كتب – محمود زين :
يرى البعض أن أسباب تذبذب أسعار النفط في العالم يعود إلى الإفراط في العرض من جانب الدول المنتجة سواء من أعضاء منظمة البلدان المصدرة (أوبك) أو المنتجين من خارجها مثل روسيا.
لكن الحقيقة أن هناك عوامل أخرى، أبرزها الاهتمام باستخراج النفط الصخري في الولايات المتحدة.
كان النفط الصخري السبب الرئيسي في انهيار أسعار النفط الخام وتضرر العديد من الحكومات في العالم خلال السنوات الأخيرة.
ما هو النفط الصخري ؟
النفط الصخري هو نوع من النفط الخفيف، ويتم انتاجه من صخور تحتوي على ترسبات مادة “الكيروجين”، يتم تحويلها بالحرارة إلى سائل “هيدروكربوني” بديل للنفط الخام.
وتعتبر تكلفة استخراج النفط الصخري أعلى من الخام، ويختلف كثيراً عن النفط الرملي أو الغاز الصخري.
أهمية النفط الصخري..
في الولايات المتحدة الأميركية، حدثت ثورة ضخمة في إنتاج النفط الصخري خاصة في ولاية “تكساس” الغنية بهذا النوع من النفط.
دفع هذا المشهد الرئيس الأميركي السابق “باراك أوباما” إلى التأكيد في كانون أول/ديسمبر 2012، على أن أميركا ستتخطى المملكة العربية السعودية لتصبح أكبر منتج للنفط في العالم في 2017 بفضل النفط الصخري.
أزعج الأمر أيضاً منظمة (أوبك)، إذ أعربت في اجتماع عقد في نفس الشهر عن قلقها من زيادة إنتاج النفط الصخري، بما يهدد مستقبل الطلب على النفط الخام.
متى ظهر النفط الصخري ؟
كان النفط الصخري يستخدم قبل الحرب العالمية الثانية كوقود نقل، وبات بعد ذلك يستخدم كمادة خام للأوساط الكيميائية والكيمياويات النقية والراتنجات الصناعية وكمادة حافظة لخشب السكك الحديدية.
واعتباراً من عام 2008 أصبح يستخدم في المقام الأول، في التدفئة بوصفه وقوداً بحرياً، وإلى حد أقل في إنتاج المواد الكيميائية المختلفة.
استخراج النفط الصخري..
تزايدت وتيرة استخراج النفط الصخري خلال السنوات الأخيرة في ضوء الارتفاع الجنوني في أسعار النفط الخام وبات الإقدام على الاستثمار في هذا القطاع كابوساً حقيقياً يهدد العائمين على بحار النفط في العالم.
هذا الكابوس انعكس ليس فقط على الميزانيات العامة للبلدان المنتجة للنفط الخام، التي كانت تعتمد على الذهب الأسود بشكل أساسي في تعزيز الدخل القومي، إنما امتد أثره ليضر بالأوضاع الاجتماعية والسياسية.
وهو ما تجلى في بلدان مثل “فنزويلا”، التي تشهد أزمة اقتصادية امتدت إلى المشهد السياسي ثم الاجتماعي.
ويمكن القول إن انخفاض أسعار النفط تسبب في حدوث زلازل عنيفة في العديد من البلدان المنتجة بشكل عام.
ربما يجدر الإشارة إلى أن البلدان المنتجة للنفط التي كانت تبيعه بما يزيد عن 100 دولار للبرميل الواحد لسنوات عديدة، تسعى حالياً بشكل مستمر للتوافق على آلية لإبقاء المعروض في السوق عند حد معين للحيلولة دون انخفاض الأسعار إلى ما دون 50 دولاراً للبرميل، في محاولة للوقوف أمام الموجة الهائجة للنفط الجديد.
البلدان المنتجة للخام تكافح ضد استخراج النفط الصخري..
تحاول الدول المنتجة، ذات الاستراتيجيات طويلة الأمد، العمل على منع الاستثمار في استخراج النفط الصخري بالولايات المتحدة لأن ذلك يعني انخفاضاً حاداً في أسعار النفط.
بقاء النفط في حدود 50 دولاراً يعتبر أمراً جوهرياً ليصبح الاستثمار في التنقيب واستخراج النفط الصخري، غير مجدي من الناحية الاقتصادية لأنه مرتفع التكاليف.
النفط الصخري سلاح ذكي ضد الاحتكار..
من المتوقع أن تستفيد الولايات المتحدة التي تمتلك الجزء الأكبر من النفط الصخري، على المدى الطويل، من هذا النوع من النفط، لأنها تستغله كسلاح ذكي وتحصل من خلال التلويح به على النفط الخام بأسعار معقولة.
وترى أنها في المستقبل، حين تجف بحار النفط الخام، خاصة في الشرق الأوسط، ستكون ذات مخزون استراتيجي، تستطيع من خلاله التحكم أكثر في العالم.
الترهيب والترغيب..
يجدر الإشارة إلى أن مجرد الحديث عن استئناف العمل من جانب إدارة الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” لاستخراج النفط الصخري تسبب خلال الأيام الأخيرة في تراجع أسعار الذهب الأسود في منظمة (أوبك)، وفقاً للإحصاءات الصادرة عن المنظمة التي يقع مقرها في فيينا.
كيفية مواجهة هذا الوضع ؟
تسعى دول مثل “السعودية” لصياغة استراتيجات مستقبلية تستشرف تفاقم الأزمة وتضع حلولاً للتعاطي معها، وكما يقول المثل، “أن تأتي متأخراً خيراً من ألا تأتي”.
على هذا النحو، تم طرح استراتيجية (2030) من جانب الرياض بهدف التخلي التدريجي عن الاعتماد على مبيعات النفط في الموازنة العامة للمملكة.
وهو موقف يستدعي الانتباه للمستقبل الذي ينتظر الدول التي تعتمد على النفط بشكل أساسي في الموازانات العامة.
ويبقى السؤال قائماً : متى يستفيق النائمون على بحار النفط في الشرق ؟!.