تعيش الأحزاب الشيعية الحاكمة في العراق عزلة دولية بعد فشلها في التصالح مع الأكراد والسُنّة طيلة سنوات حكمها للبلاد بعد سقوط نظام صدام حسين، فيما يتجه المجتمع الدولي اليوم نحو دعم الأكراد والطائفة السنية ويبتعد عن الشيعة.
وفي اجتماع عُقد قبل يومين بين عدد من القادة الشيعه بادر أحدهم هامساً في أذن زميل له قائلاً “يبدو أننا لن نحكم جميع مدن العراق مجدداً، لن يبقَ مكان نحكمه غير بغداد ومدننا الشيعية في الجنوب” هذا الكلام كان يدور في عقل جميع الحاضرين في الاجتماع.
مصادر أميركية وكردية وسنية قالت لـ “نقاش” إن قراراً دولياً تم اتخاذه وراء الكواليس بشأن العراق يقضي بأن “الشيعة الذين حصلوا لسنوات طويلة على التأييد الدولي فشلوا في حكم العراق وتوحيد سكانه، بينما تم إهمال السنة والكرد الذين واجهوا لوحدهم سياسات الأحزاب الشيعية المتفَردة، ومعها ميليشيات وقوات جيش وشرطة طائفية وأموال تزيد على مائة مليار دولار سنوياً ولابد من الدول العظمى السعى اليوم الى دعم السنة والكرد”.
وفي مقابلة صحفية أجراها الصحفي الأميركي المعروف توماس فريدمان مع الرئيس الأميركي باراك أوباما الأسبوع الفائت طرح الصحفي سؤالاً بشأن العراق مفاده هل كان من الأفضل بقاء القوات الأميركية في العراق لمنع العنف؟.
“لم نكن بحاجة لبقاء قوات أميركية لولا إن الغالبية الشيعية الحاكمة أضاعت فرصة تقاسم السلطة مع الأكراد والسنة، فالشيعة أقروا قوانين اجتثاث البعث وقوانين ظالمة أخرى ضد السنة والأكراد” هكذا أجابه أوباما.
وبالإضافة إلى كلام أوباما هناك خطوات أخرى حدثت في الأيام القليلة الفائتة تشير بشكل واضح إلى إن المجتمع الدولي لا يرغب بالتعامل مع الشيعة، بل يرغب بالتعاون مع الأكراد والسنة ودعم قادتهم.
أبرز هذه الخطوات قرار واشنطن بتوجيه ضربات جوية ضد عناصر “الدولة الإسلامية” عندما حاولوا الاقتراب من إقليم كردستان، بينما تجاهلت واشنطن طلب الحكومة في بغداد بتوجيه ضربات جوية عندما سيطر التنظيم ذاته على مدن الموصل وتلعفر وتكريت وأجزاء واسعة من الأنبار.
وقرر الاتحاد الأوربي في اجتماع عاجل عقده الجمعة المنصرم تسليح المقاتلين الأكراد “البشمركة” وأكد دعمه للمساعدة العسكرية المباشرة التي قدمتها بعض الدول الأعضاء من بينها فرنسا.
وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير قال بعد الاجتماع “توصلنا إلى موقف مشترك يفيد في مضمونه أن الدول الأوروبية ترّحب بتسليح قوات الأمن الكردية”.
الصدمة سيطرت على السياسيين الشيعة بعد هذه القرارات الدولية التي تدعم الأكراد، فيما تم تجاهل قوات الجيش الاتحادي في بغداد التي تواجه تنظيم “الدولة الإسلامية” جنوب بغداد وشمالها وفي ديالى وسامراء.
وعلى الرغم من أن العديد من وزراء الخارجية زاروا بغداد الأسبوع الماضي لكنهم لم يعرضوا أي دعم عسكري على الحكومة بينما أكدوا دعمهم للقادة الأكراد خلال زيارتهم إلى أربيل.
وفي خطوة تؤكد تذَمر الحكومة في بغداد من التطورات شمالي البلاد، أصدرت الحكومة الاتحادية بيانين انتقدت فيهما الضربات الجوية الأميركية شمال العراق وتسليم الأكراد تجهيزات عسكرية دون موافقتها”.
المالكي الذي حكم البلاد دورتين وزاريتين منع تسليح قوات “البيشمركة” فيما حطت أولى شحنات الأسلحة الأميركية والأوربية في مطار أربيل الأسبوع الفائت، وهي المرة الأولى التي يتجاهل المجتمع الدولي فيها الحكومة الاتحادية في بغداد ويقوم بتسليح البشمركة دون أخذ موافقتها.
فإقليم كردستان بنحو عام وأربيل خاصة تمثل منطقة مهمة للمجتمع الدولي والولايات المتحدة، لأنها المنطقة الوحيدة التي تعتبر آمنة في العراق بعد 2003، كما أنها تمثل تجربة اقتصادية وتجارية ناجحة، وتضم مقرات المنظمات الدولية والإنسانية والشركات التجارية ورجال الأعمال.
السبب الآخر الذي جعل المجتمع الدولي يقف إلى جانب إقليم كردستان هو فتحه الحدود أمام مئآت آلالاف من النازحين المسيحيين من الموصل والطائفة الآيزيدية من سنجار والسنة من الأنبار، فضلاً عن كونه يأوي المعارضين الشيعة والسنة لحكومة نوري المالكي.
هذه الأيام تجري اجتماعات مهمة بين مسؤولين أميركيين وكرد وسنة بغياب المسؤولين الشيعة، وهذه الاجتماعات تقوم بمناقشة طرق جديدة للحكم في العراق لضمان عدم تكرار طريقة المالكي الدكتاتورية في الحكم.
يقول نائب رئيس مجلس محافظة الأنبار صالح العيساوي لـ “نقاش” بشأن ذلك”نعقد اجتماعات متواصلة مع مسؤولين أميركيين تتناول فيها الوضع السياسي والأمني للمحافظات السنية وخصوصا الأنبار”.
يضيف “طالبنا الأميركيين بضرورة عدم تكرار تجربة المالكي، قلنا لهم يجب أن نمتلك صلاحيات في إدارة شؤون مدننا في الإدارة والأمن، ونريد تشكيل جيش خاص بنا في الأنبار وباقي المدن السنية ليقوم بحمايتنا مثل قوات البشمركة التي تحمي الكرد”. وأكد “الولايات المتحدة تتفق مع مطالبنا ووعدت بدعم السنة وعدم تكرار قيام الحكومة الشيعية في بغداد بالتجاوز على صلاحياتنا ومطالبنا”.
كما أن واشنطن ستقوم بتدريب وتسليح قوات نظامية سنية بمعزل عن الحكومة في بغداد مثلما ورد من تلك الاجتماعات المشتركة.
مسؤول سياسي كردي رفيع المستوى طلب عدم الإشارة إلى اسمه قال لـ “نقاش” تلك الاجتماعات تتضمن كيفية حل المشكلات القائمة بين السنة والكرد من جانب وبين الشيعة من جانب آخر”.
ويضيف إن “طريقة الحكم في العراق تتجه إلى التغيير، وحتى اليوم لم يتم التوصل إلى قرار نهائي، ولكن تم الاتفاق على ضرورة منح المحافظات استقلالية إدارية ونظام لا مركزي ولن يُسمح للحكومة في بغداد بالتدخل مجدداً في شؤون المحافظات”.
وعلى ما يبدو فإن الأحزاب والقوى الشيعية التي سيطرت على الحكم بعد سقوط نظام صدام حسين لم تكن قادرة على الحكم بسبب قلة خبرتها ولأن جميع قادتها هم من المعارضين لنظامه، وحتى بعد تسلّمهم الحكم استمروا بالتصرف كمعارضين وقاموا بالانتقام والثأر من السنة.
الأكراد والسنة يطالبون اليوم بتغيير طريقة الحكم ويريدون إدارة شؤون محافظاتهم بأنفسهم دون تدخل من أحد، ويرفضون أن ترسل الحكومة الاتحادية جنوداً من مدينة البصرة الشيعية جنوب البلاد لفرض الأمن في مدينة الأنبار أو الموصل السنية شمالها.
وهناك قانون المحافظات رقم 21 الذي يمنح المدن استقلالية في الإدارة والأمن، ولكن هل مازال الكرد والسنة يثقون بوعود الأحزاب الشيعية بتطبيق هذا القانون بعدما تجاهله المالكي؟ وهل السنة والكرد يطالبون بأكثر من هذا القانون؟.
يقول جي غارنر وهو أول حاكم أميركي على العراق بعد إسقاط حكم صدام حسين، خلال حديث مع صحيفة الكارديان البريطانية قبل أيام إن “العراق مقسّم حالياً وينبغي تقبُل تلك الحقيقة، فالعراق الذي كنا نعرفه لم يعد موجوداً اليوم”.