19 أبريل، 2024 8:34 م
Search
Close this search box.

الفقر وتبعات الاحتلال أبرز الأسباب .. ظاهرة “الانتحار” ناقوس خطر يقرع أبواب الحكومة العراقية !

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : كتبت – هانم التمساح :

إذا دخل “الفقر” و”الفساد” قرية أفسداها وقضيا على أخضرها ويابسها، خاصة في ظل وجود فئة تثري على فقر مجتمعها وحروبه، وفئة أخرى ينهش الفقر جسدها المتهالك ويسلمها لليأس والإحباط، فلا تجد مفرًا من قسوة الحياة إلا إلى “الموت”.. فقد باتت ظاهرة الانتحار واحدة من أهم المشاكل التي يعاني منها المجتمع العراقي، والتي تهدد أمنه وتُصنف من الظواهر الدخيلة على المجتمع، المحافظ المتدين، وذلك بعد الأحداث والمآسي التي تعرض لها العراقيون على مر السنين منذ الاحتلال الأميركي عام 2003، وما خلفه من ويلات وأزمات ضربت المجتمع.

وأصبح الانتحار غولُا يحصد عديد من أرواح الشباب في “العراق” باستمرار، بعدما كان نادر الحدوث وسط مجتمع يتمسك بالتقاليد والأعراف والذي يرفض مثل تلك الممارسات. وبحسب إحصاءات نشطاء ومنظمات حقوقية وإنسانية، لا يكاد يمر شهر واحد من دون تسجيل حالة انتحار أو أكثر في إحدى المدن العراقية، لا سيما وسط البلاد وجنوبه.

“ديالى” و”كربلاء” تتصدران..

وبحسب منظمات محلية؛ فقد سجلت محافظة “ديالى”، 53 حالة انتحار، خلال 2018، في دراسة معمقة، إنتهت 50 منها بالوفاة، فيما أُنقذت حالتين لإناث وواحدة لذكر بوقت قياسي.

والحالات التي إنتهت بالوفاة مقسمة بين 27 لذكور، وتضمنت الشنق، وهو الأكثر بواقع 13 حالة، والطلق الناري 8 حالات، والحرق 5 حالات، وسقوط من على مرتفع حالة واحدة، و23 حالة كانت لإناث، كان الحرق الأكثر بينها بنحو 16 حالة، والشنق 5 حالات، والغرق حالة واحدة، وقطع الوريد حالة واحدة.

كما أعلنت “مفوضية حقوق الإنسان” في “العراق” وصول عدد حالات الانتحار في البلاد إلى 132، خلال الربع الأول من 2019.

ونشرت المفوضية إحصاء بدا فيه أعلى معدلات الانتحار بمحافظة “كربلاء”، إذ بلغت عشرين حالة، وتتناقص تدريجيًا لتسجل بمحافظة “الأنبار”؛ حالتين فقط.

وأوضح الإحصاء أن محافظة “البصرة” جاءت ثانيًا بـ 19 حالة، ثم “كركوك” 15 حالة.

وتتفاوت أرقام حالات الانتحار المؤكدة في “العراق” بين سنة وأخرى، لكنّ الصدمة تصيب المواطنين مع نهاية كلّ عام، في السنوات الأخيرة، إذ بات من المعهود زيادة أعداد المنتحرين من جهة، وتنوع طرق الانتحار من جهة أخرى.

500 حالة انتحار في 2013..

لعلّ الرقم الأعلى – باستثناء عام 2019 -، الذي سُجل كان عام 2013، إذ اقترب من 500 حالة انتحار، وكانت محافظة “ذي قار”، الجنوبية، ذات النصيب الأكبر من الحالات، لدوافع كثيرة، أبرزها “الفقر”.

انخفض العدد إلى 251 حالة انتحار، منها 128 حالة في العاصمة، “بغداد”، وحدها، عام 2016، وكانت حينذاك نسبة انتحار النساء أكثر من الرجال، وقد أنهى كثيرون حياتهم بالقفز من فوق جسر أو بتناول السم أو قطع الأوردة أو الشنق أو الحرق أو بالرصاص.

انتشر الانتحار في “العراق” بشكل لافت، خلال السنوات الماضية، كما تعددت طرقه، لكنّ أبرزها تناول الأدوية التالفة، أو القفز من أماكن شاهقة الارتفاع، فضلاً عن تناول مواد سامة، وإطلاق الرصاص.

الفقر والاحتلال السبب..

وتقف وراء ظاهرة الانتحار وارتفاع معدلاته؛ أسبابًا كثيرة، لعل أبرزها تفاقم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، و”الفقر” الذي يعتبر العامل الأبرز الذي يدفع الشباب إلى الانتحار، ويندرج في إطاره عدم توافر فرص للعمل، وغياب القدرة على تأمين متطلبات المعيشة اليومية، خصوصًا في أطراف المدن. كما أن حالات الانتحار تتركز غالبًا في الفئة العمرية العشرينية، ومن الأسباب المهمة، إنعدام الأمن، بسبب العمليات العسكرية التي جرت في مناطق متفرقة من البلاد، وهو ما خلّف حالات إحباط واكتئاب لدى المنتحرين.

من جانبها؛ فشلت حكومات الاحتلال المتعاقبة، منذ سقوط “بغداد”، في وضع حدود لهذه الظواهر التي بدأت تؤرق العراقيين وتثير اهتمامهم، وسط تزايد كبير لمعدلات الانتحار، حيث تشرع القوانين على الأوراق ولا تستطيع تنفيذها، في حين تتخذ الجهات الحكومية المعنية إجراءات ترقيعية، ولقرار وضع أسيجة على جسور “بغداد”؛ وتجاهل الملفات الحقيقية التي تقف وراء ظاهرة الانتحار؛ ما هي إلا دليل على بُعد الحكومة ومؤسساتها عن الواقع والمشاكل المزمنة المتفاقمة في ظل هذا الفشل.

ودعا رئيس لجنة حقوق الانسان النيابية، “أرشد الصالحي”، الحكومة، في وقت سابق، لوضع معالجات جادة للحد من ظاهرة الانتحار، مبينًا أن ظاهرة الانتحار باتت تُعد مؤشرًا خطيرًا يهدد المجتمع العراقي.

وقال “الصالحي”، في بيان له، إن: “اللجنة لاحظت، من خلال تقارير لجهات رسمية وغير رسمية، تزايد حالات الانتحار في المجتمع العراقي؛ مما يُعد مؤشرًا خطيرًا”، داعيًا إلى “وفقة جادة من قِبل الحكومة من أجل الوقوف على أسباب تفاقم الظاهرة وضرورة معالجتها”.

ولا تقتصر محاولات وحالات الانتحار على الشباب فحسب، بل تتعداه إلى بقية الفئات العمرية، ولكن أخطر ما في الموضوع هو محاولة تغطية بعض الجرائم بغطاء الانتحار لإبعاد الشبهة الجنائية عنها.

كما أشارت دراسة ميدانية إلى أن أغلب المنتحرين من الفئات العشرينية؛ كونها الأقرب إلى التطور التكنولوجي والأكثر تضررًا بالظروف المحيطة بالبلد، ذلك أن العامل الأبرز للانتحار هو “الفقر” و”غياب فرص العمل” لتوفير لقمة العيش، خاصة في المدن التي تعرضت لعمليات إرهابية، وهو ما خلف حالة إحباط لدى الشباب تدعوهم لتناول الأدوية أو القفز من أماكن مرتفعة..

طبيبة في قسم الطواريء في مستشفى “اليرموك”، رفضت ذكر اسمها، قالت إن أغلب حالات الانتحار التي ترد إلى المستشفى تنتج من تناول السموم والمبيدات الحشرية أو تناول جرعات مرتفعة من الأدوية والمهدئات، كما تعمد العديد من النساء المنتحرات إلى حرق أنفسهن، وفي هذه الحالة تكون نسبة الشفاء قليلة أو تحدث تشوهات خطيرة، أما في حالة تناول الأدوية والسموم فيمكن إنقاذ الشخص المنتحر بغسل معدته، ولا يخلو الأمر من حدوث مضاعفات قد تؤثر على المخ وأعضاء الجسم عمومًا.

ويرى عضو مفوضية حقوق الإنسان، “فاضل الغراوي”، أن أهم الأسباب التي تؤدي إلى إزدياد العنف هي الحالات النفسية والصدمات المتأتية من كثرة الحروب التي مر بها “العراق”؛ وفقدان الأشخاص لأحلامهم وفقدان فرص العمل والفقر، أما أسباب تزايد حالات الانتحار فهي المشاكل الاجتماعية بمختلف مستوياتها والتفكك الأسري وإنعدام الوئام داخل الأسرة، فضلًا عن الاستخدام السيء للتكنولوجيا ومتابعة الأطفال لبرامج وألعاب تروج لثقافة العنف والتطرف والقتل والانتحار.

موقف حكومي هزيل..

وكعادتها جاءت معالجات الحكومة، للظاهرة، هزيلة وترقيعية ومخيبة للآمال، فبدلًا من البحث عن أسباب الظاهرة ومعالجتها جذريًا؛ قامت الحكومة ببناء أسيجة أمنية على جسور “بغداد” ومدنًا أخرى، وكأن الجسور ستُوقف عمليات الانتحار حقًا !

من جهته؛ يرى عضو مفوضية حقوق الإنسان، “ثامر الشمري”، أن “من الواجب البحث في أسباب انتشار الظاهرة ومن ثم معالجته فورًا، مؤكدًا على أن هذه الظاهرة تعكس واقعًا غريبًا على المجتمع؛ وينبغي تكاتف الجميع من أجل معالجتها، فليس الحل في وضع سياج أمني على الجسور بل ينبغي معالجة الأسباب التي تدفع الشباب للانتحار، وإنصافهم بتوفير فرص عمل للعاطلين منهم على سبيل المثال”.

الناشط المدني، “سالم حسين”، يقول: “أن الحد من الظاهرة يتطلب الغوص في أسبابها الحقيقة، فقد يكون خلفها قتل متعمد كما في حالات، (جرائم غسل العار)، إذ يعمد الأهل إلى قتل بناتهم وتصوير الأمر على أنه انتحارًا”.

ويعتقد “حسين” أن توفير فرص عمل للشباب؛ والقضاء على العنف والتمييز الجنسي والعاطفي؛ ودعم قطاع التعليم؛ من شأنه أن يسهم في الحد من هذه الحوادث.

الموقف القانوني..

وعلق القاضي، “ناصر عمران”، على هذه الظاهرة بوجود نص عقابي على المُحرض أو المُساعد على القيام بفعل الانتحار، وقد وضع النص العقابي بما يتلاءم وخطورة التحريض والمساعدة كسلوك مُجرم أدى إلى قيام الشخص بإزهاق روحه عمدًا، فالقانون لا يعاقب على الانتحار؛ بل على فعل الإسهام فيه، لذا يُجرم من يُحرض أو يُساعد على الانتحار وفق المادة (408) من قانون العقوبات، ذلك أن الانتخار يشكل خطرًا على أمن وسلامة المجتمع وخروجًا عن تقاليده العشائرية والاجتماعية.

وقال القاضي، “ناصر عمران”، إنها ظاهرة إجرامية بعد أن إزدادت معدلاتها، بينما عرّف السلوك الانتحاري بأنه “التصرف المتُعمد من قِبل شخص ما لإنهاء حياته”. وعن الموقف القانوني من هذه القضايا، يبيّن القاضي، أن القوانين لا تشمل المُنتحر لأنه رحل بطبيعة الحال.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب