المصالحة الفلسطينية في عيون إسرائيلية .. مصر تستفيد وتل أبيب تترقب بحذر و”أبو مازن” يرضى بالأمر الواقع !

المصالحة الفلسطينية في عيون إسرائيلية .. مصر تستفيد وتل أبيب تترقب بحذر و”أبو مازن” يرضى بالأمر الواقع !

خاص : كتب – سعد عبد العزيز :

لا شك أن اتفاق المصالحة الفلسطينية الذي تم التوقيع عليه في القاهرة برعاية مصرية خالصة, قد خلط كثيراً من أوراق اللعبة السياسية في الشرق الأوسط, بعدما استردت مصر دورها المحوري في الملف الفلسطيني ليتراجع الدور التركي والقطري.

ولقد علق المحللون الإسرائيليون على اتفاق المصالحة، وتناولوا الدور المصري بشيء من التفصيل, والأسباب التي دفعت للم شمل أعداء الأمس – “فتح” و”حماس” – للتوقيع على الاتفاق وقبول بنود كانوا قد رفضوها من قبل.

اتفاق المصالحة: إنجاز كبير أم وهم سيتبدد ؟

يرى المحلل الإسرائيلي “آفي يسسكروف” إن ما تم من انجاز في القاهرة، أمر لا يكاد يصدقه عقل, إذ كيف وقف زعيم (حماس) “يحيى السنوار” بجوار رئيس جهاز المخابرات العامة الفلسطينية في الضفة الغربية “ماجد فرج”، وهو حليف “أبو مازن”, العدو اللدود للسنوار. علماً بأن “فرج” قام من خلال منصبه بإحباط عشرات العمليات الهجومية ضد إسرائيل.

فيما يقول “غاكي خوري”، المحلل في صحيفة “هاأرتس” الإسرائيلية: “إن الفلسطينيين في الضفة والقطاع يعلمون جيداً أنه من السابق لأوانة الاحتفال أو الحديث عن وحدة قومية وسياسية للفلسطينيين. لأن ما تم في القاهرة هو في نظر الكثيرين مجرد حل وسط بين فصيلين تسببا في تمزيق الشعب الفلسطيني إلى جزئين، أحدهما في الضفة الغربية والآخر في قطاع غزة. ثم بعد عشر سنوات من الانقسام أصبحت فتح وحماس مُجبرتان على التصالح بسبب الضغوط المصرية المكثفة والأزمة الداخلية والإقليمية التي باتت تهدد المشروع الوطني الفلسطيني بكامله”.

مصر والضوء الأخضر الأميركي..

يقول المحلل “غاكي خوري”، إنه لمن المؤكد بأن مصر حصلت على الضوء الأخضر من واشنطن والأمم المتحدة، وربما أيضاً من إسرائيل لدفع عملية المصالحة, لاسيما في ظل الأزمة الإنسانية الطاحنة في قطاع غزة وإمكانية إحراز صفقة لتبادل الأسرى.

ويؤكد الكاتب الإسرائيلي على أنه سرعان ما تبين أن هناك مصالح مشتركة لجميع الأطراف، ولكن ترجمة اتفاقية المصالحة إلى أفعال ملموسة على الأرض تستوجب تدخلاً دولياً مكثفاً لتبني مبادرة سياسية دولية أو العمل على تبني مبادرة السلام العربية، التي تطرق إليها “أبو مازن” الشهر الماضي خلال خطابه في الأمم المتحدة.

معوقات المصالحة..

أثار المحلل “آفي يسسكروف” عدة تساؤلات تهم الجانب الإسرائيلي واعتبرها تعرقل المصالحة، وأهم تلك التساؤلات: هل قادة “فتح” و”حماس” يعتزمون إيقاف ما أسماه “النشاط الإرهابي” ضد إسرائيل في الضفة الغربية ؟.. وألمح إلى أن هذا الأمر لم يُطرح للنقاش في القاهرة. وأكد “يسسكروف” على أن اتفاق المصالحة قد تم التوقيع عليه بالفعل إلا أن الضغائن الشخصية المتراكمة بين قيادة “فتح” و”حماس” ربما ستُعيق تنفيذ بنود الاتفاق. لكن إذا حدث بالفعل التوافق بين أعداء الأمس، “السنوار” و”فرج”, وهما أقوى شخصيتين في القطاع والضفة, فسيكون لذلك أثر إيجابي على مستقبل المصالحة بين الحركتين الفلسطينيتين.

تحول جوهري في الموقف الإسرائيلي..

لقد تعجب المحللون الإسرائيليون من موقف رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو”، الذي أصدر بياناً فور اتفاق المصالحة في القاهرة مفاده أن إسرائيل ستتابع التطورات الميدانية وستتصرف وفقاً لذلك. فبمقارنة هذا البيان بالبيان الذي كان قد صدر فور اتفاق المصالحة، الذي وُقع بين الحركتين في القاهرة خلال نيسان/إبريل 2014، سيتضح أن هناك تحول جوهري في الموقف الإسرائيلي. فقبل ثلاث سنوات ونصف السنة صبت القيادة الإسرائيلية جام غضبها على “أبو مازن”؛ لأنه تجرأ على إبرام اتفاق مصالحة مع “حماس”. وساعتها هب كل من “نتنياهو” كرئيس للحكومة و”ليبرمان” كوزير للخارجية، وحتى المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة، لكي يثبتوا أنه لا فرق بين “عباس” و”حماس”. بمعنى أن لا يوجد شريك في الطرف الفلسطيني يمكن إجراء مفاوضات سلام معه.

أما الآن فيتسم رد إسرائيل، على اتفاق المصالحة الحالي، بالحذر والتوازن. وكأن تل أبيب قررت هذه المرة أنه لا ينبغي رفض هذه الخطوة من حيث المبدأ, ولعل هذه المصالحة، حتى ولو كانت جزئية، قد تكون مفيدة لإسرائيل وربما ستُبعد شبح الحرب. ويبدو أن الموقف الإسرائيلي كان منسجماً مع موقف واشنطن الذي وإن اتسم بالحذر فقد أظهر دعماً للمصالحة الفلسطينية. ورأى بعض المحللين أن التغير في الموقف الإسرائيلي يعود إلى تنسيق مُسبق بين القاهرة وتل أبيب وواشنطن. ومن المُرجح أن المصريين هم من ناشدوا إسرائيل بإعطاء الفرصة هذه المرة لإنجاح المصالحة.

فيما قال المحلل الإسرائيلي “يوآف ليمور”، إن إسرائيل كانت أكثر انضباطاً في تعقيبها على اتفاق المصالحة بين “فتح” و”حماس”، وربما سبب ذلك هو أن تل أبيب لم ترغب في إحراج الراعي المصري لتلك المصالحة.

كما يرى المحلل “يوني بن مناحم” أن إسرائيل تتصرف بحذر حتى لا تبدو في نظر الرئيس “ترامب” وكأنها تضع العراقيل أمام التسوية واستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين. لكن إسرائيل تخشى الآن – بعد تحقيق المصالحة برعاية مصرية – من حصول “حماس” على الاعتراف الدولي وعدم اعتبارها حركة إرهابية.

دوافع الدور المصري..

يرى “مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي”، أن الضغوط الشديدة التي تمارسها القاهرة على “حماس” لها دوافع ثلاثة؛ وهي:

أولاً: السعي المصري لاستعادة مكانتها الرائدة في العالم العربي، ولعب دور الوساطة في حل النزاع العربي الإسرائيلي.

ثانياً: الرغبة في صياغة أسلوب التصرف بالنسبة لحركة “حماس”.

ثالثاً: تحسين صورة مصر في نظر العالم العربي، حتى لا يُقال عنها أنها غضت الطرف عن معانات أهالي غزة.

وعن أسباب اختلاف اتفاق المصالحة هذه المرة، قال “يسسكروف”، إن مصر بقيادة الرئيس “عبد الفتاح السيسي” قد أولت رعايتها الكاملة لإبرام الاتفاق رغم ما به من ثغرات ومآخذ. فمصر التي كانت حتى فترة قريبة تعتبر “حماس” معادية للشعب المصري ومتعاونة مع العدو الداخلي المتمثل في “جماعة الإخوان المسلمين”، ترحب الآن بحركة “حماس” وتعمل لإبرام اتفاق المصالحة الذي سيضمن بقاء الحركة في القطاع بل وبقاء جناحها العسكري. فالمصريون كانوا يبحثون عن إبرام اتفاق مصالحة حتى لو كان رمزياً أو لا يحل كل المشاكل العالقة ولقد حققوا ما يريدون. وهنا تبدو مصلحة مصر جلية واضحة من عدة أوجه:

أولاً: أن تثبت مصر لجميع الدول الإسلامية والعربية أنها أهم دولة عربية؛ ولا سيما فيما يخص الشأن الفلسطيني.

ثانياً: أن المصريين يحاولون أن يحققوا لأنفسهم وللإسرائيليين الاستقرار في قطاع غزة, حيث يرون أن مثل هذا الاتفاق سيفرض قيوداً على “حركة حماس” وسيمنعها من ارتكاب أي مغامرة عسكرية.

ويرى المحلل الإسرائيلي “يوني بن مناحم”، أن التقدم الذي طرأ في ملف المصالحة الفلسطينية بين “فتح” و”حماس” بعد جمود طويل, يُعد نجاحاً كبيراً للرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي”، الذي أعاد لمصر دورها المحوري الإقليمي ولعب دور رئيس في الوساطة بين إسرائيل والفلسطينيين. فالمبادرة المصرية تهدف لتوحيد المعسكر الفلسطيني لاستئناف المفاوضات السياسية، لكن إسرائيل أوضحت أن لديها “خطوط حمراء” فيما يخص “حماس”.

ويؤكد “بن مناحم” على أن التحرك المصري يعزز المكانة الإقليمية والدولية للرئيس “السيسي”، لاسيما في نظر الرئيس الأميركي “دونالد ترامب”, باعتباره يسعى جاهداً لتحقيق الاستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط, وينبغي على إسرائيل أن تسهم بدورها من خلال تليين مواقفها تجاه الفلسطينيين.

فشل خيار “محمد دحلان”..

يرى بعض المحللون الإسرائيليون أن إلتقاء المصالح بين حركتي “فتح” و”حماس” يستلزم وجود الضلع الثالث المتمثل في “مصر”. فكون المصالحة الفلسطينية من صنع “المخابرات المصرية”، يؤكد على أن الاتفاق يخدم الأمن القومي المصري. فمصر التي تتصدى لإرهاب “داعش” في سيناء ترى أن قطاع غزة تحت سيطرة “حماس” يمكن أن يتحول إلى قاعدة لوجيستية وأيديولوجية لتنظيم “داعش” بل وملاذ للإرهابيين المتواجدين في سيناء. فـ”مصر السيسي” على عكس حكم “الإخوان المسلمين”، لا يمكن أن تمنح “حركة حماس” امتيازات لتعزيز سلطتها مثل فتح “معبر رفح” بشكل منتظم والتسبب في استدامة الانقسام الفلسطيني سياسياً وجغرافياً بين الضفة والقطاع.

كما أن محاولة دفع المصالحة عبر قيادي فتح السابق “محمد دحلان” لم تحظى بقبول فلسطيني أو عربي أو دولي. لذلك أصبح خيار مصر الوحيد هو اللجوء من جديد للسلطة الفلسطينية, إلى أن يتم إدراج “محمد دحلان” في مرحلة لاحقة.

القاهرة تستغل حالة ضعف “فتح” و”حماس”..

يؤكد المحلل “يوآف ليمور” على أن حالة ضعف الأطراف الفلسطينية هي التي ولدت مثل هذا الاتفاق, ضعف “أبو مازن” الذي في عهده انقسمت فلسطين إلى جزئين.. وضعف “حماس” التي تعترف حقيقة – بعد عشر سنوات من سيطرتها على القطاع – أنها غير قادرة على إدارته بنجاح.

كما يرى “غاكي خوري” أن السلطة الفلسطينية بقيادة “أبو مازن” تدرك أنها لا يمكنها، في المستقبل القريب، تقديم أي مُقترح سياسي  للشعب الفلسطيني. لاسيما في ظل تصريحات “بنيامين نتنياهو” ووزراء حكومته, بالإضافة إلى عدم الثقة في أن يطرح الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” خطة جادة لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. وفي ظل هذه الظروف فإن المصالحة الوطنية تبدو هي الخيار الوحيد المتاح الآن أمام “أبو مازن” و”حركة فتح”, لا سيما أن الاتفاق الجديد يحقق المصالح المشتركة لحركتي “فتح” و”حماس”, حيث ستسيطر السلطة الفلسطينية فوق الأرض، أما “حماس” فسوف تسيطر تحت الأرض.

فيما أشار “يسسكروف” إلى أن حركتي “فتح” و”حماس” قد ادركتا أنهما إذا حاولتا إفشال اتفاق المصالحة فسيعني ذلك اشتعال صدام فعلي مع القاهرة.. وبالتأكيد لا ترغب “حماس” في ذلك لأنها تريد استمرار تواجدها في غزة.. وكذلك “حركة فتح”، أو بالأحرى “أبو مازن”، الذي واجه فترة صعبة مع المصريين قد أدرك الرسائل الصعبة التي وجهتها له القاهرة خلال الأشهر الأخيرة، والتي مفادها أنه إذا لم يتحمل المسؤولية المدنية على قطاع غزة فلدى القاهرة البديل, ألا وهو “محمد دحلان”, ذلك العدو اللدود لـ”أبو مازن”.

يضيف “يسسكروف” أن الاتصالات التي أجرتها مصر مع “محمد دحلان” كان لها بالغ الأثر في هرولة “أبو مازن” لإبرام اتفاق المصالحة وإرسال حكومته لقطاع غزة.. فبالنسبة لأبو مازن يُعد مجيئ  “دحلان” بمثابة الكابوس المروع، وهو ما دفع “أبو مازن” للموافقة على بنود لم يقبلها من قبل.

كما يؤكد “يوني بن مناحم” على أن قيادة المخابرات المصرية أوضحت لحركة “حماس” أن هناك موقفاً دولياً ضد الحركة؛ بعدما وصفها الرئيس “ترامب” كحركة إرهابية, لذا ينبغي على “حماس” انتهاج سياسة مختلفة لمواجهة الواقع الجديد.. فيما أدركت “حماس” أنها لم يعد بإمكانها إدارة قطاع غزة بما يواجهه من مشاكل اقتصادية وأمنية، لا سيما في ظل العقوبات التي يفرضها رئيس السلطة “أبو مازن”.. لذلك قررت الحركة تبني النموذج السلطوي لتنظيم “حزب الله” في لبنان، واللجوء للمصالحة التي ستفتح الأفق السياسي وستساعد الرئيس “السيسي” على تحقيق إنجاز من خلال المصالحة بين “فتح” و”حماس”.

الاتفاق يخدم مصالح الجميع..

يوضح المحلل “يوآف ليمور” أنه يبدو للوهلة الأولى أن جميع الأطراف ستكون رابحة من إبرام المصالحة.. حيث اسعادت “مصر” مكانتها للعب دورها الإقليمي؛ كما أنها ستحصل على بعض الأموال التي ستقدمها دول الخليج بالإضافة إلى الهدوء الذي سيسود شمال سيناء. أما السلطة الفلسطينية فستعود لبسط نفوذها من جديد في غزة, فيما ستحصل “حركة حماس” على مساعدات مالية وستتلقى رواتب لموظفيها، كما سيتم إيجاد حل لمشكلة الطاقة والصحة في القطاع, والأهم من كل ذلك أن “حركة حماس” ستحظى بالشرعية.. وبالنسبة لإسرائيل فإنها ستنعم بحالة من الهدوء، حتى ولو كان بشكل مؤقت, لأنه لا حرب في ظل المصالحة.

ويرى “آفي يسسكروف” أن اتفاق المصالحة من شأنه أن يوقف الحصار المفروض على قطاع غزة، ويؤدي إلى تحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية للفلسطينيين.. ولكن المشكلة الأساسية تكمن في الجناح العسكري لحركة “حماس”.. وهذه الإشكالية لم يتم التطرق إليها في اتفاق المصالحة الأخير بين “فتح” و”حماس”.. ويبدو أن “أبو مازن” قد تراجع عن مواقفه السابقة، ووافق على قبول المسؤولية المدنية عن قطاع غزة، على الرغم من أن “حركة حماس” ستواصل السيطرة على القطاع أمنياً وعسكرياً.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة