خاص: ترجمة- د. محمد بناية:
بعد التحولات الكبرى في الشرق الأوسط والخليج؛ خلال السنوات الأخيرة، يتعرض حاليًا جزء آخر من الفناء الأمني المحيط بـ”الجمهورية الإيرانية”؛ في الشمال الغربي بـ”القوقاز” الجنوبي، لتغيَّرات كبيرة قد تتسبّب في خنق “إيران” جيوسياسيًا في هذه المنطقة، ناهيك عن تداعيات تطوير “الاتفاق الإبراهيمي”، في جنوب “إيران”. بحسّب ما استهل “صابر گل عنبري”؛ مقاله التحليلي المنشور على قناة (الكاتب) الإيرانية على تطبيق (تليغرام).
ممر “أميركي” في القوقاز الجنوبي..
وقد تم تفعيل هذا التطور باحتضان “البيت الأبيض” مراسم التوقّيع على اتفاق سلام بين: “إلهام علي أف”؛ رئيس أذربيجان، و”نيكون باشينيان”؛ رئيس زوراء أرمينيا، برعاية “دونالد ترمب”.
الركيزة الأساسية للاتفاق؛ والتي كانت دافعًا لتدخل “الولايات المتحدة” وجمع الطرفين الأذري والأرميني، هي إنشاء ممر (بغض النظر عن اسمه، سواء زنغزور أو طريق ترمب)؛ بطول (43) كيلومترًا بمحاذاة الحدود بين “إيران” و”أرمينيا”، مع منح “الولايات المتحدة” حق تطويره والسيّطرة عليه لمدة: (99) عامًا.
لكن فتح المجال لـ”الولايات المتحدة”؛ في “القوقاز” الجنوبي، ومنحها حق تطوير هذا المّمر الحيوي والسيّطرة عليه، هي خطوة ذكية ومدروسة من “أذربيجان” و”تركيا” تهدف للتخلص من العقبات الموجودة والتحايل على الاعتراضات على إنشاء المّمر؛ لا سيّما من “إيران”.
من ثم؛ إذا عارضت “إيران” فعليًا إنشاء هذا المّمر، فلن يكون الطرف المقابل من الآن فصاعدًا “أذربيجان” أو “تركيا”، بل “الولايات المتحدة” نفسها، مما يجعل التعامل مع هذا التحدي الأمني والجيوسياسي الكبير أكثر صعوبة وخطورة.
بشكلٍ عام الوجود الاقتصادي الأميركي في “القوقاز” الجنوبي ينطوي على أبعاد جيوسياسية وجيواقتصادية مصحوبة بارتباطات أمنية وعسكرية بالعادة.
استراتيجية عزل مثلث “إيران-الصين-روسيا”..
وفي هذا الصدّد؛ لا يجب تجاهل واقع أن إنشاء ممّر (زنغزور)؛ بمشاركة “الولايات المتحدة”، هو ملّمح آخر عن حرب المّمرات في الشرق الأوسط والخليج وحتى “القوقاز وآسيا الوسطى”، ومن أهدافها عزل: “إيران والصين وروسيا” عن هذه المسّارات.
تمامًا مثل اتفاق السلام هذا وغيرها من الاتفاقيات الأخرى التي تثبَّت أن الاقتصاد والمنافسة الاقتصادية هو الموتور المحرك للصراعات الجيوسياسية العالمية؛ وبخاصة في المنطقة. في غضون ذلك، فإن الدول والقوى التي تُولي الاقتصاد أولوية قصوى في سياساتها الداخلية والخارجية، هي التي تكون أكثر نجاحًا في مواجهة التحديات الأمنية والجيوسياسية الكبرى.
خسائر “إيرانية-روسية” من إنشاء “ممر ترمب”..
والآن يُريد “ترمب”؛ بالمصالحة بين “أذربيجان” و”أرمينيا”، أن يُظهر كراعي للسلام، وتأمين مصالح اقتصادية جديدة للشركات الأميركية في المنطقة عبر السيّطرة على هذا المّمر الحيوي في “القوقاز” الجنوبي، وكذلك فتح مسّار للدخول الأمني في هذه المنطقة الحساسة دون حرب أو مشاكل بالنسبة لـ”الولايات المتحدة” والـ (ناتو).
بالوقت نفسه؛ يوسّع بهذا العمل سياسة “ضغوط الحد الأقصى” على “إيران”، بحيث تشمل الحدود الشمالية الغربية، ويتطلع بالسيّطرة عمليًا على الحدود “الإيرانية-الأرمينية”، سلب “طهران” هذا المسّار ومزاياه الاستراتيجية، وتقيّيد وصولها البري والتجاري إلى “أوروبا وروسيا”، والحد من الدور الإيراني في هذه المنطقة.
“روسيا” أيضًا؛ والتي تخوض منذ أكثر من عامين ونصف حربًا على حدودها الغربية لصدّ نفوذ الـ (ناتو)، تجد نفسها فعليًا، قد خسّرت بهذه الاتفاقية و”طريق ترمب”؛ (حال تنفيذه)، الساحة في بيئتها الإقليمية على حدودها الشمالية لصالح “الولايات المتحدة” والـ (ناتو)، دون أي حرب أو مواجهة عسكرية، ولمدة قد تمتّد عدة عقود.
وبذلك؛ ستكون محَّاصرة استراتيجيًا، في تطور قد يمتد مستقبلًا، نظرًا لأهمية هذا المّمر، حتى “آسيا الوسطى”.
والسؤال: ما هو رد فعل “روسيا وإيران”، كلٍ على حدة أو بشكلٍ مشترك، تجاه هذا التحول؟.. وهل يمكن أن يؤدي هذا التغييّر الجيوسياسي في الفناء الخلفي لـ”روسيا” في “القوقاز” إلى تقارب عملي مع “طهران” لمواجهة هذا التحدي المشترك؟.. أم أن “روسيا” ستتبع مجددًا نفس سياسة: “اللاموقف الدائم”، التي تنتهجها في ملفات أخرى تتعلق بـ”إيران”؟