خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في الوقت الذي تتعالى فيه الأصوات الداعية لضرورة خروج القوات الأميركية من “العراق”، يحدث ما يناقض ذلك، حيث تجولت قوة عسكرية مسلحة أميركية في “شارع المتنبي” وسط العاصمة، “بغداد”، السبت الماضي، وهو الأمر الذي أثار جدلًا حادًا في الأوساط السياسية والشعبية، وسط تساؤلات عن طبيعة تلك القوة، خاصة أنها مسلحة، وخارج القواعد الرسمية.
ليس هذا فقط؛ وإنما ما حدث من تبعات بسبب قرار الانسحاب الأميركي من “سوريا”، حيث كان من نتائج ذلك استقرار القوات الأميركية، العائدة من “سوريا”، في قاعدة “عين الأسد” العراقية، صباح أمس الأحد، وذلك حسبما أفادت (روسيا اليوم)؛ نقلاً عن مصادر أمنية عراقية.
وذكرت المصادر أن الحديث عن مغادرة القوات المنسحبة إلى محافظة “أربيل”، ليس حقيقة كاملة، فهناك جزء كبير في قاعدة “عين الأسد”، بمحافظة “الأنبار”، وفي معسكرات أخرى في المحافظة.
مضيفة أنه: “ما زالت هناك قوات أميركية على الحدود العراقية السورية؛ ولم تنسحب هذه القوات بالكامل”.
الانسحاب إلى “أربيل”..
وفي توضيح للأمر؛ كشفت “قيادة العمليات المشتركة”، في “العراق”، أن انسحاب القوات الأميركية من الأراضي السورية إلى داخل جارتها العراقية؛ سيكون بالتحديد إلى مدينة “أربيل”، عاصمة “إقليم كُردستان”.
وقال الناطق باسم العمليات المشتركة، العميد “يحيى رسول”، أن: “انسحاب القطعات الأميركية من سوريا سيكون إلى أربيل، وليس إلى أراض تابعة للحكومة الاتحادية”، وذلك بحسب ما ذكرته وكالة أنباء (فارس).
وكان الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، قد قال، الأربعاء الماضي، إنه لم يحدد مدة أربعة أشهر للانسحاب من “سوريا”، مشيرًا إلى أن “الولايات المتحدة” تريد حماية “القوات الكُردية” هناك.
وأشار إلى أن القوات الأميركية ستنسحب من سوريا “على مدى فترة من الوقت”؛ وإنها تريد حماية المقاتلين “الأكراد” مع سحب القوات الأميركية من هناك.
وتابع “ترامب”: “لقد خسرنا سوريا منذ وقت طويل؛ ولا أعرف لماذا مكثنا هناك طيلة هذه الفترة. لا نريد أن نبقى في سوريا للأبد”.
العراق لا يحتاج لهم..
وبالعودة إلى تصريحات “قيادة العمليات المشتركة”، شدد العميد “رسول”؛ على “عدم حاجة العراق لهذه القوات”، مبينًا أن: “القوات الأميركية المنسحبة لن تستقر في قاعدة عين الأسد، (في الأنبار غرب العراق)، وأن عدد المستشارين الأميركيين المتواجدين كاف ولا نحتاج إلى زيادتهم”.
وفي 19 كانون أول/ديسمبر الماضي، أعلن “ترامب” بدء انسحاب القوات الأميركية من “سوريا” وعودتها إلى “الولايات المتحدة”، دون تحديد موعد زمني، بحجة هزيمة تنظيم (داعش) الإرهابي في سوريا.
تجول جنود أميركيون في “شارع المتنبي”..
على الجانب الآخر؛ وبينما زعيم تحالف الفتح، “هادي العامري”، المقرّب من “إيران”، يتحدث، صباح السبت، بقوّة في أحد الاحتفالات؛ عن خروج القوات الأميركية وإغلاق قواعدها، كان هناك عدة جنود أميركيين مدججين بالسلاح يقفون في “منطقة الشورجة”، تحت صورة كبيرة لزعيم التيار الصدري، “مقتدى الصدر”، ووالده، “محمد الصدر”، حيث قام الجنرال، “أوستن رينفورث”، قائد العمليات للتحالف الدولي في “العراق”، وعدد من قادة عمليات “بغداد”، بجولة في “شارع المتنبي”، الذي يضم أشهر المكتبات البغدادية، وأستمع لغناء فنان عراقي، والتقط صورًا تذكارية مع المارّة.
وجلس الجنرال “أوستن”، أيضًا، في أشهر مقاهي “المتنبي”، وشرب الشاي العراقي، وتحدث مع رواد المقهى، في خطوة تباينت تجاهها ردود الفعل.
وتساءل مواطنون وناشطون وسياسيّون عن طبيعة هذا الظهور العسكري المفاجيء، والذي صاحبه “طيران” حلّق في السماء لحماية الجنرال الأميركي.
وقال السياسي، “محسد جمال الدين”، في تغريدة له على (تويتر): “نائب قائد القوات الأميركية يتجول في بغداد دون احتياطات أمنية، لا شخصية ولا حتى عامة، ويقال إن الناس ذهبوا لشراء الأرز لاستقباله”.
مطالب للحكومة بتوضيح الأمر..
بدورها طالبت كتلة “سائرون”، المدعومة من زعيم التيار الصدري، “مقتدى الصدر”، الحكومة العراقية، بإصدار توضيح للشعب العراقي والرأي العام بخصوص تجول عدد من الجنود الأميركيين في “شارع المتنبي”.
وقال المتحدث باسم الكتلة، “حمدالله الركابي”، في بيان: “إن ذلك يمثل تحديًا للإرادة الوطنية، وخرقًا جديدًا للسيادة العراقية، وتصرفًا سيئًا يكشف الوجه القبيح للإدارة الأميركية التي تنتهك كل القوانين والأعراف الدولية”.
وأضاف البيان: “أننا في الوقت الذي نعلن فيه إستنكارنا ورفضنا لهذه التصرفات الرعناء، نحذّر هذه القوات من مغبة تكرار هكذا سلوكيات همجية”، مضيفًا: “نهيب بالحكومة العراقية أن تكون على قدر المسؤولية، وتصدر توضيحًا للشعب العراقي وللرأي العام بخصوص هذه الواقعة المرفوضة من جميع القوى الوطنية المخلصة”.
عودة الاحتلال مجددًا..
كذلك؛ عد النائب عن تحالف البناء، “كريم عليوي”، تجول العسكريين الأميركان في “شارع المتنبي” برفقة قائد عمليات “بغداد”، الفريق الركن “جليل الربيعي”، “إهانة كبيرة “، مشيرًا إلى أن ممارسات الأميركان تدل على عودة الاحتلال مجددًا.
وقال إن: “قيام قوات أميركية بالتجول في شارع مهم في العاصمة، بغداد، كشارع المتنبي، وبرفقة قائد عمليات بغداد؛ يعتبر إهانة كبيرة”، مبينًا أن: “الممارسات التي تقوم بها أميركا تؤكد أننا بلد محتل”.
ودعا إلى ضرورة “التحرك داخليًا وخارجيًا ضد التواجد العسكري الأميركي في العراق”، مطالبًا رئيس الوزراء، “عادل عبدالمهدي”، بـ”عدم الخضوع للأميركيين؛ كما فعله سلفه حيدر العبادي”.
خرق للسيادة العراقية.. ويجب المساءلة برلمانيًا..
عضو لجنة الأمن النيابية، “بدر الزيادي”، طالب، كذلك، رئاسة مجلس النواب بإستضافة القائد العام للقوات المسلحة، “عادل عبدالمهدي”، وقائد عمليات “بغداد”، الفريق “جليل الربيعي”، بشأن تجول القوات الأميركية في “شارع المتنبي” وسط “بغداد”.
وقال إن: “تجوال نائب قائد القوات الأميركية في شارع المتنبي (…) وما سبقها من الزيارة غير المعلنة للرئيس الأميركي، ترامب، إلى قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار يشكل خرقًا للسيادة العراقية”.
وطالب رئاسة البرلمان بـ”إستضافة القائد العام للقوات المسلحة داخل قبة البرلمان للوقوف عن حقيقة الوجود العسكري الأميركي داخل المدن العراقية وطبيعة عملهم”.
مشددًا على ضرورة “الإسراع في تشريع قانون إخراج القوات الأجنبية من البلاد خلال الجلسات المقبلة، لوقف الخرق الأميركي السافر تجاه السيادة العراقية”، مؤكدًا على أن لجنته “سيكون لها موقف خلال الجلسة المقبلة؛ لبحث تداعيات زيارة ترامب خلسة إلى قاعدة عين الأسد، وكذلك تجوال نائب قائد القوات الأميركية في بغداد”.
ولم يصدر أي تعليق رسمي من الحكومة العراقية تجاه هذا الأمر حتى الآن.
وبعد ساعات على جولة القوة الأميركية؛ نظم نشطاء وقفة احتجاجية في “ساحة التحرير”، وسط “بغداد”، وقاموا بحرق العلم الأميركي، وطالبوا بمنع تكرار نزول القوات الأميركية إلى الشارع.
قيادة عمليات بغداد توضح سبب التجول..
وبسبب الجدل المتصاعد؛ كشفت قيادة عمليات “بغداد”، أمس الأحد، عن هدف تجول القوة العسكرية الأميركية في “شارع المتنبي”، موضحة، في بيان، أن: “تجول قائد عمليات بغداد؛ الفريق الركن جليل الربيعي، يرافقه عدد من ضباط ركن القيادة، وكذلك الصحافية الأميركية Jane Arraf من إذاعة (NPR)، وكانت قد قدمت في وقت سابق طلبًا لإجراء جولة ميدانية في العاصمة بغداد من أجل الإطلاع على الواقع الأمني فيها، وتكذيب مزاعم الصحافة الصفراء التي تروج لأعمال العنف والإقتتال في العاصمة”.
وأوضحت قيادة عمليات “بغداد”، أن: “الصحافية المذكورة؛ رافقها خلال جولتها عدد من قوات التحالف”، مؤكدًا على أنهم: “لم يكونوا بمهمة عسكرية، بل إن مهمتهم اقتصرت على مرافقتها، وليس تأمين الحماية لها”.
العراق أكبر المتضررين..
وعن المخاوف المثارة عن تداعيات الانسحاب الأميركي من “سوريا”، وتأثير ذلك على “العراق”، يقول رئيس المجموعة العراقية للدراسات الإستراتيجية، الدكتور “واثق الهاشمي”، أن: “مشكلتنا في العراق، أن كل عمل تتخذه دولة من الدول يلقي بظلاله على المشهد العراقي المختلف على نفسه، والذي يكون فيه الولاء للخارج سيد الموقف، وقضية الانسحاب الأميركي من سوريا فيه تداعيات خطيرة، لكن لم نر خلية الأزمة في العراق جلست وناقشت موضوع مخاطر هذا الانسحاب، وقد يكون أكبر المتضررين منه دول أخرى، لكن أكثرها هو العراق، على اعتبار أن تنظيم (داعش) سوف يتجه إلى الحدود العراقية السورية، لذلك فإن الموقف خطير وينبيء بعودة (داعش) مرة أخرى إلى العراق. أما المخاوف السياسية، فإنها غير مبنية على المصلحة العراقية، وإنما على ضغوطات خارجية مورست على السياسيين العراقيين”.
وأضاف “الهاشمي” أن: “العراق معني بالموضوع السوري، ويوجد تنسيق حكومي بين البلدين، وهناك من يروج أن القوات الأميركية قد دخلت العراق، لكن هيئة المنافذ الحدودية العراقية، تنفي هذا الأمر جملة وتفصيلا، ذلك أن العراق لديه قرار لا رجعة فيه، مفاده أن لا قوات أجنبية برية على الأراضي العراقية، في ظل بلد تتعدد فيه الولاءات للخارج، حتى زيارة ترامب للعراق لا تعني أن القوات الأميركية سوف تعود إليه، نعم هناك مدربون ومستشارون، ينبغي انسحابهم حال تحسن الموقف، وبالمجمل فإن هناك غموض كبير بالموضوع”.