خاص : ترجمة – محمد بناية :
“نيروز” العام الشمسي 1399هـ. ش؛ هو أول عيد مرير للإيرانيين، وإذا وضعنا التاريخ الدقيق للأحداث معًا فإن أعياد “النيروز” المريرة، في العصر الحديث والمعاصر، لم تكن قليلة. منذ نيروز العام 1943م، (حيث انتشر وباء التيفوس)، وحتى نيروز العام 1988م، حيث انتشر الخوف من قصف المدن الإيرانية والهجوم الكيماوي.
ورغم كثرة الوفيات والأحداث المريرة، لكن زحف الحدث من عام إلى آخر والتأثير على “النيروز” مسألة أخرى. بحسب صحيفة (المبادرة) الإيرانية.
جاء العيد والربيع والسيل..
ضرب مدفع العام الشمسي 1389هـ. ش؛ على وقع الأمطار الغزيرة التي ضربت عدد من المناطق الإيرانية المختلفة، وضربت السيول، في فترة زمنية قصيرة، المدن الإيرانية من “گلستان”، شمال “خراسان”، وحتى “خوزستان” في الجنوب.
دمرت السيول السيارات وتعرض الكثير من المسافرين، خلال عطلة “النيروز”، لأضرار بالغة. في غضون ذلك تم تسجيل عدد من الصور الجميلة عن تكاتف الإيرانيين من المتضررين من السيول، وقدمت محلات غسيل السيارات والسجاد خدماتها مجانًا؛ وتدفقت كالعادة مختلف المساعدات على المتضررين من السيول للحد من المرارة التي بدأ بها العام. واستمرت آثار السيول فترة طويلة، بل يمكن القول حتى اليوم.
تشرين ثان 2019.. ولا شيء آخر !
حمل شهر تشرين ثان/نوفمبر من العام الماضي؛ سلة كبيرة من الأحداث.. شملت الزيادة المفاجئة في أسعار “البنزين”، (من 1000 إلى 3000 طومان)، وتحول الأمر إلى أزمة سياسية بسبب ضعف التمهيد. وأطلق الكثيرون على الحكومة لقب، “مهاجم الليل”، ولم يتخذ نواب البرلمان أي رد فعل إزاء هذا الإجراء. وفشلت وعود الحكومة بالدعم والسيطرة على تبعات القرار في تهدئة الشعب.
وإنطلقت المظاهرات، التي أسفرت عن الكثير من القتلى بخلاف الخسائر المادية الكبيرة. وحتى الآن لم يتم الإعلان رسميًا عن عدد القتلى؛ وسط تخمينات إعلامية، (رفضتها الحكومة)، بعدد 1500 قتيل. كذلك يلف الغموض ملف المعتقلين في هذه الأحداث.
أضف إلى ذلك؛ قطع شبكة “الإنترنت” للسيطرة على الاحتجاجات، وقد كان الحدث الأهم، خلال تشرين ثان/نوفمبر الماضي، لما ترتب عليه من آثار اجتماعية واقتصادية كبيرة. فضلاً عن التشكيك بشكل أساس في وعود رئيس الجمهورية بعدم الضغط على زر الحجب.
رحلة كانون ثان المريرة..
شكل استهداف سيارة الجنرال، “قاسم سليماني”، قائد (فيلق القدس) الإيراني، بصاروخ أميركي، يوم 3 كانون ثان/يناير الماضي، يومًا عجيبًا وغريبًا بالنسبة للإيرانيين.
وتحولت مراسم تشيع جنازة الجنرال “سليماني”، في بعض المدن الإيرانية، إلى حادثة مريرة أسفرت عن مقتل 62 شخصًا، في “كرمان” نتيجة التدافع.
لكن لم يتوقف الأمر عند هذا الحد. فقد استهدفت دفاعات “الحرس الثوري” الجوية بالقرب من “طهران” و”مطار الخميني الدولي”، أثناء الهجوم الانتقامي على قاعدة (عين الأسد) الأميركية في “العراق”، “الطائرة الأوكرانية” الدولية بصاروخين من منظومة (تور). وعلل المسؤولون الحادث، في البداية، بعطل فني، لكن بالنهاية إعترف المسؤولون بقصف الطائرة بعد انتشار الشواهد المختلفة.
شباط “كورونا” و”النيروز” في الحجر الصحي..
يُعرف (كوفيد-19) باسم العائلة التي ينتمي إليها فيروس “كورونا”؛ وقد استحالت هذه اللفظة، خلال الأسابيع الأخيرة من العام الشمسي 1398، كلمة رئيسة ومفتاحية في الكثير من الأخبار.
ذلك الفيروس، الذي ظهر في “الصين” وضرب عشرات الدول حول العالم. وتُشير الإحصائيات الرسمية إلى إصابة أكثر من 16 ألف إيراني، فضلاً عن وفاة حوالي ألفين آخرين.
مع هذا؛ يعتقد الكثيرون، لأسباب مختلفة، أن الإحصائيات الرسمية غير دقيقة وأن الأعداد تتجاوز المنشور. ولذلك أعلنت السلطة القضائية ملاحقة من ينشرون إحصائيات غير رسمية.
وقد تسبب وباء “كورونا” في الكثير من الأحداث: بدءً بتعطيل المسابقات الرياضية وحتى فصل الكثير من العمالة، ومن ثم إلحاق خسائر اقتصادية بالكثير من الحوزات الإيرانية.
هذا بخلاف الاحتكار الكبير للكمامات ومضادات العفونة والوقاية، وضعف سياسات المسؤولين في السيطرة على الأوضاع، والتوجه الإعلامي الناقد، والتَلَكُّؤٌ في إتخاذ تدابير حاسمة، مثل فرض الحجر الصحي على المدن التي كانت مصدر انتشار الفيروس وغيرها.
بل إن الفيروس أثر على الكثير من التقاليد الإيرانية؛ مثل الجنازات، والأربعاء السوري وإمتد التأثير لتعطيل المزارات الدينية.
والآن ومع انتشار دعوات البقاء بالمنزل، إلا للضرورة، أضحى التحدي الرئيس للمواطن قضاء “نيروز الكورونا” في المنزل والحجر الصحي. ولم يجد الإيرانيون بديل عن السخرية كعادتهم في التعامل مع المشكلات والإلتزام بالتوصيات الطبية وسُبل قضاء الوقت في المنزل، والتخلي عن عادة التسوق للعيد، ومنع الزيارات، وتبادل الأحضان والقبلات في العيد، والسفر والرحلات وغيرها.
سيظل نيروز 1399هـ. ش؛ خالدًا في أذهاننا جميعًا والدعاء برفع البلاء والأمراض، ومن بينها “كورونا” عن “إيران”. وحتى ذلك الحين ننشد مع المواطنين الذين لجأوا إلى استخدام الأصوات الموسيقية من خلف نوافذ منازلهم: “إيران، أيها الوطن الواسع، يا ينبوع الفن، أنا بعيد عنك وأفكر فيك، فلتبقى خالدًا وأبديًا”.