المُسيّرات الأوكرانية .. تضع أوروبا أمام ضرورة إعادة النظر في استراتيجيتها الدفاعية

المُسيّرات الأوكرانية .. تضع أوروبا أمام ضرورة إعادة النظر في استراتيجيتها الدفاعية

خاص: كتبت- نشوى الحفني:

باتت الطائرات القتالية المُسيّرة إحدى السمات البارزة في الحرب “الروسية-الأوكرانية”، حيث أصبحت عنصرًا حاسمًا في قلب المعارك الشرسة بـ”أوروبا الشرقية” والحرب العالمية الحديثة؛ وهو ما دفع العديد من الدول، وعلى رأسها “فرنسا”، إلى إعادة النظر في استراتيجياتها الدفاعية لمواكبة التحوّلات التكنولوجية في ساحات القتال، خاصة عبر زيادة قدرات وكفاءة أساطيلها الجوية، وحمايتها في ذات الوقت.

وفي العاصمة الروسية؛ “موسكو”، أسقطت الدفاعات الجوية الروسية، أمس السبت، (04) مُسيّرات كانت تستهدفها، وسط تعليق للطيران بمطار رئيس.

وقالت “وزارة الدفاع” الروسية إن: (94) طائرة مُسيّرة جرى تدميرها فوق “روسيا”؛ خلال الليل، و(45) أخرى خلال ساعات اليوم الأولى.

أعادت توزيع القوة في عالم السلاح والردع..

وفي هذا الإطار؛ أكد الصحافي المتخصص في نُظم الحرب غير التقليدية؛ “ديفيد كيريتشينكو”، في مقال بموقع مجلة (ناشونال إنترست)، أن تداعيات حرب المُسيّرات الأوكرانية وصلت إلى الشرق الأوسط، وقدم الكاتب تحليلًا شاملًا للتحولات العسكرية التي فرضتها المُسيّرات الرخيصة وعالية التأثير، والتي أعادت توزيع القوة في عالم السلاح والردع.

أنباء عن خسائر روسية بـ 7 مليارات دولار..

تناول الكاتب الضربة الأخيرة التي نفذّتها “أوكرانيا” على (04) مطارات عسكرية روسية، زاعمًا أنها تسببت بخسائر تُقدر: بـ (07) مليارات دولار، وأصابت أكثر من: (40) طائرة قاذفة بعيدة المدى.

وكانت “وزارة الدفاع” الروسية، أعلنت في بيان اليوم الخميس، أن أنظمة الدفاع الجوي التابعة لها، أسقطت: (69) طائرة مُسيّرة أوكرانية فوق المناطق الروسية الليلة الماضية.

ويدعي الكاتب أن العملية لم تكن فقط نجاحًا عسكريًا، بل إنذار استراتيجي للمخططين العسكريين حول العالم بأن قواعد الحرب قد تغيّرت.

عملية “شبكة العنكبوت”..

قال الكاتب إن هذه الضربة اعتمدت على عملية استخباراتية سرية حملت اسم (شبكة العنكبوت)، جرى التحضّير لها على مدى (18) شهرًا، وشملت تهريب: (117) طائرة (FPV) مُسيّرة منخفضة التكلفة إلى داخل “روسيا” عبر شاحنات تجارية.

ونجحت هذه الطائرات الصغيرة في إحداث اختراق استراتيجي، حتى أن الأصول العسكرية الأكثر تحصينًا باتت عُرضة للاستهداف. بحسب مزاعمه.

ويدعي الكاتب أن نتيجة هذه الضربة أجبرت “موسكو” على نقل طائراتها من طراز (تو-95) و(تو-160) إلى أقصى شرق “روسيا”، مما أطال مهام القصف إلى: (23) ساعة ذهابًا وإيابًا.

ونقل “كيريتشينكو” عن مسؤول دفاعي في الـ (ناتو)؛ قوله لصحيفة (نيويورك تايمز)، إن هذا النوع من الهجمات أثار مخاوف من هجمات مماثلة قد تستهدف الموانيء الأميركية عبر سفن تجارية صينية.

الصين.. المورّد التكنولوجي..

وأشار الكاتب إلى أن معظم مكونات المُسيّرات الأوكرانية، بما فيها البطاريات والمحركات، تُصنع في “الصين”، ما يُثيّر القلق من التبعية الاستراتيجية لاحتمالات التخريب أو التلاعب بسلاسل الإمداد.

وأضاف أنه رغم استثمارات (البنتاغون) والـ (ناتو) في تقنيات التصدي للمُسيّرات، إلا أن حماية البُنية العسكرية بالكامل لا تزال بعيدة المنال.

عودة “سفن النار”..

وبعد تدمير سلاحها البحري التقليدي؛ طورت “أوكرانيا” أسطولًا من الزوارق المُسيّرة، ألحق أضرارًا كبيرة بثُلث أسطول “البحر الأسود” الروسي.

ويُشبّه “كيريتشينكو” هذه الزوارق: بـ”سفن النار” التي استخدمت في الحروب البحرية القديمة، لكن بأسلوب تكنولوجي حديث وفعال، جعل السفن الروسية تختبيء في موانئها خوفًا من الاستهداف. بحسب مزاعمه التضخيمية للوقائع.

معادلة خاسرة..

ذكر “كيريتشينكو”؛ أن (الحوثيون) في “اليمن” أسقطوا (07) طائرات أميركية من طراز (ريبر)، خلال (06) أسابيع فقط، مما كبّد “واشنطن” أكثر من: (200) مليون دولار.

ونقل عن الجنرال الأميركي؛ “براين فنتون”، قوله: “يُطلق خصومنا مُسيّرات انتحارية: بـ (10) آلاف دولار، ونُدمّرها بصواريخ قيمتها: (02) مليون… هذه معادلة خاسرة”.

قال الكاتب إن (الموساد) استلهم تكتيك (شبكة العنكبوت) الأوكراني؛ وقام بتهريب مكونات مئات المُسيّرات إلى داخل “إيران”، حيث اُستخدمت لضرب الدفاعات الجوية الإيرانية من الداخل، بالتزامن مع هجمات جوية إسرائيلية مُركزة، ما منح “إسرائيل” تفوقًا جويًا سريعًا ومباغتًا.

خلُص “كيريتشينكو” إلى أن التفوق في الحروب الحديثة لا يرتبط بامتلاك الأنظمة وحدها، بل بالقدرة على التطوير والتكيّف المستمر، ونقل عن القائد العسكري الأوكراني السابق؛ “فاليري زالوجني”، قوله: “سواء صدّقتم أم لا، لقد تغيّرت طبيعة القوة العسكرية فعلًا”.

ملحمة “حرب النجوم”..

واليوم؛ لمواجهة تهديد الطائرات بدون طيار والصواريخ بعيدة المدى، تُواجه القوات الجوية الفرنسية تحدّي حماية القواعد والمدن. وقد أكد رئيس أركان القوات الجوية والفضائية الفرنسية؛ الجنرال “جيروم بيلانغر”، أنه يُريد أن تكون القواعد الجوية قادرة على دعم صراعات شديدة الوطأة، وعلى حماية نفسها من خصم ذي موارد جوية مماثلة، ومن تهديدات جديدة كالمقاتلات المُسيّرة.

يصف “لوران لارشر”؛ المحلل السياسي العسكري في صحيفة (ليبراسيون) الفرنسية هذه الطائرات: بـ”ملحمة حرب النجوم”، في إشارة إلى واقع أصبحت فيه السماء الجزء الأهم من ساحة المعركة، حيث: “تُمطر الطائرات بدون طيار الموت عن بُعد؛ وتُبثّ الرعب في قلوب المدنيين والعسكريين على حدٍّ سواء”.

لذا فالجيش الفرنسي يُراقب هذه التحوّلات باهتمام بالغ، كما عبّر عن ذلك الجنرال “فنسنت بريتون”، مدير المركز المشترك للمفاهيم والعقائد والتجارب، خلال مؤتمر عُقد بـ”وزارة القوات الفرنسية المسلحة” في حزيران/يونيو الماضي.

وكان من أبرز استنتاجاته أن: “ساحة المعركة أصبحت شفافة تقريبًا”، في إشارة إلى قدرة المُسيّرات المقاتلة على الرصد والاستهداف بدقة عالية، بل بتكلفة منخفضة.

وأشار “بريتون”؛ في هذا الصدّد، إلى أن طائرات (FPV) المُسيّرة، وهي نماذج خفيفة ورخيصة نسبيًا، تسببت منذ بداية الحرب بين “موسكو” و”كييف” في نحو: (75%) من خسائر الاستنزاف، معتبرًا ذلك: “نسبة مذهلة من حيث الفاعلية مقارنة بتكلفة المعدّات العسكرية التي تدمّرها”.

قلق بالمؤسسة العسكرية الفرنسية..

وأمام هذا الواقع الجديد؛ تجد “فرنسا” نفسها مطالبة أولًا بتطوير قدراتها الدفاعية ضدّ الطائرات المُسيّرة، وثانيًا تعزيز إمكاناتها الهجومية بامتلاك هذا النوع من الأسلحة، وهو تحدٍّ يتزايد بمرور الوقت.

ويُقر خبير فرنسي في حلف الـ (ناتو)؛ بأن “باريس” ستكون في موقف حرج إذا واجهت سيناريو مماثلًا للحرب بين “روسيا” و”أوكرانيا”، وخاصة كما حصل بعملية (شبكة العنكبوت).

من جهته؛ يُشيّر الكاتب والمحلل السياسي الفرنسي في (لو فيغارو)؛ “نيكولاس باروت”، إلى أن صدى العملية الأوكرانية الكبرى ضدّ سلاح الطيران الروسي، يتردد بقوة، فبفضل بضع طائرات مُسيّرة رخيصة الثمن، تمكّنت القوات الأوكرانية من الوصول إلى نحو ثُلث أسطول “روسيا” الجوي. وغنيّ عن القول، إنه ثمّة قلق داخل المؤسسة العسكرية بشأن قدرة القواعد الفرنسية على حماية نفسها من هذا النوع من الهجمات، فإذا لم يُتخذ أيّ إجراء لزيادة معدّل حماية الطائرات، فقد لا تستمر معركة جوية كبرى سوى بضعة أيام.

وبرأي “باروت”؛ فقد انتهت الهيمنة الجوية للغرب، التي ضمنت حرية تحرّك دوله في جميع مسارح العمليات بعد انتهاء الحرب الباردة. كما لوحظ ذلك أيضًا داخل الجيش الروسي منذ بداية الحرب مع “أوكرانيا”، والتي أظهرت أهمية الدفاعات المُضادة للطائرات، ولكن أيضًا الضرورة الملحّة لتطوير المقاتلات بدون طيّار وزيادة أعدادها.

هذا الواقع يُفرض على الجيش الفرنسي دمج الطائرات المُسيّرة بسرعة وفاعلية ضمن العقيدة القتالية في مختلف البيئات العسكرية في البر، والبحر، والجو، والفضاء. إلا أن الفجوة لا تزال واسعة. فبينما تُخطط “أوكرانيا” لنشر: (4.5) مليون طائرة مُسيّرة هذا العام، لا تملك “فرنسا” اليوم سوى بضعة آلاف منها فقط، ما يضطرها إلى استيراد الطائرات، مثل الطائرة القتالية الأميركية (ريبر).

حول ذلك يعلّق جنرال فرنسي متقاعد: “نحن نعتمد بشكل مفرط على الولايات المتحدة في قطاع حيوي يتعلق بسيادتنا الدفاعية. لقد افتقرنا في السابق إلى الشجاعة وبُعد النظر”.

تحفيز الصناعة المحلية..

وفي محاولة لتدارك التأخر؛ أعلنت “باريس” مؤخرًا عن إجراءات جديدة لتحفيز قطاع الطائرات المُسيّرة المحلي.

وزير الدفاع؛ “سيباستيان ليكورنو”، كشف أن شركتين فرنسيتين سوف تنشئان خطوط إنتاج في “أوكرانيا” لتصنيع مُسيّرات تخدم الجيشين الفرنسي والأوكراني. ورغم تأكيده على ضرورة اللحاق بهذا السبّاق التكنولوجي، أقرّ “ليكورنو” بتفوق الأوكرانيين في مجال تطوير الطائرات المُسيّرة وابتكار العقيدة القتالية المصاحبة لها.

ومن بين الشركات المرشّحة، كشفت قناة (فرانس إنفو)، أن مجموعة (رينو) لصناعة السيارات قد تكون ضمن المشاركين، رغم أن الشركة الفرنسية أوضحت أن المشروع لا يزال قيد الدراسة، بانتظار تفاصيل إضافية من “وزارة الدفاع”.

كما أعلنت وكالة التسليح الفرنسية، أنها طلبت تصنيع (1000) طائرة مقاتلة بدون طيار من شركة (هارماتان) للذكاء الاصطناعي. وستستخدم هذه الطائرات لتجهيز وتعزيز قدرات الجيش، واستخدامها خلال مناورات (أوريون 2026) العسكرية في “فرنسا”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة