خاص: كتبت- نشوى الحفني:
واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في التاريخ الحديث؛ يشهدها “قطاع غزة”، حيث دخلت المجاعة مرحلة متقدَّمة، وسط انهيار شبّه كامل للنظام الغذائي والصحي، بفعل الاحتلال الصهيوني المستَّمر في إرهابه وحصاره المشدَّد على القطاع.
وأعلنت منظمات دولية؛ منها “برنامج الأغذية العالمي” و(الأونروا)، أن أكثر من: (90%) من سكان القطاع يُعانون من نقصٍ حاد في الغذاء، فيما تجاوز عدد الأطفال الذين يُعانون من سوء التغذية الحاد عشرات الآلاف، خاصة في شمال “غزة”، الذي يوصّف بأنه المنطقة الأكثر تضررًا.
“غزة” في مرحلة المجاعة..
وحذّرت “الأمم المتحدة” من أن “غزة” دخلت فعليًا في: “مرحلة المجاعة”، وفقًا لتصّنيف المرحلة الخامسة في “مقياس الأمن الغذائي”؛ (IPC)، وهو أعلى مستوى من التحذير، حيث أن بعض العائلات لا تتلقى سوى وجبة واحدة كل (48) ساعة، تتكوّن في أفضل الأحوال من الخبز والماء.
ووثّق ناشطون وصحافيون في القطاع مشاهد صادمة لأطفال يموتون بسبب الجوع، فيما تنتشر في الشوارع طوابير طويلة أمام مراكز التوزيع، التي لا تملك ما يكفي للجميع، حيث أكد الفلسطينيون أن الوضع: “أسوأ من الحرب نفسها”، وأصبح: “الموت البطيء” هو الواقع اليومي.
مصيدة للموت..
وكانت (منظمة غزة الإنسانية)؛ المدعومة من الاحتلال الإسرائيلي و”الولايات المتحدة”، قد بدأت عملها في القطاع في أواخر آيار/مايو الماضي، إلا أنها تحوّلت إلى: “مصيدة موت” للفلسطينيين الباحثين عن الطعام، حيث قُتل المئات منهم، إما بالنيران الإسرائيلية، أو نتيجة التدافع للحصول على الغذاء.
وفاة 12 طفل بسبب سوء التغذية..
في السيّاق؛ رصدّت صحيفة (ديلي إكسبريس) البريطانية جانبًا من المأساة الإنسانية التي يُعانيها الفلسطينيون في “قطاع غزة”، نتيجة الحصار الذي يُفرضه الاحتلال الإسرائيلي على دخول المساعدات الإنسانية، وحرمان سكان القطاع، الذين يبُلغ عددهم أكثر من: مليوني نسمة، من أبسط الاحتياجات.
وتقول الصحيفة؛ إن الجوع والمعاناة في “غزة” بلغا مستوى غير مسبّوق، حيث توفي ما لا يقل عن: (12) طفلًا بسبب سوء التغذية، خلال الـ (48) ساعة الماضية.
وفي صورة مروعة تُجسّد: “دوامة البؤس الإنساني” التي تجتاح “غزة”، تحتضّن أم عاجزة ابنها الهزيل؛ “محمد زكريا أيوب المتوق”، البالغ من العمر: (عامًا واحدًا)، والذي لا يتجاوز وزنه وزن طفل يبلغ: (03 أشهر)، بينما يوشك الجوع على إطفاء أنفاسه الأخيرة في القطاع المَّحاصر.
وتابعت الصحيفة؛ في تقريرٍ نشرته امس الأربعاء: “مع بروز عظامه من جلده الهش، وعدم وجود أي بصيص أمل في الأفق، انخفض وزن محمد من (09 كغم) إلى: (06 كغم) فقط، بسبب كارثة إنسانية أشبه: بـ (نهاية العالم)، وقد وصلت المعاناة والجوع إلى مستوى غير مسبّوق، حيث توفي: (12) طفلًا خلال يومين نتيجة سوء التغذية، مما دفع العالم إلى توحيد دعواته لإنهاء هذا العذاب الناجم عن الحصار المفروض على المساعدات”.
ونقلت عن وزير الخارجية البريطاني؛ “ديفيد لامي”، قوله: “أشعر بما يشَّعر به الشعب البريطاني: (الاشمئزاز والصدمة)”.
وتابع قائلًا: “هذه ليست كلمات يستخدمها عادة وزير خارجية يُحاول التحدث بدبلوماسية، ولكن عندما ترى أطفالًا أبرياء يمدّون أيديهم طلبًا للطعام، ثم يُقتلون بالرصاص، كما رأينا خلال الأيام الماضية، فمن البديهي أن على بريطانيا أن تُدين ذلك”.
“محمد”؛ الذي يتمسّك بالحياة في مخيم، ولا يرتدي سوى كيس قمامة أسود كحفاضة، هو واحد من بين: (900) ألف طفل في “غزة” يُعانون من الجوع، منهم: (70) ألفًا في مراحل متقدَّمة من سوء التغذية.
ويواجه كثيرون خطر الموت القريب، حتى في المستشفيات التي لم تُعدّ قادرة على توفير الطعام للمرضى بعد انهيار آخر شرايين الحياة الإنسانية، والعالم يُراقب بصمت.
غضب أممي..
ودفعت ندَّرة المياه والحليب والضروريات الأساسية الأمين العام للأمم المتحدة؛ “أنطونيو غوتيريش”، إلى التعبير عن صدمته، إزاء الانهيار المتسَّارع للأوضاع في “غزة”.
وقال “غوتيريش”: “أشعر بالأسى الشديد لتزايد التقارير عن أطفال وبالغين يُعانون من سوء التغذية”، مضيفًا: “يظل سكان غزة محرومين بشكلٍ خطير من أساسيات الحياة”.
إغلاق المعابر..
وبعد إدخال مساعدات إنسانية محدودة في البداية؛ تم إغلاق جميع المعابر المؤدية إلى “غزة”؛ منذ الثاني من آذار/مارس، ما أدى فعليًا إلى وقف تدفق الغذاء والدواء والمساعدات، التي جفت الآن تمامًا تقريبًا.
ووفقًا لأحدث تقارير الوضع الصادرة عن “الأمم المتحدة”، فإن البُنية التحتية المتهالكة بالفعل لم تُعدّ قادرة على استيعاب الأعداد المتزايدة من الأشخاص الذين يُعانون من سوء التغذية، ويتدفقون إلى نقاط طبية ومستشفيات بحثًا عن أمل ضئيل في العلاج.
وقالت “سيغريد كاغ”؛ منسَّقة “الأمم المتحدة” العليا للشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار: “لم تُحدّث الحرب أزمة إنسانية فحسّب، بل أطلقت دوامة من البؤس الإنساني”.
وبلغ عدد الوفيات الناجمة عن سوء التغذية؛ منذ بداية الحرب مع كيان الاحتلال الصهيوني، (101) فلسطيني، من بينهم: (80) طفلًا.
وقال أحد مسؤولي “وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين”؛ (الأونروا): “نحنُ في مرحلة الموت.. كل ما يُحيّط بالناس الآن هو الموت، سواء كان بسبب القصف أو الغارات الجوية، الأطفال يذبلون ويموتون”.
توتر العلاقات الدبلوماسية والتجارية..
وفي الآونة الأخيرة؛ تزايد الغضب الأوروبي إزاء تصرفات كيان الاحتلال الإسرائيلي في “غزة”، حيث أثارت صور معاناة الفلسطينيين احتجاجات في “لندن وبرلين وبروكسل” وعواصم أخرى.
ويُراجع “الاتحاد الأوروبي” علاقاته الدبلوماسية والتجارية مع “إسرائيل” بشأن سلوكها في “غزة”. وكشف تقرير داخلي صدَّر مؤخرًا عن مؤشرات على انتهاك الاحتلال الإسرائيلي لالتزاماته المتعلقة بحقوق الإنسان بموجب اتفاقية الشراكة بين “الاتحاد الأوروبي” و”إسرائيل”، وفق تحليل لوكالة (آسوشيتيد برس)؛ أمس الأربعاء.
أقوال وليست أفعال..
ويقول “يوسي ميكلبيرغ”؛ الزميل الاستشاري الأول في مركز (تشاتام هاوس) للأبحاث في لندن: “ما نراه هو ضغوط متزايدة، لكن هذه مجرد أقوال وليست أفعالًا”.
وفرضت دول؛ مثل: “بريطانيا وكندا وأستراليا”، عقوبات على مستَّوطنين إسرائيليين على خلفية أعمال عنف ضد الفلسطينيين، بما في ذلك تجميّد الأصول وحظر السفر. لكن هذه الإجراءات لم تُسفر إلا عن نتائج ضئيلة.
بالإضافة إلى ذلك؛ فرضت “أستراليا وكندا ونيوزيلندا والنرويج” عقوبات على وزيرين إسرائيليين من اليمين المتطرف؛ بسبب التحريض على العنف المتطرف ضد الفلسطينيين في “الضفة الغربية”.
تعليق المحادثات التجارية..
وأعلنت “المملكة المتحدة”؛ في أيار/مايو، أنها ستُعلق محادثات التجارة الحرة مع “إسرائيل” بسبب “حرب غزة”، والعنف في “الضفة الغربية”.
وتؤكد التقارير؛ أن “الاتحاد الأوروبي” يُطالب الاحتلال الإسرائيلي بتغييّر مسّاره في “غزة”، أو مواجهة خيارات صعبة تشمل تعليق اتفاقية الشراكة كليًا أو جزئيًا، وتعليق اتفاقية طيران، وحظر الواردات من المستَّوطنات، والحد من التعاون العلمي والتكنولوجي، وتقييّد سفر الإسرائيليين في منطقة (الشنغن).
وحتى الوقت الحالي؛ يُمكن للدول أن تتخذ إجراءات منُفردة، بما في ذلك فرض عقوبات على شركات أو أفراد محددين في “إسرائيل” أو “الضفة الغربية” المحتلة.
ويؤكد الخبراء في جواب مختَّصر؛ أن “أوروبا” لا تزال منقسَّمة، ومن المستَّبعد جدًا أن يتوصل “الاتحاد الأوروبي” بأكمله إلى إجماع لزيادة الضغط على “إسرائيل” بشكلٍ كبير، في ظل رفض ومعارضة ألمانية.