كتب زيد بن رفاعة : يتبع السَّيد أحمد القبانجي، وهو يعتمر العِمامة السَّوداء كعلامة على أنه مِن آل النبي، منهجاً في التفكير يتعارض كُليةً مع بقية أصحاب العمائم، مِن الشِّيعة والسُّنَّة، وذلك أنه يحاول تلطيف الفكر الدِّيني مما لحقه مِن أفواه الرِّجال الفقهاء، وبالتَّالي تشرذم هذا الدِّين، بشكل حاد وخطير، إلى مذاهب وفرق، بدأت تظهر على السَّاحة الإسلامية بعد الفترة الرَّاشدية، ولم يكن ظهورها باختلاف فكري أو عبر حوار وجدل إنما بتجريد السُّيوف.
يمكن اعتبار السَّيد القبانجي، الذي تأكدت أخبار اعتقاله بمدينة قم الإيرانية، مِن قبل جهاز الأمن الإيراني، أنه وريث مدرسة فكرية طرقها علي شريعتي، ولا يُعلم كيف قـتل، بعد أن ميَّز بين التشيع العلوي الأصيل والتَّشيع الصَّفوي الطَّارئ. وإذا سئل القبانجي عن سبب تمسك إيران وسريان التَّشيع فيها، ولماذا لجأ إليه الملوك الصفويون، وهم مِن أهل السُّنَّة والجماعة ومِن الترك لا الفرس، سيقول: إنه الثَّأر ثم الثَّأر ثم الثَّأر! وممَن؟ مِن عمر بن الخطاب، الخليفة الرَّاشدي الثاني، والذي اغتيل بنصلة سكين فارسية، اغتاله شخص شاع اسمه بأبي لؤلؤة، وبعد العهد الصَّفوي أٌقيم له ضريح في كاشان (قاشان)، باسم أبي شجاع الدِّين، ونسجت له أسطورة بأنه حُمل مِن المدينة إلى هذا المكان بقدرة الله، بينما هو قُتل بالمدينة، حيث قتل عمر بن الخطاب، وكُني فيروز بابنته لؤلؤة، وهو في اللسان الفارسي بيروز النهاوندي.
إن التشيع الإيراني مرتبط بالثَّار، وبهذه الشخصية، حتى أن هناك مِن الإيرانيين مَن يعتبر أبا لؤلؤة من أصحاب علي بن أبي طالب، فالإمبراطورية الفارسية كانت من الإمبراطوريات العظيمات، ولها تاريخ عريق وكانت مهابة الجانب، وإذا بالعرب، وهم مِن الصحراء، يسقطون هذه الإمبراطورية، ويسحقون تاج كسرى ويوزعونه كغنائم، ويُذلوا الفرس ويسبوا بناتهم ومنهنَّ بنات كُسرى، وكان ذلك في زمن عمر بن الخطاب، لذا الكراهية وجهت إلى عمر لا غيره من الخلفاء والقادة، وتحول هو العدو الأول. وكي يبقوا على إسلامهم حولوا عمر إلى عدو لعلي، واستحدثوا الأحاديث والروايات التي تؤكد هذه العداوة، وتوجوها بهجوم عمر على فاطمة الزهراء وكسر ضلعها، وبذلك هم أخذوا الشق الآخر من الإسلام وحققوا الكراهية باسم علي وآل بيته، وكأن كل ما يفعلونه هو مِن أجلهم.
أحمد القبانجي ينفي رواية كسر ضلع الزهراء وإجهاض السيدة الزهراء بالمحسن، ابنها الثَّالث المفترض، لكن القضية خرجت مِن الدين وليس هناك علاقة للنبي بها، بل وإلا الإسلام له صلة بها، إنما ما بأيدي الناس هو صيغة بشرية لا إلهية نبوية. هذا الرأي مشهور عن السيد القبانجي، وهو ما لا تريد إيران التي تدعي بأنها دولة إسلامية، وتعمل على التقريب والانسجام مع الحركات الإسلامية السُّنية، أن ينبش مثل هذا الموضوع، وستكون في موقف محرج عندما يُشار أن على أرضها يوجد ضريح لقاتل عمر بن الخطاب، وهو الرجل الثالث بعد النبي عند أهل السُّنَّة، وأن أهل السُّنَّة يعتقدون بأنه ما قال رأياً إلا ونزل به القرآن.
ليس هذا ما يُحتمل في قضية اعتقال السيد القبانجي مِن قِبل الأمن الإيراني فقط، إنما للأخير أيضاً صلات مع معارضين للإسلام الرسمي الإيراني، مثل عبد الكريم سروش، وقد ترجم القبانجي له عدة كتب فكرية، لا تتفق مع نهج التشيع الإيراني، ولا نهج الثورة الإيرانية، وولاية الفقيه هناك.
يضاف إلى ذلك أيضاً أن السَّيد أحمد القبانجي، الذي فسقه شقيقه الإسلامي، العضو في حزب الدَّعوة سابقاً والعضو في المجلس الإسلامي الأعلى حالياً، السيد صدر الدين القبانجي، يتعارض في الرأي والفكر مع الثوابت الدينية لدى الشِّيعة، فله كتاب تحت عنوان “تهذيب أحاديث الشيعة”، وأكثرها الخاصة في العصمة والمهدي وما غيرها، وكتاب “تشيع العوام وتشيع الخواص”، وفيه ينتقد الدين الشعبي الرسمي، الذي يُقاد به الشَّيعة في المواكب والتعازي على طول العام.
في حقيقة الأمر لم يخرج أحمد القبانجي من الإيمان إلى الإلحاد؛ نفهم ذلك إذا تجردنا في الحكم عليه من الدين الرسمي ومقولاته التي منها ما يتعارض مع القرآن نفسه، فالرَّجل يريد للإيمان أن يكون عبر العقل، وأن الله قال: تفكروا، وكأنه يرد على معترضيه، أو مفسيقه بلسان الشَّاعر أبي العلاء المعري، التي أبتلى بالتكفير والتفسيق في زمانه، لأنه شعر أن العقل قد توقف عن العمل في ظل الثوابت الدينية، وفي ظل المؤسسة الدينية، فهو القائل في لزومياته:
في كل أمرك تقليد رضيت به
حتى مقالك ربي واحد أحد
وقد أمرنا بفكر في بدائعه،
وإن تفكر فيه معشرٌ لحدوا
وأهل كلِّ جدال يمسكون به
إذا رأوا نورَ حقٍ ظاهراً جحدوا
تبقى الإشارة مهمة إلى أن السَّيد أحمد القبانجي خريج مدرسة النجف الدينية، العام 1974، وترك العراق مجاهداً مع الإسلام السياسي الشيعي في إيران ضد النظام العراقي السابق، ويعيش بيد واحد، فيها يدير شؤون حياته ويكتب أفكاره وترجماته، وعندما تلاحظ نشاطه تعتقد أنه يعمل بعشرة أيد لا يد واحدة، التي فقدها في الدفاع عن إيران يوم كان معتقداً بفكر الثورة الإسلامية، وها هو معتقلاً فيها.