16 أبريل، 2024 11:46 ص
Search
Close this search box.

الكورونا .. بداية أخرى للتاريخ ! (1-3)

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : كتب – محمد البسفي :

مقدمة

هذا مقال يطرح أسئلة أكثر منه تفائلًا بأن يجد إجابات محددة أو تدعي أي مستوى من الدقة.. لكنه رغم ذلك يحرص على أن يكون بمثابة مؤشرًا على فرص ربما تكون متاحة أو طريق ربما يكون مفتوحًا..

مؤامرة .. ملامح ومتاهات *

ما إن فرضت جائحة وباء (كوفيد-19)، فيروس “كرورنا” المُستجد، هيمنتها المستحقة على شاشات الرأي العام العالمي، حتى انطلقت آراء مختلفة تشعبت على مواقع التواصل الافتراضية ووسائل الإعلام المتعددة، محاولة كشف أسرار وأسباب اختاروها لهذا الفيروس العالمي، بدأت باتهام الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، الصريح، لـ”الصين”، بتسميته بـ”الفيروس الصيني”؛ ورد “الصين” عليه باتهام، “الولايات المتحدة”، بجلب عدوى الفيروس لأراضيها من قِبل الجيش الأميركي، وليس انتهاء باتهام “تنظيم الدولة الإسلامية”، (داعش)، بتخليقه ضمن خطط عولمة الإرهاب وانتشاره الدولي وامتلاكه لمقومات الحروب الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية؛ بحسب ما ذهب “سعود الشرفات”، الباحث والكاتب الأردني.. وبرغم عجز كل تلك الآراء والنظريات عن تقديم معلومات قاطعة أو مثبتة بالأدلة والبراهين، فضلًا عن أن معلومات دالة بدرجة حساسية تخليق فيروس وبائي فتاك ضمن حرب بيولوجية تُشن في صراع عالمي بالطبع سوف تتمتع بقدر معتبر من الحصانة عن تداولها على المستوى الجماهيري، إلا وأن تلك الآراء استغلت بعض تفاصيل ووقائع نتجت وواكبت زوبعة جائحة الفيروس التاجي؛ مثل مسارعة الصين إلى تخفيض أسهمها في سوق البورصة وقامت بشراء أسهم الشركات الأميركية والغربية الهاربة منذ اللحظات الأولى لبدء الأزمة بالصين، وذلك على خلفية “حرب تجارية” مستعرة بين واشنطن وبكين منذ سنوات يُحمى وطيسها يومًا بعد يوم، فضلًا عن حالة الهلع والرعب التي أبدتها دول العالم – والصناعية الكبرى منها أولًا – وإنهيار الحالة المعنوية للمجتمعات إزاء الجائحة بهذه الصورة غير المسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية؛ لدرجة فضحت معها: “هشاشة شديدة في النموذج الاقتصادي السائد عالميًا، فمجرد تهديد بالانتشار السريع لفيروس لا يزال ضمن فئة الفيروسات منخفضة الخطورة من جهة الآثار المرضية، بل هو أقرب لإنفلونزا حادة قليلاً، كان كفيلاً بتعطيل كبير للعجلات الاقتصادية حتى في أعرق الرأسماليات وأكثرها قوةً وتقدمًا، وبتوقف سريع وحاد في خطوط التجارة الدولية بشكل يهدد خطوط التوريد والإمداد العالمية، وإنهيار كبير في حركة السياحة بين الدول، فضلاً عن توقف مُرشح للزيادة لكثير من الأنشطة التعليمية والاجتماعية في كثير من البلدان المهمة”. كما لاحظ الباحث الاقتصادي المصري، “مجدي عبدالهادي”..

وبعيدًا عن البحث في أسباب الفيروس – دون معلومات موثقة – والتيه في سراديب “مؤامرة” بلا ملامح.. فالأجدى والأهم هو رصد وتأمل متغيرات وتداعيات أزمة جائحة وباء فيروس “كورونا” المُستجد، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، على عالم وصفه جميع خبراء ومنظري الرأسمالية العالمية بأن: “عالم ما بعد (كورونا) سيختلف عما قبل”؛ متنبأين ومحذرين ومتباكين على تقلبات وإنهيارات وتغييرات في مراكز قوى من المرجح أن تمتد إلى تغيير في خرائط الرأسمالية العالمية وما يتبعها من تقلبات سياسية/اجتماعية ربما لا تُحدثها سوى الثورات الكبرى أو الحروب العالمية.

سقوط أحجار الدومينو .. مؤشرات ودلائل ..

“العالم بعد .. يختلف تمامًا عن العالم قبل”.. مقولة صاحبت الأحداث العالمية الكبرى التي تصوغ بدايات ونهايات التاريخ؛ مثل ما أعقب الحربين العالميتين الأولى والثانية وأيضًا إنهيار جدار برلين وتفكك “الاتحاد السوفياتي” عامي 1989 و1990، وبداية حقبة جديدة حملت انطلاق سيرورة العولمة الحالية وتنفيذ سياسات النيوليبرالية، كما أنها مقولة كثيرًا ما رددتها وسائل الإعلام الغربية والعالمية بكثافة إبان هجمات أيلول/سبتمبر 2001؛ معلنة ترسيخ فترة الهيمنة الأميركية لزعامة العالم.. لتعود مقولة التبشير بملامح مختلفة لعالم جديد تبرز بعد جائحة “كورونا” 2020؛ مرجحة بقوة إنهاء وموت فترة غطرسة الهيمنة أحادية القطب، وكأنها كابوس طويل يطارد الليبراليين من منظري وخبراء الرأسمالية العالمية، ولكن في صحوهم، لأنه ضربهم في أعز ما كانوا يملكون ويفخرون وهي سياسات “النيوليبرالية”..

حقًا.. كانت الأحداث أسرع وأكثر واقعية من أن تستوعبها طبقة الحكم لدول – صناعية كبرى وكمبرادورية تابعة – تنتهج سياسات السوق الحر المفتوح وتقليص أي دور للحكومات والدول على شؤون الإدارة الأمنية بالكاد وتتجاهل أي أبعاد اجتماعية في التأسيس لحرية الأسواق والاستثمارات والتداولات عابرة الحدود والقارات..

في الأسبوع الأخير من آذار/مارس 2020، أعلنت “كريستالينا غورغييفا”، مديرة عام “صندوق النقد الدولي”، أنه من الواضح أن يدخل العالم مرحلة ركود سيئة أو أسوأ من الأزمة المالية العالمية. وأفادت بأن الاقتصاد الأميركي دخل مرحلة الركود نتيجة انتشار فيروس كورونا، وأن الإجراءات المتخذة لدعم الاقتصاد قد لا تكون كافية قبل انحسار فيروس “كورونا”. وتوقعت بأن التعافي متوقع في 2021، شرط أن يتم إحتواء فيروس “كورونا”، وعدم تحول مشاكل السيولة إلى مشاكل ملاءة مالية.

أما عن الدول النامية، فقد توقع “صندوق النقد الدولي” هبوط نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان، المستوردة للنفط، هبوطًا طفيفًا في 2019؛ ليصل إلى 3.6% مقابل 4.3% في 2018، وذلك في أحدث تقاريره حول مستجدات آفاق الاقتصاد الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.

في الوقت نفسه؛ ضربت القاعدة العامة من الدول الأعضاء المُشكلة لـ”الاتحاد الأوروبي” موجات من الاضطراب والشك جراء روح الفردية وعدم التعاون التي أبدتها كبرى الدول الأعضاء في التعامل مع آثار الجائحة فيما بينها، دفعت الرئيس الفرنسي، “إيمانويل ماكرون”، إلى تحذير زعماء الاتحاد الأوروبي بأن تفشي فيروس “كورونا” يُهدد الدعائم الأساسية للتكتل مثل منطقة الحدود المفتوحة، إذا لم تُبد دول التكتل تضامنًا في هذه الأزمة. قائلًا: “المشروع الأوروبي معرض للخطر … التهديد الذي نواجهه هو القضاء على منطقة (الشنغن)” (1).

وقد قرر قادة الاتحاد الأوروبي، منح وزراء المال في “منطقة اليورو” 15 يومًا لإيجاد خطّة مشتركة لمواجهة التداعيات الاقتصادية لأزمة فيروس “كورونا” المُستجدّ. ومن جانبها نددت، “أورسورلا فون دير لاين”، رئيسة المفوضية الأوروبية؛ موقف القادة الأوروبيين مما أبدوه من استهانة وتقليل من حجم خطر الجائحة الوبائية، معتبرة أنه أمرًا: “طرح العديد من التساؤلات حول تداعيات تلك الأزمة على مستقبل الاتحاد، خاصة وأن حركة دول الاتحاد بطيئة جدًا في مقابل التسارع (الروسي-الصيني) في المساعدة”.

“جوزيب بوريل”، الممثل الأعلى لـ”الاتحاد الأوروبي” للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، أكد أن فيروس “كورونا” سيُعيد تشكيل العالم، وذلك فى مقال كتبه حول هذة الجائحة. قائلًا: “إن أزمة (كوفيد-19) ليست حربًا؛ ولكنها تشبه الحرب…”. مستخلصًا تحليله بحقيقة تخفيض الصين: “الإصابات المحلية الجديدة إلى أرقام مفردة، وهي الآن تُرسل معدات وأطباء إلى أوروبا، كما يفعل الآخرون أيضًا، تدفع الصين بقوة برسالة مفادها أنها، على عكس الولايات المتحدة، شريك مسؤول وموثوق، في معركة السرد، رأينا أيضًا محاولات لتشويه سمعة الاتحاد الأوروبي على هذا النحو وبعض الحالات التي تم فيها وصم الأوروبيين، كما لو كانوا جميعًا حاملين للفيروس”.

غصة عدم التضامن واللامبالاة الأوروبية التي تعاملت بها دول الاتحاد فيما بينها؛ كانت محل تحليلات ونقاشات خبراء إسرائيليون أيضًا، مثل “ليآف أورغاد” و”جي ألستر”، ملتقطون ملامح أنانية الدول الأوروبية، وكيف أن فيروس “كورونا” كشف زيف الأفكار والمباديء التي قام عليها “الاتحاد الأوروبي”، وعلى رأسها فكرة التضامن والتكافل المشترك. واختيار كل دولة تعلية مصالحها القومية الخاصة فوق مصالح مباديء الاتحاد الجامعة (2).

مع ملاحظة سرعة “موسكو” باستغلال الإحباط الإيطالي من الدول المجاورة. ورغم أن “روسيا” تواجه هي الأخرى ظاهرة تفشي فيروس “كورونا”، إلا أنها وجدت الفرصة مواتية لإرسال قوات عسكرية إلى إحدى الدول المُؤسِّسَة لـ”الاتحاد الأوروبي” ولـ”حلف شمال الأطلسي”. على حد رؤية المحلل الإستراتيجي الإسرائيلي، “جي ألستر”، الذي أشار إلى أن الأستياء من عدم قدرة “الاتحاد الأوروبي” على العمل بشكل جماعي؛ لم تقتصر على إيطاليا فقط، بل إن الرئيس الفرنسي، “إيمانويل ماكرون”، قد غضب أيضًا من قيام عدة دول بإغلاق حدودها بشكل منفرد، وفي النهاية وافق الاتحاد على إغلاق حدوده الخارجية لمدة 30 يومًا.

لكن “الولايات المتحدة” تعيش الآن حالة من التناقض مع الذات، فهناك مَن يحضُّ الرئيس ترامب على الإسراع باستئناف النشاط الاقتصادي، وهناك من يرفضون ذلك، مثل حُكَّام الولايات المنكوبة بالوباء والخبراء الطبيين الذين يُحذرون من العودة المبكرة إلى نشاط الحياة اليومية. فيما تُظهر التوقعات بأن الولايات المتحدة في طريقها إلى تحقيق أسوأ المعدلات من حيث انتشار الوباء، بعد أن سجلت بالفعل أكبر عدد من الإصابات على مستوى العالم. وبينما تنطوي الولايات المتحدة على نفسها، استعدادًا لإجراء انتخابات، تشرين ثان/نوفمبر القادم، لا يتوقع أحد أن يتم تنفيذ “مشروع مارشال” جديد لإعادة إعمار “أوروبا”. وبدلاً من ذلك، يتلقى الإيطاليون المساعدات من “روسيا”. حتى صرح دبلوماسي رفيع المستوى في حلف (الناتو) بأن “روسيا” ليست الدولة الوحيدة التي تقتحم القارة الأوروبية المريضة، فـ”الصين” قد أرسلت ملايين الأقنعة والإمدادات الطبية إلى “إيطاليا” و”إسبانيا” و”جمهورية التشيك” وبلدان أوروبية أخرى (3).

كما حرص أعضاء “مجموعة العشرين” على حث الخطى مواكبة لسرعة الأحداث، بالإعلان عن عقد سلسلة من الاجتماعات “الافتراضية”، سواء على مستوى القمة أو على المستوى الفني، لمناقشة تداعيات تفشي جائحة فيروس “كورونا” على الاقتصاد العالمي والعمل على استجابة مشتركة؛ وذلك عبر عدة آليات كان أبرز ما أعلن عنها دفع المؤسسات الدولية، وفي القلب منها صندوق النقد والبنك الدوليين للمساعدة في التصدي لمكافحة الوباء، ومناشدة الدول الأعضاء تقديم مزيد من الدعم للدول منخفضة الدخل خاصة الدول الإفريقية في جنوب الصحراء، ومناقشة التنسيق حول تدابير الميزانية والنقدية لتحقيق استقرار الاقتصاد العالمي ومساعدة الدول الأكثر ضعفًا، بحسب ما تم الاتفاق عليه في مكالمة هاتفية بين الرئيسين الفرنسي والصيني.

وربما من أكثر المشاهد دلالة على الروح التي كشفت الغطاء عنها جائحة الوباء بين الدول الصناعية الكبرى الأوروبية والآسيوية، ظاهرة الاستيلاء على طائرات الإغاثة والمساعدات الطبية أثناء تحليقها في الجو، والتي قامت بها بعض تلك الدول؛ وربما تكون لها تداعيات أو “ترسُبات” سياسية في نفوس هذه الدول بعد انقشاع غمة الوباء !

وليس من طرائف الأحداث المتلاحقة بل من وقائعها؛ مسارعة تنظيم “الدولة الإسلامية”، (داعش)، بتحذير مقاتليه والمتعاونين معه من السفر إلى الدول الأوروبية بعد انتشار الوباء فيها من أجل الحفاظ على أرواحهم، معتبرًا أن الفيروس: “عذاب أرسله الله لمن شاء”.

كما أقدمت عصابات “المافيا” الإيطالية القوية على تقديم مساهماتها نحو إنقاذ “إيطاليا” من براثن الجائحة الوبائية؛ وذلك بالتبرع بأموال طائلة لصالح مختبرات ومعامل علمية تعمل لاكتشاف لقاح فعال للوباء، وقد تمثلت تلك التبرعات في: 500 مليون يورو من “مافيا صقلية كوزا نوسترا”، و100 مليون يورو من “مافيا نابولي كامورا”، أما “مافيا كلايريا ندرانغيتا” فقد تبرعت بملبغ 160 مليون يورو.

وبرغم أن تأزم الرأسمالية العالمية كان لائحًا في الأفق، إلا وسارعت “رأسمالية الكوارث” أيضًا لإثبات حضورها في المشهد – وإن كان على نطاق ضيق – منذ الأيام الأولى.. حيث قامت الشركات في جميع أنحاء “أوروبا” بإجراء تغييرات شاملة في أنشطتها الصناعية والتجارية ومجالات أعمالها؛ إما بحجة المساعدة في مكافحة تفشي فيروس “كورونا”؛ أو بهدف درء الخسائر الكبرى التي لحقت بالصناعات في “أوروبا”، لضمان بقاءها على قيد الحياة دون حدوث أزمة.

فقد أكدت شركة “Engineer Meggitt”، الرائدة في إنتاج أجهزة التنفس الصناعي لعلاج المرضى الذين يعانون من مشاكل في الجهاز التنفسي، بأنها تعكف على زيادة إنتاج الأجهزة لسد العجز خلال الأزمة. بينما عملت شركات أخرى على إقراض الجهات الطبية المختصة بالخبرة أو منح طاقات العمال ومساحات من الأرض لخدمة أغراض طبية لمكافحة الوباء، وشمل ذلك شركات السيارات: “ماكلارين” و”نيسان” و”دايسون” و”إيرباص” و”فوكسهول” و”جاغوار” و”لاند روفر” و”رينيشو” و”جيه. سي. بي”.

وبالطبع أظهرت شركات عالمية كبرى رغبتها في استغلال حاجة أغلب شعوب دول العالم إلى المطهرات والأقنعة الواقية، لذا كان من الطبيعي أن تندفع العديد من الشركات العالمية إلى أن تطأ مجالات تصنيعية جديدة عليها للمساعدة في زيادة العرض أمام كل هذا الطلب عليها.. قالت شركة “The British Honey Company” البريطانية، التي تُصنع العسل والمشروبات الروحية والكحولية الأخرى، من قاعدتها في “كوتسوولدز”، إنها ستستخدم الطاقة الفائضة في تقطيرها في مناطق مصانعها، في “بريطانيا”، لإنتاج “مُعقم اليدين”. نفس الأمر الذي قررته شركة تصنيع البيرة الأشهر، “Brewdog”، التي تتخذ من “إسكتلندا” مقرًا لها، والتي لديها أيضًا مشروع للمشروبات الروحية.

ولكن سرعان ما يسقط قناع أو حجة “المساعدة” ليتكشف الهدف الأساس من قيام تلك الشركات المالتي ناشونال بطرق دروب جديدة في أنشطتها التصنيعية أو التجارية لاستغلال الجائحة الوبائية وتبعاتها إما لتوسعة فائض أرباحها أو لتعويض بعض خسائرها الناجمة عن ما فرضه فيروس كورونا من شلل على أنشطتها الأصلية.. فقد سارت كل من شركة “Brewdog” وشركة “The British Honey Company”؛ على خُطى شركة السلع الفاخرة الفرنسية، “LVMH”، التي بدأت في إنتاج “جل مُطهر” في مصانع “كريستين ديور” و”غورلين وغيفينشي”، لتوزيعها على المستشفيات الفرنسية التي تُكافح تفشي الفيروس التاجي في البلاد. واتخذت شركة “Pernod Ricard”، للمشروبات الروحية الفاخرة، خطوات مماثلة في “الولايات المتحدة”، حيث خصصت الكحول لصناعة المُطهر أيضًا من خلال علامتها التجارية، (Absolut Vodka). كما حدث لشركة السلع الاستهلاكية، “نيفيا”، الألمانية، وتعهدت دار الأزياء، “Zara”، المملوكة لشركة “Inditex” الإسبانية، باستخدام شبكتها العالمية لإنتاج عناصر مثل الأقنعة الجراحية وملابس المستشفى (4).

وبالطبع في ظل ما فرضته جائحة “كورونا” من تباعد اجتماعي واحتجاز طوعي ومزاولة التعليم والعمل عن بُعد، كان لسوق الاتصالات الإلكترونية رواجًا وطفرات ربحية جعلت منها السوق الرابحة الأولى من كعكة “كورونا”.. على سبيل المثال أظهرت البيانات، التي أعلنتها شركة “مايكروسوفت”، المالكة لعدة تطبيقات اتصالية؛ حول معدلات الاستخدام ارتفاعًا كبيرًا في أعداد المستخدمين لتطبيقاتها، مدفوعة بقرارات عدة دول بالسماح للموظفين بالعمل من المنزل، ليصل العدد إلى 44 مليون مُستخدم نشط يوميًا، وتُعتبر هذه الأرقام مدهشة للغاية، خاصة عند مقارنتها بالمعدلات السابقة للتطبيق؛ إذ أعلنت الشركة، أواخر العام الماضي، أنها تمكنت من التغلب على تطبيق (سلاك) الشهير، وأن عدد المستخدمين لـ (تيمز) تخطى حاجز 20 مليون شخص، واستمر هذا العدد في الزيادة حتى أعلنت “مايكروسوفت” أنه، بنهاية شهر شباط/فبراير 2020، بات لديها 32 مليون مستخدم، لكن هذا الرقم قفز مرة أخرى، خلال أسبوع واحد، لتسجل الشركة 12 مليون مُستخدم جديد للتطبيق.

ذلك التخبط والإرتباك الذي أصاب الرأسمالية العالمية في طبعتها “النيوليبرالية” المسيطرة حاليًا، في وقت قصير، بداية من التنافس “الفوقي” الذي مارسته بعض الشركات العالمية الكبرى ومتعددة الجنسيات من تغيير أو توسعة لأنشطتها في مجالات أخرى للتنافس على أسواق بعضها البعض، وحتى الاستغلال “القاعدي” الذي مارسته التجارة العالمية في محاولات احتكار وزيادة أسعار المنتجات لإقتناص بعض الأرباح من التبعات المباشرة للأزمة الوبائية، بالطبع مثل إرباك وإهتزاز لخططها الإستراتيجية العامة مما أشعرها بالقلق وشيء من الخوف على مستقبلها.. ربما هذا ما دفع الرأسمالية العالمية إلى التنازل قليلًا – كعهدها دائمًا في مواجهة أي أزمة كبرى – بشكل جزئي ومؤقت.. ففي نهاية شهر آذار/مارس 2020 أعلنت شركة “Medtronic”، كبرى الشركات العالمية المتخصصة في التكنولوجيا الطبية وأشهر مصنع لأجهزة التنفس الصناعي، عن إسقاط حقوق الملكية الفكرية الخاصة بأجهزة التنفس الصناعي التي تملكها، ومشاركة كل التصميمات مع الدول للبدء في تصنيعها فورًا. موضحة أن هذا القرار يتوافق مع إرشادات إدارة الغذاء والدواء (FDA) الأخيرة، ووفقًا لاستجابة الصحة العامة والطبية للوكالات الحكومية على مستوى العالم. والجهاز الذي أعلنت مشاركته مع الدول هو PB 560، الذي تم طرحه في عام 2010 في 35 دولة حول العالم.

وقبل ذلك قليلًا، شهد شهر شباط/فبراير 2020؛ تذبذب أسواق الأوراق المالية العالمية إلى حد يسبب القلق بسبب الرعب من تفشي فيروس “كورونا” المُستجد، وخلال الأسبوع الأخير من الشهر؛ مُنيت الشركات الكبرى بخسائر ضخمة، وبلغ حجم التراجع الذي سجلته أسهم الشركات التي يملكها أو يُديرها الأشخاص الأكثر ثراءً في العالم 444 مليار دولار. وخلال الأسبوع الأخير من شهر آذار/مارس من نفس العام؛ تهاوت مؤشرات عالمية للبورصة من بينها؛ المؤشر الأميركي، (دو جونز الصناعي)، بمعدل 12%، وهي أكبر خسارة له منذ الأزمة المالية العالمية التي ضربت الأسواق عام 2008، أي قبل 12 عامًا، ومنذ مطلع العام الجاري هبط المؤشر بنسبة 11%، كما فقد مؤشر (ستاندرد آند بورز) 11.5% من نسبته في تعاملات خمسة أيام فقط (5).

وبالتأكيد هكذا إهتزاز سريع لم يكن دافعه الوحيد تفشي (كوفيد-19)، وأنما نتاج مشاكلات وتأزمات كثيرة مُنيت بها سياسات النيوليبرالية منذ سنوات طويلة أصابتها بالوهن والشيخوخة المبكرة، كما أقر بذلك مجموعة من الخبراء، مرجعين السبب في تهاوي أسهم الشركات الكبرى الأخير إلى وصول المؤشرات القياسية إلى مستويات تُشير إلى تشبُع شرائي حاد، ليس فقط في الأسواق الأميركية؛ وإنما حدث نفس الأمر في أسهم “اليابان والمملكة المتحدة والبرازيل وفرنسا” وغيرها، إلى جانب أنه بالنظر إلى أكثر الشركات التي مُنيت بالخسائر نجد أنها عاملة في مجال الطاقة وتعتمد على أسعار النفط.

بالإضافة إلى كثرة عورات وتأزمات النيوليبرالية وخلخلة الرأسمالية العالمية عمومًا التي كشفتها جائحة “كورونا”، أظهرت الأزمة أيضًا زيف التفوق الأميركي المُهيمن، وعرضته لإحراجات عظيمة عبر مواقف عدة.. كان أبرزها قيام “دونالد ترامب” بعرض مبالغ كبيرة على شركة “كيو فاك-CureVac” الألمانية المتخصصة في الصيدلة الحيوية؛ من أجل تطوير لقاح لفيروس “كورونا”؛ تمنحه حصريًا لـ”الولايات المتحدة”. العرض الذي رفضته الشركة التي تؤمن تمويل أبحاثها وتطويرها للقاح من قِبل الحكومة الألمانية.

…………………………………………………………………..

  • برغم عدم إيمان كاتب السطور بفرضية رفض ما يُطلق عليه بـ”نظرية المؤامرة”، تلك الفرضية التي انتشرت بكثافة إعلاميا وبحثيًا على ألسنة الكثير بهدف الكف عن البحث والتحري وراء وقائع أو حيثيات حدث ما والأخذ بما يظهره من تفاصيل وملابسات، وهي فرضية – في إعتقادي – تعرقل إعمال العقل بمعنى “الشك الجدلي” والدعوة إلى التوقف عن البحث والتحقيق الجدلي في حدث أو ظاهرة أو ما شابه مما يطرأ على الواقع العام؛ فأي حدث ما يملك من الأسباب ما يتبعه بنتائج؛ فضلًا على إن أعتمدنا الكف عن تحقيقه فيجب إعدام وظائف التحقيق القضائي والصحافي وما على شاكلتهما من مهن تعتمد الحقيقة والتحقق.. ليس معنى ذلك التسليم، في اعتبار فرضية رفض نظرية المؤامرة وهمًا كبيرًا، الأخذ بأي معلومات لا وزن لها من منطق أو يحتملها عقل دون تثبُت أو تدليل.

(1) نشوى الحفني – (أفول نجم “الاتحاد الأوروبي” .. “كورونا” يقضي على أنفاسه الأخيرة !) – صحيفة (كتابات) الإلكترونية – 27 آذار/مارس 2020.

(2) (“يديعوت أحرونوت”: فيروس “كورونا” يكشف زيف مباديء “الاتحاد الأوروبي” !) – ترجمة: سعد عبدالعزيز – صحيفة (كتابات) الإلكترونية – 25 آذار/مارس 2020.

(3) (فيروس “كورونا” يقوض “الاتحاد الأوروبي” .. روسيا والصين تنقضَّان على القارة العجوز !) – ترجمة: سعد عبدالعزيز – صحيفة (كتابات) الإلكترونية – 30 آذار/مارس 2020.

(4) (صناعة “الكحول المُطهر” تطغى .. الشركات الأوروبية تُعيد توجيه صناعاتها مواكبة لأزمة “كورونا” !) – ترجمة: لميس الشرقاوي – صحيفة (كتابات) الإلكترونية – 21 آذار/مارس 2020.

(5) (“كورونا” يزلزل الأسواق الأوراق المالية العالمية .. والأكثر ثراء يحصدون خسائر بالمليارات !) – ترجمة: آية حسين علي – صحيفة (كتابات) الإلكترونية – 06 آذار/مارس 2020.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب