خاص : كتبت – نشوى الحفني :
ما زال موضوع “الموازنة العراقية” يُشكل حجر عثرة أمام الوضع المعيشي في “العراق” وفي “كُردستان العراق”، ومع استمرار تأجيل جلسة الإقرار الخاصة بالقانون؛ تزيد الأزمة عمقًا، ووسط الجدل السياسي والتأزم الحاصل بين “إربيل” و”بغداد”، كشف مصدر برلماني عراقي، أمس الجمعة، عن اتفاق مبدئي بين الكتل السياسية والوفد الكُردي، حول المادة (11) من الموازنة.
وقال المصدر البرلماني، في تصريحات نشرت، أمس الجمعة، إن: “اتفاقًا مبدئيًا حصل بين الكتل السياسية والوفد الكُردي، برئاسة قوباد طالباني، يتلخص في الاتفاق في ما يتعلق بالمادة (11) من الموازنة على تسليم الإقليم: 460 ألف برميل إلى المركز، يسدد منها 250 ألف برميل يوميًا بشكل مباشر، أما البقية فيتم تسديدها بشكل آخر وفق آليات يتم الاتفاق عليها”.
وأضاف المصدر أن: “طالباني؛ عقد اجتماعًا مع القوى الكُردستانية في مجلس النواب؛ لمناقشة ما تم الاتفاق عليه، وبحضور نائب رئيس مجلس النواب، بشير الحداد”.
خلافات القوى السياسية المهيمنة..
ويعود عدم تمرير الموازنة العراقية هذا؛ إلى خلاف شديد تُبديه القوى السياسية المهيمنة، في “بغداد”، بشأن هذا التوافق، حيث تسعى جاهدة لأن تُحقق مزيدًا من التنازلات من “إقليم كُردستان”، في الحيزين السياسي والاقتصادي، لتمرير التوافق بين الحكومتين الإقليمية والمركزية بشأن الميزانية، حيث تشغل هذه الأحزاب المركزية، “الشيعية”، أغلبية أعضاءه، وهو ما يُعبر عن: “صراع بارد”، واضح يخوضه الطرفان طوال الشهور الماضية، حيث أكد مصدر كُردي رفيع، لـ (سكاي نيوز عربية)، بأن المطالب النهائية والجذرية لتلك القوى وإخضاع “إقليم كُردستان العراق” لخياراتها السياسية، دون أي تمايز، بطريقة شبيهة بما فعلته مع القوى والمناطق ذات الأغلبية السُنية.
اتفاق أولي توافقي..
وجاء الاتفاق الأولي، بين حكومة الإقليم والحكومة المركزية العراقية، توافقيًا تمامًا، فقد وافق الإقليم على تسليم 250 ألف برميل “نفط” يوميًا للحكومة المركزية، مع نصف موارد المنافذ الحدودي، على أن تدفع الحكومة المركزية حصة الإقليم من الميزانية، التي تم تخفيضها من 17% إلى 12.67%، حيث بعد حسم المصروفات السيادية؛ فإن حصة الإقليم تنخفض فعليًا لأن تكون أقل من 8%، ودون أي إلتزام من قِبل السلطة المركزية؛ بشأن رواتب وتسليح قوات (البيشمركة) الكُردية.
وأجمع معلقون أكراد على شبكات التواصل الاجتماعي، خلال الأيام الماضية، بأن ما تفعله الأحزاب المركزية في “بغداد”؛ هو محاولة: “خنق” إقليم كُردستان العراق اقتصاديًا للنيل منه سياسيًا.
مواجهة إعلامية..
ووصل الخلاف السياسي والاقتصادي، بين الطرفين، خلال الأيام الماضية، إلى مواجهة إعلامية، بعد المنشور المثير الذي كتبه القيادي في فصائل (الحشد الشعبي) والأمين العام لكتائب ما يسمى (سيد الشهداء)، “أبوآلاء الولائي”، الذي توجه بلهجة شخصية واتهامية تهديدية شخصية، للزعيم السياسي ورئيس إقليم كُردستان الأسبق، “مسعود البارزاني”، متوعدًا بـ”إسقاطه” وعدم السماح بتمرير قانون الميزانية العامة في البرلمان، والتي تتضمن حقوق وحصة “إقليم كُردستان العراق”.
ورأت الأوساط الكُردية أن مضمون المنشور، الذي كتبه “الولائي”؛ بأنه يُعبر عن توجه عام مناهض لـ”إقليم كُردستان”، حيث ردت عليها: “مؤسسة مكافحة الإرهاب” في إقليم كُردستان، عبر بيان رسمي: “أنت لا تمثل العراق ولا تتولى أي موقع رسمي، ولست سوى إرهابي جبان يدمر البلاد تلبية لرغبات أسيادك، فأنت وأمثالك تنفذون كل يوم عملاً إرهابيًا في مكان ما، وتوقعون ضحايا من المدنيين الأبرياء وتستهدفون الأماكن العامة والمطارات المدنية بالقصف الصاروخي وتعتدون على التحالف”.
هذا الرد الكُردي؛ أعتبره المراقبون قطعًا لشعرة الحسابات والمهادنة التي كانت تربط الطرفين من قبل.
وفسر الباحث والناشط المدني الكُردي، “شفان ماموستي”، أبعاد هذا التوتر السياسي والخطابي الحالي، بين الإقليم والقوى المركزية، قائلاً: “ثمة بوضوح ما يشبه العملية المتكاملة التي تقوم بها الأحزاب والقوى الشيعية العراقية، من تمرير قوانين برلمانية تحد من سلطات الإقليم، مرورًا بغض النظر عن عمليات إرهابية تمس أمن واستقرار الإقليم، وصولاً لرفع وتيرة الخطاب الشعبوي المناهض لرموزه وقواه السياسية”.
وأوضح “ماموستي”؛ أن: ” كل ذلك يجري ضمن اللعبة الكُبرى، التي تقودها إيران في العراق، حيث ترى بأن الأكراد يُمكن أن يملكوا رأيًا وتوجهًا خاصًا، غير مُطابق لما تسعى إليه إيران في العراق، وهذا ما يدفعها لخلق مثل هذه الضغوط الهائلة، وطبعًا المُفتعلة”.
وتركزت مشاريع القوانين، التي أشار إليها “ماموستي”، والتي جرت طوال الشهور الستة الماضية، حول إثنين رئيسيين أقرا، خلال الفترة الأخيرة، بالرغم من اعتراض “إقليم كُردستان” عليها.
تمرير عبر الأغلبية غير التوافقية..
فقانون المحكمة الاتحادية العراقية؛ تم إقراره بالأغلبية غير التوافقية، بالرغم من الاعتراضات الهائلة عليه، وكانت “شبكة الأقليات”، في “إقليم كُردستان”، قد حذرت من ممارسة ذلك فعليًا، حيث أنه إلى جانب القضاة والحقوقيين خبراء في الفقه الإسلامي، وسيكون له الأولوية في اتخاذ قراراتها، الأمر الذي يُهدد مدنية الدولة العراقية عبر تحويلها وإخضاعها لسلطة رجال الدين، وهو ما يمس “إقليم كُردستان” وإصراره على الحفاظ على تلك المدنية.
والتفصيل الآخر في قانون المحكمة، كان في تجاوز المصوتين، “الشيعة”، لرغبة “إقليم كُردستان” بأن تكون قرارات المحكمة عبر الإجماع، وليس الأغلبية العددية، لأنها تمنح المكون الشيعي سُلطة عُليا لاتخاذ قرارات عبر المحكمة الاتحادية.
كما أن قانون العجز المالي، الذي أقره “البرلمان العراقي”، قبل قانون المحكمة الاتحادية بأقل من شهرين فقط، تم تمريره أيضًا عبر الأغلبية غير التوافقية، وبالرغم من اعتراض النواب الأكراد وانسحابهم من جلسة التصويت.
إلتزامات قانونية تفرض التنازلات من الإقليم..
وفرض قانون العجز المالي مجموعة من الإلتزامات القانونية على النشاط الاقتصادي في “العراق”، بطريقة تفرض على الإقليم التنازل عن العديد من إمتيازاته الاقتصادية الخاصة، لصالح الإستراتيجيات والسياسيات الاقتصادية ومستويات النهب العام، التي تجري في المناطق الأخرى من “العراق”. لكن “إقليم كُردستان العراق” عاد ووافق على مضامين القانون، خلال عملية التفاوض مع الحكومة المركزية بشأن الميزانية العامة وحصة الإقليم منها.