خاص: كتبت- نشوى الحفني:
في خطوة تعكس تزايد التوجه الدولي نحو معالجة الملف السوري؛ بعد سقوط نظام “الأسد”، عُقد اجتماع وزاري مُوسع في العاصمة السعودية؛ “الرياض”، الأحد، لبحث الأوضاع في “سورية” وتنسّيقِ الدعم الدولي للشعب السوري.
وعلى خلاف اجتماع “العقبة”؛ الذي عُقد في “الأردن”، منتصف الشهر الماضي، فقد عُقد اجتماع “الرياض” بمشاركة وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال السورية؛ “أسعد الشيباني”، الذي وُصفت مشاركته: بـ”اللحظة التاريخية”، إلى جانب وزراء خارجية “مجلس التعاون الخليجي”، ووزراء خارجية “تركيا ومصر والأردن والعراق ولبنان”، بالإضافة إلى وزراء خارجية أوروبيين والمبعوثِ الأممي إلى “سورية”.
ورحب المجتمعون في “الرياض” بخطوات الإدارة السورية الجديدة تجاه ترسيّخ الاستقرار السياسي والأمني والحفاظِ على مؤسسات الدولة، كما أجمعوا على ضرورة رفع العقوبات الأحادية والأممية المفروضة على “سورية”؛ مما يدعم عملية إعادةِ الإعمار وتحقيق التعافي الاقتصادي.
وتضمن جدول الأعمال الرئيس حول الخطوات التي يجب اتخاذها لضمان الاستقرار والأمن في “سورية”. ويأتي المؤتمر بعد مرور أكثر من شهر على استيلاء فصائل مسلحة تحت قيادة (هيئة تحرير الشام) على السلطة في “سورية”؛ وفرار الرئيس “بشار الأسد” إلى “روسيا”.
وتناول المؤتمر أيضًا جهود تعزيز عودة اللاجئين ودعم الانتقال السياسي في “سورية”، حيث شدّدت وزيرة الخارجية الألمانية على أهمية حوار سياسي شامل يضمن تمثيل جميع الأطياف السورية. وأضافت أن الاستقرار المستَّدام يتطلب دعمًا دوليًا قويًا، إلى جانب معالجة الجرائم التي ارتكبها النظام السابق.
الأول من نوعه لمشاركة الإدارة الجديدة..
ويعتبر البعض المؤتمر امتدادًا للاجتماع الذي استضافته مدينة “العقبة” الأردنية، في 14 كانون أول/ديسمبر الماضي، الذي شارك فيه أعضاء “لجنة الاتصال الوزارية العربية”، بجانب دول أعضاء في “المجموعة المصغرة حول سورية”؛ على رأسهم “الولايات المتحدة”.
غير أن اجتماع “الرياض”؛ هو الأول من نوعه الذي يُشارك فيه ممثل عن الإدارة السورية الجديدة، بصفته وزير لخارجية بلاده، بين هذا الحشد العربي الدولي الكبير، كما أنه يأتي بعد شهر كامل من سقوط نظام “الأسد”، وانجلاء المشهد بشكلٍ نسّبي بعد استّتباب مرحلي للوضع داخليًا، والحراك الدبلوماسي الذي شهدته العاصمة؛ “دمشق”، خلال الأيام الأخيرة، إذ باتت قبلة ومزارًا لعشرات الوفود الإقليمية والدولية.
خطوة نحو إنهاء العُزلة السورية..
ويُعتبر هذا المؤتمر؛ بما شهده من حراك ولقاءات ثنائية بين “الشيباني” وممثلي الوفود المشاركة، وما نجم عنه من بيان ختامي مشترك، خطوة مهمة في مسّار إنهاء العُزلة عن الدولة السورية بعد سنوات من التضيّيق والحصار جراء ممارسات نظام “الأسد” الإجرامية، التي دفعت العديد من القوى الدولية لفرض عقوبات قاسية دفع ثمنها الملايين من الشعب السوري طيلة العشرية الأخيرة. بحسب ترويجات الآلة الدعائية الأميركية/ الغربية وتوابعها من وسائل إعلام عربية.
تُريد أخذ زمام المبادرة..
وقالت “آنا غاكوبس”؛ الزميلة غير المقيمة في معهد (دول الخليج العربية) في “واشنطن”، إن: “هذه القمة تُرسل رسالة مفادها أن السعودية تُريد أن تأخذ زمام المبادرة في تنسّيق الجهود الإقليمية لدعم تعافي سورية”.
وأضافت: “لكن السؤال الكبير هو؛ كم من الوقت وكم من الموارد ستَّكرسها المملكة لهذا الجهد ؟ وما هو الممكن مع بقاء عقوبات عدة سارية ؟”.
وقال “عمر كريم”؛ الخبير في السياسة السعودية في جامعة (برمنغهام)، إن “السعودية” من بين الدول التي تتبّنى نهجًا أكثر حذرًا تجاه الإدارة السورية الجديدة من “تركيا وقطر”، اللتين كانتا أول من أعاد فتح سفارتيهما في “دمشق”؛ بعد سقوط “الأسد”.
ورُغم ذلك؛ قال “كريم” إن “الرياض”: “تتعامل بإيجابية” مع القادة الجدَّد في “سورية”، وتتطلع إلى معرفة ما إذا كانوا قادرين على جلب الاستقرار و”السيّطرة على العناصر الأكثر تطرفًا في صفوفهم”.
ولفتت “غاكوبس” إلى أن اجتماع؛ الأحد: “يمنح الرياض فرصة لزيادة نفوذها مع الحكومة السورية الجديدة، وتنمية نفوذ أكبر في بلد؛ حيث تتمتع تركيا وقطر الآن بنفوذ أكبر”.
وكان المشاركون في المؤتمر قد أكدوا أن المرحلة المقبلة لـ”سورية” تعتمد على التعاون الإقليمي والدولي لتحقيق الاستقرار ومنع عودة الجماعات المتطرفة. وأسفر النزاع الذي استمر على مدى أكثر من (13 عامًا) في “سورية”، عن مقتل أكثر من نصف مليون شخص، وتدمير الاقتصاد، ودفع الملايين إلى الفرار من ديارهم.
إحتضان عربي ودولي..
وعن وجه الاختلاف بين “اجتماع الرياض” و”اجتماع العقبة”؛ الذي تحفّظت الإدارة السورية على بعض مخرجاته، يقول مدير وحدة الدراسات السياسية في المركز (العربي) للأبحاث ودراسة السياسات؛ “مروان قبلان”، إن “اجتماع الرياض” هو الأول الذي تحضَّره “سورية” منذ فِرار رئيس النظام؛ “بشار الأسد”، على خلاف “اجتماع العقبة”؛ الذي لم يُشارك فيه ممثلون عن الإدارة السورية الجديدة.
ويوضح “قبلان”؛ في مقابلة مع (التلفزيون العربي)، من “الدوحة”، أن “اجتماع العقبة” اتسم بمحاولة فرض الوصاية على الشعب السوري، وهو ما أثار حفيظة السوريين.
ويرى أن بيان “اجتماع الرياض” يتضمن نوعًا من الاحتضان العربي والدولي للتغيّير الذي حدث في “سورية”، وللمرحلة الانتقالية التي تمَّر بها البلاد، من خلال دعوته لرفع العقوبات المفروضة على “سورية”.
ويُلفت “قبلان” إلى الحضور العربي الكبير في المؤتمر، مشدّدًا في الوقت نفسه على أن الموقف الحاسم فيما يتعلق بالعقوبات يظل مرهونًا بالإدارة الأميركية الجديدة، لأن معظم العقوبات أميركية.
ويعتبر أنه دون قرار من إدارة الرئيس الأميركي المنتخب؛ “دونالد ترمب”، برفع العقوبات، فإن أي دولة لن تستطيع تقديم الدعم المنشود لـ”سورية”؛ إلا في إطار المساعدات الإنسانية، بينما يحتاج السوريون إلى دعم مختلف وأكبر مما يتيحه المجال الإنساني.
الرافعة السعودية لـ”سورية”..
من جهته؛ يرى الكاتب والباحث السعودي في العلاقات الدولية؛ “مبارك آل عاتي”، أن انعقاد المؤتمر في “الرياض” يؤكد الالتزام السعودي بدعم الشعب السوري في المرحلة الانتقالية التي يمر بها بعد فِرار رئيس النظام السابق؛ “بشار الأسد”.
ويرى “آل عاتي”؛ في حديثه لـ (التلفزيون العربي)، من “الرياض”، أن “السعودية” أخذت على عاتقها أن تكون الرافعة العربية لـ”سوريا الجديدة”، ولذلك قامت بحشّد هذا العدد الكبير من الدول لدعم الإدارة السورية الجديدة.
ويُشدّد “آل عاتي” على أهمية الدعم السياسي الذي وفره المؤتمر للإدارة السورية، قائلًا: إن المؤتمر أقر تقديم المساعدات الإنسانية واللوجستية لـ”سورية”، ودعا إلى رفع العقوبات المفروضة عليها، خاصة أنها فُرضت في حقبة سابقة ولأسباب تتعلق بهجمات قام بها النظام، وأصبح الشعب السوري في حِلٍ منها بعد فرار رئيس النظام “الأسد”.
مخاوف غير مبرّرة..
أما الدبلوماسي المصري السابق؛ السفير “معتز أحمدين”، فيشدّد على أن المخاوف المصرية التي عبّر عنها وزير الخارجية المصري؛ “بدر عبدالعاطي”، غير مبَّررة، وقال إنها مخاوف ذات صلة بغلبة التوجه الإسلامي على قادة الإدارة السورية الجديدة.
ويوضح “أحمدين”؛ لـ (التلفزيون العربي)، من “القاهرة”، أن الوضع في “سورية” فيما يتعلق بالتوجه الإسلامي مختلف عنه في “مصر”، وأن موقف “القاهرة” سيتغيّر وفقًا للأمر الواقع، وإقرارًا لمبدأ أن الأمن في “سورية” هو من أمن “مصر”.
ويرى “أحمدين” أن مخاوف “القاهرة” تعود إلى وجود أحد مواطنيها المتهم بالإرهاب في “سورية”، إضافة إلى احتمال تعييّن مصريين في الجيش السوري، فضلًا عن التوجه الإسلامي لدى الإدارة الجديدة.
لكن ذلك؛ كما يُشدّد “أحمدين”، وإن كان مفهومًا إلا أنه ليس مبررًا، لأن الإدارة السورية أظهرت ما يكفي من الرُشد والحرص على العلاقات الجيدة مع المحيط العربي، لنفي هذه المخاوف وتبديدها.
خطوة مفصلية لبناء الدولة..
ووفقًا لعضو الهيئة السياسية في (الائتلاف الوطني السوري)؛ “أحمد بكوره”، خلال حديثه لغرفة الأخبار على (سكاي نيوز عربية)، فإن هذا الاجتماع يُمثل: “خطوة مفصلية نحو بناء دولة سورية آمنة ومستقلة”.
وشدّد على حاجة الإدارة المؤقتة إلى تعاون واسع النطاق مع جميع مكونات المجتمع السوري، بما في ذلك العناصر المعتدلة من الحكومة السابقة، لضمان بناء مرحلة انتقالية شاملة لا تقصي أحدًا.
وأشار “بكوره” إلى ضرورة: “دعم المجتمع الدولي والعربي للإدارة السورية الجديدة”، معتبرًا أن هذه المرحلة تحتاج إلى جهد جماعي وإرادة حقيقية لتجاوز التحديات الأمنية والاقتصادية التي أثقلت كاهل البلاد.
وأكد “بكوره” أن التحركات الحالية تهدف لتوفير الأرضية الملائمة لانعقاد مؤتمر حوار وطني يُمثل كافة الأطياف السورية.
مخاوف التدخلات الخارجية..
وفي السيّاق ذاته ألقى الكاتب والباحث السياسي؛ “عبدو زمام”، الضوء على التحديات التي تواجه الإدارة الجديدة، موضحًا أن: “الدول العربية، وعلى رأسها السعودية، تُحاول لعب دور محوري في إعادة الاستقرار لسورية”.
وأضاف أن الاجتماع في “الرياض” عكس توافقًا عربيًا غير مسّبوق حول ضرورة دعم عملية انتقالية سياسية تضمن تمثيلًا عادلًا لجميع مكونات الشعب السوري.
وأشار “زمام” إلى أن: “رفع العقوبات المفروضة على سورية”؛ يُعتبر خطوة ضرورية لتحقيق تقدم ملموس في المرحلة القادمة، خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية الهائلة.
كما حذر من التدخلات الدولية التي قد تُعقّد المشهد، مشيرًا إلى أن: “الولايات المتحدة؛ لا تزال تنتهج سياسة غير واضحة تجاه سورية، وهو ما يُثير تساؤلات حول نواياها المستقبلية”.
“زمام”؛ دعا إلى ضرورة تعزيز الأمن والاستقرار الداخلي كأولوية قصوى، معتبرًا أن الحوار الوطني يُمثل: “الحل الأمثل لإعادة بناء سورية على أسس الشراكة والشفافية”.
طائف جديد..
بدوره؛ وصف الكاتب والباحث السياسي؛ “مبارك آل عاتي”، “اجتماع الرياض”، بأنه: “انعطافة تاريخية في الملف السوري”، معتبرًا أن “السعودية” تلعب دورًا رياديًا في تقريب وجهات النظر بين الأطراف السورية والدولية.
وأشاد بالدعم الذي قدمته المملكة في تعزيز فرص نجاح هذا الاجتماع، مؤكدًا أن: “مؤتمر الرياض يُعتبر بمثابة طائف جديد لسورية”.
“آل عاتي” أوضح أن “السعودية” تعمل على ضمان توافق عربي حول الملف السوري، مشددًا على أهمية الاستفادة من هذه اللحظة التاريخية لتحقيق الاستقرار.
وأضاف أن: “تدخل السعودية سّاهم في إزالة الكثير من العراقيل التي كانت تُعيق التفاهمات الدولية بشأن سورية”.
وأشار إلى أن المؤتمر شهد لقاءات رفيعة المستوى، أبرزها بين وزراء خارجية دول عربية وغربية، ما يعكس: “رغبة حقيقية في الوصول إلى حل شامل يُعيد لسورية مكانتها في المنطقة”.
تحديات أمام الإدارة الجديدة..
ورُغم الأجواء الإيجابية التي خيمت على الاجتماع؛ لا تزال الإدارة السورية الجديدة تواجه تحديات كبرى. “أحمد بكوره” أشار إلى أن الإدارة المؤقتة لا تملك الموارد الكافية لتحمل أعباء المرحلة الانتقالية بمفردها، وهو ما يتطلب دعمًا عربيًا ودوليًا متواصلًا.
وعلى الرُغم من التقدم الذي أحرزته الإدارة الجديدة، يرى “عبدو زمام”؛ أن: “التأخر في تنظيم مؤتمر الحوار الوطني يُشكل عائقًا أمام تحقيق توافق حقيقي بين كافة الأطراف”.
ودعا إلى تشكيل لجان تحضيرية بشكل عاجل لضمان شمولية التمثيل في المؤتمر القادم.
أما “مبارك آل عاتي”؛ فقد أكد أن: “الأطراف السورية بحاجة إلى تنازلات متبادلة”، مشيرًا إلى أن الأولويات يجب أن تكون منصبة على تأمين احتياجات الشعب السوري الأساسية، من استقرار اقتصادي وأمني، قبل الانتقال إلى نقاشات سياسية أوسع.
إن ما يحدث في “الرياض”؛ ليس مجرد اجتماع بروتوكولي، بل هو إعادة تشكيل لواقع “سورية” على الساحة الدولية. الاجتماع الأخير عكس إرادة جماعية من الأطراف المعنية لإنهاء عزلة “سورية” وتقديم الدعم اللازم لبناء دولة مستقرة وآمنة. بحسب مزاعم “آل عاتي”.
التحديات كبيرة، لكنها ليست مستحيلة. ومع الإرادة السياسية والالتزام من كافة الأطراف، قد تكون “سورية الجديدة” أقرب إلى أن تتحول من حلم إلى واقع ملموس. مازال التعبير له.