القمة “الصينية-السعودية” .. “بكين” تدخل الخليج العربي من أوسع أبوابه الاقتصادية !

القمة “الصينية-السعودية” .. “بكين” تدخل الخليج العربي من أوسع أبوابه الاقتصادية !

وكالات – كتابات :

لم يُغادر الرئيس الصيني؛ “شي جين بينغ”، بلاده سوى مرة واحدة منذ بداية جائحة (كوفيد-19)، وذلك لزيارة “كازاخستان وأوزبكستان”؛ في أيلول/سبتمبر من عام 2022، بينما زيارته الخارجية الثانية التي يُجريها الآن في “السعودية”.

وبمناسبة زيارة “شي”، قررت “السعودية” استضافة القمة “العربية-الصينية” الأولى؛ التي عُقدت الجمعة 09 كانون أول/ديسمبر 2022، والتي وقّع خلالها الجانبان عددًا من الاتفاقيات المهمة.

فما الذي تريده “الصين” ؟.. وما الذي تُريده دول الخليج عمومًا، و”السعودية”؛ على وجه الخصوص ؟

يُمكن القول إن أهداف “الصين” والخليج متطابقة في العديد من المجالات.. ما يعني أن القمة ستتمخض عن أوجه تآزر جديدة على الأرجح.

إذ إن النقاشات حول “اتفاقية التجارة الحرة” بين دول الخليج و”الصين”؛ قطعت شوطًا طويلاً وصعبًا. لكن دول الخليج أعادت العلاقات فيما بينها؛ خلال عام 2021، واستأنفت العمل ككتلةٍ واحدة.

ولم يُعد زعماء الخليج و”الصين” يخفون الأمر الآن؛ حيث يرون في الفترة الحالية توقيتًا مناسبًا لـ”اتفاقية التجارة الحرة”؛ التي طال انتظارها. بينما قال “تشانغ يي مينغ”، السفير الصيني في “الإمارات”، إن المفاوضات حول “اتفاقية التجارة الحرة”؛ بين دول الخليج و”الصين” دخلت: “مرحلتها الحاسمة والنهائية” مؤخرًا. كما أضاف السفير الصيني أن الجانبين: “اتفقا على غالبية القضايا”.

ومن المُرجح أن تُسفر مثل هذه الاتفاقية عن منافع متبادَلة ضخمة. إذ كان من المتوقع أن تحل “الصين” محل “الاتحاد الأوروبي”؛ كأكبر شريك تجاري لدول “مجلس التعاون الخليجي”؛ في عام 2020، بعد وصول حجم التجارة المتبادلة بين “الصين” وتلك الدول؛ إلى: 161.4 مليار دولار. ولا شك أن “اتفاقية التجارة الحرة” ستُزيد حجم التجارة الدولية بين “الصين” وبين الكتلة الخليجية.

لهذا من السهل أن نتوقع تجديد المحادثات حول تلك المفاوضات الممتدة منذ فترة خلال القمة، بحسب تقرير لموقع (ميدل إيست آي) البريطاني.

تسعير النفط بـ”اليوان”..

ناقشت “بكين” و”الرياض” فكرة استخدام عقود “النفط” المُسعَّرة بـ”اليوان”؛ في عدة مناسبات سابقة على مدار السنوات الـ 06 الماضية، ولا شك أن القمة ستُتيح الفرصة لتجديد تلك المحادثات بتركيزٍ أكبر.

ومن المؤكد أن جهود “الصين” لتدويل عُملة “اليوان” ستستفيد بشراكة “الرياض” الجذابة. إذ تشتري “بكين” أكثر من: 25% من صادرات المملكة النفطية، وإذا جرى تسّعير تلك الصفقات بـ”اليوان” الصيني، فسوف يُساعد “النفط السعودي” على تعزيز مكانة “الرنمينبي” الصيني كعُملةٍ عالمية.

علاوةً على أن مثل هذه الخطوة ستُعَدُّ بمثابة سابقة، وربما تُحفز الدول الأخرى؛ الغنية بـ”النفط”، على أن تحذو حذو “الرياض” وتُسعِّر صادراتها بـ”اليوان”.

لكن من الضروري توخي الحذر عند دراسة مثل هذه السيناريوهات، لأن “الدولار” يُحافظ على مكانته كعُملة افتراضية لأسواق الطاقة منذ زمنٍ بعيد. فضلاً عن أن “الريال السعودي” مربوط بـ”الدولار الأميركي”، مما يعني أن أي ضعفٍ يُصيب “الدولار الأميركي” سيؤثر على “الرياض” بنهاية المطاف أيضًا.

وربما تكون المملكة مترددةً في فكرة مراكمة كميات كبيرة من “الرنمينبي” الصيني، لكن العقوبات الصارمة ضد “روسيا” أضعفت المخاوف القديمة المرتبطة بنظام التجارة القائمة على “الدولار”. ونتيجةً لذلك، من المحتمَل أن تتطلع دول مثل “السعودية”؛ لتقليل اعتمادها على “الدولار”.

وتحظى “بكين” بفرصةٍ مثالية لتدويل “اليوان”؛ عن طريق تقديم الحوافز الجذابة للمملكة، مثل المشاركة باستثمارات مهولة في مشروعات “السعودية” الضخمة والطموحة. ومن المؤكد أن تجديد النقاش حول إبرام صفقات النفط بـ”البترويوان”؛ (عُملة تجارة النفط الصينية)، سيُمثل دلالة على تقويض أعراف النظام العالمي الذي تُهيمن عليه “الولايات المتحدة”، وذلك لصالح البدائل الجديدة.

بينما تُعتبر توسعة مجموعة (بريكس)، المؤلفة من: 05 دول، واحدة من المجالات الأخرى التي تتوافق فيها أهداف دول الخليج مع مصالح “بكين”. إذ أعلن وزير الخارجية الصيني؛ “وانغ يي”، مؤخرًا عن فكرة (بريكس بلس)، التي تُمثل إطار عمل يُلخص نية المجموعة فتح أبوابها لأعضاءٍ جدد.

وسارعت “السعودية والإمارات” للتعبير عن رغبتهما في الانضمام لـ (بريكس بلس). وإلى جانب المحادثات حول “اتفاقية التجارة الحرة” وتسعير النفط بـ”البترويوان”، من المتوقع كذلك أن يجري نقاش مسألة (بريكس بلس) خلال القمة “العربية-الصينية”.

تنويع الاقتصاد..

قبيل الكشف عن خطة الإصلاح المعروفة باسم (رؤية 2030)؛ في عام 2016، صرح “ابن سلمان”، قائلاً: “هناك ما يُشّبه حالة الإدمان النفطية في السعودية”.

ولا خلاف على أن “رؤى” الخليج تتشابه فيما بينها، حيث وضعت كل واحدةٍ من دول الخليج الست إستراتيجيتها الخاصة لتنويع الاقتصاد الوطني، والإبتعاد عن الاقتصاد القائم على “النفط”.

إذ أطلقت “قطر” خطة: (رؤية قطر الوطنية 2030)، التي توازي: (رؤية الكويت 2035)، و(رؤية عُمان 2040)، و(الرؤية الاقتصادية 2030) في “البحرين”، ورؤية (نحن الإمارات 2031).

ويُعتبر القطاع البحري من أهم مجالات عملية تنويع الاقتصاد، بالإضافة إلى تشّييد البنية التحتية للموانيء، وتطوير قطاع قوي في مجال التقنية العالية. ولهذا تتمتع مبادرة “الحزام والطريق” الصينية بموقع متميز لمساعدة الخليج على التعافي من: “إدمان النفط”، وذلك بفضل الفرص التي توفرها على صعيد البنية التحتية والتقنية.

حيث تلعب تقنية الجيل الخامس الصينية دورًا أساسيًا في مساعدة الإماراتيين والسعوديين على تطوير: “موانئهم الذكية” وتحسين كفاءة العمليات.

وتبني “شركة السيارات الذكية” الصينية؛ (NWTN)، منشأةً لتصنيع السيارات الكهربائية في “أبوظبي” مثلاً. أما مدينة “دبي” المستقبلية المجاورة، فشهدت أول إطلاقٍ رسمي للسيارة الطائرة الخاصة بشركة (Xpeng Aeroht) الصينية؛ في تشرين أول/أكتوبر من العام الجاري. وأصبحت تلك التقنيات المستقبلية واقعيةً بدرجةٍ متزايدة في الخليج، ومن المُرجح أن ترتقي القمة بأوجه التآزر الاقتصادي في تلك المجالات إلى مستويات أعلى.

تطوير التعاون العسكري..

في بيان مشترك؛ يوم الجمعة 09 كانون أول/ديسمبر 2022، أكدت “الصين” و”السعودية”، عزمهما على تطوير التعاون والتنسيق في المجالات الدفاعية، وبذل الجهود المشتركة في الدفاع عن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

وجاء في البيان الذي صُدر في ختام القمة “الصينية-السعودية”: “رحبت جمهورية الصين الشعبية بدور المملكة في دعم توازن واستقرار أسواق البترول العالمية، وكمصدّر رئيس موثوق للبترول الخام إلى الصين”.

وشدد الجانبان على: “أهمية مواصلة إعطاء الأولوية للعلاقات (السعودية-الصينية) في علاقتهما الخارجية، ووضع نموذج من التعاون والتضامن والمنفعة المتبادلة؛ والكسب المشترك للدول النامية”.

كما أكدا على أهمية تعميق التعاون المشترك في مبادرات “الحزام والطريق”، والترحيب بانضمام المؤسسات السعودية المعنية إلى شراكة الطاقة والاستثمارات المختلفة في إطار “الحزام والطريق”، وتعزيز موقع “السعودية”؛ كمركز إقليمي للشركات الصينية لإنتاج وتصدير منتجات قطاع الطاقة، بالإضافة إلى الاستثمار المشترك في مشاريع الطاقة في دول المنطقة والدول المستهلكة لمنتجات الطاقة في “أوروبا” و”إفريقيا”.

وفي الجانب العسكري، أكد الجانبان عزمهما على تطوير التعاون والتنسيق في المجالات الدفاعية، وتعزيز ورفع مستوى تبادل المعلومات والخبرات في مجال مكافحة الجرائم المنظمة، بما فيها جرائم الإرهاب

والعمل على الوقاية من العنف والتطرف، وتعزيز التعاون وتنسيق الجهود وتبادل الخبرات في مجالات الإنذار الاستخباراتي المبكر وتقييم المخاطر الأمنية، ومكافحة الجرائم المعلوماتية، بما يخدم ويُحقق المصالح المشتركة للبلدين، كما أشادا بمستوى التعاون الأمني بين البلدين الصديقين في مجال مكافحة الإرهاب وتمويله.

الجانبان شددا مجددًا على مواصلة دعم المصالح الجوهرية لبعضهما بثبات، ودعم كل جانب الجانب الآخر في الحفاظ على سيادته وسلامة أراضيه، وبذل جهود مشتركة في الدفاع عن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وغيره من قواعد القانون الدولي والمباديء الأساسية للعلاقات الدولية. وأكد الجانب السعودي مجددًا على الإلتزام بمبدأ: “الصين الواحدة”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة