“الكوت تحترق: فاجعة إنسانية تهز العراق وتكشف عورة الفساد والإهمال الحكومي”

“الكوت تحترق: فاجعة إنسانية تهز العراق وتكشف عورة الفساد والإهمال الحكومي”

تقرير خاص – كتابات

في مشهد مأساوي لن تنساه الذاكرة العراقية الحديثة، تحوّلت ليلة تسوّق اعتيادية في مدينة الكوت، عاصمة محافظة واسط، إلى كابوس إنساني راح ضحيته العشرات من الأبرياء، أغلبهم من النساء والأطفال، بعدما اندلع حريق هائل في ما يعرف بـ”هايبر ماركت الكوت” مساء أمس.

ووفقًا لإحصاءات أولية صادرة عن الجهات المحلية، فقد أسفر الحادث عن وفاة أكثر من 50 شخصًا وإصابة العشرات، في كارثة وُصفت بأنها “الأبشع منذ سنوات”، ليس فقط بسبب حجم الخسائر البشرية، بل بسبب ما كشفته من إهمال جسيم وغياب تام لإجراءات السلامة والوقاية.

أسباب الحريق: فساد يتخفّى خلف الرفوف

تشير المعلومات الأولية إلى أن النيران اندلعت في الطابق الأرضي للمجمّع التجاري الضخم، ثم امتدت بسرعة بفعل المواد القابلة للاشتعال، وغياب أنظمة الإطفاء الآلي، وعدم وجود مخارج طوارئ كافية أو صالحة للاستخدام.

وبحسب شهود عيان، فقد ظل الزبائن محاصرين وسط النيران والدخان الكثيف لأكثر من 20 دقيقة دون تدخل فعّال من فرق الدفاع المدني، التي وصلت متأخرة، وسط اتهامات للمسؤولين المحليين بالتقصير والإهمال المتعمد في متابعة التراخيص والفحوصات الدورية للمراكز التجارية.

الصور والفيديوهات التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي، أظهرت مشاهد مفجعة لأمهات يحتضنّ أطفالهن تحت الركام، وجثثاً متفحمة في زوايا المكان، في مشهد لا يمكن وصفه إلا بـ”المجزرة”.

غضب شعبي وسخط سياسي

مواقع التواصل اشتعلت غضباً، وتحوّلت إلى ساحة عزاء كبيرة وعريضة. مئات المنشورات التي نعت الضحايا، كانت مملوءة برسائل اتهام واحتجاجات غاضبة ضد الحكومة المحلية، ووزارة الداخلية، والدفاع المدني، بل وحتى مكتب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي وجد نفسه في قلب العاصفة السياسية.

وجاءت الكارثة في توقيت حساس للغاية، إذ تستعد البلاد للانتخابات العامة المرتقبة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، حيث يطمح السوداني للحصول على ولاية ثانية، وسط موجات من الانتقاد الشعبي لسوء الإدارة، والمحاصصة، والفساد المتجذر في مؤسسات الدولة.

وبحسب مراقبين، فإن هذه الفاجعة قد تمثّل “ضربة قاصمة” لطموحات السوداني السياسية، خصوصًا أن حكومته تواجه مسبقًا أزمات ثقة متصاعدة في الشارع العراقي.

جحيم الكوت.. بعد ساعات من حريق الحنطة!

المفارقة المؤلمة أن هذه الكارثة لم تكن الحدث الوحيد الذي هزّ الضمير الوطني خلال الساعات الماضية. فقد سبقها بساعات فقط نشر تقرير صادم عن فضيحة وزارة التجارة ورفضها استلام 4 آلاف طن من الحنطة المحلية التي تنتجها مشاريع المستثمر الوطني علي تومان الزاملي في كربلاء، رغم وجود قرار قضائي يُلزمها بذلك.

هذه الكمية، التي تُقدّر بأكثر من 2 مليون دولار، باتت مهددة بالإتلاف والحرق في الصحراء، تحت الشمس، بسبب ما وصفه الزاملي بـ”الابتزاز الإداري والمقاومة المتعمدة للاستثمار الوطني”. وهو ما أثار بدوره عاصفة من الغضب في أوساط المهتمين بالأمن الغذائي، خصوصًا أن العراق لا يزال يعتمد على استيراد القمح في وقت تتزعزع فيه سلاسل التوريد عالميًا.

فاجعة فوق فاجعة.. فأين الدولة؟

أن يشهد العراق في يوم واحد مأساة إنسانية كبرى في الكوت، وفضيحة غذائية في كربلاء، فهذا ليس مجرد صدفة قاتلة؛ بل مرآة مؤلمة لحال الدولة، وعجزها عن حماية الأرواح والموارد، في ظل فوضى إدارية، وتراخٍ رقابي، واستشراء للفساد في أدق مفاصل القرار.

الأسئلة التي تشغل اليوم ضمير كل عراقي:

من سيُحاسب؟ من سيتحمّل المسؤولية؟

أين كانت الرقابة؟ وأين كانت أجهزة الدفاع المدني؟

هل سيُلقى اللوم على موظف صغير ويُطوى الملف؟

أم أن الكوت ستُشعل جرس إنذار حقيقي للإصلاح قبل فوات الأوان؟

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة