خاص : كتبت – نشوى الحفني :
وسط مخاوف تهدد الوجود في “كُردستان العراق”، جراء المناوشات الدائمة بين “تركيا” و”حزب العمال الكُردستاني”، وجه رئيس “إقليم كُردستان العراق”، “نيجيرفان بارزاني”، رسالة إلى “حزب العمال الكُردستاني”، الناشط في الإقليم، دعاه فيها إلى إبعاد حربه عن الشعب.
وقال خلال كلمة في حفل تخرج طلبة الجامعة الأميركية، في محافظة “دهوك”: “يتوجب علينا جميعًا أن نقول بصوت واحد وموقف واحد، لحرب العمال الكُردستاني، كفى عدم الاحترام لإرادة أهالي إقليم كُردستان ومؤسساته الشرعية وعدم النظر لمصالح أملاك شعبنا”.
وأضاف أنه: “على حزب العمال؛ إبعاد ذلك عن شعب كُردستان، فهو يخوض حربًا لا طائل وراءها، وعليه الإبتعاد عن أهالي الإقليم، وأن يحترم سيادة العراق والإقليم والسلطة الشرعية، وأن يلتزم بقوانين الإقليم، ولا يستمر في كونه سببًا لجر الجيوش وإلحاق الخسائر والأضرار والمشكلات العسكرية لشعبنا المبتلى أصلاً بالمشكلات والصعوبات”، مشيرًا إلى أن: “واجب الحكومة العراقية؛ المحافظة على أمن واستقرار دول الجوار”.
تضرر القرى الكُردية من القصف التركي..
إلى ذلك، أفاد مسؤول كُردي عراقي بأن سلاح المدفعية التركي قصف قرى كُردية عراقية، مساء أمس، بحجة ملاحقة مسلحي “حزب العمال الكُردستاني”، في قرى “قضاء العمادية”، شمال شرقي محافظة “دهوك”، بـ”إقليم كُردستان”، أقصى شمالي “العراق”.
وقال “صبري عقراوي”؛ مدير ناحية “كاني ماسي” بمحافظة “دهوك”، لـ (د. ب. أ): “إن المدفعية التركية قصفت، مساء اليوم، قرية قومري ومحيطها؛ مما ألحق أضرارًا مادية جسيمة بممتلكات سكان قريتين تابعتين لقضاء العمادية /80 كيلومترًا شمال شرقي محافظة دهوك”.
وأضاف “عقراوي” أن: “إحدى قذائف المدفعية سقطت على منزل أحد أهالي القرية؛ مما ألحقت أضرارًا مادية جسيمة بالمنزل وإحراق سيارة صاحبه، فيما نجا صاحب المنزل وأفراد عائلته بعد الخروج سالمين من المنزل بصعوبة بالغة عقب القصف”.
وتابع “عقراوي” قائلاً؛ إن القصف التركي خلف: “حريقًا هائلاً اندلع بمزارع وغابات القرية، بعد أن تعرض لقصف مدفعي تركي، مساء اليوم، وإن النيران ألتهمت عشرات الدونمات من الأراضي الزراعية”.
وتتوغل القوات التركية داخل الحدود العراقية، لمسافة تتجاوز الـ 30 كم، وتبرر ذلك: بـ”محاربة”، حزب “العمال الكُردستاني”، الذي تصنفه “أنقرة” ضمن المنظمات الإرهابية.
ونفذت القوات التركية، في السنوات الماضية؛ عمليات عسكرية مكثفة في “العراق” و”سوريا”: “ردًا على هجمات نفذها أو خطط لشنها عناصر حزب العمال الكُردستاني، الذي تُحاربه تركيا على مدار 37 عامًا داخل البلاد وخارجها”.
وتشهد مدن “إقليم كُردستان العراق” عمليات عسكرية، منذ شهر نيسان/أبريل الماضي، بين الجيش التركي ومسلحي “حزب العمال الكُردستاني” التركي، في المرتفعات الجبلية العراقية، حيث يتحصن “حزب العمال” هناك.
وأضطر المئات من العوائل الكُردية إلى النزوح من قراهم على خلفية القتال الزائد بين الجيش التركي ومسلحي “حزب العمال الكُردستاني” وإحراق المزارع والغابات، مما خلف خسائر مادية كبيرة.
انسحاب الحزب لن يوقف العمليات العسكرية..
حول استجابة “حزب العمال الكُردستاني” لدعوة رئيس “إقليم كُردستان”، يقول الخبير العسكري والإستراتيجي، الدكتور “أحمد الشريفي”: “لا أعتقد أن انسحاب، حزب العمال الكُردستاني، من إقليم كُردستان سيؤدي إلى إيقاف العمليات العسكرية التركية، إذ أن العمال الكُردستاني مجرد ذريعة تستخدمها تركيا، فهناك 27 قاعدة تركية في الإقليم”.
وأضاف أن: “الأيام القادمة؛ ستشهد استحقاقات إقليمية، لا سيما بعد الانتخابات الإيرانية، التي تُمثل إما بارقة أمل لتسوية سياسية تؤدي إلى الأمن والاستقرار في المنطقة، أو تؤدي إلى تقاطعات تذهب بالمنطقة نحو حرب إقليمية”.
موضحًا أن: “هناك محاولات لإذكاء الفتنة القومية، في كركوك، وجر (البيشمركة) الكُردية إلى صراع مسلح بين الأكراد، كون (البيشمركة) تُمثل أجنحة عسكرية لحزبين كُرديين، أحدهما يقف مع، حزب العمال الكُردستاني، والآخر يقف ضده”.
خصوصيات وضع الإقليم..
فيما، يقول المحلل السياسي الكُردستاني، “طارق جوهر”، إن هناك الكثير من النداءات الشعبية والرسمية أطلقت من أجل حل الخلافات بالحوار، بين حزب “العمال الكُردستاني” وحكومة الإقليم من جانب، و”الحزب الديمقراطي” من جانب آخر، كان آخرها دعوة رئيس الإقليم، “نيجيرفان بارزاني”، ويأتي ذلك من أجل عدم إفساح المجال لـ”تركيا” بالتدخل والتوغل داخل الأراضي العراقية؛ وأراضي الإقليم، بحجة تواجد “حزب العمال الكُردستاني”.
وأضاف أن هناك خصوصيات للوضع في “كُردستان” تتطلب، من الأطراف المعنية؛ مراعاة الظروف التي يمر بها الإقليم، في مقابل ذلك يجب عدم السماح بالتدخلات الإقليمية، سواء كان من جانب “إيران” أو “تركيا”، بالتوغل وقصف القرى، وتهجير المدنيين في المناطق الحدودية مع هاتين الدولتين، بحجة تواجد معارضين لهما على أراضي “إقليم كُردستان”.
توجيه النداء للطرفين..
وأشار المحلل السياسي؛ إلى أن هناك قرارًا صُدر في “برلمان كُردستان”، في العام 2003، ومستمر إلى الآن، يُطالب القوات التركية؛ والتي كانت موجودة إبان الإقتتال الداخلي وسُميت بقوات: “حفظ السلام”، بسحب قواتها، لكن “تركيا”، وإلى الآن، لم تسحب قواتها، بل على العكس، زاد عدد مقراتها، وأصبح لديها اليوم قواعد عسكرية في عمق الأراضي في “إقليم كُردستان”، ووصلت إلى “الموصل”، في: “بعشيقة وأربيل ودهوك”، وأتصور أن أي نداء يجب أن يوجه بالأساس لطرفي النزاع، “تركيا” و”حزب العمال”، بعدم استغلال أراضي “إقليم كُردستان” لحل صراعهم الداخلي، ويجب أن يكون الصراع داخل “تركيا”، حيث إن “أنقرة” تتذرع، فمن حقها الحفاظ على حدودها من داخل أراضيها؛ وليس من داخل أراضي دولة أخرى، “العراق”، وخرق سيادتها وخصوصية وسيادة “إقليم كُردستان”.
واستطرد: أرى أن الأحزاب الكُردية الرئيسة، خاصة “الديمقراطي” وحزب “العمال الكُردستاني”، مطالبان في هذه المرحلة؛ بإيجاد حلول سريعة وجذرية وترك الخلافات الشخصية والحزبية جانبًا، والتركيز على عدم إعطاء المبررات والفرص لـ”تركيا”، ولا ننسى أن هناك إهمال وتقصير كبير من جانب “بغداد” لما يجري على الأرض في الإقليم من توغلات تركية وقصف للمدنيين وقتلهم وتدمير ممتلكاتهم.
خطوات مقبلة..
وحول احتمالية الصدام المسلح بين “الحزب الديمقراطي الكُردستاني” و”حزب العمال”، قال “جوهر”: ما علمناه مؤخرًا أن الطرفين لا يريدان أن تصل الخلافات إلى هذا الحد، وقبل أسبوعين كان هناك تجمع لمثقفين وسياسيين ونشطاء، اجتمعنا في “أربيل”، وسوف نوجه نداءً عاجلاً إلى الأطراف المعنية، نطالب “تركيا” بسحب قواتها، و”بغداد” بالتحرك على المستوى الدولي والدبلوماسي لإجبار “تركيا” على سحب قواتها، أما داخليًا فسوف نخاطب الأحزاب الكُردستانية بتهدئة الأجواء وإعادة لغة الحوار والحفاظ على خصوصية الإقليم، مع مراعاة وضع “حزب العمال” وعدم التسليم للأجندات التركية، حيث يُعارض النشطاء والشارع في الإقليم أي صدام مسلح: “كردي-كردي”، لأن الخاسر الأكبر سيكون الكُرد والرابح هم أعداء الإقليم ممثلين: في “تركيا”، في هذه المرحلة.
اتفاق مسبق مع حكومة “المالكي” مرتبطة بـ”طريق الحرير”..
بدوره؛ قال المحلل السياسي العراقي، “عبدالقادر النايل”، إن قوات “حزب العمال الكُردستاني”، اتخذت في شمال “العراق”، بناءً على اتفاق مسبق مع حكومة “المالكي”، مقرات لها ودٌعمت ماليًا بناء على توجيهات إيرانية، ومؤخرًا عقد اجتماع ضم قيادات (الحرس الثوري) الإيراني وأربع ميليشيات عراقية هي: (النجباء، وسيد الشهداء، وحزب الله والعصائب)، بالإضافة إلى “حزب العمال الكُردستاني”، في “قضاء سنجار”، قبل شهر، ونتج عنه التعاون المطلق وتشكيل جبهة واحدة في شمال “العراق”، تسيطر على أهم عُقد الطرق الدولية من اتجاه: “إيران وتركيا وسوريا”.
مضيفًا أن: تلك التنسيقات السابقة مرتبطة بـ”طريق الحرير”، وما جرى قبل عدة أيام في “معسكر أشرف”، الذي كانت تتخذه “منظمة مجاهدي خلق” الإيرانية المعارضة مقرًا لها، والذي تُسيطر عليه الآن قوات (بدر)، بقيادة “هادي العامري”، من تخصيص قيادة عمليات مشتركة فيها، “حزب العمال”، حيث أصبح المعسكر الآن مركزًا لتدريب مجندين على الطائرات المُسيرة، ومقرات للصواريخ التي تستهدف شمال “العراق”، ويأتي ذلك بالتزامن مع تصريحات، “هادي العامري”، بأنه يجب إخراج “تركيا” من شمال “العراق”؛ ووصفه بالاحتلال.
وأشار “النايل” إلى أن، جميع تلك المعطيات، تؤكد أن دعوات رئيس “إقليم كُردستان” لن يكون لها أي تأثير، ولن تستجيب لها ميليشيات “حزب العمال الكُردستاني”، التي تحتل أجزاء مهمة من الأراضي العراقية، وهي منظمة أجنبية تستهدف دول جوار “العراق”، والدستور الحالي واضح بأنه يفرض إخراج أي منظمة أجنبية تستهدف دول الجوار العراقي، وتحت هذه المادة الدستورية جرى إجبار “منظمة مجاهدي خلق”، المعارضة للنظام الإيراني على الخروج من “العراق”.
لديها اتفاقية تتيح التوغل..
ومن جهة أخرى، أوضح المحلل السياسي؛ إن “تركيا” لديها اتفاقية دولية تتيح لها التوغل داخل الأراضي العراقية بمسافة عشرين كيلومتر بالعمق العراقي، لتعقب قوات “حزب العمال الكُردستاني”، وهذا ما سيزيد من التصعيد الخطير في المستقبل القريب بين هذه الأطراف على الأراضي العراقية، وسيكون “إقليم كُردستان” متأثرًا بشكل كبير، ولاسيما أن بعض ميليشيات (الحشد الشعبي)، وفي مقدمتها ميليشيات (سيد الشهداء)، تستهدف أمن الإقليم بشكل واضح، وقد تبنت فيما مضى القصف على “أربيل”، والتي اعتقلت (البيشمركة)، عناصر من هذه الميليشيات، اعترفت بتنفيذ عدة هجمات، وكشفت عن مخطط خطير لزعزعة أمن الإقليم، حسب اعترافاتهم التي بثتها القنوات المحلية.
دعوات غير مجدية..
ولفت “النايل” إلى أن، “حزب العمال الكُردستاني”؛ يعتبر السلطات في “أربيل”، على وجه الخصوص؛ تتعاون مع “تركيا” و”أميركا” ضدهم، وهذا ما سيجعل دعوات رئيس “إقليم كُردستان العراق” غير مجدية ولن يستجيب لها “حزب العمال الكُردستاني”، والأطراف المتحالفة معه، لذا فإن الصراع المسلح هو سيد الموقف، وهذا ما يفسر حركة نقل السلاح والصواريخ والطائرات المُسيرة بمناطق شمال “العراق”؛ بشكل يومي، ويجري إعادة انتشار قوات الحشد هناك، ما يُنذر باقتراب التصعيد، ولاسيما أن “مطار تلعفر” سيكون عنوان الصراع الدولي بين الجميع، لأنه إستراتيجي في التحكم بالمثلث: “العراقي-الإيراني-التركي”.
إنشاء تركيا لمنطقة عازلة لها..
وأكد أنه لا يستبعد أن تتخذ “تركيا” منطقة عازلة لها ولقواتها، ويمكن أن تسهم بإنشاء قوة كُردية عربية في شمال “العراق”، وتكون قاعدة عسكرية على غرار اتخاذ “إيران” و(حزب الله) اللبناني، منطقة “جرف الصخر”، قاعدة عسكرية متقدمة لها وللقوات المتحالفة معها، وهذا سيُعقد المشهد العراقي ويجعل جميع الاحتمالات مفتوحة على مصراعيها، والشعب العراقي وشعب “إقليم كُردستان” سيدفع ثمنًا باهظًا على جميع المستويات الأمنية والاقتصادية.