المنبوذون في تكريت .. خوف وعزلة وحرق منازل!

المنبوذون في تكريت .. خوف وعزلة وحرق منازل!

اتكريت – تعيش عائلات تنظيم الدولة الاسلامية وضعا حرجا بعد تحرير المدينة، إذ رحل معظمها إلى مناطق نائية فيما تمتنع أخرى عن مغادرة منازلها.
في قرية نائية غرب تكريت تبعد (25 كلم) عن مركز المدينة تسكن سَنيّة محمود (52 سنة) في غرفتين من الطين تلقي أشجار السدر بظلالها عليهما.
المرأة هي أم لشابين هما توفيق ونصر قاما بمبايعة تنظيم الدولة الاسلامية وقاتلا معه في معظم مدن محافظة صلاح الدين ومركزها تكريت (شمال بغداد)، أحدهما قتل فيما لا يزال مصير الثاني مجهولاً إذ يردد سكان القرية أقاويل حول وجوده في الموصل أو الحويجة، فيما تعيش والدته اليوم مع أرملة ابنها توفيق وبناته الثلاث.
سنية خرجت من المدينة بعدما زاد القصف الجوي ولقي ابنها الكبير حتفه، وتقول لموقع “نقاش” الإخباري “لقد اخترت هذا المكان البعيد خوفاً على أطفالنا من التعرض للانتقام من قبل أهالي ضحايا داعش (الاسم الشائع لتنظيم الدولة الاسلامية)، إذ أقدم الناس على إحراق بيتي في حي الجمعية وسط تكريت بعد دخول القوات الأمنية العراقية والحشد الشعبي لمدينة تكريت واليوم أصبحنا نعيش على مساعدات الناس”.
يصف نعيم علي أحد نشطاء المنظمات الإنسانية الذي زار القرية ووصل إلى بيت الحاجة سنيّة الأوضاع للعائلة بأنها مزرية ويقول “لم أتصوّر إن عائلة ما يمكن أن تعيش الحرمان إلى درجة تصل لاستجداء قنينة الماء أو رغيف الخبز ورغم ذلك لا تزال الحاجة سنية تؤمن بأن داعش التي تسميهم (الثوار) هم أفضل من غيرهم”.
صباح الذي لم يتجاوز السابعة عشرة انتمى هو الآخر إلى تنظيم داعش رغم معارضة والده للأمر وهرب مع ثلاثة من أصدقائه والتحق بمجموعة ناصر الأمونة وهو قيادي بارز في “داعش” من أهالي تكريت ولا يعرف الأب مصيره منذ أشهر عدة إذ لم يتمكن من الاتصال به.
ويقول والد صباح الذي لم يتجاوز 44 عاماً أنا “اليوم أعيش في جحيم فأنا مسجون في بيتي لا أخرج مطلقاً لأنني تعرضت للكلام الجارح والإهانة من قبل الناس، حتى السوق لا أزوره وأطلب من بعض الأصدقاء شراء حاجياتي، أما المعاملات الإدارية فأطلب من أحد الأقارب قضاءها، وإذا ما مرض أحد أفراد أسرتي أرسل زوجتي أو شقيقتها معه إلى المستشفى”.
ويضيف “أبلغت الشرطة بنفسي عن اختفاء ابني وتبرّأت منه ومن أعماله ولو كنت مؤمناً بما أقدم عليه لرحلت مع عائلتي بالكامل مع داعش حينما غادر التنظيم المدينة، واليوم حتى أطفالي يسمعون كلاما جارحا ويصفهم الآخرون بالدواعش والقتلة، وحتى الأطفال يرفضون اللعب معهم”.
الشيخ جمال العلياوي شيخ عشيرة البوعلي الجاسم في تكريت وعضو مجلس شيوخ صلاح الدين قال أثناء حديثه عن الموضوع “لم نعد نتقبّل وجود عائلات داعش في تكريت أو غيرها من المناطق المحيطة بعدما قتلوا أبناءنا وإخواننا وتسببوا بدمار المدينة وخرابها وتشريد أهلها ووجودهم فيها مرفوض”.
ويضيف “تم الاتفاق على السماح بعودة أشقاء المنتمين إلى داعش بعد أن يقدموا تعهدا رسميا للعشيرة والأجهزة الأمنية يثبتون فيه براءتهم من أعمال المجرمين ورغم ذلك لن يسمح لهم بالاختلاط مع الآخرين وسيبقون منعزلين في بيوتهم”.
ويؤكد أن المنتمين لداعش في تكريت ومحيطها قسمان: الأول المهجرون من ديالى والموصل وجنوب بغداد والذين سكنوا تكريت منذ 2005، والثاني من أهالي تكريت وهم أقل نسبة من الدواعش من خارج المحافظة”.
في الضلوعية (جنوب تكريت 110 كلم) ذهب ضحايا داعش إلى أبعد من المقاطعة والمضايقة لعائلات المتشددين، إذ تم تفجير ثلاثة منازل لذوي داعش دون وقوع خسائر بشرية ومن ثم المطالبة العلنية بترحيل عائلات المنتمين لداعش خارج المحافظة منظمين بذلك تظاهرتين قطعت طرق المدينة ونشرت الشعارات على بيوتهم وعلقت اللافتات في الأماكن العامة.
ويقول العقيد ثائر الجبوري وهو أحد العاملين في شرطة تكريت “بعد سيطرة داعش على مدينة تكريت انضمّ العشرات من شباب مدينة تكريت ومحيطها إلى داعش لدوافع شتى توزعت بين الرغبة في الانتقام من الأجهزة الأمنية وسلوكها مع الأهالي أو بسبب طموح القيادة الذي كان ولا يزال يراود الكثيرين من أبناء المدينة التي حكمت العراق أكثر من 35 عاماً”، في اشارة الى انها مسقط رأس الرئيس الراحل صدام حسين.
ويضيف “بعد تحرير المدينة في نيسان (ابريل) الماضي وطرد داعش، قُتل العشرات منهم فيما فرّت أكثر من 90 في المائة من عائلات داعش إلى الحويجة والشرقاط والموصل. أما من بقي منهم فهو منبوذ ومحتجز في منزله بطريقة غير رسمية لأنه يخشى الخروج إلى الشارع ومواجهة الناس خشية تعرضه للقتل أو الإهانة في أحسن الظروف، وعادةً ما يكون بقاؤهم في المدينة مكفولاً بوساطة أقاربهم المنتمين للأجهزة الأمنية او الحشد الشعبي”.
وهي تنثر الحبوب لمجموعة من الدجاج أمام منزلها الطيني الجديد، لا تزال الحاجة سنية تأمل باستعادة “مجدها الآفل” وتردد “بقيت في تكريت لأكثر من تسعة أشهر أثناء سيطرة داعش وكنت معزّزة مكرّمة وستعود تلك الأيام مرة أخرى”.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة