23 ديسمبر، 2024 10:13 م

بإنشاء أمن اتحادي بـ”سنجار” .. هل يتوقف الصراع “التركي-الإيراني” على النفوذ ؟

بإنشاء أمن اتحادي بـ”سنجار” .. هل يتوقف الصراع “التركي-الإيراني” على النفوذ ؟

خاص : كتبت – نشوى الحفني :

في خطوة لتهدئة الوضع الأمني المتوتر، وصل وفد أمني وعسكري عراقي رفيع، أمس الإثنين، إلى مدينة “سنجار”، الواقعة غرب “الموصل”، ضمن محافظة “نينوى”، شمال العراق، في زيارةٍ رسمية لم يُكشف عن تفاصيلها بشكلٍ رسمي حتّى الآن.

هذه الزيارة تأتي بعد أسبوع حافل بالتوترات الأمنية داخل مدينة “سنجار” وضواحيها، إثر مهاجمة أنصار “حزب العمال الكُردستاني” لقوة من الجيش العراقي داخل المدينة ورشقها بالحجارة والاعتداء على جنود والاستيلاء على إحدى السيارات العسكرية التابعة له، أعقبها اشتباك بين الطرفين ما أسفر عن مقتل جندي عراقي وإصابة آخر.

وذكرت وكالة الأنباء العراقية، (واع)، أنّ: “وفدًا ضم مستشار الأمن القومي، قاسم الأعرجي، ورئيس أركان الجيش الفريق أوّل قوات خاصة، الركن عبدالأمير رشيد يارالله، ونائب قائد العمليات المشتركة الفريق الركن عبدالأمير الشمري، ومدير الاستخبارات العسكرية وقائد القوات البرية الفريق الركن قاسم محمد، وصل إلى قضاء سنجار في نينوى للإطلاع على الواقع الأمني هناك”.

مقتل جندي وإصابة آخر..

وأمس الأول الأحد، أعلنت “بغداد” مقتل جندي وإصابة آخر خلال تصدي الجيش لمحاولة تسلل لمسلحين قادمين من “سوريا” باتجاه المدينة، وصفتهم: بـ”الإرهابيين”، لكن مصادر أكدت لـ (العربي الجديد)؛ أن العناصر الذين تم الاشتباك معهم هم من عناصر “حزب العمال الكُردستاني” وليسوا من تنظيم (داعش)، وحاولوا الدخول إلى “العراق” باتجاه المدينة، وخلال محاولة منعهم فتحوا النار على القوة العراقية وقتلوا عنصر أمن وأصابوا آخر.

أمن سنجار اتحادي بيد الجيش..

وأكد مستشار الأمن القومي العراقي، “قاسم الأعرجي”، أن الأمن في “سنجار” سيكون اتحاديًا بيد الجيش العراقي؛ وأن الشرطة المحلية ستكون من أهالي القضاء.

وخلال لقاء عقد في “سنجار” فور وصول “الأعرجي، أكد فيه أن: “الأمن في القضاء سيكون اتحاديًا بيد الجيش العراقي، وأن الشرطة المحلية ستكون من أهالي سنجار”، مبينًا أن: “الحكومة عازمة على إعادة الخدمات والحياة إلى سنجار، وحفظ هيبة الدولة وسيادة القانون”، حسب البيان.

مستشار الأمن القومي؛ أشار إلى أن: “هناك جهدًا حكوميًا لتطبيق اتفاق سنجار وعودة النازحين، وأن الحكومة ستوفر كل أسباب نجاح تنفيذ اتفاق سنجار”، لافتًا إلى أن: “المجتمع الدولي مطالب بمد يد العون، لإعمار مدينة سنجار التي تعرضت لدمار كبير، إضافة إلى ما تعرض له أهلها في الجانب النفسي”.

واعتبر “الأعرجي” أن قضاء “سنجار”: “عنوان للتعايش السلمي والأهلي بين مكوناته، ونفتخر بأن الأمن مستتب في القضاء، بفضل تعاون المواطنين مع القوات الاتحادية”، مضيفًا أن: “القضاء سيكون له مستقبل كبير عندما يتعاون الجميع في إعادة إعماره”.

صراع “تركي-إيراني” على النفوذ..

ونشرت مجلة (ذا ناشيونال إنترست) الأميركية؛ تقريرًا حول ما قالت إنه صراع على النفوذ بين “إيران وتركيا”، في “العراق”.

واعتبرت المجلة أن سبب الخلاف، بين “إيران” و”تركيا”، في “العراق”، يعود لاعتبارات: “توازن القوى”، وسعي البلدين إلى: “نفوذ أكبر” في المنطقة، بالتوازي مع: “سباق اقتصادي محتدم”.

ووفق تحليل المجلة الأميركية، فإن “طهران” تشعر بالقلق بشكل خاص من أن “أنقرة”، التي قد تستخدم حملتها المناهضة للأكراد لتأسيس وجود عسكري طويل الأمد في “سنجار”، شمال “العراق”، كما فعلت سابقًا في شمال “سوريا” ومحافظة “دهوك” العراقية.

وبالنظر إلى أن “العراق” و”سوريا”، المكونين الرئيسيين “لعمقها الإستراتيجي”، فإن “إيران” لديها: “مقاربة صفرية لهذه الدول”، وهذا يعني أن “طهران” غير راغبة في الأساس في مشاركة مجال نفوذها الإستراتيجي المتصور مع الخصوم.

المنافس الاقتصادي الرئيس لطهران..

وفي المقابل، تعتبر “تركيا” أيضًا المنافس الاقتصادي الرئيس لـ”إيران”، في السوق العراقية، وفق التحليل.

ففي عام 2019، صدّرت “تركيا” ما قيمته 10.2 مليار دولار من البضائع إلى “العراق”، متجاوزة بشكل طفيف صادرات “إيران”؛ البالغة 9.6 مليار دولار خلال نفس الفترة، وفق المجلة نفسها.

كما استثمرت الشركات التركية، حوالي 25 مليار دولار، في 900 مشروع إنشائي وبنية تحتية – بما في ذلك الطاقة والمياه والصناعات البتروكيماوية – في مدن عراقية مختلفة.

وهناك أيضًا منافسة متزايدة بين “طهران” و”أنقرة” في إنتاج الكهرباء، في “العراق”، التي كانت تهيمن عليها الشركات الإيرانية في السابق.

إلى جانب ذلك، تعتبر “تركيا” موقعها الجغرافي، عند مفترق طرق “أوروبا” الشرقية وغرب “آسيا”، ميزة جغرافية اقتصادية فريدة، وتسعى بشكل متزايد إلى احتكار طرق العبور في المناطق المجاورة.

هل تحدث مواجهة عسكرية ؟

ومع أن “تركيا” لا تسعى إلى مواجهة مع “إيران”، في “العراق”، إلا أنها تتطلع إلى تعزيز نفوذها الإستراتيجي على جيرانها الجنوبيين على المدى الطويل، وفق التحليل.

غير أن مسار التنافس الحالي ينطوي على مخاطر حدوث صدام غير مرغوب فيه، لأن المقاربات الإيرانية والتركية الصارمة تجاه مناطق نفوذهما الفعلية أو المتصورة؛ يمكن أن تؤدي بسهولة إلى التصعيد، إذا قرر أحد الطرفين تحدي مصالح الطرف الآخر.

وفي شباط/فبراير 2020، كانت “إيران” و”تركيا” على وشك مواجهة مباشرة في “إدلب”، بعد انتشار الميليشيات المدعومة من “إيران”، لأول مرة، في محافظة شمال غرب “سوريا”؛ للمشاركة في القتال ضد المتمردين المدعومين من “تركيا”.

ووفق تحليل المجلة الأميركية، فإنه إذا أدت حملة تركية محتملة، في “سنجار”، إلى مواجهة بين “تركيا” وجماعات (الحشد الشعبي) العراقية، المدعومة من “إيران”، فمن الصعب الإفتراض أن “إيران” ستجلس مكتوفة الأيدي، وتدع الأتراك يمضون قدمًا كما يريدون.

وعلى الرغم من أن “طهران” تشارك “أنقرة” مخاوفها بشأن التمرد الكُردي في شمال “العراق”، إلا أن مخاوفها بشأن التداعيات طويلة المدى لحملة عسكرية تركية ممتدة قد وضعت الجانبين في خلاف بشأن الوضع في “سنجار”.

تهديدات بغزو سنجار..

وفي أعقاب تهديد “إردوغان” بغزو “سنجار”، نشرت قوات (الحشد الشعبي) العراقية، القريبة من النظام الإيراني، آلاف الجنود في ثلاثة ألوية في “سنجار”؛ لمواجهة ما يرون أنها نية “أنقرة” لاحتلال أجزاء من بلادهم.

واعتبرت وسائل إعلام تركية هذه الخطوة؛ تدخلاً من قوات (الحشد الشعبي) لإنقاذ “حزب العمال الكُردستاني”، ومؤشرًا على دعم “إيران” للمسلحين الأكراد.

وفي 10 شباط/فبراير 2021، نفذت “أنقرة” عملية عسكرية في جبال “غارا”، بمحافظة “دهوك” العراقية، لإطلاق سراح عدد من الرهائن الأتراك المحتجزين لدى “حزب العمال الكُردستاني”.

وبعد فشل العملية، ومقتل ثلاثة عشر رهينة، هدد الرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، بأن “تركيا” ستوسع حملتها ضد “حزب العمال الكُردستاني” إلى “سنجار”، وهي منطقة إستراتيجية تقع على حدود “العراق” مع “سوريا”.

هذا التوتر؛ جاء رغم أن “طهران” و”أنقرة” شنتا، في حزيران/يونيو 2020، ضربات جوية ومدفعية متزامنة ضد المتمردين الأكراد في شمال “العراق”، ما أثار تكهنات بأنها عمليات منسقة بين الطرفين.

انحسار النفوذ الإيراني في العراق..

وفي الآونة الأخيرة، بات لدى القادة الإيرانيين إنطباع بأن نفوذهم في “العراق” آخذ في الانحسار، وأن الجو المعادي لـ”إيران” يسيطر على الدولة.

وكانت الاحتجاجات الشعبية واسعة النطاق في “العراق”، في أواخر عام 2019، ضد الدور الإيراني، أول علامة رئيسة على هذا التدهور، بينما وجه اغتيال “سليماني” أشد ضربة لنفوذ “طهران” في “العراق”.

وفي أيار/مايو 2020، تم استبدال رئيس الوزراء المدعوم من إيران، “عادل عبدالمهدي”، بـ”مصطفى الكاظمي”، وهو أكثر استقلالية يحاول الحفاظ على علاقة متوازنة مع “إيران” وجيران “العراق” الآخرين، بما في ذلك “السعودية”، ودول شبه الجزيرة العربية و”تركيا”.

انتقادات وسحب سفراء متبادل..

وفي 27 شباط/فبراير الماضي، انتقد السفير الإيراني لدى العراق، “إيراج مسجدي”، التدخل العسكري التركي في “العراق”، داعيًا “أنقرة” إلى سحب قواتها من هناك.

وقال “مسجدي”، في مقابلة مع قناة (روداو) الكُردية؛ إن إيران: “لا تقبل التدخل في العراق عسكريًا، سواء كانت تركيا أو أي دولة أخرى”.

ورد المبعوث التركي إلى العراق، “فاتح يلدز”، على (تويتر)، قائلاً إن نظيره الإيراني: “سيكون آخر شخص يلقي محاضرة على تركيا بشأن احترام حدود العراق”.

وفي أعقاب هذا الخلاف، استدعت “طهران” و”أنقرة” السفراء؛ للتعبير رسميًا عن غضبهما.

حجر حرك الساكن !

تعليقًا على ذلك التقرير؛ قال الخبير العسكري والإستراتيجي، الدكتور “أحمد الشريفي”، أن: “التنافس على سنجار ليس ببعيد عن التنافس على إقليم كُردستان، في ظل وجود احتمالية منح الأكراد حق تقرير المصير من قبل الإرادة الدولية، حيث أن الإعتراض الدولي على استفتاء استقلال كُردستان، كان مبنيًا على التوقيت وليس على أصل الفكرة، وعلى هذا الأساس هناك هاجس (تركي-إيراني)”.

وتابع “الشريفي” بالقول: “في العام 2023، سوف تُعد اتفاقية لوزان ملغية، وذلك لمرور مئة عام على إبرامها، الأمر الذي يعطي لتركيا حق المطالبة بالموصل وكركوك، فالموضوع أكبر من قضية سنجار، إنما هذه المنطقة هي بمثابة الحجر الذي حرك الساكن في المواقف (التركية-الإيرانية)”.

وأضاف “الشريفي” قائلاً: “إيران تشعر أنها تعيش اليوم في إطار العزل الجغرافي، ورغبة الولايات المتحدة في إنشاء قاعدة في سنجار عزز المخاوف الإيرانية، وبالنسبة لتركيا فإن هذه القاعدة قد تمهد لإعطاء زخم للكُرد في تحقيق حلم الاستقلال”.

مخاوف دولية من التدخل التركي في سنجار..

وكان “المجلس الأوروبي للشؤون الخارجية” قد نشر، الشهر الماضي، تقريرًا كشف فيه عن المخاوف الدولية المتزايدة من التوغل التركي المحتمل في مدينة “سنجار” العراقية، تحت دعوى طرد “حزب العمال الكُردستاني” من المدينة.

وأكد التقرير أن مثل هذا العدوان سيضعف حكومة رئيس الوزراء، “مصطفى الكاظمي”، الذي يحاول إيجاد إصلاحات جديدة سياسية واقتصادية عاجلة في “العراق”.

كما يعزز هذا التوغل من تمكين الجماعات المسلحة و(الحشد الشعبي) من تعزيز موقفهم، وكذلك مرجح بشكل كبير فشل مثل هذه الخطوة، بسبب المقاومة الكبيرة من الجماعات المتواجدة في المنطقة.

وأشار التقرير إلى أن موقف “حزب العمال الكُردستاني”، في “سنجار”، قوي للغاية، حيث استطاع تعزيز تواجده بالمنطقة، وهو ما يُعد ضربة قاضية لـ”تركيا”.

وشدد التقرير على رفض الحكومة العراقية شن عملية عسكرية مشتركة مع “تركيا” على “سنجار”، حيث سينظر إلى الأمر باعتباره إهانة للحكومة العراقية وقدرتها على بسط قوتها في الدولة، وإنتهاك لسيادتها، كما أن “تركيا” ليست باللاعب السياسي المحايد، حيث طالما كان لها أطماع في الأراضي العراقية.

وكشف التقرير عن استمرار العمليات التركية على “سنجار”، رغم الرفض العراقي، وذلك بالتعاون مع حكومة “إقليم كُردستان”، مثلما الحال في “جبال قنديل”، حيث أتضح ذلك عقب إلقاء القبض على رجل من “سنجار” أدعت، “تركيا”، أنه ضابط من “العمال الكُردستاني”، ما يكشف تواجدهم في المنطقة.

كما آثار التوغل التركي غضب الجماعات المتواجدة في “العراق”، من وحدات (الحشد الشعبي) ومنظمة (بدر) و(عصائب أهل الحق)، التي تعهدت بالدفاع عن “سنجار”، كما شنت بعضها بالفعل هجمات على القوات التركية في الشمال العراقي.

وأختتم التقرير بالتأكيد على فشل أي محاولة، من قبل “تركيا”، للسيطرة على “سنجار” العراقية، وكذلك تسببه في عواقب سياسية وخيمة، وذلك مع الاستعداد لانتخابات برلمانية في “العراق”، وكذلك تلميع صورة وحدات (الحشد الشعبي) وجماعات الميليشيات الأخرى كمدافعين عن “العراق” على حساب الحكومة المركزية، وإعاقة عودة النازحين الإيزيديين المستضعفين إلى “سنجار”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة