خاص : كتبت – نشوى الحفني :
بعد يوم من تحذير “بغداد” لـ”أنقرة” من أي خرق للقوات التركية لحدودها، ذكرت وسائل إعلام تركية، الخميس 22 آذار/مارس 2008، أن أنقرة تخطط لإنشاء قاعدة عسكرية في شمال العراق، فيما دعت حكومة إقليم كردستان العراق، “حزب العمال الكردستاني”، إلى إبعاد مقراته عن المناطق المدنية؛ على خلفية مقتل 4 مدنيين جراء قصف الطائرات التركية، وهو بالفعل ما إستجاب له الحزب معلناً إنسحابه من قضاء “سنجار”، وروجت له وسائل الإعلام أن هذه الإستجابة حدثت نتيجة للتهديدات التركية.
الجيش يخطط لإقامة قاعدة عسكرية “مؤقتة”..
وسائل الإعلام التركية قالت إن الجيش يخطط لإقامة القاعدة العسكرية، “المؤقتة”، في منطقة “هاكورك” الواقعة ضمن نطاق “إقليم كردستان”.
وتضم هذه المنطقة الجبلية، المتاخمة للحدود التركية، قواعد لـ”حزب العمال الكردستاني”، الذي تعتبره أنقرة منظمة إرهابية.
من جهته، أفاد مصدر كردي بأن قطعات الجيش التركي أقامت ثكنات عسكرية ومواقع ثابتة داخل “إقليم كردستان العراق”.
وقال “كرمانج عزت”، قائمقام قضاء “سوران”، (شمال شرقي أربيل)، إن “الجيش التركي قد أقام عدداً من الثكنات والمواقع العسكرية الثابتة في مناطق تابعة لناحية سيدكان التابعة لقضاء سوران والواقعة في المثلث الحدودي بين إقليم كردستان وكل من إيران وتركيا”.
وأضاف: أن “وحدات الجيش التركي كانت قد توغلت، قبل أيام، إلى عمق أراضي الإقليم في تلك المنطقة بعمق حوالي 15 كم واستقرت فيها”.
بغداد ترفض عمليات أنقرة على أراضيها..
كان وزير الخارجية العراقي، “إبرهيم الجعفري”، قد قال، الأربعاء الماضي، لوكيل وزير الخارجية التركية، “أحمد يلدز”، إن بغداد ترفض قيام أنقرة بشن عمليات عسكرية على أراضيها، مشيراً ضمنياً إلى أن حجة الحرب على الإرهاب التي تستخدمها تركيا ذريعة لنشر قواتها على الأراضي العراقية، انتهت.
ولتركيا أصلاً وجود عسكري في مخيم “بعشيقة”، على بعد 25 كيلومتراً من “الموصل”، وعزت أنقرة الأمر للحرب على تنظيم (داعش)، وطالبت حكومة بغداد أنقرة بالإنسحاب في أكثر من مناسبة.
وأطلقت القوات التركية، في كانون أول/يناير الماضي، عملية عسكرية للسيطرة على منطقة “عفرين” الكردية شمالي سوريا، وسيطرت عليها منذ أسبوع، وسط تقارير عن إعدامات ميدانية وتهجير لسكان المدينة وعمليات نهب واسعة؛ قام بها مقاتلو الفصائل السورية الموالية لأنقرة.
ويعزو بعض المراقبين الأطماع التركية داخل الأراضي السورية والعراقية؛ إلى استغلال أنقرة للخلاف الروسي الأميركي بشأن الأوضاع في سوريا.
تستهدف إعادة السيطرة على المناطق التي كانت تحتلها “الدولة العثمانية”..
عن الهدف البعيد وراء ذلك، تحدث، المحلل السياسي التركي، “فايق بولط”، عن طموحات بلاده للسيطرة على “حلب” إضافة لـ”الموصل وكركوك”، لتعيد السيطرة على المناطق التي كانت تحتلها “الدولة العثمانية”، قبل 100 عام، في سوريا والعراق.
وأضاف “بولط”، في حوار مع موقع (سبوتنيك) الروسي، نشره الأربعاء الماضي، أن هناك تواصلاً بين الحكومتين العراقية والتركية للاتفاق على بعض التفاصيل في هذا الجانب، ولكنه لم يكشف عن تلك التفاصيل.
من جانبها، أكدت البرلمانية عن كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني، “ريزان شيخ دلير”، أن القصف التركي على الإقليم بحجة مقاتلة “حزب العمال الكردستاني” خلف قتلى وجرحى أبرياء لا ذنب لهم، مؤكدة على أن “تركيا بفعلها هذا تريد أن تعيد (الخلافة العثمانية)؛ التي انتهت منذ أكثر من قرن، بجيش يمتلك أحدث الأسلحة وموافقة من دول ترغب بالإنتقام من الشعب الكردي في مختلف البلدان”.
إستدعاء السفير التركي احتجاجاً على الإعتداءات..
أضافت “ريزان”: “كل هذه الإعتداءات يقابلها صمت مريب وغريب من قبل الحكومة، وكأن هنالك اتفاق بين الطرفين على القيام بمثل هذه الأفعال”، داعية وزارة الخارجية إلى إستدعاء السفير التركي في العراق وتسليمه مذكرة احتجاج أو إرسال وفد عسكري من بغداد للقاء نظيره التركي هناك وإبلاغه بضرورة إيقاف مثل هذه الإعتداءات.
وحذرت من أن استمرار هذه الإعتداءات سيولد غضباً في “الشارع الكردي”، وقد يسفر عن ردود فعل لا يمكن السيطرة عليها فيما بعد.
الصمت من جانب بغداد دليل رغبتها في تحجيم “حزب العمال”..
من ناحيته قال، “كفاح محمود”، الكاتب والباحث السياسي العراقي، إن التهديدات التركية بالقيام بعملية عسكرية في منطقتي “جبل قنديل” بإقليم كردستان العراق و”سنجار” التابعة لمحافظة “نينوى”؛ يعد مثيراً للجدل في الفترة الأخيرة.
وأضاف: أن “القوات التركية تستغل وجود وحدات من حزب العمال الكردستاني في تلك المناطق حجة للتدخل في الأراضي العراقية، كما أنها تعول عليها دائماً في تصريحات مسؤوليها”.
وتابع: “بقاء القوات التركية في العراق حتى الآن لا يعرف بأنه احتلال للأراضي العراقية، خاصة أن هذا الوجود كان بالتوافق مع الحكومة العراقية، سواء قبل 2003 أو ما بعد ذلك، إلا أن الفترة الأخيرة ساد الصمت بين الجانبين، ما يشير إلى أن هناك بعض التوافق حول تحجيم قوات وحدات حزب العمال الكردستاني”.
وأشار “كفاح”؛ إلى أن الحكومة العراقية نفت سابقاً القيام بأية عمليات مشتركة مع الجانب التركي، كما أن حكومة “كردستان العراق” دعت قوات “حزب العمال الكردستاني” إلى مغادرة الأراضي العراقية حفاظاً على حياة المدنيين، خاصة بعد تعرض المنطقة لقصف الطيران التركي.
وشدد الكاتب والباحث السياسي على أن القوات العراقية طالما أكدت ضرورة الإنسحاب من الأراضي العراقية ومنطقة “بعشيقة”.
ورقة ميدانية للتصرف بها..
على الجانب السوري، قال العميد، “أمين محمد حطيط”، الخبير العسكري والإستراتيجي، إن تركيا تدعي أن العملية العسكرية التي تنفذها في سوريا، والتي يمكن أن تمتد إلى العراق، هي من أجل مواجهة إرهاب وحدات “حزب العمال الكردستاني”.
مضيفاً: “الأداء التركي يقودنا للقول بأن تركيا تدعي شيئاً وتنفذ شيئاً آخر”.
وأن ما تنفذه تركيا هو احتلال للتمكن من إمتلاك ورقة ميدانية يمكن أن تصرفها في إتجاهين: أولهما الحل السياسي من أجل تنصيب “جماعة الإخوان المسلمين” في منظومة الحكم السوري؛ من خلال طاولة المفاوضات، أو أن تبقى المنطقة تحت يدها وتقيم سلطة محلية شكلية؛ فيما يبقى القرار بيدها حال فشل الهدف الأول وهو احتلال مقنع.
وتابع: “تركيا تتصرف تحت عنوان المحتل، وهو أمر يواجه من قبل القوى الوطنية الرسمية أو الشعبية، إلا أن الظروف التي تمر بها سوريا تفرض عليها أولويات في عمليات المواجهة”، مشيراً إلى أنه عقب الإنتهاء من الأولويات ستتجه نحو القوات التركية الموجودة على أراضيها.
يعلم أن الجيش العراقي لن يحاربه..
يقول الباحث في الشأن الإقليمي، “إسلام نجم الدين”، لـ (كتابات)، أن التصريح التركي برغبتها فى إنشاء قاعدة عسكرية في شمال العراق لمحاربة تنظيم الـ”بي. كي. كي” أو “حزب العمال الكردستاني” هو خطوة من خطوات “إردوغان” لتوسعة حربه الخاصة ضد الكرد مستغلاً اضطراب المنطقة وتصاعد الصدام الأميركي الإيراني؛ بعد خطوات “ترامب” والتغييرات الأميركية في سياستها، خاصه أن هناك اتفاق لتقسيم “منبج” السورية بين الأميركان والأتراك ومنع أي تواجد عسكري كردي في المنطقة.
موضحاً أن هدف “إردوغان” من تلك الخطوة؛ إما أن تسارع الحكومة العراقية في استهداف “حزب العمال الكردستاني” وتأمين الحدود العراقية التركية بشكل يرضي “إردوغان”، ولكنه في نفس الوقت سيعود بالعراق لدائرة الصراع؛ التي توقفت بعد الاستفتاء الكردي، وهو ما لا تريد الولايات المتحده ولا العراق ولا إيران العوده له، أو يقيم قاعدته مثل “قاعدة سنجار” ولا يلقي بال بالرفض العراقي، لأنه يعلم أن الجيش العراقي لا ولم ولن يحارب ثاني أكبر قوة عسكرية في (الناتو) أو يعتدي عليها، ولن تفعلها إيران بطبيعة الحال، فيكون بذلك قد تواجد في العراق وسيستغل لاحقاً أي احتجاجات لـ”التركمانستان” في “الموصل” لتوسيع نفوذه في العراق والسيطرة على أماكن جديدة فـ”إردوغان” قرر الانتقال من خانة اليد الأميركية إلى خانة اللعب لصالحه، غير أنه يشعل نيران لا يعلم أحد إلا الله متى ستحرقه.
تتحرك باتفاقات دولية أو لمناهضة التوسع الكردي..
فيما أوضح المحلل السياسي والصحافي السوداني المقيم في إسطنبول، “عباس محمد صالح”، لـ (كتابات)، أن الوجود العسكري التركي في شمال العراق قديم جداً، حيث كانت وحدات للجيش التركي تتمركز في منطقة “بعشيقة” بالقرب من “سنجار”؛ واضطرت أنقرة لسحب هذه الوحدات بعد إنتقادات الحكومة المركزية ببغداد وحكومة “إقليم كردستان”، كما كان هناك أيضاً ظروف دولية حول التحضير لمعركة تحرير “الموصل”، والتي كانت هدفاً وتهديداً أيضاً لتركيا كما للعراق وكردستان.
مضيفاً أن هناك رابط بين سياسة التدخل العسكري؛ التي اضطرت أنقرة لإتباعها مؤخراً، بعد سنوات من الوعود وإنتظار الحلول من الآخرين وعبر الخطاب الدبلوماسي، كما نعلم بعد الثورة السورية إزداد تهديد المسلحين الأكراد للأمن القومي التركي؛ بعد أن غدا الأكراد قوات برية للتحالف الدولي ضد (داعش)، مع تراجع الجيوش النظامية في كل من العراق وسوريا.
فتركيا تتحرك الآن تحت ضغوط لحظتين: هما ربما اتفاق وتفهم القوى الدولية، خاصة روسيا والولايات المتحدة، للأهداف ودوافع التحرك العسكري التركي، وثانيهما احتمالات تنامي قدرات الميليشيات الكردية، والتي تسلحت بعتاد ضخم ومن عدة مصادر، سوف يؤدي ذلك مستقبلاً مع توسع سيطرة الأكراد على مناطق ذات حكم ذاتي واسعة النطاق إلى تهديد مناطق جنوب شرق تركيا، حيث النشاط التقليدي لحزب العمال الكردستاني، “عبدالله أوغلان”.
وتابع: “لم يخف الأتراك قلقهم وتحذيرهم للقوى الغربية؛ من مغبة غض الطرف عن تحركات المسلحين الأكراد في العراق وسوريا، وأن الحديث عن تحرك عسكري تركي داخل العراق في مناطق نشاط المسلحين الأكراد، على غرار ما جرى في عفرين، وربما منبج داخل سوريا، برأيي هو أمر محتمل إذا ما أعتقد الأتراك أن أمنهم القومي يتهدد من تلك المناطق”.
تحرك مختلف عما حدث في سوريا..
فلو تحرك الأتراك في شمالي العراق؛ فسوف يكون ضد الميليشيات الكردية فقط، وهو تدخل مختلف عما جرى في سوريا، ففي سوريا تهدف تركيا لإقامة مناطق آمنة لحماية المدنيين السوريين مع تزايد سياسة التهجير والتغيير الديموغرافي والهندسة الطائفية، والتي سترسم مستقبل سوريا بعد فرض تسوية الأمر الواقع هناك، خاصة مع إنتصار نظام “الأسد” وداعميه الروس والإيرانيين مؤخراً ضد مناطق الثوار، طبعاً بالإضافة للتصدي للتهديدات الآتية من المسلحين الاكراد.
بهدف الإنسحاب من “معاهدة لوزان”..
في نفس السياق؛ تداولت أقلام بعض الباحثين توقعات بأن تكون تدخلات “إردوغان” العسكرية في “سوريا والعراق وليبيا”؛ وغيرها تمهيداً لقيامه في عام 2023 بالإنسحاب من “معاهدة لوزان”، بدعوى أنها تمت وتركيا في حالة ضعف.
ويوافق عام 2023 مرور 100 عام على توقيع هذه الاتفاقية، التي بمقتضاها فقدت تركيا السيطرة على الدول والمدن التي كانت تحتلها في الشرق الأوسط.
كما يوافق هذا العام نهاية، “رؤية تركيا 2023″، التي أعلنها “إردوغان” قبل سنوات؛ وتضمنت عدة أهداف معلنة وغير معلنة يوافق الإنتهاء من تنفيذها، الذكرى المئة لقيام دولة “تركيا الحديثة” و”اتفاقية لوزان”.
وفي 2016؛ بدأ “إردوغان” يصرح ببعض تلك الأهداف، غير المعلنة، ومنها قوله: إن “هناك من يريد إقناعنا بأن معاهدة لوزان إنتصار لتركيا وللأتراك.. لوّحوا لنا بالموت لنقبل بالعاهة الدائمة”.
وفي العام ذاته، نقلت وكالة (رويترز) عنه قوله إن الحدود بين بلاده وبين دول الجوار “ثقيلة على قلوبنا”.
كما أعلن في تصريحات أخرى أن “الموصل كانت لنا، وكركوك كانت لنا”.
و”معاهدة لوزان”؛ تم توقيعها عام 1923، بين الدول الأوروبية المنتصرة في الحرب العالمية الأولى وتركيا المنهزمة حينها.
وبموجب الاتفاقية حصل المسؤولون الأتراك على اعتراف أوروبي بدولة “تركيا الحديثة” ودعمها، على أن تحتفظ بـ”الأناضول وتراقيا الشرقية”، (الجزء الأوروبي الحالي من تركيا)، مقابل أن ترضى باستقلال الدول والمناطق التي كانت تحت “الاحتلال العثماني” حتى ذلك التاريخ، ولو اسمياً، ومنها “مصر وبلاد الشام والعراق وليبيا وقبرص” وغيرها.