خاص – كتابات :
استعراض قوى هو الأخطر من نوعه.. رسائل وإشارات يفهمها خبراء الأمن القومي في الدول الكبرى جيداً.. فهي علامات ودلالات ألقى بها الرئيس الروسي، “فلاديمير بوتين”، في وجه العالم خلال حديثه، الخميس الأول من آذار/مارس 2018، أمام حشد من مساعديه والمسؤولين الروس والنواب أو ما يعرف بالـ “الجمعية الفيدرالية”.
خطاب سنوي غير تقليدي..
إذ وفق الدستور الروسي، فإن “بوتين” بصفته رئيس البلاد، كان عليه أن يوجه خطاباً إلى الجمعية الاتحادية يتضمن الوضع في بلاده والتوجهات الرئيسة للسياسة الداخلية والخارجية لفترته المقبلة، كتقليد سنوي أمام أعضاء البرلمان.
فالخطاب في العرف الروسي يعد وثيقة سياسية وقانونية تعبر عن رؤية التوجهات الإستراتيجية لتطوير روسيا في المستقبل القريب عبر عدة محاور، اقتصادية وفكرية وسياسية، فضلاً عن مقترحات محددة للعمل التشريعي لمجلسي “الدوما” و”الاتحاد”.
إعلان حرب..
لكن؛ رغم ذلك فاجأ “بوتين” الجميع بخطاب أشبه بإعلان حرب، أو على الأقل، وكأنه يقرع طبولها بعرض أسلحته غير التقليدية، مقدماً نفسه أمام من سيعطونه حق رئاسة روسيا من جديد في الانتخابات المقبلة المقررة في الثامن عشر من آذار/مارس 2018، كجنرال عسكري ملم بأدواته وأسلحته العسكرية النووية المتفوقة على الغرب، وتحديداً حلف شمال الأطلسي، وحتى أميركا نفسها.
أخطبوط يطال بأذرعه ما يشاء من أهداف..
نعم عرض “بوتين” مادة فيلمية واضحة، دون أدنى نوع من سرية المعلومات العسكرية، لأسلحة قال إنها غير تقليدية وغير موجودة أصلاً لدى أميركا وحلفائها، يمكنها استهداف أي موقع في أوروبا أو حتى أميركا – عسكري كان أو مدني – سواء من أعلى نقطة عبر الطائرات المقاتلة أو تلك التي تنفذ مهامها بدون طيار أو حتى من أعماق البحار بسرعات وقدرات مناورة لا يمكن لأي أجهزة وأسلحة دفاعية لدى الغرب أو أميركا أن توقفها، وتعمدت المادة الفيلمية إظهار أسلحة روسيا بقدرتها على السيطرة كالأخطبوط على ضرب أهداف في مختلف أنحاء الكرة الأرضية بما فيها ما يجوب أو يتمركز في إفريقيا !
تهديد.. لا تحاولوا ما نمتلكه أكبر من قدراتكم..
أصبغ “بوتين” على خطابه، الأشرس من نوعه منذ سنوات، نوعاً من التهديد والوعيد، خاصة عندما قال لمن يقصدهم في حديثه: “ثقوا بي لا تحاولوا معنا.. ما نمتلك الآن من أسلحة يفوق ما تمتلكون؛ لستم قادرين على منعها من الوصول إلى أهدافها”، وهي رسالة تحمل عدة معطيات على رأسها أنه بات للروس قيصر فعلي جديد.. لا يهاب أميركا ولا أسلحتها الممتدة في مناطق كثيرة، وظهر ذلك جلياً بعرض استهداف حاملات الطائرات الأميركية في المحيط وحتى المتواجدة في البحر المتوسط وتهدد حليفته “سوريا” !
أعلنها “بوتين” صراحة، ليس من مقر قصر “الكرملين” الكبير كما هو معتاد، بل من قاعة “مانيغ” للعروض وسط موسكو، نتيجة الحشد الجماهيري من المسؤولين بمختلف القطاعات “العسكرية، السياسية، الاقتصادية والدينية.
أميركا ترد.. تزعزعون الاستقرار ويكفي ما تفعلونه في سوريا..
رد الفعل الأميركي جاء سريعاً.. فقد أعلنت خارجية البيت البيض أن خطاب الرئيس الروسي يؤكد على أن بلاده تطور أسلحة مزعزعة للاستقرار، وهو ما يتعارض مع إلتزاماتها.
وراحت الخارجية الأميركية تلوح بإمكانية تضييق الخناق على روسيا في سوريا بالإعلان عن أن الهدنة التي صوت عليها مجلس الأمن في سوريا غير فعالة وما يتم تداوله عن ممرات إنسانية أشبه بمزحة، وهي رسالة تشي بأن واشنطن تمتلك ما قد تلاعب به موسكو..
لن نتفرج كثيراً ولدينا جيش قوي يدافع عن أمته !
وبدوره رد “البنتاغون”، عبر متحدثته، “دانا وايت”، في مؤتمر صحافي، التي قللت من الاستعراض الروسي، لكنها بينت أن تطوير أسلحة نووية جديدة في روسيا يقابله جيش أميركي قادر على الدفاع عن أمته، وأن أميركا نفسها لا تقف في موقف المتفرج؛ فهي أيضاً تمتلك ما تطوره لتحقيق الردع والتفوق العسكري، وهنا خالف “البنتاغون” قواعده التي غالباً ما تحتم عليه عدم الرد على تصريحات أو استفزازات الرئيس الروسي، لكنه بادر هذه المرة بالرد خوفاً من أن يقلل الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، من أهمية الرد.
اجتماعات لـ”الناتو” قريباً..
فعل ورد فعل، لكنها نبرة أقرب للتصعيد عن أي وقت مضى بين البلدين.. فما أعلنه “بوتين” أحدث حالة من التوتر في الأوساط الأميركية والغربية كذلك، وأصبح الحلف الأطلسي وأميركا في حاجة لاجتماعات معلنة وأخرى سرية على مستوى قيادات الاستخبارات وبعض القيادات العسكرية في تلك البلدان لمتابعة التطورات الروسية وأخذ خطاب “بوتين” وتصريحاته على محمل الجد.
خاصة وأن تصريحات القيصر الروسي كانت مباشرة أكثر من ذي قبل، إذ وجه حديثه مباشرة إلى حلف شمال الأطلسي وحليفته أميركا، بأن قال: الآن بأسلحتنا النووية الجديدة وضعت نهاية الأنظمة الدفاعية لـ”الناتو” وأميركا !
سيطرة موسكو على سماء وبحار سوريا ومصر شجعت القيصر..
ما يقلق أميركا وأوروبا الآن أيضاً، هو أن روسيا أضحت تمتلك سماء وبحار سوريا ومصر مؤخراً بعد الاتفاقية الأخيرة بين موسكو والقاهرة، ما يمنحها حرية تحريك قطعات عسكرية جوية وبحرية ضخمة من شأنها تهديد استقرار أوروبا ومصالح أميركا في المنطقة !