وكالات – كتابات :
توقعت مجلة (ناشيونال إنترست) الأميركية، استمرار القتال في “السودان”؛ بل ويتسّبب في مزيد من الفوضى خارج الحدود، وبشكلٍ خاص في “مصر”.
وأضافت في تقريرٍ لها، أن آلاف الفارين من تلك الحرب زحفوا باتجاه “مصر”، لكنها: “ليست الملاذ الآمن المثالي، فهي تُعاني حاليًا من أزمة اقتصادية ونقص حاد في الغذاء وانخفاض قيمة عُملتها، الجنيه المصري”.
ووفق التقرير؛ فإن “مصر” ستواجه تحديات اقتصادية وأمنية جراء توقع فرار مئات الآلاف من السودانيين إلى حدودها، وهي التي تُعاني أصلاً من أوضاع اقتصادية صعبة.
ويذهب التقرير الأميركي؛ إلى أن القتال في “السودان” قد: “عرّض الأمة المصرية لخطر الانهيار، حيث لا يُستّبعد أن تعرف مصر نفس الأحداث بسبب وضعها الاقتصادي الهش”.
الفوضى تعبر الحدود..
وذكرت المجلة في تقريرها بشكلٍ تفصيلي، أن: “الاشتباكات اندلعت في السودان؛ بـ 15 نيسان/إبريل الماضي، بين القوات المسّلحة السودانية وقوات الدعم السريع في العاصمة؛ الخرطوم، وفي منطقة دارفور. وبعد شهر تقريبًا؛ قُتل حوالي: 500 شخص وأصيب الآلاف من المدنيين. وقد سعى الطرفان معًا للإطاحة برئيس الوزراء المدني؛ في تشرين أول/أكتوبر 2012، ولكن مع توقف المفاوضات حول توزيع السلطة، أدى ذلك إلى زيادة التوترات التي تصاعدت إلى حد الصراع المسّلح الذي نشهده اليوم، ومن المحتمل أن يمتد هذا القتال ويتسّبب في مزيد من الفوضى خارج الحدود، وبشكلٍ خاص في مصر، الجارة من الشمال”.
وأضافت: “في الشهر الماضي؛ أشارت التقديرات إلى أن أكثر من: 90.000 لاجيء سوداني قد غادروا إلى مصر، ومن المحتمل أن تكون الأرقام الحقيقية أعلى من ذلك بكثير، حيث ينتظر الآلاف على الحدود بدون مأوى ولا مياه شرب ولا طعام لعبور الحدود. ومع ذلك؛ فإن مصر نفسها ليست الملاذ الآمن المثالي، فهي تُعاني حاليًا من أزمة اقتصادية ونقصٍ حاد في الغذاء وانخفاض قيمة عملتها، الجنيه المصري”.
أزمة “السودان”..
وبينّت المجلة الأميركية، أن: “الجهود الدولية مستمرة لوقف الصراع في السودان؛ حيث تستضيف السعودية محادثات بين الطرفين المتقاتلين، بالاشتراك مع الولايات المتحدة، ومن المقرر أن تستمر المحادثات طوال شهر آيار/مايو. وفي غضون ذلك؛ يستمر القتال، ورغم اقتراح عدة هدنات من الطرفين منذ بدء الصراع، لم يتم تنفيذ أي منها، واتهم كل طرف الآخر بعدم الالتزام بشروط الهدنة، مما يُشير إلى أن احتمالية نجاح المفاوضات ضئيلة جدًا حتى الآن”.
وعلى هذا النحو؛ يستمر الصراع في “السودان”، مما أدى إلى نزوح أكثر من: 900 ألف شخص داخليًا، إلى جانب عبور ما يُقدر بنحو: 120 ألفًا الحدود إلى البلدان المجاورة مثل: “جمهورية إفريقيا الوسطى وليبيا وإثيوبيا وتشاد ومصر”. ومن المتوقع أن يزداد هذا العدد بشكلٍ كبير في الأسابيع المقبلة، حيث يُقدر “مجلس حقوق الإنسان”؛ التابع لـ”الأمم المتحدة”، أن ما يصل إلى: 800 ألف شخص قد يعّبرون حدودًا مختلفة في الأشهر الستة المقبلة.
وبينما يُتدافع اللاجئون للخروج من “الخرطوم” والمناطق السودانية المجاورة، فإن الغالبية يفرون إلى “مصر” على وجه الخصوص، لأن السياسات تجاه اللاجئين في بلدان شمال إفريقيا الأخرى، مثل: “ليبيا وتونس”، تجعلهم غير مرغوب فيهم.
وعلى الرغم من أن “تشاد” تقبل الآن أعدادًا صغيرة من اللاجئين، إلا أنها أغلقت حدودها في الأصل بسبب الضغوط الداخلية، ولم تترك سوى الحدود الجنوبية الغربية كمنفذ وحيد للاجئين الفارين من العنف.
تداعيات الأزمة على “مصر”..
يُعد هذا الوضع تحولًا كبيرًا، حيث كان “السودان”؛ حتى اندلاع الصراع، شريكًا اقتصاديًا رئيسًا لـ”مصر”، حيث تقترب عائدات التجارة بينهما من مليار دولار سنويًا. كما وضعت “مصر” خططًا استراتيجية للاستثمار الزراعي في “السودان” تم تعليقها بسبب الصراع.
باعتبارها بوابة شمال إفريقيا للدول الغربية؛ تُعد “مصر” شريكًا تجاريًا وسياسيًا رئيسًا مع العديد من الدول في المنطقة، حيث بلغ إجمالي التجارة الثنائية لـ”الولايات المتحدة”؛ مع “مصر”: 9.1 مليارات دولار في 2021، بينما تجاوزت تجارة “الاتحاد الأوروبي”: 37 مليار يورو في 2022.
وبالإضافة إلى القيمة الاقتصادية لـ”مصر”؛ بالنسبة للغرب، فإنها تلعب أيضًا دورًا استراتيجيًّا في “جامعة الدول العربية”، حيث تُسّاعد في توفير الدعم الإقليمي والسلام والاستقرار. كما تشتهر البلاد أيضًا بمواردها الطبيعية الهائلة، بما في ذلك البترول والغاز الطبيعي والفوسفات وخام الحديد، وهي موارد ازداد الاهتمام بها منذ الحرب في “أوكرانيا”؛ التي عطّلت إمدادات الطاقة.
ومع ذلك؛ فإن “مصر” نفسها في وضع اقتصادي غير مستقر، حيث تواجه تضخمًا قياسيًا. وفي محادثة مع إحدى الصحف اليابانية، أعرب الرئيس المصري؛ “عبدالفتاح السيسي”، عن قلقه من أن يؤدي تدفق اللاجئين من “السودان” إلى زيادة العبء الاقتصادي على “مصر”.
علاوة على ذلك، هناك مخاوف أمنية أيضًا: فمع تجمع الآلاف على الحدود الجنوبية الغربية بين البلدين، فإن فرص الإرهاب وتهريب البشر والمخدرات وأنشطة التهريب تشهد أعلى مستوياتها على الإطلاق.
ومن المعلوم أن المنطقة الحدودية بين البلدين لها تاريخ من العنف، حيث تستخدم الجماعات المتطرفة؛ مثل: (داعش) و(القاعدة)، المنطقة لتنفيذ أنشطة غير مشروعة، لذلك فإن ارتفاع عدد اللاجئين يُزيد من احتمال عبور الجماعات المتطرفة إلى “مصر”.
احتمالية تصدير الصراع إلى “مصر”..
القتال في “السودان” قد يُعرّض الأمة المصرية لخطر الانهيار، حيث لا يُسّتبعد أن تعرف نفس الأحداث بسبب وضعها الاقتصادي الهش بالفعل، لذلك أن يؤخذ على محمل الجد احتمال زيادة زعزعة الاستقرار والنزاع في جميع أنحاء المنطقة، كما يجب على المجتمع الدولي مسّاعدة “مصر” في التكفل بهؤلاء اللاجئين.
فمع وجود عشرات الآلاف من المقاتلين والداعمين الأجانب والموارد لكلا طرفي الصراع السوداني، من الصعب تحديد متى ستنتهي هذه الحرب وكم عدد النازحين نتيجة لذلك. وإذا لم تسّر محادثات السلام في “المملكة العربية السعودية” بشكلٍ جيد، فمن المحتمل أن يعرف هذا الصراع مصير الصراعات الأخرى التي دمرت مناطق بأكملها، مثل: “لبنان وسوريا”، ومسّاعدة “مصر” في التخفيف من أزمة اللاجئين هي إحدى الخطوات التي يمكن للغرب اتخاذها لمنع حدوث ذلك.
وفي هذا السّياق؛ كانت “الأمم المتحدة” قد تعهدت بتقديم: 445 مليون دولار لتخفيف الأزمة، سيتم إرسالها إلى البلدان التي تستقبل اللاجئين في جميع أنحاء المنطقة. وينبغي على “الولايات المتحدة”، بالشراكة مع “الاتحاد الأوروبي”، تقديم مساعدة مباشرة لـ”مصر” لضمان حصول المصريين واللاجئين الذين يعبّرون الحدود على مصادر غذائية آمنة. كما يجب تقديم مساعدات خارجية إضافية للعمل على استقرار الاقتصاد المصري واستقرار الجنيه.
ومع استمرار الصراع، من الضروري أن يتخذ الغرب إجراءً. وفي غضون ذلك، يستمر الاقتصاد المصري في التدهور والتعرض للضغوط الخارجية، بما في ذلك الصراع في “السودان”؛ على وجه الخصوص، ويمكن أن يكون لها آثار مزعزعة للاستقرار على بقية المنطقة، مع عواقب قد تؤثر في النهاية على كل من “الولايات المتحدة” و”أوروبا” بشكلٍ مباشر.
إن إشراك “واشنطن” لكل من القوات المسلحة السودانية و”قوات الدعم السريع”؛ في محادثات “المملكة العربية السعودية” في الأسابيع المقبلة، ينبغي أن يُصاحبه تشجيع المصالحة وإيجاد حل أكثر ديمومة ونجاحًا.
وبخلاف ذلك؛ سيتعيّن على جميع المعنيين مواجهة عواقب الفشل: أزمة لاجئين متزايدة، وضغوطًا إضافية على الاقتصاد المصري قد تدفعه إلى حافة الهاوية، وزعزعة الاستقرار الإقليمي.