خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في حسم للجدل الدائر حول المناطق المتنازع عليها عراقيًا، قضت “المحكمة الاتحادية العليا”، أمس الأول الثلاثاء، ببقاء سريان المادة (140) من الدستور العراقي، والخاصة بالمناطق المتنازع عليها، مبينةً أن: “الموعد المحدد في تنفيذ المادة وضع لأمور تنظيمية ولحث المعنيين على تنفيذها ولا تمس جوهرها وتحقيق هدفها”.
وقال المتحدث الرسمي باسم المحكمة، “إياس الساموك”، في بيان، إن: “المحكمة الاتحادية العليا عقدت جلستها برئاسة القاضي، مدحت المحمود، وحضور القضاة الأعضاء كافة ونظرت بطلب مجلس النواب بتفسير المادة (140) من الدستور، من حيث سريانها من عدمه”.
وأضاف أن: “المحكمة الاتحادية العليا وجدت أن المادة (140) من دستور جمهورية العراق، لسنة 2005، أناطت بالسلطة التنفيذية إتخاذ الخطوات اللازمة لإكمال تنفيذ متطلبات المادة (58) من قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية بكل فقراتها والتي لا زالت نافذة استنادًا لأحكام المادة (143) من الدستور”.
وتابع أن: “المحكمة وجدت أن ذلك هو لتحقيق الأهداف التي أوردتها المادة (58) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية الرامية إلى تحقيق العدالة في المناطق التي تعرضت إلى تغير الوضع السكاني من خلال الترحيل والنفي والهجرة القسرية، وذلك على وفق الخطوات المرسومة في المادة (58) المذكورة أنفًا”.
وأشار إلى أن: “المحكمة الاتحادية العليا وجدت أن هذه الخطوات لم تستكمل؛ وأن القسم منها لم يتخذ، ويبقى الهدف من وضع وتشريع المادة (140) من الدستور مطلوبًا وواجب التنفيذ من الكافة”، موضحًا أن: “المحكمة أكدت أن الموعد المحدد في تنفيذ المادة (140) من الدستور قد وضع لأمور تنظيمية، ولحث المعنيين على تنفيذها ولا تمس جوهرها وتحقيق هدفها”.
ولفت إلى أن: “المحكمة الاتحادية العليا، وبناء على ذلك، قررت بقاء سريان المادة (140) من دستور جمهورية العراق في الوقت الحاضر؛ ولحين تنفيذ مستلزماتها وتحقيق الهدف من تشريعها على وفق الخطوات المرسومة في المادة (58) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية”.
يشار إلى أن تطبيق المادة 140 من الدستور العراقي، يتعلق بحل لمشكلة “كركوك” وما تسمى “المناطق المتنازع عليها”؛ التي تعرضت للتغيير الديمغرافي ولسياسة التعريب على يد نظام “صدام حسين”، وذلك خلال فترة حكمه، من عام 1968 حتى إسقاطه في نيسان/أبريل 2003.
ونصت المادة على آلية تضم ثلاث مراحل: أولاها التطبيع، ويعني علاج التغييرات التي طرأت على التركيبة السكانية في “كركوك” والمناطق المتنازع عليها في عهد نظام “صدام” وبعده، والثانية الإحصاء السكاني في تلك المناطق، وآخرها الاستفتاء لتحديد ما يريده سكانها، وذلك قبل 31 كانون أول/ديسمبر 2007، لكن المادة لم تجد طريقها إلى التطبيق بسبب تنصل الحكومات العراقية المتعاقبة عن هذا الإلتزام.
لا تقتصر على “كركوك” فقط بل تشمل 6 محافظات..
وكرد فعل؛ اعتبر عضو مجلس كركوك، “نجاة حسين”، “التفرد” بالإدارة بأنه: “أصل المشكلة” في المحافظة، فيما أشار إلى أن المادة (140) لا تقتصر على “كركوك” فقط.
وقال “حسين” إن: “كركوك المحافظة لا يمكن أن تُدار من قِبل مكون واحد فقط”، مشيرًا إلى أن “التفرد بالإدارة من قِبل مكون واحد هو أصل المشكلة في كركوك”.
وأكد على ضرورة “تقسيم المناصب في كركوك بين المكونات بصورة متوازنة”، لافتًا إلى أن: “المادة 140 لا تقتصر على كركوك فقط؛ بل تشمل نزاعات بين ست محافظات أخرى”.
قرار هام..
ووصف “وستا رسول”، العضو القيادي في “الاتحاد الوطني الكُردستاني”، قرار “المحكمة الاتحادية العليا” ببقاء سريان المادة (140) من الدستور العراقي الدائم؛ بالمهم.
وأشار إلى أهمية وحدة الصف الكُردي. ووصف قرار “المحكمة الاتحادية العليا” بالهام حول بقاء سريان المادة (140) من الدستور العراقي الدائم، في الوقت الحاضر، ولحين تنفيذ مستلزماتها وتحقيق الهدف من تشريعها على وفق الخطوات المرسومة في المادة (58) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية.
وأضاف “رسول”، إن الكُرد بإمكانهم بإجماع أصواتهم أن يكون لهم موقف حيال الفكر الشوفيني، مشيرًا إلى أن التجرية الماضية أثبتت بأنه لا يمكن لأي طرف لوحده إتخاذ خطوات كبيرة؛ وأن جميع المكتسبات القومية المهمة تتحقق فقط بإجماع الصوت الوطني.
صفقة تزوير الانتخابات..
وفي رد فعل من شأنه أن يؤجج الصراع في محافظة “كركوك”، والمناطق الأخرى المتنازع عليها بين العرب والتُركمان من جهة والأكراد من جهة أخرى، اعتبرت “الجبهة التُركمانية” قرار “المحكمة الاتحادية” جزءًا من صفقة تزوير الانتخابات.
ورفضت الجبهة قرار “المحكمة الاتحادية”، الإعتراف بدستورية المادة (140)، مؤكدًة على ضرورة إيجاد حل توافقي بين مكونات “كركوك”.
وقالت الجبهة، في بيان، إن: “الجبهة التُركمانية تؤكد أن المادة (140)، سواء تم الإعتراف بدستوريتها أم لا؛ فإنها لن تحل قضية كركوك، وأن الحل التوافقي الذي يحظى بموافقة مكونات المحافظة هو مفتاح كل الحلول، وهذا ما أكده تقرير بعثة الأمم المتحدة عبر تقريرها الذي دعا إلى التوافق وحذر من أي استفتاء لحسم مستقبل محافظة كركوك”.
وزاد البيان أنه: “بقيت المادة (140)، منذ أول يوم من إقرارها، سواء في قانون إدارة الدولة العراقية – (58) – أو بعد إقرار الدستور العراقي في المادة – (140) – محل خلاف وجدال؛ كونها مادة تعبر عن خارطة طريق تخدم مكون واحد في كركوك وظلت مرفوضة ولازالت من قِبل باقي مكوناتها”.
وأشار إلى أنه: “رغم إنقضاء الفترة الزمنية لتطبيق المادة، منذ 31/12/2007، فإننا نستغرب اليوم من قرار المحكمة الاتحادية؛ الذي أعلنت فيه أن المادة لا زالت نافذة دستوريًا رغم فشلها طيلة أربعة عشر عامًا من إيجاد حل سلمي مستدام لقضية كركوك”.
مفتاح وحدة العراق..
وأردف: “أن قضية كركوك هي مفتاح وحدة العراق؛ والتفريط بها هو تفريط بالوحدة الوطنية، ولا يمكن أن تحل عبر الآليات التي وضعتها المادة (140)، وإنما أساس الحل هو التوافق بين مكوناتها، وقد جربت الأحزاب الكُردية، طيلة الفترة الممتدة ما بين عامي 2003 – 2017، لفرض أمر واقع وهيمنة وتغيير ديمغرافي وإقحام كركوك في مشكلة رفع علم الإقليم والاستفتاء، ورجعت بخفى حنين لانها أغفلت وجود المكونات الأخرى وثقلها السياسي والإداري”.
مادة ميتة بحكم الدستور..
كما انتقدت “الجبهة العربية الموحدة”، في “كركوك”، بشدة قرار “المحكمة الاتحادية” القاضي بسريان المادة (140) من الدستور العراقي.
وزعمت الجبهة، في بيان اليوم، أن: “المادة (140) مادة دستورية ميتة بحكم الدستور؛ الذي ألزم الحكومة والبرلمان العمل بها لفترة زمنية محددة، هي لغاية 31/12/2007″، متهمة رئيس مجلس الوزراء، “عادل عبدالمهدي”، بـ”تسليم نفط كركوك إلى الإقليم دون مقابل”.
وأضاف البيان أن: “الجبهة العربية الموحدة تُحمل الحكومة المركزية، وعلى رأسها، عادل عبدالمهدي، المسؤولية الكاملة في حال تدهور الأوضاع في كركوك نتيجة التراكمات التي تحصل من ضعف المواقف الحكومية تجاه عودة الأمور إلى قبل خطة فرض القانون من الفوضى والإنفلات الأمني”، حسب تعبير البيان.
قرار المحكمة مُلزم..
وشددت النائبة، “فيان صبري”، رئيسة كتلة “الحزب الديمقراطي الكُردستاني” في “مجلس النواب” العراقي، في تغريدة على صفحتها الرسمية، في (تويتر)، على أن: “قرار المحكمة الاتحادية أنهى الجدل بشأن هذه المادة، وعلى الجميع احترام قرار المحكمة الاتحادية؛ لأن قرارتها مُلزمة للجميع”.
جاء في الوقت المناسب..
وأكدت المراقبة السياسية، “شذى العبيدي”، أن قرار “المحكمة الاتحادية” بسريان المادة (140)، جاء في الوقت المناسب لإنقاذ المناطق المتنازع عليها من المشكلات التي تشهدها.
مضيفة أن: “تأخير تنفيذ المادة (140)، طيلة السنوات الماضية، تسبب في تعمق المشكلات في هذه المناطق حتى وصلت لحد الانفجار، إضافة إلى أوضاعها الخدمية والأمنية السيئة جدًا وبنيتها التحتية المدمرة، وهي مهددة اليوم من قِبل تنظيم (داعش) الإرهابي؛ الذي يسعى إلى استغلال مشكلات هذه المناطق للعودة من جديد، لذلك فإن تسريع تطبيق هذه المادة سينقذ هذه المناطق”، لافتًة إلى أن سكان هذه المناطق يرون أن الحل الأمثل لهم هو التمسك بالدستور العراقي وتطبيقه.
جدل سياسي عراقي..
وقال “مهدي خزعل”، رئيس مركز “الكلمة” للتحليل السياسي: “إن هناك جدل سياسي عراقي حول المادة (140) من الدستور، الخاصة بوضع محافظة كركوك وهويتها، خاصة أن بغداد ترى أن المحافظة عربية، ويجب أن تظل تحت سيادة العراق وتأتمر بإمرة بغداد، بينما يرى إقليم كُردستان أنها تابعة له”، مشيرًا إلى سيطرة قوات “البشمركة” سابقًا على “كركوك”، حتى تم تحريرها، منذ عدة أشهر على يد القوات العراقية.
وأوضح “خزعل”: “المناكفات السياسية تطفو على المشهد العراقي، وينعكس ذلك داخل البرلمان، وبالتالي هناك انقسام شديد بين الكتل السياسية العربية والكُردية والتُركمانية على ملف المادة (140) من الدستور العراقي، والخاصة بمحافظة كركوك”، لافتًا إلى خلافات واسعة يشهدها البرلمان العراقي هذه الفترة بين النواب العراقيين الممثلين للحكومة العراقية وبين النواب الأكراد، على بنود المادة الدستورية الخاصة، التي ترى “بغداد” أن الإقليم يحاول استغلالها للسيطرة على محافظة “كركوك”.
وحول انعكاسات الخلاف بين “بغداد” و”أربيل” على هوية “كركوك”، توقع “مهدي خزعل”، حدوث إنفلات أمني وثغرات فنية، في ظل تكرار وقوع خروقات في شمال “العراق”، مشيرًا إلى الخلافات القائمة بين “بغداد” و”أربيل” حول أجور “النفط”، التي يصدرها الإقليم، دون الرجوع للحكومة المركزية.
قرار المحكمة خالف مضمون المادة..
وإزاء هذه المواقف المتباينة من قرار المحكمة الاتحادية، فقد رأى الخبير القانوني العراقي، “أمير الدعمي”، إن ما صدر من تفسير لـ”المحكمة الاتحادية”، بخصوص المادة (140)، قد خالف مضمونها الذي جاء بغير ما كتب، خصوصًا أن المادة نصت على تحديد موعدًا أقصاه 31 كانون أول/ديسمبر من عام 2007، لتنفيذ بنودها.
مشيرًا إلى أنّ: “نص القانون صريح ولا يحتاج إلى إجتهاد؛ إلا أن المحكمة الاتحادية ذهبت بإتجاه الإبقاء على هذه المادة رغم صراحة موعدها.. مبينًا أن الدستور؛ رغم ما يؤخذ عليه، إلا أنه يبقى مرجعًا لجميع القوانين، الأمر الذي يضع المحكمة في خانة خرق القوانين التي جاء بها الدستور من خلال حجتها بأن قرارها يأتي تنفيذًا للمادة (58) من قانون إدارة الدولة المدنية الانتقالي ووجوب سريان المادة (140)”.