كتب عمر الجفال : إعلام مواقع التّواصل الاجتماعيّ أفضل من المؤسّسات الإعلاميّة الرسميّة في المعركة ضدّ “داعش”.
وقد سلّطت مقاطع فيديو تناقلها مدوّنون على مواقع “فيسبوك” في يناير الضوء على شخصيّة “أبو عزرائيل” ، المقاتل الّذي ينتمي إلى ميليشيا كتائب الإمام عليّ الّتي تقاتل بجانب فصائل “الحشد الشعبيّ”، وهكذا اشتهر اسم هذا المقاتل، بعد أن كان غير معروف لدى عامّة الناس. لقد اعتبر “أبو عزرائيل”، من قبل المدوّنين، رمزاً للمقاتلين الشيعة، الّذين يقاتلون تنظيم “داعش”، الّذي يسيطر على نحو ثلث مساحة البلاد . إنّه رجل مفتول العضلات، يتكلّم بعبارات كوميديّة، ويطلق عبارات ناريّة على التّنظيم المتطرّف. ومن هنا، سرعان ما انتشر اسمه في الشارع العراقيّ، وأشار هذا إلى تقدّم القوّات الأمنيّة العراقيّة على “داعش” في المدن الّتي يسيطر عليها.
ويصف فلاح الشامي، وهو كاتب في صحيفة محليّة “المستقبل العراقي“، ظهور أبو عزرائيل كـ”بطل شعبيّ” بأنّه “حاجة ماسّة إلى المجتمع، إذ لم يسبقه أحد كشخصيّة تتصدّر مشهد القتال”، ويقول في حديث لـ”المونيتور”: “يعود الفضل في بروز أبو عزرائيل إلى المدوّنين الشباب على مواقع التّواصل الإجتماعيّ، وهو يشكّل ضدّاً نوعيّاً للشخصيّات الّتي صدّرها (داعش) في وقت سابق”.
لم تعد الحرب في العراق مفتوحة على جبهات القتال فحسب، وإنّما باتت تدور رحاها على مواقع التّواصل الإجتماعيّ أيضاً، وبات من النّادر ألاّ يجد المرء في الصفحات الخاصّة بالعراقيّين مواضيع لا تتعلّق بالعمليّات العسكريّة.
يجلس الشاعر والإعلاميّ علي وجيه نحو ثماني ساعات يوميّاً على الإنترنت، مدوّناً منشورات على فيسبوك يصفها بـ”العقلانيّة” تحاول رسم صورة ما يدور من معارك على الأرض، وهو يحظى بالعديد من المتابعين على “فيسبوك” يقدّر عددهم بنحو 80 ألفاً ، ويرى أنّه يخوض “حرباً إعلاميّة ضدّ داعش”.
ويدافع الإعلاميّ الشاب في منشوراته عن مقاتلي “الحشد الشعبيّ”، معتبراً أنّهم “شبّان تركوا عائلاتهم، وذهبوا للقتال من أجل طرد داعش من الأراضي الّذي سيطر عليها”، ويقول في حديث لـ”المونيتور”: “إنّ الإعلام العراقيّ لم يرق إلى مستوى المعركة حتّى الآن، والحرب الّتي تخاض على مواقع التّواصل الإجتماعيّ أثّرت في الشارع العراقيّ ورفعت من معنويّاته، على عكس الفضائيّات والصحف المحليّة الّتي تبثّ الكثير منها أخباراً تزيد الإحباط في المجتمع”.
ويضيف: “عموماً، أنا لا أنشر خبراً إلاّ بعد التأكّد من مصادره ، وأرى أنّ سبب فشل وسائل الإعلام العراقيّة أنّها تنقل الأخبار الإيجابيّة وتضخّمها من دون إلتزام المعايير المهنيّة ونقل المعلومات بدقّة”.
ومن جهته، يعتقد المحرّر في وكالة “المدى برس” المحليّة رضا الشمري، ، أنّ “الحرب ضدّ تنظيم داعش على مواقع التّواصل الإجتماعيّ غير كافية”، ويقول في حديثه لـ”المونيتور”: “إنّ الصحافيّين على عكس الفئات الأخرى، يعرفون أنّ مواقع التّواصل غير كافية أبداً، رغم أنّها ضروريّة، فمهما كانت كميّة النّشاط والكتابة على مواقع التّواصل فإنّها لا تصل أبداً إلى مستوى حرفيّة وكثرة تركيز بروباغندا تنظيم داعش على تلك المواقع”.
ويبشير الشمري، وهو ناشط في بثّ الأخبار الأمنية المتعلقة بجبهات القتال على “فيسبوك”، إلى أنّ “هناك مجموعة من الصحافيّين تقوم بالتّنسيق وإثارة حملات، والتّركيز على أمور معيّنة لمحاربة التّنظيم الإرهابيّ”، ويقول: “إنّ تنسيقها ضعيف وإجماعها على أفكار محدّدة مسألة نادرة، لكن في المرّات القليلة الّتي نسقوا فيها كانت نتائجها مذهلة”.
ويؤكّد الخبير في شؤون الجماعات الإرهابيّة هشام الهاشمي أنّ “أنصار داعش يتابعون الكثير من الحسابات المناهضة للتّنظيم على مواقع التّواصل الاجتماعيّ، وخصوصاً تويتر”، ويقول في حديثه لـ”المونيتور”: “إنّ الكثير من أعضاء داعش كلّفوا بمسؤوليّة مراقبة الحسابات المناهضة لهم ومتابعتها، كالتحقّق من الأخبار الّتي تنشر أو تلك الّتي يجري تكذيبها، وربّما الحصول على المعلومات الأمنيّة الّتي تتفلّت من المدوّنين وتكون نافعة لكوادر داعش”.
وفي هذه الحال، يبدو أنّ تفاوت كبير بين المؤسسات الإعلامية التي تنتج الصحف والقنوات الفضائية، وبين الجهد المبذول من قبل المدونين على مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي جعل الغلبة للإعلام الاجتماعي، القائم على جهود الفردية والذي لا يحتاج إلى التمويل، بينما لم يرقى إعلام الفضائيات والصحغف إلى حجم المعركة الدائرة على الأرض مع التّنظيم المتطرّف. كما أنّه يحظى بالنّقد القاسي من قبل الإعلاميّين المحترفين، والمنظّمات المراقبة للإعلام في العراق.