خاص : كتبت – بوسي محمد :
يودع الفن العربي اليوم واحدًا من أهم أعمدته الفنية؛ هو الفنان المصري الكبير، “فاروق الفيشاوي”، الملقب بـ”الحاوي”؛ نسبة إلى مسلسله الشهير (الحاوي)، الذي جمعه بالفنانة المصرية، “إلهام شاهين”.
جاء خبر وفاة “فاروق الفيشاوي” بمثابة الصاعقة على رؤوس معجبيه وجماهيره وأقرانه من الوسط الفني، ممن يعرفه والذين لا يعرفونه بشكل شخصي أيضًا، وودعته زوجته السابقة الفنانة، “سمية الألفي”، بالدموع والصراخ. حينها يجب أن نعرف أن الشاشة العربية ستظل تنزف إثر فقدانها نجمًا مثقفًا وعبقريًا مثله لن يتكرر بسهولة.
صداقة قوية ربطته بالجمهور..
لم يبتعد الفنان، “فاروق الفيشاوي”، عن الأضواء ولم يضع مسافات بينه وبين الجمهور؛ كما يفعل أغلب الفنانين، فقد حرص منذ أن وطأت قدماه مجال الفن على ترك بابه مفتوحًا دائمًا لكل من يطرق بابه، فهو فنان صريح عرف بالجرأة لا يخشى أحدًا، مواقفه محدده ولا يجد حرجًا في الإعلان عنها.
ففي العام الماضي، صعد بكل قوة وشجاعة على مسرح “مهرجان الإسكندرية السينمائي”، في دورته الأخيرة، ليعلن عن إصابته بمرض السرطان اللعين أمام حشد كبير من الجماهير والفنانين، وكأنه كان الخطاب الأخير الذي وجهه للجمهور قبل الخوض في رحلة المرض، وهو الخطاب الذي أبكى جماهيره من الشرق للغرب، وما لبث أن هدأ إلا وأكد أنه سيحاول بشتى الطرق الانتصار على المرض اللعين.
لا يعرف الرجل، الذي تخطى حاجز الستين، الكذب والخداع مكانًا لقلبه، فهو أعتاد أن يكسب قلوب جماهيره بالصدق، لذا لم يجد أي حرج في مصارحة جمهوره، من قبل، بإدمانه للمخدرات في مرحلة سابقة من حياته؛ والتي كانت في أوج شهرته الفنية.
وأعترف الفنان المخضرم بحبه الكبير لزوجته السابقة وأم أولاده، “أحمد” و”عمر”، الفنانة، “سمية الألفي”، معترفًا أنه كان زوجًا صعبً المزاج يصعب على أي امرأة تحمله، وأنه ندم على خسارة زوجته.
من النشأة جاء اختيار الأدوار..
ينتمي “فاروق الفيشاوي” لجذور مصرية أصيلة؛ تجمع بين حيوية الريف وصلابة أهل الجنوب، حيث أن جذور أسرته تعود إلى قرية “سرس”، بـ”المنوفية”، أما النشأة فكانت في مدينة “بني مزار”، بـ”المنيا” في صعيد مصر، التي ولد بها الراحل، هذا الخليط الذي شكل وعيه وجعله شديد الدقة في اختيار أدواره التي جعلت منه ممثلًا ذا خصوصية، وأكتملت منظومته الفنية بعد بداياته المسرحية، والتي جعلته ممثلًا قادرًا على تشكيل قدراته التمثيلية حتى مع محاولات الحصر له في أدوار الشر، كما أحدثت هذه البدايات تأثيرًا على حفاظه على لغته العربية الفصحى والتي طالما كان يتحدث بها دائمًا في أي لقاء تليفزيوني.
ومن هذه النشأة، تميز “الفيشاوي” بقدراته في تجسيد نماذج متعددة لأنماط الشخصية المصرية التي تنتمي للطبقة المتوسطة المليئة بالأحلام والطموحات، بعضها غلب عليه الشر والتسلط وراء تحقيق الهدف، والبعض الآخر إرتكز على طرح موضوعات تنوعت بين مشاكل الشباب والسياسة وموضوعات أخرى.
عبقرية الاختيارات..
بالتنقل بين محطات “فاروق الفيشاوي” الفنية، يسهل اكتشاف كم كانت أعماله مختلفة عن باقي جيله، يميزها تفرد اختياراته.
لم يكن ذلك ناتجًا عن موهبته العارمة فحسب، بل ساهم فيه نضجه ووعيه الشخصي، مما جعله يتفادى بذكاء الهوة التي سقط فيها الآخرون في خضم عصر أفلام المقاولات، بين الثمانينيات والتسعينيات. وساعد على ذلك نهمه للقراءة وإطلاعه على ثقافات متعددة، فشمل مشواره الأعمال السياسية والدينية والتاريخية والاجتماعية والرومانسية.
من أبرز أعماله الفنيه: (الأستاذ يعرف أكثر)، (الكف)، (السطوح)، (المشبوه)، (لا تسألني من أنا)، (القرداتي)، (المرأة الحديدية)، (امرأة هزت عرش مصر)، (ملف سامية شعراوي)، (البنات والمجهول)، (أرجوك أعطيني هذا الدواء)، (الباطنية)، (قضية عم أحمد)، (سري للغاية)، (مطاردة في الممنوع)، (غدًا سأنتقم)، (حنفي الأبهة)، (فتاة من إسرائيل)، “الفضيحة)، (ديك البرابر)، (نساء خلف القضبان)، (قهوة المواردي)، (48 ساعة في تل أبيب). وغيرها من الكثير من الأعمال الهامة التي وضعته في مكانة مميزة في قلوب الجماهير.
جذوره ونشأته..
ولد الفنان “فاروق الفيشاوي”؛ بإحدى قرى مركز “سرس الليان”، بمحافظة “المنوفية”، في يوم 5 شباط/فبراير عام 1952، لأسرة ميسورة الحال لديها خمسة أولاد، (ثلاثة أبناء وابنتين)، كان “فاروق” أصغرهم. وقد توفي والده عندما كان في الحادية عشرة من عمره؛ فتولى شقيقه الأكبر، “رشاد”، رعايته وتربيته. حصل على البكالوريوس في الطب العام وقبلها على ليسانس الآداب من جامعة “عين شمس”.
لفت إليه الأنظار خلال مشاركته في مسلسل، (أبنائي الأعزاء شُكرًا)، مع الفنان، “عبدالمنعم مدبولي”، وبرز في مسلسل (ليلة القبض على فاطمة)، ثم بدأت نجوميته في بداية الثمانينيات بعد ظهوره في فيلم، (المشبوه)، مع، “عادل إمام”.
أما على صعيد المسلسلات؛ قدم “فاروق الفيشاوي”، ما لا يقل عن 100 عملًا دراميًا، منها مسلسل (علي الزيبق) و(دموع صاحبة الجلالة)، (قاتل بلا أجر)، و(حافة الهاوية)، و(مخلوق اسمه المرأة)، و(حضرات السادة الكدابين)، و(قابيل وقابيل)، و(رجال في المصيدة)، و(أولاد آدم)، و(غوايش)، و(علي الزيبق)، و(عصفور في القفص)، و(أبناء العطش).
الإنطلاقة الفنية بدأت مع “محمود المليجي”..
دخل الفنان المخضرم مجال الفن، وكان عليه إثبات ذاته في وقت يعج فيه المشهد الفني بعدد من النجوم الكبار الذين يحظون بشعبية كبيرة لدى الجماهير، حتى الآن، منهم الفنان الكبير، “عادل إمام”، و”نور الشريف”، و”حسين فهمي”، و”صلاح السعدني”، ونجح بكاريزمته وحضوره أمام الشاشة أن يقتنص أدوار الفتى الرومانسي بسبب وسامته، وبعد ذلك تمرد على هذه النوعية من الأدوار وجازف في اختياراته وإتجه لدور الفتى الشرير المتلمق؛ ونجح فيها حتى أثبت لصُناع الفن أنه فنان قادر على التلون في أكثر من شخصية وعلى تجسيد مختلف الأنماط.
كانت بداية رحلة “الفيشاوي”، (67 عامًا)، الممتدة على مدار أربعين عامًا من خلال مسلسلي، (حصاد العمر)؛ أمام الفنان المصري الراحل، “محمود المليجي”، ثم (أبنائي الأعزاء شكرًا)، مع الفنان، “عبدالمنعم مدبولي”، تلك الأعمال التي وضعته على الطريق ليصبح نجمه ساطعًا في مرحلة الثمانينيات من القرن المنصرم.
حالفه الحظ بالعمل مع كبار النجوم الكبار مثل؛ الفنان الراحل، “فريد شوقي”، وكونا معًا ثنائي مشترك حققا فيه نجاحات كبيرة على مستوى الأعمال التي قدموها معًا في السينما والمسرح .
زيجاته الفنية..
تزوج الفنان الراحل من الفنانة، “سمية الألفي”، وأنجبا، “أحمد الفيشاوي” و”عمر الفيشاوي”. ثم تزوج من الفنانة، “سهير رمزي”، وكانت آخر زيجاته من فتاة تدعى، “نورهان”، من خارج الوسط الفني.
شائعات في حياته..
تعرض الفنان الراحل، “فاروق الفيشاوي”، للعديد من الشائعات التي كادت أن تطيح بنجوميته وشهرته؛ لولا الثقة التي يحظى بها من الجماهير واحترامهم له، فعقب إعلان مرضه، ظهرت تكهنان بوجود علاقة عاطفية تجمعه بالفنانة، “إلهام شاهين”. لكن خرجت الأخيرة لتنفي ذلك وتؤكد أنه مجرد صديق مقرب، وأخرى بالفنانة، “نيرمين الفقي”، لتؤكد هي الأخرى على أنه مجرد صديق وساندها كثيرًا بعد وفاة والدتها.
وبين هذا وذاك، أكد الفنان “فاروق الفيشاوي”، خلال حوار أجري معه مؤخرًا بمناسبة عرضه مسرحية (الملك لير)، آخر أعماله الفنية، أنه لا يهتم بالشائعات قائلًا: “أنا لا أهتم بما يقال عني من شائعات؛ ولا أرد عليها منذ بداية عملي الفني، رغم أن الشائعات تطاردني دائمًا”.
روائع “شكسبير” مسك الختام..
لأنه فنان كبير يعي جيدًا قيمة الفن، شاء القدر أن تكون آخر أعماله الفنية من روائع “شكسبير”؛ وهي مسرحية (الملك لير)، التي كانت تعرض على مسرح “الماركية” بـ”التجمع الخامس”.
في فجر يوم الخميس 25 تموز/يوليو 2019، أعلن وفاة الفنان الكبير، “فاروق الفيشاوي”، عن عمر ناهز 67 عامًا، بعد صراع مع مرض السرطان. داخل مستشفى “ابن سينا” في “الجيزة”، الذي دخل إليها بعد ما تدهورت حالته الصحية ودخل في غيبوبة كبدية إثر توقف الكبد عن العمل، ولم تمض فترة طويلة على ذلك حتى تلفظ أنفاسه الأخيرة بداخلها.