خاص : كتبت – نشوى الحفني :
بعد انقطاعٍ دام 10 سنوات؛ كشف رئيس “هيئة النزاهة الاتحادية”؛ القاضي “حيدر حنون”، عن إطلاق حملة: “من أين لك هذا ؟”؛ تستهدف مرشحي انتخابات مجالس المحافظات التي ستُجرى قبل نهاية العام الجاري، للتأكد من عدم تورطهم بقضايا الفساد المالي والكسّب غير المشروع.
وقال رئيس الهيئة؛ القاضي “حيدر حنون”، في مؤتمر صحافي عقده الخميس الماضي، في “بغداد”: “نُطلق حملة (من أين لك هذا ؟) للإبلاغ عن التضخم والكسّب غير المشروع لدى مرشحي الانتخابات المحلية؛ هم وأزواجهم وأولادهم وكل من مشترك معهم”، مؤكدًا أن هذه الحملة تُشّكل الكشف عن الذمة للموظفين والمسؤولين التي بحاجة إلى التحقيق.
وأضاف أنه تم عقد اجتماع مع “المفوضية العُليا المستقلة للانتخابات” لإلزام رؤساء الأحزاب بتقديم كشف الذمة المالية، مبينًا أن المفوضية استجابت لمطلب “هيئة النزاهة” وخاطبت الأحزاب بهدف إجراء انتخابات نزيهة وشفافة وبعيدة عن المال السياسي.
وأضاف رئيس “هيئة النزاهة”؛ أن: “نجاح حملتي مكافحة الفساد ومن أين لك هذا، بالنسبة لمرشحي مجالس المحافظات؛ يحتاج بالدرجة الأولى إلى تعاون المواطنين والتعاون مع الأجهزة الرقابية لكشف الفاسدين”.
ودعا المواطنين في “العراق” إلى: “قراءة قانون هيئة النزاهة والكسّب غير المشروع لمعرفة الطريق نحو مكافحة الفساد”، مشّددًا على أن: “سّكوت المواطن والتهاون في مكافحة الفساد ومعاقبة الفاسدين يُزيد الفاسدين قوة ويُضعف أجهزة الدولة”.
لضمان النزاهة وعدم التأثير في خيارات الناخبين..
الخبراء والمراقبون يرون أن إطلاق هذه الحملة الاستباقية قبل بدء الانتخابات؛ هو خطوة صحيحة في محلها، لكشف الذمم المالية للمرشّحين لانتخابات “مجالس المحافظات” والتدقيق فيها، درءًا لشّبهات الفساد وتوظيف المال السياسي انتخابيًا، معتبرين أن إطلاق هذه الحملة سيُزيد من فرص إجراء انتخابات أكثر نزاهة، والحد من استخدام الأموال من قبل مراكز قوى ومرشحين للتأثير في خيارات الناخبين وتوجهاتهم.
ويقول الخبير القانوني؛ الدكتور “محمد السامرائي”، في حديث مع موقع (سكاي نيوز عربية)، أن هذه الحملة تتسّق مع خطورة ظاهرة الفساد بكافة أشكالها المالي والإداري والسياسي، وهي مُلحة لضمان نزاهة من يتولى المناصب السياسية والقيادية المهمة في إدارة مؤسسات الدولة وسلطاتها.
فعندما تكون أدوات الصعود لمجالس منتخبة بطريق مخالفة للقانون، وتنطوي على دفع أموال ورشى وشراء ذمم، فإنها تدخل ضمن نطاق الفساد السياسي والوظيفي.
مضيفًا؛ نحن على أعتاب انتخابات محلية لمجالس المحافظات هذا العام، وثمة مخاوف كبيرة عبرت عنها النخب السياسية والأكاديمية وخبراء القانون، من مغبة استخدام المال السياسي وتوظيفه للتلاعب بنتائج الانتخابات وتوجيهها لصعود وفوز الفاسدين على حساب أصحاب الأيادي النظيفة.
ولا تُخفى هنا خطورة تأثير الإنفاق المُبّالغ به وأموال الفساد في تغيّير نتائج الانتخابات عامة المحلية والتشريعية، مما يستوجب من “هيئة النزاهة” ودائرة شؤون الأحزاب والمدعي العام والنخب الجماهيرية، التعاون والتنسّيق لمكافحة الفساد ومنع استخدام المال السياسي في الانتخابات.
وهكذا ثمة أهمية قصوى لمطالبة “هيئة النزاهة”؛ لقادة الأحزاب والكتل ومرشحي مجالس المحافظات، بالكشف عن الذمم المالية لهم، لتُبيّن مدى تضخم تلك الذمم باعتبارها جريمة يُعاقب عليها قانون “هيئة النزاهة” والكسّب غير المشروع.
وهذه الخطوة مهمة جدًا لضمان نزاهة وشفافية العملية الانتخابية، وهي بحاجة لدعم ولمراقبة دؤوبة من قبل الرأي العام والإعلام للكشف عن حالات الإنفاق غير المُبّرر والمُبّالغ به، من قبل الأحزاب ومرشحيها، ومن ثم المُسّاءلة لإثبات مصدر هذه الأموال وأسباب زيادة الإنفاق المحدد مقاديره، بموجب تعليمات مفوضية الانتخابات.
وكل ذلك؛ يتطلب تعاون مختلف الجهات الرقابية والحكومية والشعبية في إطار مكافحة الفساد وحماية المال العام، ومنع السّيطرة على إرادة الناخبين وتزويرها بقوة المال غير المشّروع.
حد فاصل..
وخلال نيسان/إبريل الماضي؛ كانت “لجنة النزاهة” النيابية بـ”البرلمان العراقي”، قد كشفت أن تفعيل قانون “من أين لك هذا ؟”؛ الذي ينتظر التشّريع سيدعم إجراءات ملاحقة الفاسدين.
وقالت عضو “النزاهة” النيابية؛ النائب “ضحى القصير”، في تصريح صحافي: “لدينا في اللجنة كثير من القوانين التي طُلبت من قبل هيئة النزاهة، وبينها قانون (من أين لك هذا ؟)، والآن يتم إعدادها ودرسّها لتأخذ دورها في التشّريع وتُسّاند عمل الهيئة”.
وأشارت إلى أن: “تفعيل القانون سيكون الحد الفاصل في حسّم موضوع مكافحة الفساد وملاحقة الفاسدين سواء داخل العراق أو خارجه”.
تفعيل القانون لمواجهة “إمبراطورية الفساد”..
وكان زعيم (التيار الصدري)؛ “مقتدى الصدر”، دعا في تشرين ثان/نوفمبر 2021، إلى تفعيل قانون: “من أين لك هذا ؟”، خلال المرحلة المقبلة مع السلطتين التشّريعية والتنفيذية، على أن يكون شاملاً الجميع بلا استثناء للحد من ظاهرة الفساد.
من جهة أخرى؛ حذر النائب عن تحالف (قوى الدولة)؛ “علي شداد الفارس”، من استفحال ما سّماه: “إمبراطورية الفساد”، بحجة النزاهة لدى بعض الشخصيات التي تحمل تسّميات رسّمية.
وقال “شداد” في بيانٍ له: “بتّنا نلمسّ في الآونة الأخيرة تحركات مريبة من قبل الفاسدين الذين يستغلون بشكلٍ أو بآخر صفاتهم الرسّمية والرقابية من أجل ابتزاز بعض المسؤولين في جميع الوزارات ومسّاءلتهم بغية الحصول على تسّهيلات غير قانونية لمشاريع اقتصادية تذهب أموالها إلى جيوب الفاسدين”.
وطالب الجهات الرقابية الحكومية و”مجلس النواب”: “بالإسراع في تطبيق قانون (من أين لك هذا ؟) ومسّاءلة جميع الذين تضخمت أموالهم منذ عام 2003 وما بعده، ومن عليه شبّهات ابتزاز للمسؤولين أو فساد أفضى إلى إنشاء إمبراطورية من أموال السّحت الحرام وعمليات الابتزاز الممنهجة”.
تُطبق على جميع الموظفين..
وسبق وأن قال المتخصص القانوني؛ “علي التميمي”، إن هذا المشروع يجب أن يختلف عما جاء في قانون “هيئة النزاهة” رقم (30) لسنة 2011؛ من إجراءات روتينية شّكلية لا تُطبق على الواقع، ولا تنصب على ما في حوزة الشخص الموظف من منقولات وهدايا، بل تُركز على العقارات والمنقولات الكبيرة والأرصدة.
وأوضح أن العقوبة المقترحة في مشروع القانون الجديد، وهي الحبس خمس سنوات، يجب أن تشمل عدم الكاشفين عن ذممهم المالية وفق مبدأ: “المتهم مُدان حتى تثبّت براءته”، كما ينبغي أن تُطبق ليس فقط على الدرجات الخاصة بل على جميع الموظفين، فأحيانًا يكون لدى بعض الموظفين سلطة أعلى من الدرجات الخاصة.
يزج بعشرات الآلاف في السجون !
كما قال الباحث السياسي؛ “علي البيدر”، إن هذا القانون قد يزج بعشرات آلاف العراقيين في السجون، خصوصًا صغار الفاسدين الذين لا تصل رواتبهم إلى: 1000 دولار شهريًا، ولكنهم يمتلكون ثروات صغيرة وعقارات وبعض الأرصدة البنكية.
ورأى أن القانون الجديد سيُسّهم في تخويف الفاسدين أو الحد من ظاهرة الفساد في حال تطبيقه، مؤكدًا في الوقت نفسه أن الأمر يحتاج إلى مؤسسات جديدة رقابية ووطنية لتطبقه، فضلاً عن توعية المجتمع به للحيلولة دون استخدامه لأغراض تتعلق بالتصفية السياسية.
جرائم الفساد المالي لا تسقط بالتقادم..
ويُقر الباحث الاقتصادي؛ “بسام رعد”، بأن الفساد المالي يُشكل مصدر قلق على مستقبل البلاد، ويعرّف الفساد المالي بأنه أفعال أو جرائم تُشكل ممارسات فاسدة وتشترك في عنصرين عمومًا، الأول أنها تنطوي على إساءة استخدام السلطة في القطاعين العام والخاص، وثانيها أن الأشخاص الذين يُسّيئون استخدام سلطاتهم يجنون من وراء ذلك منافع ليست من حقهم.
ويُضيف “رعد”: “شكلت ظاهرة الغنى الفاحش والمفاجيء في المجتمع إحدى نتائج الفساد، لذلك فإن تفعيل هذا القانون لمحاسّبة لصوص المال العام سيكون بداية ونهاية الفاسدين، إذ إن جرائم الفساد المالي لا تسّقط بالتقادم وبالتالي يمكن محاسّبة هؤلاء الفاسدين ووضع حد لجرائمهم في حق المجتمع”.
ولفت إلى أن: “حالات الفساد المالي تشّوه استقرار الاقتصاد الكلي وتولد تعقيدات اجتماعية كبيرة في المدى البعيد، نظرًا إلى ردود الفعل الشديدة للناس”، مشددًا على ضرورة تعاون المواطن من خلال الإسّهام بالكشف عن هؤلاء الفاسدين الذين تضخمت ثرواتهم بصورة غير مشروعة، لأن مكافحة الفساد المالي عملية متكاملة بين الدولة والمجتمع.