كتب داود العلي : إذا كان لانتخابات برلمان العراق في العام 2014 علامات فارقة، فإن “الحالة الكردية” الجديدة ستكون أبرزها وأكثرها إثارة للانتباه، إذ يفاجئ الكرد الخارطة السياسية العراقية، بتحالف مفكك، على خلاف شكله الموحد في السنوات السابقة.
وفي الوقت الذي تقترب مفاوضات تشكيل حكومة الإقليم من نهايتها، على وفق مبدأ “المشاركة الواسعة”، وما قد يعنيه ذلك من موقف شبه موحد على الساحة الكردستانية، تعاني الأحزاب الكردية كثيراً قبل التوصل إلى اتفاق بشأن شكل المشاركة في الانتخابات الاتحادية.
ويقول مصدر سياسي كردي، لـ”العالم”، إن “القوى الكردية ستشارك في انتخابات البرلمان العراقي بشكل منفرد”.
ويعود قرار المشاركة المنفردة، عموماً، إلى طبيعة قانون الانتخابات، وصيغة “سانت ليغو” المعدلة، التي تمنح القوى الصغيرة القدرة على الفوز بالمقاعد.
لكن الحالة الكردية الجديدة ستكون تحت تأثير خلافات حادة على التوازن بين القوى الرئيسية. فبعد صعود كتلة المعارضة، “تغيير” بزعامة نوشيروان مصطفى، وتراجع نفوذ الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس جلال طالباني، سيكون من الصعب حسم تحالفات البيت الكردي في وقت قريب.
كركوك.. تفجر الأزمة
وفجر ترشيح نجم الدين كريم، محافظ كركوك والقيادي في الاتحاد الوطني، لرئاسة كتلة “كركوك الكردستانية”، التي من المفترض أن تشارك في الانتخابات العراقية، خلافاً حاداً مع حزب رئيس الإقليم، مسعود بارزاني.
ويعتقد حزب رئيس الجمهورية، جلال طالباني، بأنه بحاجة ماسة لوجود كريم على رأس تحالف كردي في كركوك يتنافس على الانتخابات التشريعية، في ظل تراجع نفوذه السياسي داخل الإقليم.
وخسر الاتحاد موقعه في كردستان لصالح حركة التغيير، التي بدأت تشكل مصدر قلق كبير حتى على مستوى النفوذ في معقل طالباني، بالسليمانية.
ويقول الصحفي الكردي، شوان محمد، لـ”العالم”، إن “الوضع في المدينة ينذر بمخاطر كبيرة، على خلفية الصراع بين التغيير والاتحاد الوطني”.
وتابع، “الاتحاد الوطني يشعر بأنه قريب من خسارة منصب المحافظ (…) وهذا يرجع الحزب إلى الوراء، كثيراً”.
ويعتقد شوان بأن “ترشيح كريم في الجبهة الخارجية للإقليم كان ضرورياً للاتحاد للإفاقة من صدمة الداخل الكردستاني”.
لكن حزب مسعود بارزاني وجه ضربة موجعة لحليفه وغريمه، حين تراجع عن دعمه لترشيح كريم.
وقرر اجتماع للأحزاب الكردية، في كركوك، الأسبوع الماضي، أن يترأس القائمة، عضو من الاتحاد الوطني الكردستاني، وكان نجم الدين كريم هو المرشح لهذا المنصب.
وبعد يوم واحد من الاجتماع تراجع الحزب الديمقراطي الكردستاني عن دعم ترشيح كريم، وأخبر قياديين في الاتحاد بأن سبب تغيير موقفه يعود إلى أن “كريم فقد توازنه ولم يستطع النظر إلى أطراف ومكونات كركوك بالتساوي”.
وقال صلاح دلو، القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، “نأخذ المصلحة القومية في نظر الاعتبار، لأنه باستثناء الحزب الديمقراطي الكردستاني هناك مجموعة من الأحزاب لديها التصور ذاته عن ترشيح كريم”.
لكن الاتحاد الوطني الكردستاني يعتقد بأنه “القوة الأكبر” في كركوك، وعلى ما يقول بيان للحزب فإن “الأحزاب الكردية انسحبت من قائمة كركوك بعد 24 ساعة من إعلانها، بسبب رفضها لتسمية رئيس القائمة”.
وقال البيان، “وفقا لاحتساب الأصوات والمقاعد في كركوك فان الاتحاد الوطني القوة الأولى والأغلبية، لكن الاتحاد الوطني لم يتعامل تجاه تحقيق وحدة صف شعبنا في كركوك وفقا للأغلبية والأقلية”. وكان الحزب في بيانه هذا يدعو بقية القوى إلى “إعادة النظر في قرار الانسحاب من القائمة”، لكن لا يبدو أن كريم سيمضي رئيساً للقائمة، التي انتهت في يوم إعلانها. ويقول الصحفي الكردي، شوان محمد، “الخلاف في كركوك كشف النقاب عن حالة توازن مختلفة في كردستان، ثمة أقوياء جدد، يتحكمون بالمشهد”.
ويعتقد محمد أن الخلاف في كركوك نشر عدوى “النزول بقوائم منفردة في بقية المناطق”.
وقررت أحزاب كردية في بغداد وخانقين والموصل المشاركة في الانتخابات بشكل منفرد، وهذا ما لم يحدث من قبل.
مفاجآت من داخل الاتحاد
خسارة الاتحاد الوطني رئاسة قائمة كركوك، تضاف إلى سلسلة الضربات الموجعة التي تعرض لها حزب “مام جلال”، وهي ستسرع من حدوث مفاجآت داخل الحزب.
وكانت مصادر سياسية كردية رجحت حدوث انشقاقات داخل الحزب، خصوصاً مع “انزعاج” القيادي فيه برهم صالح، الذي تحدث في اجتماعات خاصة مع قادة بارزين، عن أنه “يرى في السياسة المتوترة للاتحاد مقدمة لنكسة تاريخية”. ويقترح صالح نهجاً سياسياً مختلفاً عما يجري اعتماده حالياً، خصوصاً الطريقة التي تعمل بها هيرو خان أحمد، زوجة طالباني.
ويزعم مقربون من صالح، أنه يعد العدة “لخطوة سياسية صادمة”، في إطار التحضير للانتخابات العراقية، لكنه ينتظر احتفالات رأس السنة المقبلة.
ويرتبط هذا الموعد بحديث كردي متصاعد عن وصول طالباني إلى السليمانية، وفي حال لم يحدث ذلك فإنه الموعد ذاته سيكون مناسبة لتقديم برهم صالح نفسه للساحة الكردية بشكل مختلف، قد يزعج قيادة الاتحاد.
التغيير.. انتهاز الفرص
كانت حركة نوشيروان مصطفى تراقب انهيار “قائمة كركوك الكردستانية”، وبدأت تفكر في انتهاز الفرصة، لتحصل على زخم إضافي لصعودها في كردستان.
وبدأت الحركة سريعاً مشاورات مكثفة مع الحركة الإسلامية الكردستانية، والجماعة الإسلامية في الاقليم، لتشكيل تحالف في كركوك يشارك في الانتخابات.
ويقول مصدر كردي مطلع، “بدأت أخبار انهيار قائمة كركوك الكردستانية تتسرب إلى قيادات أحزاب المعارضة، وعلى الفور بدأت الاتصالات لإنشاء تحالف بديل”.
وأضاف المصدر، “احتاج الاتفاق على التحالف البديل وقتاً طويلاً، لكن الوقت كان ضيقاً بسبب الموعد النهائي الذي وضعته المفوضية لتسجيل الكيانات”.
وقال قيادي في حركة التغيير، “كنا على وشك الاتفاق، لكن الوقت أدركنا”.
كركوك كردستانية
حين سقط مشروع القائمة الكردية الموحدة في كركوك، بسبب اسم رئيسها، كان الاتحاد يحث خصومه ومعارضيه على “حماية مستقبل كردستان”.
ويعتقد الكرد ان المرحلة القادمة في العراق ستكون مرحلة استعادة كركوك.
وجاء في بيان لمركز تنظيمات الاتحاد الوطني، “على جميع القوى الكردستانية الحرص على عدم ضياع فرصة العمل المشترك في كركوك”. لكن مصدراً سياسياً رفيعا في الحزب الوطني الكردستاني، قال، لـ”العالم”، إن “حل الوضع في مدينة كركوك المتنازع عليها، لن يكون معتمداً بالدرجة الأساس على قائمة كردية موحدة في المدينة”.
وأكد المصدر، “التحالفات الكردية بعد إعلان نتائج الانتخابات العراقية مع بقية القوى خارج الإقليم، في إطار تشكيل حكومة بغداد، هي من تحدد حسماً نهائياً لوضع المدينة”. وكان إعلان القائمة بهذا الاسم “كركوك الكردستانية”، أعاد للمدينة أجواء الاستقطاب، وحفز قوى عربية على التجمع في تحالف مضاد، وهو الأمر الذي دفع خميس الخنجر، رجل الأعمال العراقي الذي دعم الكتلة العراقية، إلى تشكيل ما قال عنه “أول تحالف عربي” في كركوك.
وقال الخنجر في تصريحات صحفية إنه “وضع جميع إمكانياته وتسخير جميع المؤسسات التابعة له تحت تصرف عرب كركوك بمختلف توجهاتهم”.
لكن فرست مرعي، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة دهوك، يعتقد بأن “الأحزاب الكردية سترهن إبقاء علاقاتها القائمة أو تطويرها أو تركها لتتراجع مع الأحزاب العربية، بمدى ما ستحصل عليه من دعم من الأحزاب العربية في موضوع كركوك والمناطق المتنازع عليها”.
وقال مرعي، “السياسيون الكرد لن يذهبوا إلى بغداد للمشاركة بالحكومة والعملية السياسية بهدف المشاركة، وإنما للحصول على كركوك وإطلاق يدهم في إدارة شؤونهم في مناطقهم بإقليم كردستان”.
قوى صغيرة
قررت القوى الكردستانية المشاركة في الانتخابات بشكل منفرد، وظهرت بيانات متوالية في الأسبوعين الماضيين، عن إعلان أحزاب بارزة التنافس من دون تحالفات.
في الموصل وخانقين، إلى جانب كركوك، سيشارك الحزب الوطني الكردستاني والاتحاد الوطني، وحركة التغيير، والحركات الإسلامية بشكل منفرد.
لكن في محافظة بغداد، قررت القوى الكردية التحالف للمشاركة في الانتخابات، لكن “التغيير” لن تكون جزءاً من هذا التجمع، وستكون “منفردة” في العاصمة العراقية.
أما القوى الصغيرة في الإقليم، وهي الحزب الشيوعي الكردستاني، وحركة كادحي كردستان، والحركة الاشتراكية الكردستانية، وهي أحزاب يسارية على العموم، ستكون مشاركتها في تحالف “ضمني”.
ولا تملك تلك القوى فرصاً كبيرة للفوز بمقاعد عديدة داخل البرلمان الاتحادي، لكن المشهد السياسي الكردي اعتاد على انضمامهم لجميع الحكومات التي تشكلت في الاقليم، عبر تحالف مع حزب مسعود بارزاني، بمقاعد قليلة.
إيران على الخط: رئيس الجمهورية كردي
وفي إطار إعادة إنتاج “البيت الكردي” في العراق، تطرح مصادر مختلفة، ووسائل إعلام عربية، رغبة رئيس إقليم كردستان، مسعود بارزاني، أن يكون رئيساً للجمهورية.
لكن مصادر مقربة رئيس الإقليم، قالت لـ”العالم”، إن “هذا أمر مستبعد تماماً”. ويقول الصحفي شوان محمد، “لدى بارزاني هموم قومية وهو مهتم بها كثيراً، ويجد أن مكانه الصحيح هو الإقليم”.
وتقول المصادر، أيضاً، “بارزاني لا يرغب بالعمل في بغداد في منصب الرئيس”. وترجع المصادر توارد أخبار عن “النية المزعومة” لرئيس الإقليم إلى “طلب إيراني” ملح لأن يكون هو رئيساً للجمهورية. وقالت المصادر، “إيران تريد أن يكون الرئيس كردياً، لأنها تحرص على عدم وصول السنة العرب إلى هذا المنصب”. ونقلت المصادر عن أجواء اجتماع إيراني كردي جرى أخيراً في أربيل، أن “طهران عرضت على مسعود بارزاني تخليها عن المالكي، وتركه ينخرط في تحالف عراقي يقدم مرشحاً غيره لرئاسة الحكومة، في مقابل أن يحافظ الكرد على رئاسة الجمهورية”.