15 نوفمبر، 2024 11:33 ص
Search
Close this search box.

انعدام الثقة بالنظام المصرفي .. “الدولار المجمد” يهدد اقتصاد العراق وسورية ولبنان !

انعدام الثقة بالنظام المصرفي .. “الدولار المجمد” يهدد اقتصاد العراق وسورية ولبنان !

وكالات- كتابات:

يتصدر “العراق ولبنان وسورية” قائمة دول الشرق الأوسط؛ التي شهدت في السنوات الأخيرة رواجًا ملحوظًا لما يوصف: بـ”الدولار الأميركي المُّجمد”، إذ أصدرت المصارف الحكومية لهذه الدول تباعًا بيانات حذرت مواطنيها من شراء أو تداول هذه العُملة، أو الانسّياق وراء مرّوجيها، نظرًا لتحول هذا المصطلح إلى مصيدة لعشرات الضحايا.

تجارة “الدولار المُّجمد”..

وأعلن مسؤول في “البنك المركزي السوري”؛ لصحيفة (الوطن) المحلية، المُّقربة من الحكومة، قبل أيام، انتشار هذه التجارة بشكلٍ واسع ومباشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تتولاها عصابات احترافية تُقدم عروضًا لبيعه عبر الإنترنت، مقابل عدد أقل من وحدات “الدولار” النظامي.

ووصف المصدر الاتجار بما يُدعى “الدولار المُّجمد”، بأنه عملية نصب واحتيال يقوم المروجون له بإشاعة هذا المفهوم على أنه دولار نظامي صادر عن “بنك الاحتياطي الاتحادي الأميركي” بأرقام تسلسلية سّليمة، ويحتوي كل رموز الحماية الموجودة في الدولار الرسّمي، بينما يُعد الأمر – وفق المصدر – وسيلة لتصريف الأموال المزورة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمتاجرة بها، وعرضها بسعرٍ أقل من السعر الحقيقي للدولار السليم.

وحذر “المركزي السوري”؛ من أن بيع وشراء هذه الدولارات أمر خارج عن القانون، مما يُحتم اتخاذ إجراءات قانونية بحق كل من يتداولها أو يروج لها.

وفي وقتٍ سابق؛ أوضح بيان لـ”المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي” اللبنانية أيضًا، أن الهدف من ترويج “الدولار المُّجمد” تسّهيل عمليات بيع دولارات مزيفة عبر إيهام الناس بوجود “دولار مُّجمد” للاستيلاء على أموالهم، إذ يجري تبديل العُملة الصحيحة بالعُملة المزيفة أثناء عملية التسلّم والتسليم، وقد أوقف عدد من أفراد هذه العصابات، ويستمر العمل لتوقيف كل من شارك أو لديه أي صِلة بها.

أما في “العراق”، فنفى “البنك المركزي”، في بيانٍ له، وجود ما يوصف بـ”الدولار الليبي المُّجمد”، مستندًا في ذلك إلى إجراءاتِ تَحقق تَبادل بموجبها المعلومات مع الأجهزة المعنية داخل “العراق” وخارجه، مؤكدًا استمرار إجراءاته الرقابية والتدقيقية في تداول العُملات الأجنبية.

من “المُّجمد” إلى المزور !

وتنتشر صفحات بأسماء وهمية عبر منصات التواصل الاجتماعي؛ تروج لما يوصف بـ”الدولار المُّجمد”، وتسّتدرج ضحاياها عبر إعلانات مغرية تعرض بيع: (1000) دولار بنصف قيمتها، شريطة أن يُسلم الثمن بالدولار السليم.

وصَنفت بيانات (نتورك إكس سيرش)؛ عن تحليل الشبكات منصة (فيس بوك)، على أنها أول منصة في ترتيب البحث عن مصطلح: “دولار مجمد” بنسبة بلغت نحو: (40%)، تلتها منصة (يوتيوب) بنسّبة بلغت نحو: (17%)، ثم منصة (إنستغرام) بنسّبة: (11%).

وينص أحد الإعلانات المنشورة على المنصة الزرقاء أن الدولار المعروض للبيع يمكن أن يخضع لجميع أنواع الفحص المعروفة، كالفحص بالإبرة أو بالجهاز الكاشف أو الفحص باللمس، مع الإشارة إلى وجود شحن لكافة دول العالم.

وأشار إعلان آخر إلى توفر كميات يمكن طلبها من “سورية ولبنان والعراق” ودول أخرى، وتحمل أرقامًا متسلسلة يُمنع تداولها داخل البنوك، لكنها صالحة للتعامل في الأسواق الداخلية أو التحويل عبر مكاتب الصيرفة.

ويُهيمن الدولار على النظام المالي العالمي والتجارة العالمية، ويتوقع “صندوق النقد الدولي” استمرار احتفاظه بالهيمنة كعُملة للاحتياطي الأجنبي في دول مختلفة حول العالم.

وتدل الوقائع؛ بحسّب مصادر صحافية، أن مصطلح “الدولار المجمد” بدأ في الظهور بعد أن اتخذت “الولايات المتحدة” إجراءات لوقف فاعلية الأرصدة التي استُحوِذ عليها بطريقة غير قانونية في كل من بنوك “الكويت”؛ إبان الاحتلال العراقي، وبنوك “العراق” عشية سقوط نظام “صدام حسين”؛ في عام 2003، وسقوط نظام “معمر القذافي” في عام 2011.

وأوضح موقع (الليرة اليوم)؛ المتخصص بأخبار الاقتصاد السوري، أن “الولايات المتحدة” اضطرت بعد تورط عدد من دول المنطقة بنزاعات وتعرض بعض البنوك للنهب والسرقة، إلى اتخاذ إجراءات صارمة متمثلة بإبطال قيمة الأرصدة المنهوبة؛ وفقًا للأرقام التسلسلية التي تمتلكها، وتمكنت من تعميم هذا الإجراء بعد أن وصلتها أرقام الدولارات المسروقة إما من أصحابها أو بطرق استخبارية.

الدولار المُّجمد”..

يرى الخبير المصرفي؛ “مطيع أبو مرة”، أن “الدولار المجمد” هو دولار مطبوع بشكل نظامي، لكنه يُمنع التعامل به. والفرق بينه وبين المزور أن اكتشافه لا يتم إلا عن طريق المصارف، بخلاف الدولار المزور الذي يمكن اكتشافه من خلال فحصه لدى المصارف أو الصرافين ذوي الخبرة، وفق ما ذكر موقع (الاقتصاد اليوم) السوري.

ويوضح أنه يمكن تجميد سلسلة معينة من أرقام “الدولار الأميركي” في بعض الحالات؛ إذا تمكن “الفيدرالي الأميركي” من معرفتها، حيث يُبلّغ بها عند سرقة المصارف. ويُشير إلى أن كثيرين يُحاولون استغلال هذه القضية لترويج الدولار المزور على أنه مجمد، وخداع الناس الذين يقعون ضحايا عمليات نصب واحتيال.

واستثمرت شبكات محترفة عابرة للحدود؛ في وقتٍ لاحق، المصطلح وطورته إلى: “الدولار الليبي المجمد” لتسوّق من خلاله دولارات مزورة، مسّتفيدة من الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس الأميركي السابق؛ “باراك أوباما”، وجمد بموجبه أصول “القذافي” وعائلته وكبار مسؤوليه، بالإضافة إلى الحكومة الليبية و”البنك المركزي الليبي” وصناديق الثروة السيّادية.

وكان السفير الليبي السابق في العاصمة العراقية بغداد؛ “الصيد علي”؛ نفى وجود ما يطلق عليه “الدولار الليبي المجمد”. وأوضح في تصريحات صحافية تعود إلى شهر آب/أغسطس 2021، أن “المصرف المركزي” في “ليبيا” حافظ؛ منذ إعلان الاستقلال وحتى اليوم، على أموال الدولة النقدية من مختلف العُملات من النهب أو السرقة أو وضع اليد عليها.

وأشار السفير السابق؛ وقتها، إلى أن ما يُقال ويُشاع عن وجود “دولار مجمد ليبي”، أكاذيب صُنعت خارج “ليبيا” من منظمات وجماعات الجريمة العابرة للحدود، وغايتها استدراج البسطاء والسذج والمغفلين لنهب أموالهم بصورة من صور النصب والتحايل.

ضحايا “الدولار المجمد” والمزور..

يقول “أحمد”؛ (اسم مستعار)، الذي يُقيم في مدينة “حلب”؛ شمال العاصمة “دمشق” – وهو أحد ضحايا “الدولار المجمد” – إنه تعرض لعملية نصب واحتيال بعد أن تواصل مع شخص يدير صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي تعرض بيع “دولار مجمد” مقابل دولار نظامي بفارق الضعف.

وبحسّب الادعاء الذي رفعه؛ “أحمد”، لفرع الأمن الجنائي – وفق موقع “وزارة الداخلية” السورية – سلّم مبلغ: (7.5) دولارات أميركية نظيفة تعود ملكيتها لأحد أقربائه لشخص أرسله صاحب الصفحة المذكورة، لكنه تفاجأ بعد تسليم المبلغ واستلام الظرف أن المبلغ المرسل إليه كان عبارة عن ورق أبيض.

واعترفت إحدى المجموعات التي ألقت القبض عليها “وزارة الداخلية” السورية، بإنشاء صفحات وهمية على (فيس بوك) لبيع “الدولار الأميركي المجمد” بقيمة منخفضة، بينما يتسلم الضحايا عُملة محلية لا أكثر.

وينتشر “الدولار المجم”د أو المزور في مختلف المدن السورية، لا سيما في مناطق الشمال السوري التي تسُّيطر عليها الفصائل العسكرية المعارضة، و”قوات سورية الديمقراطية”.

ونقلت تقارير محلية مخاوف السكان من قيام شركات الصرافة؛ التي يملكها قادة بعض هذه الفصائل، من تسليم الحوالات الخارجية بالدولار المزيف، والاستحواذ على الدولار السليم.

أما في “لبنان”، فيواجه منذ عام 2019؛ أزمة اقتصادية حادة أدت إلى انهيار العُملة المحلية ونقص حاد في السّيولة النقدية. وأوقفت قوى الأمن اللبنانية في ربيع 2022؛ ثلاث مجموعات اتُهمت بترويج “الدولار المجمد” بعد إيقاعهم بأكثر من: (60) ضحية. ومن أبرز المناطق التي تُعتبر مسرحًا لنشاط المروجين “بيروت والشويفات والنبطية، والبترون، وطرابلس، والبقاع”.

وفي غضون ذلك؛ بلغ عدد العمليات الأمنية التي قامت بها قوى الأمن الداخلي خلال عامي: 2022 و2023، وفق موقعها، نحو: (23) عملية، ومن كانون ثان/يناير إلى آيار/مايو الماضيين، أكثر من: (08) عمليات أدت لتوقيف عدة شبكات تروج الدولار المزور.

وفي “العراق”؛ تُشير معلومات صحافية أن شبكات ترويج “الدولار المجمد”، تنتشر في العاصمة “بغداد” وفي مدينة “أربيل”؛ عاصمة “إقليم كُردستان العراق”، وتُمارس عملها بسرية تامة خشية ملاحقتها، وتُواصل تجارتها عبر منصة (فيس بوك) الأكثر استخدامًا من بقية المنصات الأخرى.

أسباب انتشار هذه التجارة..

يرى الأكاديمي السوري المقيم في الرياض؛ “عماد الدين المصبح”، أن انتشار هذه الظاهرة في “سورية ولبنان والعراق” يُثير القلق، لأنها نتيجة مباشرة للظروف الاقتصادية والأمنية والدولية الصعبة التي تمر بها هذه البلدان.

وأوضح أن حرب النظام ضد الشعب السوري المستمرة؛ منذ عام 2011، أدت إلى انهيار شبه كاملة للاقتصاد، مما تسبب بارتفاع معدلات الفقر والبطالة إلى مستويات غير مسّبوقة.

ومن جهتها أرجعت الخبيرة المصرفية؛ “سلام سميسم”، في حديث سابق نمو ظاهرة: “الدولار الليبي المجمد” في “العراق”، إلى ضعف الرقابة على الصيرفة، مشيرة إلى أن: “بيع وشراء الدولار المجمد من الخارج إلى العراق يُصنف ضمن غسل الأموال”.

وأضافت “سميسم” أن الدولار الذي يُباع ليس مزورًا بل هو استحقاقات حكومية وحقوق فردية للعاملين في “ليبيا” هُرّبت إلى الخارج من قبل فصائل مسلحة. وبسبب عدم وجود حكومة قوية في “ليبيا” تراقب وتحاسب من يتاجر بالعُملة الأجنبية؛ نمت تلك التجارة.

كما يُرجح محللون وجود أربعة مصادر مشتركة لـ”الدولار المجمد” أو المزور في “سورية ولبنان والعراق”، هي:

– بعض الجماعات التي تُقاتل شمال شرق “سورية” إلى جانب قوات “الأسد”، حيث تمتلك كميات كبيرة منها وتصرفها ثمن بضائع تجارية تشتريها من المناطق التي تُسيطر عليها في البلاد، بحسّب إفادة مراسل موقع (عين الفرات) الإخباري؛ من مدينة “دير الزور”.

– الفصائل العسكرية السورية التي قاتلت إلى جانب القوات الروسية في “ليبيا”.

– تجارة المخدرات المنتشرة في أغلب المدن والبلدات السورية.

– شبكات طباعة الدولار المزور في “تركيا”؛ التي تتواصل عبر وسطاء مع السوق الداخلية في “سورية والعراق ولبنان”.

تأثيرات انتشار هذه التجارة..

يربط الأكاديمي السوري؛ “المصبح”، استمرار نمو الظاهرة رغم الإجراءات الأمنية الحكومية المشددة، بانعدام الثقة بالنظام المالي والمصرفي في الدول الثلاث، وهو ما يدفع المواطنين للبحث عن وسائل بديلة، كما أن ضعف الأجهزة الرقابية في هذه البلدان سهّل تداول الأموال غير المشروعة والنشاطات الاحتيالية.

وحدد “المصبح” التداعيات الاقتصادية لهذه الظاهرة بما يلي:

– التأثير السلبي على الاقتصاد الكلي.

– خسارة المدخرات على المستوى الشخصي.

– تعزيز النشاطات غير المشروعة مثل غسل الأموال والاحتيال وتعقيد الأوضاع الاقتصادية.

– استمرار وجود هذه الظاهرة يؤدي إلى تآكل الثقة بالعُملة المحلية، وهو الأمر الذي يفاقم التضخم ويعمق الأزمة المعيشية.

– يدفع باتجاه عدم الاستقرار المالي وحالة عدم يقين بالنسبة للمستثمرين الأجانب والمحليين الراغبين بالاستثمار في هذه البلدان، مما يعوق النمو فيها.

– تشمل أخطار الظاهرة المستقبلية زيادة معدلات الفقر والبطالة وتفاقم الأوضاع الأمنية نتيجة الأنشطة غير المشروعة.

– قد تواجه هذه البلدان عزلة اقتصادية متزايدة من المجتمع الدولي، مما يصعب إمكانية حصولها على مساعدات اقتصادية وقروض دولية.

وتسّعى السلطات الأمنية في الدول العربية الثلاث؛ إلى غلق هذا الملف، لكن دون جدوى. وتستمر الشبكات العابرة للحدود في حملاتها الترويجية لـ”الدولار المجمد”، مستغلة الفوضى المنتشرة وانخفاض العرض وتراجع سعر صرفه الرسمي، إلى جانب جمود الحركة التجارية، وارتباط الأسعار بالدولار، وتراجع التحويلات المالية الخارجية.

كما يجذب ظهور سوق سوداء (موازية) للعُملات الأجنبية الباحثين عن الدولار خارج القنوات الرسّمية، وذلك في ظل إجراءات شديدة التعقيد على هذا الصعيد.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة