“النفط مقابل التعمير” .. النموذج الصيني في العراق !

“النفط مقابل التعمير” .. النموذج الصيني في العراق !

خاص : ترجمة – د. محمد بناية :

“النفط مقابل الأمان”؛ تلك هى القاعدة التي أسست بنيان العلاقات السعودية والدول النفطية الخليجية؛ بشكل عام مع “الولايات المتحدة الأميركية”، على مدى العقد الماضي.

بموجب هذه القاعدة؛ تؤمن دول الخليج أن “النفط”؛ باعتباره أحد أهم احتياجات الاقتصاد الأميركي والغربي بشكل عام، وفي المقابل تتمتع بالحماية الأمنية والعسكرية إذا استدعى الأمر.

لكن وفي ضوء تغيير موازنة القوى العالمية، ظهرت تدريجيًا نماذج بديلة لتلكم القاعدة؛ أقل تكلفة وتحقق المزيد من المصالح للدول النفطية. وأبرز مثال على ذلك يكمن في السياسات الصينية للتعاون مع الدول النفطية والنامية حول العالم.

فلقد سعت هذه القوى الشرقية، على مدى السنوات الماضية؛ للاستفادة من مصادر وإمتيازات الدول النامية مقابل تقديم خدمات أساسية تستهدف تطوير البنية التحتية الاقتصادية لتلكم الدول.

وأحدث نموذج على ذلك يترتبط بـ”العراق”؛ تلك الدولة التي نجحت، في العام 2018م، وفي عهد رئيس الوزراء، “عادل عبدالمهدي”؛ من التوقيع على الاتفاق المعروف: بـ”النفط مقابل التعمير”، مع الحكومة الصينية. ورغم أن “عبدالمهدي”؛ دفع تكلفة هكذا اتفاق بالاستقالة من منصبه والخروج التام من المشهد السياسي العراقي، إلا أن الحكومة العراقية الحالية برئاسة، “مصطفى الكاظمي”؛ تتطلع إلى تنفيذ هذا الاتفاق. بحسب صحيفة (همشهري) الإيرانية المقربة من بلدية “طهران”.

فرصة تاريخية لإعمار “العراق”..

وصف الكثيرون؛ زيارة “عبدالمهدي” إلى “بكين”، في العام 2018م؛ بـ”المنعطف” في علاقات البلدين. وفي آتون هذه الزيارة وقع الطرفان على اتفاق ينص على استعداد “الصين” تطوير استثماراتها في البنية التحتية العراقية مقابل الحصول على احتياجاتها النفطية.

ويرتبط أهم هذه الاستثمارات بالحوزة النفطية، على سبيل المثال وقعت “الشركة الوطنية الصينية للنفط” اتفاقًا غير مسبوق مع “العراق”؛ لإنشاء أكبر مصفاة لـ”النفط العراقي”، في مدينة “البصرة”؛ بميزانية: 07 مليار دولار. وبالتالي سوف تزداد قدارت المصافي العراقية على إنتاج: 300 ألف برميل يوميًا.

وفي المرحلة الثانية من المشروع سيتم افتتاح أكبر “مجمع بتروكيماويات”، في مدينة “البصرة” أيضًا؛ بطاقة إنتاجية: 03 طن سنويًا.

وتسعى الحكومة العراقية اعتمادًا على هذه الاستثمارات؛ إلى تلبية احتياجات الداخلية، كما ستتحول خلال السنوات المقبلة إلى واحدة من الدول المصدرة للمشتقات النفطية في “غرب آسيا”. علاوة على ذلك، تحولت “الصين” إلى منافس قوي وشرس للشركات النفطية الأميركية والبريطانية في “العراق”.

أهمية “العراق” بالنسبة للصين..

أبدت “بكين”، على مدى السنوات الماضية؛ رغبة في إضافة “العراق” إلى مشروع “الحزام والطريق” أو “طريق الحرير الجديد”.

والموقع الجغرافي العراقي المتميز يجلها جسر اتصال إستراتيجي بين الخليج و”تركيا”. وبالتالي لا يمكن الحديث عن مشروع ممر تصدير عن طريق “غرب آسيا” إلى “أوروبا” بسهولة دون مشاركة “العراق”.

وفي هذا الصدد؛ كانت فضائية (الجزيرة) القطرية قد أعدت تقريرًا جاء فيه: “إذا تجاهلنا البنية التحتية الحديثة، تمتع البصرة بإمكانيات اقتصادية وتجارية أكبر من دبي الإماراتية، لكن التطورات على مدى العقدين الماضيين، بدءً بالعقوبات التدميرية في عهد، صدام حسين، وحتى الحرب والاحتلال، ساهمت في تجاهل كل إمكانيات العراق الاقتصادية على الساحة الدولية”.

والآن وبعد استعادة الاستقرار والانسحاب التدريجي للقوات الأميركية من هذا البلد، عادت من جديد بارقة الأمل في إحياء هذه الأرض الإسترايتجية. ويمكن ملاحظة أهم المؤشرات على هذا الأمر في مشروع “ميناء الفاو الكبير”، وهو المشروع الذي خصص “العراق” له ميزانية مبدأية حوالي: 02 مليار و600 مليون دولار.

وبحسب “الكاظمي”، “الفاو” باعتباره الميناء العراقي الوحيد المطل على الخليج؛ سوف يُمثل المدخل لعودة “العراق” إلى المعادلات الاقتصادية العالمية.

المخاوف الأميركية من النفوذ الصيني في العراق..

تحولت المخاوف الأميركية من تنامي النفوذ الصيني، في “غرب آسيا”؛ إلى حقيقة معلنة خلال السنوات الأخيرة. ولا تقتصر هذه المخاوف على دول كـ”العراق”، وإنما تشمل حتى أهم حلفاء “الولايات المتحدة” في المنطقة؛ كـ”الإمارات” و”الكيان الصهيوني”.

ويقتصر الرد الأميركي على هذه الظاهرة، حتى الآن؛ على الجوانب الأمنية والسياسية، بدءً بتهديد حكومة “نتانياهو” بإلغاء صفقة مقاتلات (F- 35) إلى “الإمارات”، وحتى تهيئة مجالات سقوط حكومة “عبدالمهدي” في “العراق”.

وكانت تأمل “واشنطن”، بعد صعود “الكاظمي”؛ إلى رئاسة الحكومة في “بغداد”، بوقف مسار تنامي النفوذ الصيني في “العراق”. مع هذا فالتطورات الأخيرة مثل التوقيع على عدد من الاتفاقيات النفطية الهامة بين “بغداد” و”بكين”؛ تُثبت عدم قدرة الحكومة العراقية على تجاهل الفرص الاقتصادية الكبرى للتعاون مع “الصين”. في حين أن الوجود الأميركي لم يترك سوى الاضطرابات والأزمات الأمنية.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة