“المنافع الاقتصادية” المتبادلة .. كلمة السر في التطبيع “العربي-السوري” .. هل يمنعها “قيصر” ؟

“المنافع الاقتصادية” المتبادلة .. كلمة السر في التطبيع “العربي-السوري” .. هل يمنعها “قيصر” ؟

خاص : كتبت – نشوى الحفني :

بات قطار التطبيع “العربي-السوري” يمضي في طريقه سريعًا، وبدأ أولى محطاته من “الأردن”، حيث بدأت السلطات الأردنية مجموعة من إجراءات إعادة العلاقات السياسية والاقتصادية مع النظام السوري، فرعى أول لقاء جماعي لحكومة “بشار الأسد” في بلد عربي؛ منذ بدء الثورة السورية، وأعلنت حكومة “عمّان” إنهاء زيارة الوفد السوري الرفيع بالتوافق على آليات عمل مشتركة في مجالات التجارة والطاقة والزراعة والمياه والنقل.

من الملفت أن هذا المسار الأردني مع النظام السوري بدأ خلال زيارة للملك الأردني، “عبدالله الثاني”، إلى “واشنطن”، في تموز/يوليو الماضي، حيث بادر إلى دعوة الرئيس الأميركي، “جو بايدن”، لتخفيف “عقوبات قيصر”، واستثناء “الأردن” منها، بانيًا هذا الموقف على تصريح قال فيه إن: “بشار الأسد؛ مستمر في الحكم، والنظام ما زال قائمًا، ولذلك علينا أن نكون ناضجين في تفكيرنا”، متسائلاً: “هل نبحث عن تغيير النظام أم تغيير السلوك ؟”.

كما ظهرت مؤشرات عربية أخرى على ميل متزايد لدى بعض الحكومات العربية لإعطاء دفعة لمسار التطبيع هذا، كما حصل خلال اجتماعات “الأمم المتحدة”، حيث التقى وزير خارجية النظام السوري، “فيصل المقداد”، بوزراء خارجية: “تونس والجزائر والعراق وعُمان والأردن ومصر”.

استثمار “الأردن” لعدة قضايا..

وكان أحد المؤشرات التي يمكن ربطها بدور “الأردن” القيادي في مسيرة التطبيع مع نظام “الأسد”؛ هو البحث عن حلول لتدهور أوضاعه الاقتصادية، وعليه فإن الأمر لا علاقة له بتغيير سلوك النظام السوري، بل بالاستثمار في عدة قضايا: منها أن تكون “عمّان” معبر مبادرات المنظومة الدولية نحو “دمشق”، بدءًا من قضية “خط الغاز المصري” باتجاه “لبنان”، وليس إنتهاء بإمكانيات الاستثمار عبر الانفتاح على سوق مغلقة بفعل العقوبات والحرب، إضافة إلى بحث إمكانية إعادة أعداد من اللاجئين السوريين.

الدور المصري في عودة “سوريا” للعالم العربي..

كما تُعبر سلطات “القاهرة”، من جهتها، عن رغبة في التطبيع مع النظام السوري، منذ سنوات، وهي سياسة ثابتة أضيفت إليها الفوائد المترتبة على مشروع الغاز، وفي ظل الرغبة المعلنة التي أبدتها “الجزائر”؛ عن رغبتها في إعادة النظام السوري إلى “الجامعة العربية”، خلال اجتماعها المقبل فيها، فإن الدور المصري في هذا الاتجاه سيكون مؤثرًا بدوره.

واكتسب لقاء وزير الخارجية، “سامح شكري”، نظيره السوري، “فيصل المقداد”، في 24 أيلول/سبتمبر الماضي، بـ”نيويورك”؛ على هامش جلسات “الجمعية العامة للأمم المتحدة”؛ أهمية خاصة، كونه أول لقاء يجمع وزيري خارجية البلدين، منذ نحو 10 سنوات.

وخلال اللقاء؛ بحث الوزيران عددًا من القضايا في مقدمتها الخطوات المطلوبة لإنهاء أزمة الحرب الأهلية السورية المستعرة، منذ عقد كامل، وعودة “سوريا” إلى مكانتها الطبيعية كعضو فاعل في العالم العربي.

وفي هذا الصدد؛ قال موقع (المونيتور) الأميركي؛ إن “مصر” تلعب دورًا أساسيًا ونشطًا في جهود إنهاء الحرب السورية، التي أودت بحياة أكثر من: 338 ألف شخص؛ ودمرت البنية التحتية للبلاد؛ ونزح بسببها أكثر من نصف الشعب السوري.

وعقب لقائه نظيره السوري، قال “شكري”: “ما يعنينا الآن هو الوصول إلى حل للأزمة السورية، وهذا الحل يتطلب الإمتثال لقرارات مجلس الأمن الدولي، ويجب أن يكون هناك تفاهم بين الدول الفاعلة والجهات المؤثرة؛ فيما يتعلق بالأزمة. كما يجب على الحكومة السورية أن تدرك مسؤوليتها تجاه شعبها ويجب أن يعود النازحون إلى وطنهم. هذه أمور يجب أن تستكشفها الحكومة السورية ومختلف الجهات الفاعلة”.

“العراق”، من جهته، والذي تتأثر سياسته الخارجية بالنفوذ الإيراني الكبير فيه، يُشارك في سوق القاطرة العربية باتجاه “دمشق”، كما أن بعض الدول الخليجية، كـ”الإمارات والبحرين”، فقد جمعت في السنة الأخيرة، بين التطبيع المتزايد مع النظام السوري، مع التطبيع مع “إسرائيل”.

المعارضة تؤكد رفضها عودة النظام السوري للجامعة العربية..

في مقابل ذلك؛ أجرت “هيئة التفاوض السورية” و”الائتلاف الوطني السوري”؛ تحركات دبلوماسية، في محاولة لإيقاف بوادر التطبيع العربي مع النظام السوري.

وعقد رئيس “الائتلاف”، “سالم مسلط”، ورئيس “هيئة التفاوض السورية”، اجتماعًا مع الأمين العام لجامعة الدول العربية، “أحمد أبوالغيط”، الخميس 23 من أيلول/سبتمبر الماضي، للتأكيد على رفض المعارضة عودة النظام السوري إلى مقعده في “الجامعة العربية”.

تتطلب تفاعل جميع الدول وصناعة أثر إيجابي في “سوريا”..

من جهته؛ قال “أبوالغيظ”، إن قرار “الجامعة العربية” هو قرار مجموعة الدول العربية، لافتًا إلى أن تنشيط العملية التفاوضية المستندة إلى قرار “مجلس الأمن”: (2254)، يتطلب تفاعل جميع الدول وصناعة أثر إيجابي في “سوريا”.

تصريحات “أبوالغيط”؛ تتعارض مع مواقف عبّر عنها لممثلين عن النظام السوري، وفق تسجيل مصوّر انتشر في وقت سابق، خلال اجتماع لـ”الأمم المتحدة”.

انتقاد جمهوري لمساعي التطبيع..

إلى ذلك، انتقد الجمهوريون، في “الكونغرس” الأميركي؛ مساعي: “التطبيع مع النظام السوري”، التي قامت بها دول عربية في الفترة الأخيرة.

وأصدر كبير الجمهوريين في “لجنة العلاقات الخارجية”، بـ”مجلس الشيوخ”، السيناتور “جيم ريش”؛ وكبير الجمهوريين في اللجنة الموازية بـ”مجلس النواب”، “مايك مكول”، بيانًا شديد اللهجة بعنوان: “التطبيع مع الأسد خطأ”.

ويُشير البيان إلى: “العذاب الشديد الذي تسبب فيه، الأسد، للشعب السوري، عبر قتل مئات الآلاف من السوريين وارتكاب جرائم ضد الإنسانية بمساعدة: روسيا وإيران”.

وذكّر المشرعان البارزان: بـ”قانون قيصر”، الذي أقره “الكونغرس” بإجماع الحزبين؛ والذي يهدف لمعاقبة كل من يساعد: “حملة الأسد للقتل”.

ويُعرب البيان عن خيبة أمل المشرعين من تخلي: “بعض شركاء الولايات المتحدة؛ بمن فيهم أعضاء في الجامعة العربية”، لكن من دون تسميتهم، عن مساعيهم: لـ”معاقبة الأسد، عبر خطوات تهدف إلى تطبيع العلاقات معه”.

التطبيع يؤدي إلى الاستمرار في زعزعة استقرار المنطقة..

وأشار المشرعان إلى أن صفقات الطاقة الأخيرة التي أبرمت مع “سوريا”؛ ستُدر الأموال على النظام السوري، محذرين من أن تطبيع العلاقات معه سيؤدي إلى الاستمرار في زعزعة الاستقرار بالمنطقة. وتعهدا بالعمل جاهدين مع المجتمع الدولي للحرص على: “حصول الشعب السوري على العدالة التي ينشدها”.

ولا تتوقف انتقادات التطبيع على الجمهوريين فحسب؛ بل سبق أن تعاون الحزبان لإقرار مشروع قرار بـ”الكونغرس”، في آذار/مارس الماضي؛ لإدانة: “الفظاعات التي ارتكبها نظام الأسد بحق شعبه”، والتأكيد على إلتزام “الولايات المتحدة” بتحميل النظام وداعميه مسؤولية جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان.

تطبيق قانون “قيصر”..

وفي حين يشدد المشرعون من الحزبين على ضرورة تطبيق: “قانون قيصر”، أعرب بعضهم؛ كرئيس لجنة العلاقات الخارجية؛ السيناتور الديمقراطي، “بوب مننديز”، عن انفتاحه على التغاضي عن فرض بعض هذه العقوبات لتسهيل مرور الغاز والكهرباء إلى “لبنان”، في ظل الأزمة التي تمر بها البلاد.

لكن موقف “مننديز” هذا؛ لا يعني مباركة السيناتور: “جهود التطبيع” مع “الأسد”، وهذا ما أكده مصدر في “مجلس الشيوخ”، مذكرًا بتصريحات للسيناتور الديمقراطي؛ وصف فيها “الأسد”، في أكثر من مناسبة: بـ”الجزار الذي يفرض سيطرته وإرهابه بدعم من طهران وموسكو”. كما أشار المصدر نفسه إلى؛ أن هدف المشروع الذي أقره “الكونغرس” هو: “توجيه رسالة واضحة للمجتمع الدولي؛ تُحذر من عودة العلاقات إلى طبيعتها مع النظام”، إضافة إلى التذكير بالدور “الإيراني-الروسي” في دعمه: و”المشاركة في انتهاكات ضد المدنيين بهدف تقديم مصالحهم؛ الأمر الذي أدى إلى تقوية المجموعات المتشددة في سوريا”.

محطة مهمة في جهد مصري طويل الأمد..

ونقل موقع (المونيتور)، عن “كارولين روز”، الخبيرة بمعهد “نيولاينز” للإستراتيجية والسياسة، بـ”واشنطن”، أن لقاء “شكري” و”المقداد” جاء بمثابة محطة مهمة في جهد مصري طويل الأمد لإعادة تطبيع العلاقات العربية مع “سوريا”.

وقالت “روز”: “لطالما دعت القاهرة إلى رفع التجميد عن عضوية سوريا، بجامعة الدول العربية، وعقد مسؤولون من البلدين اجتماعات عدة لاستكشاف إمكانيات تعزيز العلاقات، لا سيما مع إعادة بعض الدول العربية فتح سفاراتها في دمشق ورحلات خطوطها الجوية إلى سوريا”.

وفي أواخر عام 2018، أعادت “الإمارات” و”البحرين” فتح سفارتيهما في “دمشق”، كما عاد سفير “عُمان” للإقامة في “سوريا”، عام 2020، وأعلن “الأردن”، الأربعاء الماضي؛ إعادة فتح “معبر جابر” الحدودي بين البلدين.

الجهود ستنتهي بإعادة قبولها في “جامعة الدول العربية”..

وقال الخبير بالشأن السوري ومدير مركز دراسات “الشرق الأوسط” بجامعة “أوكلاهوما” الأميركية، “غوشوا لانديس”: “يبدو أن هناك جهودًا متضافرة لإعادة سوريا إلى الحظيرة العربية، والتي ستنتهي بإعادة قبولها في جامعة الدول العربية”، مضيفًا أن “مصر” ترى مصلحة في تعزيز علاقاتها مع “سوريا”؛ لأنه: “لا أحد يرغب في رؤية المزيد من الفوضى في المنطقة”.

وأوضح “لانديس”؛ أنه: “لكي يعود الاقتصاد الإقليمي إلى الحياة، يجب أن تستعيد سوريا مكانتها الطبيعية داخل العالم العربي. هذا الأمر حيوي للصحة الاقتصادية للأردن ولبنان والعراق؛ وكذلك مصر”.

والشهر الماضي، أبرمت “مصر وسوريا والأردن ولبنان”؛ اتفاقًا لتوريد “الغاز الطبيعي” من “مصر” إلى “لبنان”؛ عبر خط أنابيب يمر بالأراضي السورية.

وتقول “كارولين روز”: “من خلال إعادة الاقتراب من سوريا والسعي إلى التطبيع، تبحث دول الشرق الأوسط عن طرق؛ ليس فقط لتقويض وجود وكلاء إيران في المنطقة، ولكن أيضًا للحصول على فرص اقتصادية جديدة تأتي مع عملية إعادة الإعمار السورية ومواجهة الوجود العسكري المتزايد لتركيا في دول الشرق الأوسط والبحر المتوسط”.

انتصار “الأسد” الميداني..

واعتبر الخبير في العلاقات الدولية، “أيمن سمير”؛ أن: “التغيرات في الواقع الميداني؛ وتمكن الجيش السوري من تحرير أغلب المناطق في البلاد، دفع العديد من العواصم العربية إلى التسليم بأن، الرئيس بشار الأسد؛ باقٍ بقوة في مكانه، وأن الرهان على تنحيه أو إسقاطه كان خاطئًا”.

إلا أنه أشار إلى أن: “المشكلة التي ما زالت تواجه عملية تطبيع العلاقات مع دمشق، تكمن في سريان (قانون قيصر) والعقوبات الأميركية المفروضة على التعامل مع الدولة السورية”.

إدارة “بايدن” لم تُعارض التطبيع !

من جهتها؛ نشرت صحيفة (واشنطن بوست)، مقالاً سلطت من خلاله الضوء على عمليات التطبيع مع النظام السوري، والتي بدأت بها عدة دول عربية.

واعتبرت الصحيفة أنّ إدارة الرئيس الأميركي، “جو بايدن”، لم تُعارض على هذا التوجه، محذرة من ذلك وقالت إنه له: “عواقب وخيمة”.

وجاء في تقرير للصحيفة؛ حمل عنوان: “بايدن يؤيد ضمنًا التطبيع مع الأسد”، أن الدفع العربي لتطبيع العلاقات مع النظام السوري؛ ليس جديدًا، لكن سرعته المتقدمة تُنذر بالخطر للكثيرين، لافتة إلى أن “بايدن” أعطى تأكيدات صريحة بأنه لن يُعاقب المطبعين مع نظام “الأسد” بموجب: “قانون قيصر”.

وأشارت (واشنطن بوست) إلى؛ أن “مؤيدي التطبيع يُجادلون بأن 10 سنوات من العزلة والضغط على، الأسد، لم تُسفر عن أي تقدم في التسوية السياسية، بينما العقوبات أدت إلى تفاقم معاناة السوريين”، كما يُجادلون بأن: “الانخراط العربي يمكن أن يُضعف القوة الإيرانية في سوريا”.

إفلاس أخلاقي وإستراتيجي..

واعترفت الصحيفة الأميركية؛ بعدم وجود: “خيارات جيدة” في “سوريا”، إلا أنها اعتبرت أن: “الترحيب ضمنيًا لقاتل جماعي بالعودة إلى الحظيرة الدبلوماسية ليس مقبولاً”، لأن: “التطبيع مع الأسد؛ لن يُنهي الحرب، والنظر في الاتجاه الآخر إفلاس أخلاقي وإستراتيجي”.

وبحسب الصحيفة أن الأمل الوحيد في تحقيق سلام واستقرار وعدالة حقيقيين في “سوريا”؛ هو أن تعاود “أميركا” الانخراط دبلوماسيًا وتعمل على إحياء العملية السياسية الدولية وقيادتها، والمساعدة في تحسين حياة السوريين الذين يعيشون خارج سيطرة “الأسد”، “بدلاً من نصحهم بعقد صفقات مع مضطهدهم”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة