كتب مصطفى ناصر: تتزايد شكوى سكان عدد من احياء بغداد من حجم الاختناقات المرورية بسبب نقاط التفتيش التي تعيق وصولهم الى اماكن عملهم، فضلا عن تدابير غلق احياء كما حدث يوم امس الاثنين، لكن مصدرا امنيا طلب من “المواطن ألاّ يتذمر” لان هذا الوضع “في مصلحته،” فيما رأى مراقب أمني ان “الاجراءات هي نفسها منذ سنوات”، ولا نتيجة كبيرة من ورائها.
وقال مصدر في قيادة عمليات بغداد لـ”العالم” ان الاجراءات الامنية المشددة “في مصلحة المواطن”، طالبا من سكان بغداد عدم “التذمر من هذه الاجراءات”. واكد المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، ان “الوضع في بغداد مختلف لان هناك حواضن حقيقية للجماعات الارهابية في مناطق عدة” من العاصمة، وان السلطات المختصة تمكنت من “تشخيصها” ووضعت خطة لمعالجتها، الا ان “الاجراءات الامنية بطيئة” والسبب هو ان “الاجراء العاجل يصطدم بحياة المواطن”.
واضاف المصدر ان هناك “معلومات استخبارية تفيد بوجود مساع للجماعات الارهابية لإحراق بغداد بهدف التغطية على الخسائر التي تكبدها تنظيم داعش في الانبار”. وعن مدى تاثير الوضع الامني في الانبار على العاصمة، قال المصدر ان “وضع الانبار اثر على بغداد، وحتى بعض المحافظات المجاورة”، لكن المتحدث اعتبر هذا التاثير “جزئيا”، مؤكدا أنه “لن يؤثر على الخطط الموضوعة لحماية المواطنين”.
ضابط في وزارة الداخلية برتبة عقيد، قال لـ”العالم” ان “بعض مناطق بغداد اغلقت” صباح امس الاثنين، ومنع مرور “السيارات والدراجات”، فيما جرى “تامين منافذ قريبة لوصول الاهالي الى محطات النقل المتاحة”.
والسبب من وراء هذا الاجراء، كما يقول العقيد، هو”تنفيذ بعض العمليات الامنية التي شملت تمشيط ودهم وتفتيش عدد من الدور المشتبه بها”، مشيرا الى ان “قوات الداخلية نجحت في العثور على كدس للاسلحة في احدى الدور بمنطقة البكرية، الواقعة بين الغزالية والعامرية” في الجزء الغربي من بغداد.
ويؤكد وجود “معلومات امنية تفيد بنشوط بعض الخلايا المسلحة في مناطق متفرقة من بغداد”، مشيرا الى ان هذه المعلومات اكدتها “اعترافات ادلى بها مسلحون تم القاء القبض عليهم في مناطق عدة من اطراف بغداد”.
ورفض العقيد التطرق الى هذه “المعلومات”. لكنه قال انها “تفيد بشن هجمات منسقة تطال معظم مناطق العاصمة، وتستهدف القوات الامنية بالدرجة الاساس”، كاشفا عن ان هذه الهجمات المنسقة “كان من المفترض ان تسمى (عملية الانتقام) من الاجهزة الامنية، كرد فعل على ما يجري في الانبار”. وقال العقيد “اؤكد وجود ارتباط بين جماعات في بغداد ورأس تنظيم داعش الموجود حاليا في الانبار”، لافتا الى ان “الاعترافات الاولية لمسلحين تم اعتقالهم مؤخرا في بغداد تدل على ذلك”.
واتفق العقيد مع شعور الكثير من سكان بغداد بالاحباط والتعب من شدة الزحام واختناق حركة المرور. وقال “طبعا المواطن ينزعج من الاجراءات لانه يحاول ان يعيش حياة طبيعية لا تشوبها شائبة لا امنية او غيرها”. لكنه لفت الى ان “وضع العراق حاليا يسير بهذا الشكل”، مضيفا “لا اعتقد ان مواطنا عراقيا سواء كان في الداخل او الخارج لا يدرك الازمات الامنية التي يمر بها البلد”.
وبشان فاعلية السيطرات المنتشرة بكثافة في شوارع بغداد، قال العقيد في وزارة الداخلية انها “فعالة للغاية”، موضحا انها “تمسك مفاصل المدينة من شمالها حتى جنوبها بطريقة مدروسة”، وانها “تمكنت من احباط عشرات الهجمات المسلحة او عمليات الاغتيال المنظمة او غيرها”.
اما عن الاجراءات التي تؤدي الى تعطيل حركة المرور في شوارع العاصمة، فيقول العقيد، “فبالتاكيد كل تشديد امني يفهم على انه تفتيش دقيق لكل العجلات غير المعرفة لدى الشرطي او الجندي”، وان عملية “التفتيش تستغرق بضعة ثوان”، ما يؤدي الى “تكدس طوابير السيارات”.
الا ان العقيد قال “فور الانتهاء من الاجراءات المبنية على معلومات استخبارية، سيتم اللجوء الى خطة اكثر انسيابية تضمن عدم ازعاج المواطن البغدادي”.
لكن مراقبا امنيا يرى ان “هذه الاجراءات تكشف عن عجز حقيقي” لدى القوات الامنية. وقال محمد النور لـ”العالم” ان عمل السيطرات بهذا النحو “ينم عن ضعف المنظومة الاستخبارية”، ويوضح ان الجهد الاستخباري “فاشل إن لم يتوصل الى حصر الخطر في مساحة او زمن”.
ويلاحظ انه “كلما ضيقت المساحة وحصرت الزمن ازدادت [العمليات الاستخبارية] نجاحا”. ويرى النور ان “القوات الامنية تبني اجراءاتها على جهاز استخباري ضعيف”، يصفه بالـ”مخترق” لانه يعطي “معلومات مغلوطة للقوات الامنية لاجهادها او ارباك عملها”.
ويلاحظ المراقب الامني ان “الاجراءات الامنية المتبعة منذ اكثر من ست سنين هي ذاتها التي تنفذها القوات الامنية في الوقت الراهن”، مشيرا الى عدم “تحديثها بالطريقة التي تواكب تحديثات الخطط المتبعة من قبل الجماعات الارهابية”، وهذا “ما جعل الجماعات الارهابية تتمكن من الضرب في أي وقت تشاء وفي أي زمن تريد دون رادع”، حسب ما يرى محمد النور.
وبشان تذمر سكان العاصمة من عمل السيطرات في شوارع العاصمة الرئيسة، يقول النور ان “عدم قناعة المواطن بالاجراءات الامنية المتبعة في الشارع عمق الهوة بين المواطن ورجل الامن، بل ان المواطن صار ينبذ رجل الامن لانه يعطل حركته ويعرضه للتساؤل، ويقطع عليه السير لدقائق او ساعات ربما، ويقيد حركته”، وكل ذلك كما يقول النور “دون ان يخفف او يحد من العمليات الارهابية التي تستهدف الابرياء”، وهذا “ما انعكس سلبا على سمعة رجل الامن”.
ويلفت محمد النور الى ان هذا الوضع “بحد ذاته امر خطير لانه لا يحفز المواطن على نقل المعلومة السليمة الى رجل الامن او الاعتماد عليه”، والنتيجة حسب ما يعتقد المراقب الامني “تقويض القانون وسقوط هيبة الدولة”.