خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في خطوة تستهدف إحكام القبضة على النظام التركي، طالب أكثر من 170 عضوًا في “الكونغرس” الأميركي؛ بضرورة محاسبة “تركيا” على انتهاكاتها الجسيمة في ملف حقوق الإنسان وسياسات القمع الأخيرة، في رسالة لوزير الخارجية الأميركي، “آنتوني بلينكن”.
ووجه الخطاب اتهامات قوية للرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، وحكومته على مدى ما يقرب من عقدين في السلطة.
وأضاف أن حكومة “إردوغان” تحركت لإضعاف القضاء التركي، وتنصيب حلفاء سياسيين في مناصب عسكرية واستخباراتية أساسية، وقمع حرية التعبير وحرية الصحافة، وسجن المعارضين السياسيين والصحافيين والأقليات ظلمًا.
حقوق الإنسان أولوية التعامل مع الدول والحلفاء..
وكانت إدارة “بايدن”، التي تم تنصيبها حديثًا؛ قد وعدت بأنها ستضع حقوق الإنسان والقضايا الديمقراطية في صميم العلاقات في التعامل مع الدول والحلفاء؛ من المتوقع أن تُعقد إدارة “بايدن” قمة الديمقراطية في وقت لاحق من العام.
وفي الأسبوع الماضي، خلال خطابه في مؤتمر “ميونيخ للأمن”، قال الرئيس، “جو بايدن”، إن الشراكة مع الحلفاء ستستند إلى الديمقراطية والرؤية التي تدعم سيادة القانون، وليس المعاملات.
وأضاف “بايدن”، أيضًا؛ أن النقاش الأساس حول المستقبل سيكون بين دعاة الاستبداد وأولئك الذين يفهمون الديمقراطية أمرًا ضروريًا لمواجهة التحديات.
تغيير سلوك “إردوغان” وحزبه..
وجاء في الرسالة، التي وجهها أعضاء “الكونغرس”؛ أن: “القضايا الإستراتيجية حظيت باهتمام كبير بحق في علاقتنا الثنائية، لكن الانتهاك الجسيم لحقوق الإنسان والتراجع الديمقراطي، الذي يحدث في تركيا يُشكل أيضًا مصدر قلق كبير”.
وقال أعضاء “الكونغرس”: “في حين أنه من مصلحتنا المشتركة أن تظل الولايات المتحدة وتركيا حليفين إستراتيجيين وإصلاح الخلافات بيننا، فإننا نعتقد أن التغييرات في سلوك الرئيس، إردوغان، وحزبه ضرورية لاستعادة تلك العلاقة”.
تذكر الرسالة زيارة “إردوغان” إلى “واشنطن”، خلال آيار/مايو 2017، حيث تعرض ستة متظاهرين أو أكثر للضرب أمام مقر السفارة التركية على أيدي حراس “إردوغان” وأنصاره، ورفع المتظاهرون، في وقت لاحق، دعوى قضائية ضد الحكومة التركية للحصول على تعويضات؛ ولا تزال القضية جارية، وقالت: “حتى أن حكومة الرئيس، إردوغان، جلبت أسلوبها إلى شوارع عاصمة أمتنا، عندما اعتدى أفراد الأمن الأتراك، خلال زيارة إردوغان للولايات المتحدة، عام 2017، على متظاهرين سلميين وموظفين فيدراليين، ولا يزال أربعة من حراس إردوغان يواجهون اتهامات في الولايات المتحدة بالحادث”.
وهناك خلاف بين “تركيا” و”الولايات المتحدة”؛ حول سلسلة من القضايا، بدءًا من شراء “تركيا” لأنظمة جوية روسية من طراز (S-400).
ولم يتطرق الخطاب إلى القضايا بين “أنقرة” و”واشنطن”، لكنه سلط الضوء على سوء معاملة حكومة “إردوغان” لمواطنيها.
وأضاف أنه: “منذ عام 2016، تم سجن أو اعتقال أكثر من 80 ألف مواطن تركي، وتم إغلاق أكثر من 1500 منظمة غير حكومية، لقمع المعارضة السياسية”.
وقبل أسبوعين، أصدر 54 من أعضاء “مجلس الشيوخ” بروح الحزبين، رسالة أخرى، تدعو الرئيس “بايدن”؛ إلى محاسبة “تركيا” على حملتها القمعية على مواطنيها.
ومن بين الأعضاء الذين وقعوا الرسالة، عضو الكونغرس، “غيرالد إي (غيري) كونولي”، وهو الرئيس المشارك لـ”الكونغرس” حول العلاقات “الأميركية-التركية” والأميركيين الأتراك، “آدم كينزينغر” و”آدم سميث”.
“إردوغان” يناور بإصلاحات يراها الحقوقيون بمحاولة لترسيخ سلطته..
وإزاء هذه الضغوط الأميركية، أعلن “إردوغان”، أمس الثلاثاء، سلسلة من الإصلاحات تهدف إلى تحسين وضع حقوق الإنسان في البلاد، وفق ما أوردت وكالة (أسوشيتد برس).
غير أن حقوقيين ومعارضين شككوا في جدية هذه الإصلاحات، لا بل قالوا إنها محاولة لترسيخ سلطة “إردوغان”.
وفي خطاب متلفز، تعهد “إردوغان” بتسريع إجراءات المحاكمة، وتحسين الحريات الصحافية وحرية التعبير، ومنح الأقليات الحق في الحصول على عطلة مدفوعة الأجر، خلال الأعياد غير الإسلامية، والحد من العنف ضد المرأة.
وقال “إردوغان” إن مئات الإجراءات، التي قال إنها ستنفذ في العامين المقبلين، مضيفًا أن الهدف النهائي لحكومته سيكون صياغة دستور جديد.
وأعرب المعارضون عن مخاوفهم من أن الدستور الجديد سيكون موجهًا نحو ترسيخ سلطات “إردوغان”.
تفتقر لإجراءات ملموسة..
وقال محللون إن إصلاحات “إردوغان” تفتقر إلى إجراءات ملموسة لتعزيز حقوق الإنسان.
وذكر “هوارد إيسنستات”، وهو خبير في الشؤون التركية في جامعة “سانت لورانس”، في نيويورك: “الأمور الإيجابية كانت هامشية حقًا”.
وأضاف “إيسنستات”: “لا يوجد أمر ملموس يُذكر حول كيفية تغيير ذلك الوضع، على سبيل المثال، تجربة الصحافيين الذين ينقلون معلومات لا تريد الحكومة نشرها.. كان هناك القليل لشرح كيف سيؤدي ذلك إلى تقليل عدد السجناء السياسيين”.
وتأتي الإصلاحات المفترضة في وقت تحاول فيه “تركيا”؛ إصلاح علاقاتها مع الغرب، بما في ذلك “الولايات المتحدة” و”الاتحاد الأوروبي”، بهدف جذب الاستثمارات الأجنبية لتعويض آثار التدهور الاقتصادي.
وعود سابقة..
وإطلاق الوعود من جانب “إردوغان”، ليس جديدًا، خاصة مع إدارة “بايدن”، إذ إنه أعلن، في كانون أول/ديسمبر الماضي، أنه سيطلق إصلاحات تشمل الديمقراطية والقانون والاقتصاد، لكن لم يحدث شيء على الأرض حتى الآن.
وتملك “تركيا” سجلاً سيئًا في ملف حقوق الإنسان، كما تظهر بيانات المنظمات الحقوقية، التي تقول إن البلاد تشهد أزمة حقوقية عميقة، منذ عام 2016، وتحديدًا بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في صيف ذلك العام، حيث أطلق “إردوغان” حملة: “التطهير”.
واستغل “إردوغان” محاولة الانقلاب؛ للانتقام من خصومه السياسيين، لا سيما حركة الداعية، “فتح الله غولن”، و”حزب الشعوب”، المؤيد للأكراد، ودفع بالآلاف من هؤلاء إلى السجون، وبعضهم دون محاكمة حتى الآن.
للضغط من أجل التراجع في الملفات العالقة..
تعليقًا على التحرك الأميركي، قال المحلل السياسي، “بركات قار”؛ إن: “الرسالة من قبل نواب الكونغرس؛ لها أبعاد أخرى من أجل الضغط على السلطات التركية والتراجع في بعض الملفات العالقة بين الجانبين، وعلى رأسها صفقة (إس-400)؛ وملف شرق المتوسط، مستبعدًا أن يكون للأمر علاقة بحقوق الإنسان بشكل أساس”.
وأعرب، “قار”، عن إعتقاده أنه لن يكون هناك تصعيد قوي لأن “تركيا” غير مستعدة للخروج من حلف الـ (ناتو)؛ أو الصدام أكثر مع “أميركا”، لذلك فإن “أنقرة” قد تتراجع في بعض الأمور وتتفاهم مع “واشنطن”، حيث أبدت استعدادًا لذلك، مؤكدًا أن الأمور بيد “أميركا” الآن، التي تنتظر منها، “تركيا”، خطوات إيجابية.