خاص: كتبت- نشوى الحفني:
في خطوة جديدة تقضّي على النفوذ الفرنسي في القارة السمراء؛ أنهت “فرنسا” رسميًا، أمس الخميس، تواجدها العسكري الدائم في “السنغال”، والذي دام (65 عامًا)، وذلك بعد تسليّم آخر القواعد العسكرية الفرنسية إلى السلطات السنغالية، خلال حفلٍ رسمي في العاصمة؛ “داكار”.
وسّلطت وسائل الإعلام الفرنسية الضوء على الحدث؛ التي وصفته: بـ”يوم تاريخي للسنغال”، فقد أنهى الجيش الفرنسي رسميًا تواجده الدائم على الأراضي السنغالية؛ أمس الخميس.
وأُقيّم احتفالٍ رسمي في “داكار”، أُعيدت خلاله رسميًا آخر المنشآت العسكرية الفرنسية في الدولة الواقّعة في غرب “إفريقيا” إلى السلطات السنغالية، بحضور رئيس أركان القوات المسلحة السنغالية؛ الجنرال “مبايي سيسي”، والجنرال “باسكال ياني”، رئيس قيادة الجيش الفرنسي في “إفريقيا”.
وتضمن الاحتفال تسليّم (معسكر جيل)، أكبر معسكر عسكري فرنسي في “السنغال”، والواقّع في منطقة “أواكام” في “داكار”، ويضم مركز “قيادة هيئة الأركان المشتركة” و”وحدة التعاون الإقليمي”، وأيضًا “المقياس الجوي العسكري المتقدم” في مطار العاصمة السنغالية.
يُنّهي “60 عامًا” من التواجد..
وخلال الحفل؛ سلمّت “فرنسا”، “السنغال”، رمزيًا مفاتيح معسكر (جيل)، ما يُمثّل نهاية رسمية لتواجد القوة الفرنسية في “السنغال” بعد أكثر من: (60 عامًا) في البلاد، والتي ضمت نحو: (350) جنديًا فرنسيًا، كانت مهمتهم الرئيسة تنفيّذ نشاطات شراكة عسكرية عملياتية مع القوات المسلحة السنغالية.
وذكرت وسائل الإعلام الفرنسية؛ أن الانسحاب الفرنسي قد بدأ في آذار/مارس الماضي، وأعاد الجيش الفرنسي العديد من القواعد لـ”السنغال”؛ منذ مطلع آذار/مارس، وهو ما يُشّكل الحلقة الأخيرة من سلسلة من الانسحابات الفرنسية من دول غرب ووسط “إفريقيا”. فمنذ عام 2022، أنهى الجيش الفرنسي تواجده الدائم في “مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد والغابون”.
تاريخ التواجد الفرنسي في “السنغال”..
وتمّركزت القوات الفرنسية في “السنغال”؛ منذ استقلالها عام 1960، بموجب اتفاقيات دفاع وتعاون مشتركة، مع “دعم بناء” الجيش السنغالي بين عامي (1960 و1974).
وفي عام 2011؛ مهدّت القوات الفرنسية في “شبه جزيرة الرأس الأخضر”، والتي تشّكلت عام 1974، الطريق أمام: “العناصر الفرنسية في السنغال” التي لم تكن تضَّم وحدات قتالية ولكن مجموعة من المدَّربين المتخصَّصين.
وفي 2012؛ تمت المصادقة على تغييّر شكل الشراكة العسكرية بتوقّيع معاهدة في مجال التعاون العسكري بين البلدين. وأصبحت القوات السنغالية وحدها مسؤولة عن الدفاع عن سلامة أراضي البلاد.
وظلت “السنغال”؛ بعد استقلالها عام 1960، واحدة من أقوى الحلفاء الأفارقة لـ”فرنسا”، القوة الاستعمارية المهيَّمنة السابقة في غرب “إفريقيا”. لكن القادة الجدَّد الذين تولوا السلطة؛ في نيسان/إبريل 2024، تعهدوا بمعاملة “فرنسا” على قدم المسّاواة مع شركائها الأجانب الآخرين، سعيًا لاستعادة السيّادة.
ففي تشرين ثان/نوفمبر 2024؛ أعلن الرئيس السنغالي؛ “باسيرو ديوماي فاي”، الذي تولى الحكم في نيسان/إبريل 2024، نهاية كل وجود عسكري فرنسي وأجنبي على التراب الوطني بحلول عام 2025، موضحًا أن: “السنغال دولة مستَّقلة، وهي دولة ذات سيّادة، والسيّادة لا تسمح بوجود قواعد عسكرية في دولة ذات سيّادة”. إلا أنه اعتبر أن الخطوة لا تعني قطيعة مع “فرنسا”، بل تؤسس: لـ”شراكة متجدَّدة”.
قاعدة “جيبوتي”..
ومنذ عام 2022؛ أنهى الجيش الفرنسي تواجده الدائم في “مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد والغابون”؛ حيث أصبحت القاعدة الفرنسية بمثابة: “معسكر مشترك”، (غابوني-فرنسي)، يُركز على التدريب.
وبعد تسليّم هذه القاعدة في “داكار” أمس، لا تزال “فرنسا” لديها في “جيبوتي” قاعدة عسكرية دائمة تُضم نحو: (1500) جندي، وتسّعى “باريس” إلى جعلها: “نقطة انطلاق”؛ لـ”مهام” في “إفريقيا”، بعد انسحاب قواتها من منطقة الساحل.
نهاية حقبة وبداية جديدة..
في تعليقه؛ يقول الدكتور “مامادو فال”، الباحث في مركز (واب) للدراسات الأمنية في “داكار”، في حديث لـ (العين الإخبارية)، إن هذه الخطوة تأخرت كثيرًا، لكنها جاءت أخيرًا نتيجة ضغط شعبي وسياسي كبير منذ سنوات، لا سيّما مع صعود تيارات سياسية تُطالب بتحرير القرار السيّادي من النفوذ الفرنسي.
قبل أن يُضيّف: “وجود قواعد فرنسية منذ الاستعمار وحتى اليوم؛ هو تنُاقض صارخ مع مفهوم السيّادة”.
ورأى أن تسليّم آخر قاعدة عسكرية: “يُمثّل نهاية حقبة وبداية جديدة”، موضحًا أن: “التعاون العسكري سيُعاد تشّكيله على أسس أكثر توازنًا”.
“مامادو”؛ مضى موضحًا: “هناك تحول في وعي الشعوب الإفريقية.. الشباب يرفضون التبعية، ولا يرون في فرنسا شريكًا طبيعيًا بعد الآن، بل طرفًا يجب التعامل معه بندّية”.
كما حذّر من محاولات إعادة تدوير النفوذ عبر قنوات غير مباشرة: “نعم للتدريب، نعم للشراكة، لكن بلا قواعد عسكرية، بلا تحكم خارجي في السياسات الأمنية، وبلا وصاية سياسية ناعمة تحت مسَّمى الدعم اللوجستي”.
تحول عميق في السياسة الخارجية..
ويرى الباحث الفرنسي في الشأن الإفريقي؛ “جان-بيير رامبو”، من “معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية”؛ (IRIS)، في “باريس”، أن إنهاء الوجود الفرنسي الدائم في “السنغال”: “جاء نتيجة مسّار طويل من إعادة التقييّم الاستراتيجي”.
وأوضح “بيير رامبو”: “منذ 2021، أدركت القيادة الفرنسية أن نموذج القواعد الدائمة في إفريقيا بات مرفوضًا شعبيًا وسياسيًا، سواء في الساحل أو في غرب إفريقيا. هذا لا يعني نهاية التعاون العسكري، بل انتقاله إلى نموذج أكثر مرونة قائم على الطلب وليس الوجود الثابت”.
وأضاف: “الرمزية كبيرة، لكنها أيضًا ناتجة عن التراكم: خروج القوات الفرنسية من مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو، وتشاد، وساحل العاج، يؤشّر على تحول عميّق في سياسة فرنسا الخارجية… لكنها في جزء منها أيضًا استجابة لضغوط الرأي العام الإفريقي”.
ويؤكّد الباحث الفرنسي أن: “فرنسا ستُحاول التركيز مستقبلًا على ملفات أقل حساسية مثل التدريب، والتعاون البحري، ومكافحة الجريمة السيبرانية، دون الحضور العسكري الدائم الذي بات عبئًا أكثر من كونه رافعة نفوذ”.