خاص: ترجمة- د. محمد بناية:
بدأت السبت حرب؛ “دونالد ترمب”، التجارية ضد العالم، بعد الإعلان عن فرض رسوم غير مسبَّوقة، لم يستثني من هذه الحرب لا صديق ولا عدو، وحليف ولا خصم، ولا حتى “إسرائيل”، وإنما ضرب الجميع بسياط التعريفية الجمركية. بحسّب ما استهل “صابر گل عنبري”؛ تحليله المنشور على قناة (الكاتب) الإيرانية على تطبيق (تلغرام).
وهذا الحدث غير مسبَّوق تقريبًا في تاريخ “الولايات المتحدة الأميركية”، حتى أن التعريفية المفروضة بموجب قانون “سموت هاولي”؛ سيء السمعة، عام 1930م، لم يكن بهذه الحدة والشدة.
والواقع أن هذه الحرب الجمركية وفرض الرسوم ليست نتاج عمل مؤسسي وخبرة أساسية متعمقة، وإنما هي قرار فردي نابع عن أمنية “ترمب” القديمة المبَّنية على أساس مفهومه عن الاقتصاد والمنطق التجاري: لـ”التعريفية الجمركية” و”الأجمل”، حتى أنه أطلق على يوم فرض هذه الرسوم مسَّمى: “يوم الحرية والاستقلال”.
استعراض للقوة..
رغم هيمنة “الولايات المتحدة” على العالم؛ يبدو قرار “ترمب” للوهلة الأولى استعراض للقوة، لكن جذور هذا الإجراء نفسية في الأساس ويعكس الرغبة في الانتقام باستخدام أداة التعريفية الجمركية.
يعتقد “ترمب” أن “الولايات المتحدة” أصبحت: “بقرة حلوب” يحلبها العالم مجانًا، وهو يسّعى من خلال فرض هذه التعريفيات، للانتقام وفي الوقت نفسه تعزيز الإنتاج والصادرات الأميركية. لكن رد فعل الأسواق المالية العالمية والأميركية الشديد، وتسجيل خسائر بقيمة تريليونات الدولارات، هو بالأساس الهزة الأولى لقرار “ترمب” الفردي، والذي قد يتسبّب في نتائج عكسية.
ورغم أن “ترمب”؛ ربما يُريد أن يدفع بعض الدول إلى طاولة المفاوضات بسّحب سيف التعريفية الجمركية، وإجبارها على تقديم امتيازات اقتصادية مقابل أي اتفاق ينص على تخفيف التعريفية الجمركية، لكن ضحية هذا القرار والتدخل الحكومي بشكلٍ عام، الاقتصاد الحر، والتجارة العالمية، والاقتصاد الدولي والعالمي، والتي كان محركها “الولايات المتحدة” قبل “ترمب”.
مسمار بنعش الهيمنة الأميركية العالمية..
وأنا لست خبيرًا اقتصاديًا، لكن وفق القراءات الاقتصادية البسيطة؛ لا سيّما في مجال الاقتصاد السياسي والدولي، يمكن القول إن فرض التعريفية والرسوم واستمرارها بغض النظر عن تأثيراتها السلبية المحتملة على المستهلك الأميركي، وشركاء “الولايات المتحدة” الاقتصاديين بداية من “أوروبا” وحتى “الصين” و”جنوب شرق آسيا”، يُدشّن لمرحلة من الركود وبث انعدام اليقين في الاقتصاد العالمي، وهو ما قد يدفع دول العالم مستقبلًا؛ لا سيّما القوى الاقتصادية، نحو نوع من التقارب التجاري يستثني “الولايات المتحدة الأميركية”، وسيكون من نتائج ذلك ضعف الهيمنة العالمية الأميركية تدريجيًا؛ وبخاصة في الأبعاد الاقتصادية، وهو البُعد الذي تخضع له باقي أبعاد الهيمنة بشكلٍ ما.
وهكذا وضع قد يُفضي بالنهاية في مصلحة “الصين”؛ رُغم أنها تقع بالفعل على رأس أهداف ضغوط تعريفية “ترمب”، حيث فُرض عليها حتى الآن رسوم جمركية بنسبة: (34%) و(20%)، وهي مُضرّة لـ”بكين”.
تعميق لـ”الفراغ الاستراتيجي” عالميًا..
لكن لو ننظر إلى حرب “ترمب” التجارية، من منظور الجيواستراتيجية والجيوسياسية العالمية، فسوف يبدو أن هذا القرار قد يُفاقم ويُعمّق “الفراغ الاستراتيجي” و”الغموض الاستراتيجي” على صعيد النظام الدولي؛ الذي كان لفترة في معرض الاهتزازات المسَّتمرة الناجمة عن الخلل التدريجي في موازنة القوى، ودخل المرحلة الانتقالية الفوضوية، حيث لا توجد سلطة حاسمة قادرة على حل الأزمات حتى ولو بشكلٍ أحادي الجانب، مما أدى إلى تعرض السياسة والنظام الدولي لمأزق معقدَّ.
هذا الوضع نفسه يُعزّز منطق الواقعية والبراغماتية في العلاقات الدولية، والذي يتجسّد اليوم بأبشع صورة في “الإبادة الجماعية” في “غزة”.
من التداعيات الأخرى للإخلال بتوازن النظام الدولي، تشدّيد الصراعات الإقليمية في جوانب العالم المختلفة؛ لا سيّما منطقة الشرق الأوسط المضطربة.
في ظل هكذا وضع حيث العالم والشرق الأوسط على مشارف حالة من عدم الاستقرار الفوضوي، فالدول التي تمتلك القوة اللازمة لتجاوز هذه المرحلة الصعبة، هي تلك التي تنعم بالأساس بأقصى قدر من التماسك الداخلي الكافي. لذلك يمكن اعتبار السنوات الأربع المقبلة أكثر الفترات حساسية منذ الحرب العالمية الثانية، حيث ستحدَّد تحولاتها ملامح النظام العالمي المستقبلي.