خاص : كتبت – نشوى الحفني :
وسط مواجهات دامية بين قوات مكافحة الشغب ومتظاهرين عراقيين؛ أسفرت عن سقوط القتلى وإصابة العشرات بشكل يومي وتوقف معظم الدوائر الحكومية والمدارس في “بغداد” وأغلب محافظات وسط وجنوب “العراق”؛ إثر قيام المحتجين بقطع الطرق الرئيسة لفرض العصيان المدني العام، ترددت الأنباء عن حدوث انقلاب عسكري، وهو الحلم الذي بدأ يراود المحتجون في الفترة الأخيرة بسبب عدم ظهور ملامح لأية حلول للأزمة التي تتفاقم يومًا بعد يوم مع تشبث القوى السياسية كلٍ بمكانه ضاربين عرض الحائط بمطالب الشعب.
انقلاب مزيف..
في هذه الأثناء؛ أعلنت قيادة العمليات المشتركة أن مجهولين اخترقوا، مساء أمس الأول، الصفحة الرسمية لـ”جهاز مكافحة الإرهاب” على (فيس بوك) وبثوا إدعاءات غير صحيحة عن “انقلاب عسكري” في البلاد.
وذكرت القيادة، في بيان، أن الصفحة الرسمية للجهاز تعرضت إلى اختراق ممن وصفتهم بـ”أصحاب النفوس الضعيفة”، وأن الإجراءات مستمرة لملاحقة الجناة.
وأضافت أن كل ما نُشر على الصفحة عن وجود عصيان عسكري عارٍ عن الصحة ولا مصداقية له إطلاقًا.
وكانت صفحة رسمية موثقة باسم الجهاز، على (فيس بوك)، قد أعلنت، بعد منتصف ليل الأحدـالإثنين، أن رئيس الجهاز، الفريق أول ركن “طالب شغاتي”، أعلن العصيان العسكري وبدأ عملية انقلاب ضد الحكومة الحالية استجابة لمطالب الشعب.
وتناقلت مواقع التواصل الاجتماعي الخبر على مستوى واسع؛ قبل أن تتم إزالته من الصفحة الرسمية لاحقًا. وترددت أحادث عن قيام عناصر “غير منضبطة” بنشر “الخبر المزيف” عن الانقلاب؛ في ظل غياب حل سياسي لأزمة الاحتجاجات التي أسفرت عن مقتل 335 شخصًا، أغلبهم من المحتجين.
ولاحقًا، نفى “شغاتي” صحة الخبر، مؤكدًا على أن جهاز مكافحة الإرهاب “حامي للشعب والنظام السياسي والديمقراطي والدولة العراقية”.
سيكون الأكثر دموية..
الباحث العراقي المتخصص في الجماعات المسلحة، “هشام الهاشمي”، يري في مقال نشر له على موقع (nrt)؛ أنه في واحدة من الاحتمالات المطروحة للدراسة كحل لأزمة الداخل العراقي هو تنظيم داخلي يقوم بانقلاب عسكري وإعلان حكومة مؤقتة لحين اكتمال الاستعدادات لانتخابات مبكرة على طريقة النموذج السوداني.
إلا أن “الهاشمي” حذر من أن هذا الاحتمال، إن حدث سيكون هو الأكثر دموية، وتداعياته عميقة على العلاقة بين جماهير التظاهرات السلمية وجماهير أحزاب السلطة الحالية، والتنظيم الانقلابي، خاصة مع إلقاء الضوء على هشاشة الوضع السياسي والأمني الذي تعانيه “بغداد”، والذي يضاف إلى الأزمة السياسية الداخلية، والتحدي الأمني النابع من نمو شبكات تنظيم (داعش).
تداعيات الانقلاب العسكري..
موضحًا أنها تداعيات محتملة بطبيعة الحال، فإن الانقلاب العسكري سوف تكون له تداعيات بعيدة الأثر، خاصة على النظام السياسي العراقي وأنظمة الدول المحيطة بـ”العراق”، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي :
– ستعمل قيادة الانقلاب العسكري على إحكام سيطرتها على الحكم وإقصاء تنسيقيات وقيادات الأحزاب الحالية، وكذلك أعيان وقيادات تظاهرات تشرين، ومن المفترض أنها ستقوم باعتقال وتصفية المنافسين والخصوم، وذلك بإعلان حالة الطواريء والأحكام العرفية العسكرية، فضلًا عن تعطيل القضاء والدستور وربما إجبار العشرات من القضاة وممثلي الإدعاء على الاستقالة أو الهجرة أو الإقامة الجبرية.
– إنتهازهم ذريعة القضاء على الفاسدين لإعلان ضوابط مالية ومصرفية معرقلة لنشاطات الاقتصاد العراقي، وتاليًا تشهد البلاد أزمة اقتصادية وسياسية واجتماعية داخلية تمس شرعية الانقلاب المحتمل، الأمر الذي يفرض على قادة الانقلاب تقديم التنازلات التي قدمها ساسة النظام الحالي لـ”أميركا” و”إيران” و”الخليج” و”تركيا”، والتي تتناقض مع شعارات تظاهرات تشرين. فضلًا عن عجز قادة الانقلاب عن حماية التظاهرات من تمرد وانتقام القيادات المناصرة لهم.
– سوف يؤدي الحل الانقلابي إلى إهتزاز النظرة التاريخية للقوات المسلحة العراقية، وخاصة الجيش الذي ينبغي أن يكون في خدمة الوطن؛ كما أن الشرطة في خدمة الشعب، ويحد من فرص بقاء القوات المسلحة العراقية مستقبلًا في الحياة السياسية والمجتمعية.
– إنهيار ما بقي من البنية المؤسساتية والخدمية والاقتصادية على طول فترة حكم الانقلابين.
– ومن شأن الانقلاب العسكري أن يلقي بظلال من الشك حول الاستقرار السياسي في “العراق”، خلال الفترة المقبلة، خاصة في ضوء استمرار النزاع على مناطق المكونات والثقافات المتعددة بين “بغداد” و”كُردستان”، الأمر قد يدفع بالعسكر إلى تبني قرارات حربية تهدف إلى تعزيز سلطاته في مواجهة النزاع على هذا الملف.
أروقة العسكريين تتحدث عن الانقلاب..
وفي حديث مع (DW) عربية يعتقد الخبير العسكري العراقي، “معن الجبوري”: “أن فكرة الانقلاب لم تغادر أذهان العراقيين الذين عانوا كثيرًا من سوء إدارة الحكومات ما بعد 2003، حيث يحلمون أن تظهر قوة عسكرية لتغيير الواقع، على الأقل لأن الواقع السياسي لا يمكن تغييره عن طريق الانتخابات أو عن طريق التظاهرات، وذلك نظرًا لحجم الفساد المستشري”.
ويشير “الجبوري”، في حديثه؛ إلى أن هناك همسًا كثيرًا في أروقة العسكريين عن هذه المحاولات، لكنها تبقى مجرد أفكار نظرية، ترجمتها إلى الواقع على الأرض صعبة جدًا، حسب تعبيره.
ويوضح الخبير العسكري سببين لذلك؛ ويقول: “نحن نعلم أنه بعد 2003 هناك وجود أميركي، من خلال الجيش الأميركي، لا يمكن تجاهله ولا يمكن لأي قوى أن تعمل إلا خلال القواعد المتفق عليها في البلاد. ثانيًا هناك واقع آخر ترسخ، بعد عام 2011، ويتمثل في الانسحاب الأميركي وبرز تأثير إقليمي على الواقع العراقي. لهذا لا يمكن لأي انقلاب أن ينجح ما لم يكن يحظى بدعم إقليمي ودولي حتى يترسخ الانقلاب”.
انقلاب الشرق الأوسط حافز كبير..
وأشار “معن الجبوري” إلى وقائع مستجدة في المحيط الإقليمي، حيث يوضح أنه ظهرت أكثر من حركة عسكرية في الشرق الأوسط، خصوصًا في “مصر”، حيث قاد الجيش انقلابًا. وفي “السودان” أخيرًا انقلب الجيش على نظام الرئيس، “عمر البشير”، ليحفظ مصالحه، وحتى في “الجزائر” لا يزال الجيش يلعب دور القوة المهيمنة في الحياة السياسية للمجتمع. هذه المعطيات أعطت زخمًا كبيرًا للمؤسسة العسكرية العراقية أن تناقش الموضوع أو على الأقل أن تأخذ الفكرة مأخذ الجد.
فكرة غير قابلة وقد يمر العراق بحرب أهلية..
ويعتقد الخبير العسكري العراقي؛ أن فكرة الانقلاب العسكري غير قابلة للتحقيق، وأن البلاد قد تمر بحرب أهلية طاحنة جراء انقلاب عسكري.
وحول ما يمنع وقوع انقلاب؛ يقول: “لكننا نعلم أن في العراق هناك أكثر من مؤسسة عسكرية، على سبيل المثال هناك مصادر متعددة للجيش، فهناك مثلًا قوات (البيشمركة) الكُردية في إقليم كُردستان العراق؛ وكذلك قوات (الحشد الشعبي). وبالإضافة إلى وجود عشائر مسلحة، فإن هناك قوى عسكرية تتمتع باستقلالية القرار العسكري. ولهذه الأسباب تكون فكرة الانقلاب العسكري على ضوء تعدد مصادر قوة الجيش غير واردة وصعبة التحقيق وخطيرة أيضًا”.
كما يبدو أن فكرة الانقلاب العسكري غير مرغوب بها سياسيًا من قِبل قوى تدافع عن الديمقراطية في البلاد تحت كل الظروف. فالمحلل السياسي المعروف، “هشام الهاشمي”، يقول على صفحته على موقع الـ (فيس بوك): إنه رغم شعوره بخيبة أمل تجاه قرارات الحكومة الاتحادية بالاستجابة البطيئة والتشبث بالسلطة، بعد سقوط 16000 عراقي بين قتيل وجريح ومعاق، لكنه ليس مؤيدًا للحل العسكري من طرفي المعادلة؛ وأنه لا يوجد مبرر للانقلاب العسكري.
وعن الشائعات بهذا الصدد؛ كتب “الهاشمي”، في موقع آخر من الـ (فيس بوك)؛ منددًا بعملية القرصنة التي تعرض لها موقع “جهاز مكافحة الإرهاب” ومطالبًا، قيادة الجهاز، بضرورة محاسبة المسؤولين عن حساباته، ومن ثم بغلقها إذا دعت الضرورة لذلك. فالجهاز برأيه يشبه في تكوينه (قوات دلتا)، وهي مزيج من نشاط استخباراتي وعمليات عسكرية خاصة، وأن له سمعة طيبة بين المواطنين يجب الحفاظ عليها، حسب ما كتبه “هشام الهاشمي”.
كيف يمكن تحقيق أهداف التحرك العسكري ؟
ولكن يمكن تحقيق أهداف محددة عبر تحرك عسكري، “شبيه بفكرة الانقلاب”، حسب تصورات الخبير العسكري، “معن الجبوري”، ويوضح: “مثلًا تغيير الحكومة من خلال تحرك قوة عسكرية كبيرة داخل العاصمة، بغداد، ولكن لا يمكن لقوة عسكرية أن تتحرك لتفرض سيطرتها على كل العراق”. وعمومًا يمكن القول، حسب رأي الخبير العسكري أن كل القرارات العسكرية والسياسية في “العراق” مشتتة لا يمكن جمعها في قبضة واحدة أو وضعها تحت إمرة شخص واحد أو مؤسسة واحدة بعد عام 2003.
الموقف الأميركي يدخل به حسابات جيوسياسية..
ورغم مساع أميركية لإحداث تغير في “إيران”، سواء أكان عبر إسقاط النظام القائم أو عبر إضعافه إلى أقصى درجة ممكنة، إلا أن جهود “الولايات المتحدة”، في “العراق”، لا تذهب بعيدًا لتأييد انقلاب عسكري ينهي النفوذ الإيراني في “بلاد الرافدين” ويزيح الأحزاب والجماعات السياسية المتحالفة مع “طهران”. والسبب يعود، حسب رأي الخبير العسكري، “معن الجبوري”، إلى أن النظام السياسي القائم في “العراق” هو من صنع “الولايات المتحدة الأميركية” والنخب الحاكمة في “العراق” تحظى بدعم أميركي.
ربما تكون “الولايات المتحدة” ضد هذه القضية أو تلك، لكنها لن تكون مع انقلاب عسكري يقضي على ما قامت هي ببنائه، خلال السنوات التي تلت غزو “العراق” وإسقاط نظام الديكتاتور، “صدام حسين”. ويعلل الخبير العراقي، الموقف الأميركي، بأنه يدخل في حسابات جيوسياسية لـ”الولايات المتحدة” في المنطقة عمومًا إلى جانب أن “واشنطن” غير مستعدة حاليًا للاهتمام بالشأن العراقي من أجل “سواد عيون بعض الجماعات العراقية”، حسب تعبير “معن الجبوري”.
تحديات الانقلاب العسكري بالعراق..
ويشير “الجبوري” إلى نقطة مهمة جدًا بالنسبة لتحقيق فكرة الانقلاب في “العراق”، فمن يقود انقلابًا عسكريًا عليه أن يستعد لمجازفة كبيرة تتمثل في وقوف مئات الآلاف من المسلحين في الشوارع ضده. ويضيف؛ لا يمكن لأي قوة أن تخطو مثل هذه الخطوة دون أن يحسب حساب الخصم الذي سوف يعارض الحركة العسكرية الانقلابية، فهناك الميليشيات المسلحة التي، وإن خضعت للمؤسسة العسكرية، إلا أنها وفي حالة الانقلاب ستتحرك بأوامر سياسية من القوى الداعمة لها في الداخل والخارج لمواجهة الانقلابين، بالإضافة إلي وجود قوى عسكرية داخل مؤسسة الجيش مستفيدة من الوضع الحالي ولا مصلحة لها في تغييره، سواء كان لأسباب سياسية أو لأسباب تتعلق بالفساد والمصالح المادية المربحة لها. مثل هذه القوى ستقف بكل قوة ضد أي محاولة انقلابية تغيير ميزان القوى الحالي في البلاد.
على هذا الأساس يكون طريق الانقلاب العسكري لتغيير الأوضاع في “العراق” محفوفًا بمخاطر كبيرة، حسب قناعة الخبير العسكري، “معن الجبوري”، وأبرز تلك المخاطر، حسب قناعته، هو إنزلاق البلاد إلى حرب أهلية مدمرة، أكثر شراسة من الحرب الطائفية التي شهدتها البلاد في عام 2006.