى “مصر”.

ويؤدي التخفيض النسبي لقيمة عُملاتها نتيجة لارتفاع “الدولار” إلى تعاظم الضغط التضخمي المنبعث من “منطقة الدولار”. إذا أرادت هذه البلدان تجنب تخفيض قيمة العُملة وما يترتب على ذلك من ارتفاع في أسعار الواردات، فلن يكون أمامها خيار سوى مواكبة ارتفاع أسعار الفائدة الفيدرالية. ونتيجة لذلك، نشهد في عام 2022؛ تشديدًا متزامنًا غير مسبوق لسياسة البنك المركزي في كل من الاقتصادات المتقدمة واقتصادات الأسواق الناشئة.

تأثير “الدولار” على أزمة الديون العالمية..

وكما في حالة العقوبات المالية، هناك دائمًا خطر يتمثل في أنه مع تشديد شروط الائتمان، ستنقطع الروابط التي يتكون منها النظام المالي القائم على “الدولار”. بالنسبة لتلك الاقتصادات، فإن هذا الخطر فوري للغاية. إن دورة تشديد “بنك الاحتياطي الفيدرالي” ليست نظامًا للعقوبات بالطبع، ولكن لها تأثير متوقع يتمثل في قطع الاقتصادات الأضعف في “نظام الدولار” عن الوصول إلى الواردات الحيوية، وإجبار تقنين الوقود والطاقة الكهربائية، وتشديد وصولها إلى الائتمان بطريقة لا يمكن تحمُّلها.

وإجمالاً، يُقدر “البنك الدولي” أن ما يقرب من: 60% من المقترضين من ذوي الدخل المنخفض معرضون لخطر أزمة الديون، أو أن هذه الأزمة موجودة بالفعل. ليس من المفيد أنه بعد نجاح حملة اليوبيل العالمي للديون في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، والتي أدت إلى تقليص ديون البلدان ذات الدخل المنخفض، استفاد العديد منهم من التمويل المستند إلى السوق، بما في ذلك الاقتراض بأسعار فائدة متغيرة. بحلول عام 2020، كان أكثر من: 30% من ديونها على أساس معدل فائدة متغير، وهو أمر جذاب عندما تكون المعدلات منخفضة؛ ولكنها أخطر في بيئةٍ من ارتفاع الأسعار، مثلما هو الحال اليوم.

سوف نتجنب أزمة شاملة ليس لأن “نظام الدولار” مستقر بطبيعته أو محصن ضد الصدمات، ولكن لأنه منذ التسعينيات تطور للتعامل مع هذه الضغوط، وأصبحت العُقَد الأهم في الشبكة أفضل بكثير في حماية نفسها.

ما تغير هو كيف تستفيد الشركات والحكومات في جميع أنحاء العالم من إمكانيات النظام المالي الدولي القائم على “الدولار”. ومن غير المُسّتغرب أن يكون أولئك الذين لديهم مستويات دين معتدلة وتدفقات دخل ثابتة لديهم أداء أفضل. لكن مدى حدة الضغط يعتمد أيضًا على كيفية توازن المطلوبات والأصول بـ”الدولار” والعُملة المحلية.

بقدر ما يكون “نظام الدولار” هو “نظام الدولار” حرفيًا، فهو هش للغاية. البلدان التي ربطت عُملاتها بـ”الدولار” أو اقترضت بـ”الدولار” دون حماية من تقلبات أسعار الصرف وأسعار الفائدة، لا سيما إذا كانت الحكومات أو العائلات هي التي اقترضت، فمن المحتمل أن تكون في ورطة خطيرة.

لكن هذا النوع من الاعتماد على “الدولار” نادر بشكل متزايد منذ التسعينيات، ما جعل النظام المالي العالمي أقوى هو مجموعة أدوات من الأجهزة لتخفيف الاعتماد على “الدولار” وإدارة المخاطر المصاحبة للعولمة المالية. لقد تعلمت اقتصادات الأسواق الناشئة الكبيرة مثل: “البرازيل وتايلاند”؛ أنه من الأفضل، إذا كنت ستأخذ أموالاً من المقرضين الأجانب، أن تقترض منهم فقط بعُملتك الخاصة.

في أزمة ما، قد يؤدي ذلك إلى تعرض قيمة عُملتك للخطر – حيث يقوم المستثمرون الأجانب ببيع حصصهم، من المحتمل أن تُعاني من انخفاض في قيمة العُملة – ولكن على الأقل يتحمل المقرض جزءًا من المخاطرة، ويمكنك على الأقل التأكد من أن لديك أموالاً محلية كافية لخدمة الديون.

إذا كان هناك اقتراض بالعُملة الأجنبية، فليكن خاصًا، وليكن بيد الشركات وليس العائلات أو الحكومات. في أزمة عام 2008، اكتشفت العديد من اقتصادات “أوروبا الشرقية”، على حساب المخاطر الكامنة في الرهون العقارية أو قروض السيارات، أنها مُوِّلَت بالعُملات الأجنبية.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة