خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في خطين متوازيين إلا أنهما متناقضين؛ تسير أزمة تشكيل الحكومة العراقية.. فعلى عكس رغبة المحتجين يسير الساسة، وهو الأمر الذي دفع المحتجين، بعد مرور أكثر من 5 أشهر على اندلاع المظاهرات في “العراق”، أُعلن عن تشكيل مجلس الحراك الشعبي، أمس، وفي أول بيان؛ حدد 12 هدفًا له بينها طرح آلية لاختيار رئيس الوزراء العراقي خلفًا للمستقيل، “عادل عبدالمهدي”.
وقال المجلس، في بيان التأسيس؛ إنه قرر: “ترشيح ثلاث مرشحين لرئاسة مجلس الوزراء، وتشكيل لجنة حكماء من القضاة وأساتذة الجامعات، وتشكيل لجنة لمتابعة الشهداء والسجناء والمفقودين والجرحى. والجهات الشعبية المتضررة من خلال حرق محلاتها وإيقاف عملها. وتعويض الجميع وفق القانون وبأسرع وقت وبدون روتين ممل”.
وأشار إلى: “تشكيل لجنة لمتابعة إقرار قانون الانتخابات وتهيئة الأجواء لانتخابات نزيهة، ولجنة لمتابعة تشكيل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وتحديد موعد ثابت للانتخابات المبكرة يلتزم به الجميع”.
وشدد على أنه: “يجب أن يكون رئيس الوزراء القادم حرًا في اختيار الأمين العام لمجلس الوزراء ومدير مكتبه من قِبله وليس من قِبل الأحزاب”، مؤكدًا لى ضرورة: “إعطاء الكتل السياسية استحاقاقها الانتخابي؛ من خلال تقديم خمسة مرشحين شباب مستقلين يتميزون بالنزاهة، يختار رئيس الوزراء الأفضل بينهم”.
وحذر المجلس من أنه: “إذا تعرض رئيس الوزراء إلى أي ضغوط سيلجأ إلى مجلس تنسيق الحراك الشعبي الذي يقوم بتبليغ الجماهير المنتفضة بما يحدث”.
كما أعلن تشكيل لجان لمتابعة معالجة وضع (الحشد الشعبي) ودمجهم مع القوات المسلحة وحصر السلاح بيد الدولة ومتابعة معالجة وضع القوات الأجنبية وإخراجها من “العراق”.
ولفت إلى: “تعديل قانون إجتثاث (البعث) ليشمل إجتثاث البعثيين الذين تلطخت أيديهم بدماء العراقيين؛ وبذلك يتحول هذا الملف إلى القضاء ليحكم به والشخص الذي لا يوجد لديه ملف في القضاء لا يجوز إجتثاثه”.
رفع دعوى قضائية ضد “صالح”..
وبموازاة ذلك؛ صعدت كتلة (الفتح)، بزعامة “هادي العامري”، موقفها من رئيس الجمهورية، “برهم صالح”، إلى حد القيام برفع دعوى قضائية ضده نتيجة إمتناعه، طبقًا لما ورد في الدعوى، عن تكليف مرشح الكتلة النيابية الأكبر. وقال “عدي عواد”، عضو البرلمان عن كتلة (صادقون)، التابعة لـ (عصائب أهل الحق) المنضوية في تحالف (الفتح)، في بيان له، أمس، إنه: “تم رفع دعوى قضائية أمام المحكمة الاتحادية ضد رئيس الجمهورية، برهم صالح”. وأضاف أن: “ذلك جاء لإنتهاكه الدستور وإمتناعه من تكليف مرشح الكتلة الأكبر”.
وكانت الأزمة بين تحالف (البناء)، ومن ضمنه (الفتح)، ورئيس الجهورية، بدأت بعد رفض “صالح” تكليف من عدوه مرشح الكتلة الأكبر، “أسعد العيداني”، بسبب عدم وجود توافق كامل عليه داخل البيت الشيعي.
طريق صعب..
وفي هذا السياق؛ يقول الباحث في الشأن السياسي ورئيس مركز “أكد” للدراسات الإستراتيجية، الدكتور “حسين علاوي”، لـ (الشرق الأوسط)؛ إن: “أزمة رئاسة الوزراء لا تزال تواجه تحديًا كبيرًا، في ظل عدم وجود حلول حقيقية للخروج من نفق هذه الأزمة”. وأضاف “علاوي” أن: “من بين الحلول اللجوءَ إلى اختيار شخصيتين، الأولى سياسية، والثانية مهنية، تمتلكان القدرة على مواجهة التحديات الكبيرة التي تواجه تلك الحكومة، وفي المقدمة منها إجراء انتخابات مبكرة”.
وأكد “علاوي” أنه: “بعد تصاعد الصراع (الأميركي-الإيراني)؛ فإن الطريق أصبح صعبًا، لكن الطرفين ربما توصلا إلى نتيجة أن من الأفضل منح العراقيين فرصة اختيار من يرونه مناسبًا لإدارة دفة المرحلة المقبلة”.
وأوضح أن: “ذلك أدى إلى انقسام القوى الشيعية إلى قسمين، وكذلك الحال بين السُنّة والكُرد”، مشيرًا إلى أنه: “بعد تجربة محمد علاوي؛ بات الموقف أكثر صعوبة على صعيد التوافق على رئيس جديد للوزراء، في ظل سلسلة تحديات كبرى منها الأزمة الاقتصادية ومرض (كورونا)، فضلاً عن سلسلة الأزمات التقليدية”.
أربعة تحديات أمام الحكومة المقبلة..
من جهته؛ أكد رئيس كتلة (النصر) في البرلمان العراقي، “عدنان الزرفي”، وهو أحد الأسماء المرشحة لرئاسة الحكومة المقبلة، أن هناك أربعة تحديات خطيرة تواجه الحكومة العراقية المقبلة. وقال “الزرفي” إن: “الحكومة المقبلة ستواجه أربعة تحديات، أولها التحدي الخارجي وعلاقة العراق بالمجتمع الدولي ومجلس الأمن والتحالف الدولي”.
وأضاف أن: “التحدي الثاني قضية الاحتجاجات الجماهيرية؛ بينما التحدي الثالث الأزمة المالية وانخفاض أسعار النفط، والتحدي الأخير هو انتشار (كورونا)”.
شروط جديدة لاختيار رئيس الوزراء..
تأتي هذه التطورات بعدما كشفت مصادر سياسية، عن وجود تغييرات في شروط تشكيل الحكومة، مشيرة إلى أن المفاوضات الحالية؛ بشأن تشكيل الحكومة مركزة على اختيار رئيس حكومة عمرها عام واحد.
وأضافت أن ذلك بمهام محددة، أبرزها تنظيم عملية إجراء الانتخابات وإقرار الموازنة وتخفيض حدة نقمة الشارع من خلال إتخاذ قرارات تتماشى مع مطالب المتظاهرين.
وأضافت تلك المصادر؛ أن الحديث عن شرط إنفاذ رئيس الحكومة “اتفاقية الصين التجارية”، أو شرط إخراج القوات الأميركية من البلاد لم يُعد مطروحًا في المفاوضات، لحرص الجميع على تشكيل الحكومة الآن، ولقناعتهم بأن حكومة السنة الواحدة لن تتمكن من تنفيذ تلك الشروط، حتى وإن قالت (نعم) واستجابت لها.
حرق مقرات الأحزاب..
إلى ذلك؛ عادت عمليات حرق مقرات الأحزاب السياسية في جنوب “العراق” إلى الواجهة مجددًا، بعد فترة هدوء نسبي شهدتها المدن، نتيجة استمرار تهميش مطالب المحتجين في البلاد، وعدم تلبيتها، وسط اتهام المتظاهرين لهذه الأحزاب بتأمين مصالحها ومغانمها الشخصية، على حساب مصالح الشعب، فضلاً عن استخدام عناصرها في الفصائل المسلحة بقتل وقمع المحتجين.
مدينة “الناصرية”، شهدت مؤخرًا حرقًا جديدًا لمقرات الأحزاب، في خطوة قد تُشكل تحذيرًا جديدًا للأحزاب المهيمنة على السلطة في البلاد، وإشارة إلى أن نار “الثورة” لازالت مشتعلة في قلوب المحتجين، المطالبين بالإصلاح ورحيل الأحزاب الحالية، واستبدالها من خلال انتخابات مبكرة، وهي الخطوة التي يؤكد المتظاهرون على حتمية إجرائها دون أي ممطالة.
تشريع قانون لحماية “سلمية التظاهرات”..
“الأمن والدفاع النيابية”، طالبت بتشريع قانون لحماية “سلمية التظاهرات”، ومن الإعتداء على رجال الأمن والبُنى التحتية في مختلف مدن البلاد.
وقال عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، “سعران عبيد”: “نحن ضد حرق مقرات الأحزاب وتخريب البُنى التحتية في البلاد”، مضيفًا: “نؤيد تشريع قانون للمتظاهرين، يتضمن عدم الإعتداء على أملاك الدولة، والتي هي ملك لجميع العراقيين”.
وأشار “عبيد” إلى أن: “لجنة الأمن النيابية ترفض خروج التظاهرات عن نطاق السلمية ولجوء البعض من المحتجين إلى إحراق البُنى التحتية والإعتداء على رجال الأمن”، لافتًا إلى أن: “السلطات المختصة بدأت مؤخرًا بتشخيص العناصر المخربة التي تؤثر على سلمية التظاهرات”.
فيما يعزو مختصون، قيام المتظاهرين بحرق مقرات الأحزاب، إلى الغضب من الأوضاع التي يمر بها المواطن العراقي، وتحميلهم الأحزاب المتنفذة، استشراء الفساد والمحاصصة والمحسوبية والمنسوبية وتردي الخدمات في “العراق”، وإزدياد عمليات ملاحقة المتظاهرين والناشطين والإعلاميين وقمعهم بمختلف الوسائل.
رد فعل على ما يُمر به العراق..
فيما الناشط المدني، “علاء الركابي”، قال في تصريح لشبكة (رووداو) الإعلامية، إن: “ما قام به المتظاهرون الغاضبون؛ ما هي إلا ردة فعل على ما تُمر به البلاد منذ 17 عامًا، والمتمثلة بسوء الخدمات وتردي الأوضاع الاقتصادية والمعاشية للمواطن العراقي”.
وتابع “الركابي”: “نتحرك لتحويل مقرات الأحزاب إلى مبانٍ خدمية لتقديم أشياء يستفيد منها المواطنون، الذين يتهمون جميع الأحزاب المشتركة في العملية السياسية في العراق، بما وصلوا إليه من أحوال متردية”.
يُشار إلى أن مدن “الناصرية وكربلاء والنجف والعمارة والبصرة والديوانية والحلة”، شهدت في الفترات السابقة، حرق مقرات لأحزاب (الدعوة وبدر والحكمة وعصائب أهل الحق)، فضلاً عن حرق قنصليتي “إيران” في “كربلاء” و”النجف”، في إشارة إلى دعم “طهران” لهذه الأحزاب في “العراق”، وإيصال الأوضاع إلى ما هي عليه الآن.
وأجبر المحتجون حكومة “عادل عبدالمهدي” على الاستقالة، مطلع كانون أول/ديسمبر الماضي، وسط إصرار على رحيل ومحاسبة كل النخبة السياسية المتهمة بالفساد وهدر أموال الدولة، والتي تحكم “العراق” منذ عام 2003.
وتشهد مدن وسط وجنوب “العراق” احتجاجات شعبية غير مسبوقة، منذ مطلع تشرين أول/أكتوبر 2019، تخللتها أعمال عنف، خلفت مئات القتلى وأكثر من 25 ألف جريح.