20 يوليو، 2025 11:30 م

الموصل تحت عباءة الخليفة وقوانين دولته

الموصل تحت عباءة الخليفة وقوانين دولته

لم يستطع ابو زهراء حبس دموع الفرح وهو يصافح عبد حمدون صديقه وعدوه معاً، ولو التقى الرجلان قبل أيام فقط ربما لقتل أحدهما الآخر، أما بعد اليوم فقد وضعت مبايعة الدولة الإسلامية حداً للخلاف الدموي بينهما.
 ابو زهراء قيادي في تنظيم داعش في الموصل حيث استقبل حمدون صديق طفولته وأحد زعماء جماعة “انصار الاسلام” المتشددة، عندما جاء على رأس مجموعة من مقاتلي الجماعة معلنين بيعتهم للدولة الإسلامية بعد يوم واحد فقط من خطبة “الخليفة” ابو بكر البغدادي في الموصل.
 الحديث عن البيعة أصبح علنياً منذ سيطر داعش على الموصل، فعندما شرع التنظيم باستقطاب الشباب من عمر 15 – 30 عاما، تقدم أحمد حبيب (19 عاما) للتطوع فطلبوا منه البيعة.
 استفسر منهم عما يترتب على ذلك، فأجابه مسؤول مقر التطوع “هذا يعني مبايعة أمير المؤمنين ابي بكر البغدادي على السمع والطاعة حتى الموت، وإن تراجعت فانت مرتد وحكم المرتد القتل”.
 وحينما أعلن المتحدث باسم داعش ابو محمد العدناني إقامة دولة الخلافة دخلت الجماعات المسلحة على الخط سريعاً وكان أول المبايعين هم “انصار الاسلام” ثاني أكبر الجماعات المسلحة في نينوى بعد داعش.
 هؤلاء كانوا ينافسون التنظيم قبل وبعد الانسحاب الأميركي من العراق نهاية 2011، ووصلت الأمور بينهم إلى المواجهة المسلحة واغتيالات متبادلة لقيادات الطرفين، ولحقت بركب المبايعين فصائل أخرى مغمورة ألقت السلاح بعد الانسحاب الأميركي.
 بعض زعماء العشائر تسابقوا إلى البيعة وإن كان على نطاق ضيق جداً، وأبرز المشاهد التي ظهرت في الموصل بعد إعلان قيام الدولة الإسلامية ظهر العشرات من رجال العشائر وهم يسيرون نحو مقر مهم لداعش في مبنى الحكومة المحلية وهم يرفعون اللافتات ويهتفون بالولاء والطاعة للدولة الإسلامية.
وبعد انتهاء البغدادي من خطبته الشهيرة استدار “الخليفة” إلى المصلين حيث أحاط به اتباعه وتشكَّل طابور من الرجال كانوا يتقدمون تباعاً لمصافحته، الحاج غازي ذنون الذي اعتاد الصلاة في الجامع النوري الكبير استطاع بفضوله المعهود اكتشاف إن هؤلاء مبايعين جدد.
  “حتى االيوم المبايعة اختيارية “يعلق الحاج ذنون لكن الوضع سيختلف، فالشعار القادم سيكون “من لم يبايع الخليفة فهو ضده” لا سيما وإن التنظيم ألقى الكرة في ملعب الناس، فطالما هنالك خليفة فإن مبايعته واجبة، حسب اعتقاد الجماعات الدينية المتشددة. 
 
ظهور البغدادي وخطبته في أبرز جوامع الموصل منح عناصر داعش امتيازاً كبيراً، وبدأوا يتحدثون للناس إن الموصل عاصمة الدولة الاسلامية، ومنها سوف تنطلق الفتوحات إلى العالم كله.
 لم ينتظر تنظيم داعش كثيراً بعد ظهور الخليفة حتى بدأ يؤسس لأجهزة أمن وإدارة اسلامية، خاصة مع تحقق أهم ركنين من أركان الخلافة الإسلامية، هما وجود خليفة معلوم للناس والمبايعة، ولعل أقرب شاهد على ذلك تلك السيارات التي تجوب الشوارع منذ اسبوع حاملة شعار “الشرطة الإسلامية”، إنها خطوة متقدمة أعقبت تأسيس محاكم إسلامية تحت اسم “ديوان القضاء”.
 ولعل من أول المترافعين أمام هذه المحاكم هو يونس حميد صاحب مولدة كهرباء أهلية يبيع منها الكهرباء على المنازل السكنية، جلبه عناصر “الشرطة الاسلامية” بناء على شكوى من الأهالي، وبعد خمس ساعات عاد حميد إلى بيته فاستقبتله عائلته في احتفال كبير، لكن والدته أصرّت على كشف قميصه لتطمئن، لقد توقعت رؤية آثار ضرب على ظهره.
  فمنذ دخول داعش والموصليون يتناقلون أخباراً عن عقوبات جلد تنفّذ بحق “مذنبين” وإن لم تتأكد هذه الأخبار اليوم فالناس هنا متيقنون بأنهم سيرون مشاهد الجلد في الشوارع قريباً.
 الدولة الإسلامية لم تهمل النشاط الاقتصادي خاصة وإن الموصل كانت وما زالت أبرز مصادر تمويله، لقد أحكم عناصر التنظيم قبضتهم على مداخل ومخارج المدينة، وهم اليوم يحصّلون “رسوما كمركية” من الشاحنات المحملة بالبضائع وصهاريج النفط والوقود.
 لم يُسمح لشاحنة التاجر على الحمداني المحمّلة بالطماطم بالمرور إلى إقليم كردستان إلا بعد دفع 200 دولار، استحصلها من السائق عناصر التنظيم في أحد المنافذ الشرقية للمدينة.
 ويؤكد الحمداني إن “الكمرك الاسلامي” يُفرض على جميع البضائع الداخلة والخارجة، بما فيها اسطوانات الغاز التي تُجلب من إقليم كردستان “هم يأخذون  عشر دولارات عن كل اسطوانة، مما يضاعف سعرها الطبيعي عند بيعها على الناس” يبرر التاجر ارتفاع أسعار الغاز في المدينة.
ويبدو إن الدولة الإسلامية تمارس نشاطاً تجارياً خاصة إذ تفيد المعلومات التي حصلت عليها “نقاش” إن تجاراً يعملون لصالحها يستوردون البنزين من إيران وتركيا، ليُباع في السوق السوداء بثلاثة أضعاف سعره السابق.
  لكن اخطر المعلومات تفيد بسحب الدولة الاسلامية مبالغ من المصارف، وتحديداً مصرفي (الرافدين والحدباء 101) وسط الموصل، حيث أكد أحد شهود العيان إن سيارات صغيرة لنقل البضائع يقودها سائقون ملثمون نقلت تحت الحماية المشددة أموالاً من المصرفين إلى جهة مجهولة، والمرّجح إن هذه الأموال توّزع على عناصر التنظيم الذين يتلقون رواتب شهرية.
 ومؤخراً بدأت تنشط جماعة تطلق على نفسها “جهاز الحسبة” أو الأمن الإسلامي، لقد ابلغ عناصرها المقاهي الشبابية بمنع تدخين النركيلة وأحرقوا مخازن السجائر و(المعسل)، ومنعوا محال الألبسة من بيع الملابس النسائية والرجالية الضيقة وعدم الترويج لملابس النساء الداخلية بشكل علني.
وهؤلاء يجولون الأسواق ويراقبون الجميع، وقبل يومين أوقف أحدهم شاب كان برفقة عروسه التي ارتبط بها حديثا في سوق السرجخانة المعروف للموصليين، وطلب منه بصوت منخفض أن يأمر زوجته بالاحتشام، لأنها تضع المكياج وترتدي ملابس ضيقة.
 احمرّ وجه الشاب غضباً وحرجاً، فانسحب بهدوء نحو زوجته ووضع كفه في كفها، ثم مضى بها بعيداً عن المكان وقال “سنغادر الموصل ولن نعود ما دام هؤلاء الآمر الناهي فيها”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة