بأشياء أخرى قبل “تايوان” .. كيف تحسم بكين “حرب الرقائق الإلكترونية” لصالحها ؟

بأشياء أخرى قبل “تايوان” .. كيف تحسم بكين “حرب الرقائق الإلكترونية” لصالحها ؟

وكالات – كتابات :

لا يمكن لـ”الصين” أن تحسّم صراع الهيمنة والنفوذ مع “الولايات المتحدة”، حتى ولو تفوقت عليها في حجم الناتج الداخلي الخام، ما لم تحسّم معركة الرقائق الإلكترونية، التي تقوم عليها جميع الصناعات التكنولوجية الحديثة.. فما علاقة “تايون” بذلك ؟

“تايوان” من أكبر اللاعبين في صناعة الرقائق الإلكترونية..

تميل الكفة في هذا الصراع؛ حتى الآن، لصالح “واشنطن”، التي تسّعى لحرمان “بكين” من الوصول إلى تكنولوجيا تصّنيع الرقائق الإلكترونية؛ (أشباه الموصلات)، والتي تُسّتخدم في كل الأجهزة الإلكترونية من الهواتف الذكية إلى أجهزة الحاسوب والسيارات وحتى الصواريخ والأسلحة النووية والأقمار الصناعية.

وفق أرقام عام 2022، يمتلك عدد قليل من الدول تكنولوجيا تصنيع الرقائق الإلكترونية؛ خاصة المتقدمة منها بحجم: 10 بل 5 نانومتر، وعلى رأسها: “تايوان وكوريا الجنوبية”، اللتان تسّتحوذان على أكثر من: 20% لكل منهما، و”الصين”: 15%، و”الولايات المتحدة”: 12%، و”الاتحاد الأوروبي” نحو: 10%، بينما تُصّدر “هولندا واليابان” آلات تصنيع وصيانة الرقائق الإلكترونية.

لكن هذه الأرقام لا تعكس الحقيقة الكاملة، كما يقول تقرير لوكالة (الأناضول)؛ إذ إن “تايوان” تسّتحوذ وحدها على نحو: 92% من الرقائق عالية التقنية بدقة: 10 نانومترات، والتي لها القدرة على تخزين حجم أكبر من البيانات في مساحة صغيرة جدًا، تُعتبر الأكثر تقدمًا في العالم، بفضل شركة (تي. آس. آم. سي) الضخمة.

“الصين” و”أميركا” وحرب الرقائق الإلكترونية..

“الصين”؛ التي انطلقت من الصفر تقريبًا قبل 20 عامًا؛ تجاوزت “الولايات المتحدة”؛ التي كانت تسّتحوذ حينها على: 37%، قبل أن تفقد ريادتها لصالح “تايوان”، التي تُطالب “بكين” بالسّيادة عليها.

هذا الوضع أزعج “واشنطن” ودفعها لفرض عقوبات على شركات التكنولوجيا الصينية؛ وعلى رأسها (هواوي)، وردت الشركات الصينية بشراء كميات كبيرة من الرقائق تحسّبًا لأي حظر على تصديرها إلى البلاد مما خلق نُدرة في السوق الدولية، زادها بلةِ أزمة سلاسّل التوريد التي تسّبب فيها وباء (كورونا).

هذا الوضع تسّبب في غلق عدة مصانع أبوابها، على غرار مصانع السيارات، وأظهر للعالم أهمية هذه الرقاقة الصغيرة في استمرار دوران عجلة الحياة المعاصرة، والتي لا يمكن الاستغناء عنها في أي صناعة إلكترونية.

وقيّدت “واشنطن”؛ في تشرين أول/أكتوبر 2022، عمليات تصدير أشباه الموصلات إلى الشركات الصينية، وألزمت الشركات الأميركية الراغبة في تصدير الرقائق إلى “بكين” الحصول على رخصة مسّبقة.

وضغطت “واشنطن” على دول حليفة لها، على غرار “تايوان” و”هولندا” و”اليابان” لوقف صادراتها من أشباه الموصلات ومعدات تصنيعها إلى “الصين”. وانضمت “اليابان” إلى “الولايات المتحدة وهولندا”، وقررت تقييّد صادرات معدات صناعة الرقائق إلى “الصين”.

في نهاية آذار/مارس المنصرم، أعلنت “وزارة التجارة” اليابانية، أن الشركات الموردة: لـ 23 نوعًا من تكنولوجيا الرقائق الإلكترونية ستحتاج موافقة حكومية للتصدير إلى دول عدة، بينها “الصين”، اعتبارًا من تموز/يوليو المقبل.

“أميركا” تُحاول إبطاء “الصين” في سّباق الرقائق الإلكترونية..

تسّعى “الولايات المتحدة” وحلفاؤها؛ لإبطاء تطور “الصين” في صناعة أشباه الموصلات؛ ما يؤثر على صناعاتها التكنولوجية، خاصة التي تعتمد على الذكاء الصناعي؛ كتصنيع الأسلحة المتطورة؛ مثل مقاتلات الجيل الخامس، وسيخلق ذلك فجوة تكنولوجية بينها وبين الغرب، ويجعلها غير قادرة على منافسة “الولايات المتحدة” في الصناعات العسكرية والتكنولوجية.

وتتهم أوساط غربية؛ “الصين”، بتوريد أشباه موصلات تُنتّجها محليًا إلى “روسيا”، والتي تستخدمها في صناعة مختلف الأسلحة التي يُقاتل بها جيشها في “أوكرانيا”، رغم أن “الصين” كانت تورّد لـ”روسيا” نحو: 70% من احتياجاتها من الرقائق قبل الحرب.

ورغم الحظر الغربي لتوريد الرقائق الإلكترونية إلى “موسكو”؛ إلا أن المصانع الحربية الروسية واصلت إنتاج أسلحة ذكية ومتطورة دون توقف، بما فيها الصواريخ فرط صوتية، التي يفترض أن مخزونها نفّد، إلا أن الجيش الروسي واصل استخدامها ضد أهداف أوكرانية، ما طرح تساؤلات حول مصدر الرقائق: “المتطورة” التي أنتجت منها هذه الأسلحة، التي لا تصنع “الصين” منها سوى ما هو أقل تطورًا.

الأتربة النادرة..

“الصين” لم تبق مكتوفة الأيدي أمام محاولة حرمانها من التكنولوجيا المتطورة للرقائق الإلكترونية، فإلى جانب عمليات الشراء الكثيفة لأشباه الموصلات، خصصت نحو: 143 مليار دولار لتحقيق الاكتفاء الذاتي في صناعة الرقائق الإلكترونية، وتطويرها عبر دعم البحث العلمي والابتكار في هذا المجال.

كما وضعت خطة للاعتماد على كفاءاتها العلمية واستقطاب مهندسين وخبراء من “تايوان” لتطوير صناعة الرقائق، ناهيك عن محاولة الاستحواذ على شركات بريطانية لأشباه الموصلات، لكن السلطات البريطانية سّعت لعرقلة إتمام مثل هذه الصفقات لارتباطها بما تصفه: بـ”الأمن القومي”.

وتلوّح “الصين” بورقة الأتربة النادرة، التي ورغم تراجع حصتها من الإنتاج العالمي من: 90% إلى نحو: 70% في 2022، إلا أن الدول الغربية تعتمد عليها في عدة صناعات حديثة مدنية وعسكرية، على غرار صناعة أشباه الموصلات وبطاريات السيارات الكهربائية والصواريخ والأقمار الصناعية.

وتقول صحيفة (نيكاي) اليابانية، إن المسؤولين الصينيين يُخططون لإجراء تعديلات على قائمة قيود تصدير التكنولوجيا، والتي تم تحديثها آخر مرة في عام 2020.

وتعتزم “الصين” تقييّد تصدير الأتربة النادرة إلى الدول التي تُقيّد توريد أشباه الموصلات لها، ما من شأنه ضرب صناعة الرقائق والأسلحة والذخائر في “الولايات المتحدة” وحلفائها.

ومن شأن ذلك التسّبب في أزمة جديدة في سلاسّل التوريد لأشباه الموصلات، لأن “الصين” تُصّدر لـ”الولايات المتحدة” معادن: (النيون والغاليوم والزرنيخ)، التي تدخل في صناعة الرقائق الإلكترونية المتقدمة، والتي تُعتبر مكونات أساسية لأنظمة توجيه الصواريخ والحرب الإلكترونية وقدرات الذكاء الاصطناعي.

لكن خطوة من هذا النوع ستكون سلاحًا ذا حدين، لأنها حتى وإن أضرت بـ”الولايات المتحدة” وحلفاءها فإنها ستضر أيضًا على المدى المتوسط بهيمنة “الصين” على قطاع تعدين الأتربة النادرة، خاصة أنها متوفرة في عدة مناطق على غرار “إفريقيا”.

صراع على معادن “إفريقيا” التي تدخل في صناعات الرقائق الإلكترونية..

وهناك تنافسّ بين القوى الكبرى للاستحواذ على مناجم الأتربة النادرة في “إفريقيا”، التي تُعد “الصين” من بين الدول القليلة التي تمتلك تكنولوجيا تعدينها؛ ما يجعل الدول الأوروبية و”اليابان والولايات المتحدة” تُعاني من تبعية لـ”الصين”.

وتتواصل لعبة عض الأصابع بين “واشنطن” و”بكين”، فالأولى تملك تكنولوجيا تصنيع الرقائق، والأخيرة تتحكم في إنتاج عناصر أرضية نادرة تدخل في صناعة أشباه الموصلات.

وبينما تملك “الولايات المتحدة” خيار ضخ استثمارات لاستخراج الأتربة النادرة؛ سواء على أرضها أو في “أوروبا” أو حتى في “إفريقيا”، تلوّح “الصين” بضم “تايوان” إليها بالقوة، بما فيها مصنع (تي. آس. آم. سي) لأشباه الموصلات، ما سيجعلها تحسّم معركة أشباه الموصلات بسرعة بدل انتظار سنوات للحاق بـ”واشنطن”.

غير أن هذا السيناريو، يقابله تهديدات أميركية بتفجير مصنع (تي. آس. آم. سي)، إذا ما استولت عليه “الصين”، حتى لا تحصل على التكنولوجيا المتقدمة لأشباه الموصلات.

وفي الوقت نفسه؛ خصصت “الولايات المتحدة” أكثر من: 52 مليار دولار لتعّزيز صناعة أشباه الموصلات، ونقل التكنولوجيا المتقدمة من “تايوان” إلى البر الأميركي؛ تحسّبًا لأي احتمال باستيلاء “الصين” على مصنع (تي. آس. آم. سي) أو تفجيره.

الدول الأوروبية هي الأخرى تسّعى لمضاعفة حصتها من إنتاج أشباه الموصلات من: 10% إلى: 20% من الإنتاج العالمي، والوصول إلى تصنيع رقائق متقدمة أقل من: 10 نانومتر.

“اليابان”، التي ضاعفت ميزانية دفاعها بشكلٍ أقلق “الصين وروسيا”، تسّعى هي الأخرى لضخ مزيد من الاستثمارات لتصنيع كميات أكبر وأكثر تقدمًا لأشباه الموصلات.

واستمرار هذا الوضع، سيؤدي إلى تعميق الانقسام العالمي بين معسكرين؛ الأول بقيادة “الولايات المتحدة وأوروبا واليابان وتايوان”، أما المعسكر الثاني فيتمثل في “الصين وروسيا”، أي بين من يملكون تكنولوجيا متقدمة لصناعة أشباه الموصلات ومن يحتكرون إنتاج العناصر النادرة التي يدخل بعضها في صناعة الرقائق الإلكترونية.

ومن يمتلك تكنولوجيا تصنيع الرقائق الالكترونية، وقبلها العناصر النادرة وتكنولوجيا استخراجها، يمكنه حسّم معركة قيادة العالم في القرن الواحد والعشرين، وتُمثل “تايوان” عنوانًا لهذا الحسّم.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة