خاص / واشنطن – كتابات
أحيت السيدة فريال الكليدار أمسية قرب العاصمة الأمريكية واشنطن، أعادت فيها بعضا من الوهج الثقافي والحضاري لبلاد العراق، عبر تلك التجربة التي أسستها في بغداد في آواخر ستينيات القرن الماضي وحملت اسم “دار الأزياء العراقية”.
الأمسية التي نظمها، الأحد 14 كانون الثاني 2018 ، “الديوان العراقي” المهتم بالنشاط الثقافي بين أبناء الجالية العراقية في منطقة العاصمة واشنطن، تضمنت عروضا قسمتها الكليدار بحسب مراحل تاريخية وحضارية مهمة شهدتها بلاد الرافدين، فجاءت عروض الفترة الإسلامية ثم الحضارات الأولى من سومر وأكد ولاحقا الأزياء معاصرة وأخرى تناسب المرأة العربية والشرقية التي بدأت تشتغل عليها منذ اقامتها قبل أربع سنوات في الولايات المتحدة ضمن شركة جديدة تستلهم حلمها القديم وحملت اسم “آزيا دار” AZAIADAR .
كربلاء ملهمتها
وبحسب ما تقوله الكليدار، فقد أسست دار الأزياء استلهاما لفكرة تعود إلى “تلك النقوش والزخارف النحتية الدقيقة والفنية الموجودة في مراقد وقباب مدينة كربلاء، حيث مكان ولادتي، والتي نقشت بأيادي كبار الفنانين من دول مسلمة متعددة، وهي تعكس صورا متفردة في الجمال”.
وكان هذا الجانب قد حضر بشيء من الترف والنعومة الآسرة عبر مجموعة الثياب التي استحضرت ما يضمه مرقدا الإمام الحسين وأخيه العباس، حج ان الصورة التي كانت تظهر على شاشة كبيرة في المسرح بدت تتضمن تفاصيل هي ذاتها المجسدة في الثياب، تطريزا وحروفا ونسيجا.
وتلك كانت روحية وسمت “دار الأزياء العراقية” وجهد الكليدار الشخصي الذي من أجله تركت الطب والاقتصاد، لتبدأ مسيرة نجاح تحقق أولا في الأسبوع السياحي في الخليج العربي، عام 1969 بعروض أزياء عراقية فلكلورية وتراثية، وفيه كتبت الصحف “عشتار العراقية تظهر في الكويت”، وتكرر هذا الظهور في عرضها الواشنطني الأخير، حين انبثقت عشتار أسطورة الخصب والجمال الرافدينية في عروض تستلتهم ذلك الغنى الروحي الفريد، عبر استعادة جزءا من عرض “حكاية الملكات الخمس” الذي شهده مهرجان بابل الدولي في منتصف تسعينيات القرن الماضي، بحسب قراءات شعرية للراحل عبد الزراق عبد الواحد والمؤلف الموسيقي والمغني العراقي رائد جورج.
الأزياء استمدت ملامحها الثقافية من عمق حضارات وادي الرافدين: فثمة أزياء تحاكي الحضارة السومرية (3500 ق.م) وأخرى ذهبت إلى ملامح الحضارة الأكدية (2350 ق.م) وداعبت أثرا روحيا من الحضارة الآشورية (650 ق.م) وصولا إلى الحضر (200 ق.م). وبذا أمكن تقديم قراءة أنيقة للإرث الحضاري لبلاد الرافدين بلغة بصرية موسيقية وشعرية عالية ضمن وقت قصير تجاوز بالكاد 15 دقيقة.
حلم منهوب
وحين تتحدث الكليدار عن مراحل صعود حلمها وانهياره بعد العام 2003 فانما كانت تعرض فكرة حلم ثقافي شخصي صار رسالة وطنية عراقية، تمزقت عبر ما تورده السيدة فريال من حكاية تعني الكثير عن الانحطاط الذي عاشته الثقافة العراقية والبلاد بعامة بعد الغزو الأميركي، فهي بألم كبيير تتحدث عن كيفية انقاذ بعض نفائس الأزياء التاريخية (الثوب كان يستغرق أشهرا) بعد نهبها من دار الأزياء، وعن قرار إبعادها عن منصبها 2005 من قبل وزير الثقافة حينها، نوري الرواي، وهو غير الفنان التشكيلي المعروف، فقد كان يبحث الوزير عن منصب مدير عام لإبنه الشاب (26 عاما)، وقيل له ان كل المدراء العامين مرشحون من قبل أحزاب وجهات متنفذة ولا يمكن التحرش بهم، فاستدار نحو المنصب الذي لا حزب أو قوة تسنده، وبجرة قلم أصدر الوزير قرارا أحال فيه الكليدار إلى التقاعد ليشغل نجله المنصب.
هكذا وجدت الكليدار نفسها خارج المكان الذي أحبت ومن خلاله أبدعت الكثير من العروض المميزة والفريدة في مختلف أرجاء العالم، بدأت من إيطاليا، وبلغاريا، وإسبانيا، وتركيا، وألمانيا، ومصر، والجزائر، وفرنسا، وسويسرا، والولايات المتحدة الأميركية، حتى اليابان، وغيرها.