وكالات – كتابات :
كتب “إدوارد توماس جونز”، المحاضر في الاقتصاد، و”دانيال هيمنغز”، المحاضر في المالية، و”سايمون ميدلبره”، المساعد بجامعة “بانغور”، في “ويلز”، تقريرًا حول ارتفاع أسعار (اليورانيوم) مع تزايد الطلب على هذه المادة اللازمة لتشغيل المحطات النووية، مشيرين إلى أن إنتاج (اليورانيوم) توقَّف في وقت سابق بسبب تدني الأسعار.
ويستهل الكتَّاب تقريرهم بالإشارة إلى أنه مر عام على تأكيد شركة “هورايزون نيوكلير باور”، وهي شركة مملوكة لشركة “هيتاشي” اليابانية، بأنها ستنسحب من بناء محطة (ويلفا-Wylfa) للطاقة النووية؛ البالغ تكلفتها: 20 مليار جنيه إسترليني، على جزيرة “أنغليسي” المطلة على البحر الأيرلندي؛ والواقعة في أقصى غرب شمال “ويلز”. وأشارت المجموعة الصناعية اليابانية إلى الفشل في التوصل إلى اتفاق تمويل مع حكومة “المملكة المتحدة” بشأن التكاليف المتصاعدة، ولم تزل الحكومة تجري مفاوضات مع جهات أخرى لمحاولة دفع المشروع قدمًا.
وقد ارتفع سعر سهم “هيتاشي”، في البورصة؛ بنسبة: 10%، عندما أعلنت انسحابها؛ مما يعكس المشاعر السلبية لدى المستثمرين تجاه بناء محطات طاقة نووية كبيرة ومعقدة وخاضعة للتنظيم الصارم. ومع إحجام الحكومات عن دعم الطاقة النووية بسبب التكاليف المرتفعة، لا سيما منذ كارثة “فوكوشيما”، عام 2011، (بسبب زلزال قوي بلغت قوته: 09 درجات ضرب الساحل الشرقي لليابان، تضرر المفاعل النووي في فوكوشيما ووقعت فيه انفجارات؛ مما أدَّى إلى حدوث أضرار بالغة، أهمها انبعاث كميات كبيرة من المواد المشعة)، قلل السوق من قيمة إمكانات هذه التكنولوجيا لمعالجة الطواريء المناخية من خلال توفير كهرباء منخفضة الكربون وفيرة وموثوقة.
وعكست أسعار (اليورانيوم) هذا الواقع لمدة طويلة. وكانت أسعار (اليورانيوم)، الوقود الأساس للمحطات النووية، تهبط طوال عام 2010، مع عدم وجود مؤشرات على حدوث تحول كبير. ومع ذلك، ومنذ منتصف آب/أغسطس، ارتفعت الأسعار بنحو: 60%، حيث يتدافع المستثمرون والمضاربون لاقتناص السلعة. وبلغ السعر حوالي: 48 دولارًا أميركيًّا للرطل، (453 غرامًا)، بعد أن كان رخيصًا لا يتجاوز سعره: 28.99 دولارًا أميركيًّا، في 16 آب/أغسطس، فما الذي يكمن وراء هذا الارتفاع في السعر، وماذا يعني ذلك للطاقة النووية.
الطلب على “اليورانيوم”..
يوضح التقرير أن الطلب على (اليورانيوم) يقتصر على إنتاج الطاقة النووية والمعدات الطبية. ويبلغ الطلب العالمي السنوي: 150 مليون جنيه إسترليني، وتتطلع محطات الطاقة النووية إلى تأمين العقود قبل عامين تقريبًا من الاستخدام.
في حين أن الطلب على (اليورانيوم) ليس محصَّنًا ضد الانكماش الاقتصادي، إلا أنه أقل تعرضًا لذلك من المعادن والسلع الصناعية الأخرى. ويُوزَّع الجزء الأكبر من الطلب عبر حوالي: 445 محطة طاقة نووية؛ تعمل في 32 دولة، ويتركز العرض في عدد قليل من المناجم. وتُعد “كازاخستان” أكبر منتج لـ (اليورانيوم)؛ حيث تُنتج أكثر من: 40%، تليها “أستراليا”: (13%)؛ و”ناميبيا”: (11%).
ونظرًا لأن معظم (اليورانيوم) المُستخرَج يستخدم وقودًا في محطات الطاقة النووية، فإن قيمته الجوهرية مرتبطة إرتباطًا وثيقًا بكل من الطلب الحالي والإمكانات المستقبلية لهذه الصناعة. ولا يشمل السوق مستهلكي (اليورانيوم) فحسب، بل يشمل أيضًا المضاربين، الذين يسارعون للشراء عندما يعتقدون أن السعر منخفض، وهناك احتمال لارتفاعها. وأحد هؤلاء المضاربين على المدى الطويل؛ هو شركة (سبروت فيزيكال يورانيوم ترست-Sprott Physical Uranium Trust)، ومقرها “تورونتو”، في “كندا”، والتي اشترت (يورانيوم) بتكلفة تقترب من: 06 ملايين جنيه إسترليني، (أو ما يعادل: 240 مليون دولار أميركي)، خلال الأسابيع الأخيرة.
لماذا يتزايد تفاؤل المستثمرين ؟
ألمح التقرير إلى أنه يُعتقد على نطاق واسع أن الطاقة النووية يجب أن تلعب دورًا أساسيًّا في الانتقال إلى الطاقة النظيفة، إلا أن التكاليف المرتفعة جعلتها غير قادرة على المنافسة موازنةً بمصادر الطاقة الأخرى. ولكن بفضل الارتفاعات الحادة في أسعار الطاقة، فإن القدرة التنافسية للطاقة النووية آخذة في التحسن. كما نشهد إلتزامًا أكبر ببناء محطات طاقة نووية جديدة في “الصين” وأماكن أخرى. وفي الوقت نفسه تَعِد التكنولوجيا النووية المبتكرة، مثل: “مفاعلات الوحدات الصغيرة”، (SMR)، التي يجري تطويرها في دول مثل “الصين”، و”الولايات المتحدة”، و”المملكة المتحدة”، و”بولندا”، بخفض التكلفة الرأسمالية الأولية.
ويؤدي اقتران ذلك بالتقارير المتفائلة الأخيرة حول الطاقة النووية من “الرابطة النووية العالمية” و”الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، (رفعت الوكالة الدولية للطاقة الذرية توقعاتها لاستخدام الطاقة النووية في المستقبل؛ لأول مرة منذ حادثة فوكوشيما)، إلى شعور المستثمرين بتفاؤل أكبر بشأن الطلب المستقبلي على (اليورانيوم).
وجرى أيضًا مضاعفة التأثير على السعر من خلال المشكلات المتعلقة بجانب العرض. وبسبب الأسعار المنخفضة سابقًا، توقف العمل في مناجم (اليورانيوم) حول العالم لعدة سنوات. على سبيل المثال، قامت شركة (كاميكو-Cameco)، أكبر شركة مدرجة في البورصة لـ (اليورانيوم) في العالم، بتعليق الإنتاج في منجم “ماك آرثر ريفر”، في “كندا”، في عام 2018.
وتضرر العرض العالمي على نحو أكبر جرَّاء فيروس (كورونا)، حيث انخفض الإنتاج بنسبة: 9.2%، في عام 2020، مع تعطل التعدين. وفي الوقت نفسه، ونظرًا لعدم وجود بديل مباشر لـ (اليورانيوم)، ولأنه يرتبط بالأمن القومي، قام عديد من الدول بما في ذلك: “الصين والهند والولايات المتحدة”؛ بتكديس مخزونات كبيرة – مما أدَّى إلى زيادة الحد من الإمدادات المتاحة.
ارتفاع تكلفة “اليورانيوم”..
وينوِّه التقرير إلى أنه عندما ننظر إلى تكلفة إنتاج الكهرباء على مدى عمر محطة الطاقة، نجد أن تكلفة (اليورانيوم) لها تأثير أقل بكثير على محطة نووية من التأثير المكافيء للغاز أو الكتلة الحيوية، على سبيل المثال: تبلغ تكلفة (اليورانيوم): 5%؛ موازنةً بحوالي: 80% في أنواع الوقود الأخرى. وبناءً عليه، لن يؤثر الارتفاع الكبير في سعر (اليورانيوم) تأثيرًا كبيرًا على اقتصاديات الطاقة النووية.
ومع ذلك، هناك بالتأكيد خطر حدوث اضطراب في هذا السوق، خلال الأشهر المقبلة. وفي عام 2021؛ أصبحت الأسواق لشركات من أمثال: (غيمستوب-Gamestop)، و(إن. إف. تي. إس-NFTs)، نماذج بارزة على الاهتمام بالمضاربات والوفرة غير المنطقية – أي التفاؤل مدفوعًا بالهوس بدلًا عن التقييم الرصين للأسس الاقتصادية.
ويبدو أن ارتفاع أسعار (اليورانيوم) يُلفت انتباه المستثمرين العابرين. وهناك مؤشرات على أن الأسهم في الشركات والصناديق – مثل شركة: (سبروت-Sprott) – المعرَّضة لـ (اليورانيوم) أصبحت أسهمًا ميمية لمجتمع المشاركين في نقاشات (r/WallStreetBets) على موقع ومنتدى: (ريديت-Reddit) الأميركي. وربما لم تُفسِّر الوفرة غير المنطقية الارتفاعَ الأولي في أسعار (اليورانيوم)، لكنها قد تعني المزيد من التقلبات القادمة.
لذلك يمكننا أن نرى فقاعة في سوق (اليورانيوم)، ولا يجب أن نندهش إذا أعقبها تصحيح مفرط في الاتجاه الهبوطي. ونظرًا لوجهة النظر المتزايدة بأن العالم سيحتاج إلى مزيد من (اليورانيوم) على نحو كبير من أجل المزيد من الطاقة النووية، فمن المرجح أن يحفز هذا زيادة التعدين وإطلاق الاحتياطيات الحالية في السوق. وبالطريقة نفسها التي من خلالها أدَّت مشكلات العرض إلى تفاقم تأثير الطلب المتزايد على السعر، يمكن أن يحدث الشيء نفسه في الاتجاه المعاكس عندما يتوفر مزيد من العرض.
ويمكنك أن تفكر في كل هذا على أنه أحد أعراض المرحلة الحالية في دورة إنتاج (اليورانيوم): أدَّت وفرة الاحتياطيات إلى خفض الأسعار بدرجة لا تسمح بالتعدين المكثف، ويتبع ذلك ارتفاع في الأسعار سيحفز مزيدًا من التعدين. ولذلك، قد يكون الارتفاع الحالي بمثابة خطوة حيوية لضمان توفير الوقود الكافي للمرحلة التالية من صناعة الطاقة النووية.
ويختتم الكتَّاب تقريرهم؛ بتحذير للتجار الهواة من الوقوع في الجانب الخطأ من هذا التحوُّل. لكن فيما يخص معدنًا يبلغ نصف عمره: 700 مليون سنة، ربما يمكن للمستثمرين الجادين الانتظار حتى النهاية.