ترجمة وتحليل/ د.محمد السنوسي :
في تقرير هام نشر في جريدة الجارديان اللندنية، تناولت الصحيفة الشأن العراقي في محاولة لمعرفة مدى صدق النخبة الحاكمة في العراق فيما تتخذه من قرارات، وهل هذه القرارات لصالح المحتجين أم مجرد تهدئة للأزمة؟!، حيث تشير الصحيفة إلى أن التظاهرات هذه المرة قوبلت بشكل مختلف من قبل الحكومة عن مثيلتها التي اندلعت منذ 4 سنوات، فبدلاً من مواجهتها بالرصاص والعنف، استقبلهم الجنود بالورود والترحاب، مع أن المطالب لم تتغير، حيث يطالب المحتجون بتحسين الخدمات الحكومية والقضاء على الفساد خاصة مع تعرض العراق لموجه حاره شديدة صاحبها نقص في الوقود والكهرباء، وقد ساند المظاهرات آية الله السيستاني والذي يعد – بحسب الصحيفة- أكثر الرموز الدينية تأثيراً في البلاد، كما حاول رئيس الوزراء حيدر العبادي أن يتواكب مع هذه التظاهرات من خلال تقديمه لحزمة من الإجراءات الإصلاحية.
تشير الصحيفة بعد ذلك أن توحد أصوات العراقيين في المطالبة بهذه الاصلاحات مثل عامل ضغط على الحكومة وعلى الطبقة الحاكمة في العراق والتي تعد من أكثر الطبقات الحاكمة في العالم تمتعاً بالمزايا المادية والأمنية والتي ترهق الدولة وتكلف الكثير من الأعباء المادية، وفي أعقاب تصويت البرلمان لصالح إصلاحات العبادي يوم الثلاثاء الماضي، ثار تساؤل هام حول قدرة العبادي –الذي يعتبره معارضية بأنه قيادة ضعيفه بحسب الصحيفه- على تنفيذ هذه الإصلاحات وتقليل نفوذ وتكاليف النخبة الحاكمة في العراق، خاصة وأن هذه التعديلات شملت إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ونائب رئيس الوزراء، كما أن هذه التعديلات تمثل تحدي لطبقة رسخت من وجودها في الدولة وحصنت نفسها بالمزايا والتأمين الكافي.
وتوضح الصحيفة بعد ذلك ما قاله أحد المستشارين العاملين إبان الإحتلال الأمريكي للعراق في 2003 والذي أكد أن النظام السياسي بني على المحسوبية والفساد، والكل مخطأ ومذنب لذا فإنه من الصعب تغيير ذلك، ثم تنتقل الصحيفة لتبين أن مؤشر الفساد الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية يضع العراق دائماً ضمن أكثر عشر بلدان فساداً في العالم خلال السنوات الأخيرة، كما أن آخر تصنيف وضعها في المرتبة الخامسة ضمن هذه البلدان، فيما توضح الصحيفة أن هناك شكوك حول قدرة إصلاحات العبادي على مواجهة هذا الفساد المترسخ، وأن الهدف الحقيقي منها هو مجرد إستبعاد لشخصيات سياسية وإفساح الطريق لتعديلات دستورية تغير من نظام حكم البلاد.
تقدم الصحيفة بعد ذلك لمحة تاريخية عن تولي العبادي رئاسة الوزراء بعد الإطاحة بنوري المالكي في أعقاب سيطرة تنظيم داعش على الموصل ومدن كبرى في العراق وخسارة المالكي لدعم السيستاني وإيران والولايات المتحدة، وظهر العبادي بعد ذلك كحل وسط لتولي رئاسة الوزراء، ورغم أن العبادي كان أحد القيادات الوسطى في حزب الدعوة الشيعي الذي كان يتزعمه المالكي، إلا أن المالكي وضع نفسه كمعارض له منذ البداية، وداعم للكتائب الشيعيه التي تقود الحرب ضد داعش متقدمة بذلك على الجيش العراقي ذاته.
وتعرض الصحيفة بعد ذلك رأي السيد/ جون جنكيس السفير البريطاني السابق في العراق والذي يؤكد أن المالكي يشكل قوة سياسية داخل التنظيم السياسي العراقي، وإذا إعتقد العبادي أنه بإمكانه الإطاحه به بمساندة السيستاني فإن ذلك يعد مخاطرة كبيرة، وتؤكد الصحيفة أن المالكي ذاته تعامل بحذر مع حزمة الإصلاحات وأكد أنها تحتاج لتعديلات دستورية بموافقة المحكمة العليا، فيما يؤكد أحد أساتذة العلوم السياسية ببغداد أن من يستخدمون الدستور كوسيلة لرفض هذه الإصلاحات لايمكنهم أن يعلنوا صراحة أنهم يعارضون المرجعية (السيستاني)، لذا فإنهم سيتجهون للموافقة على التعديلات المقترحة، خاصة الأحزاب الدينية منهم، ثم يقومون بعد ذلك بإفشال هذه الإصلاحات مرة أخرى والعودة لدولة رجال الأعمال والفساد من جديد، فيما يؤكد هشام الهاشمي أحد المستشارين في الحكومة العراقية أن معظم السياسيين يظهرون أنفسهم أنهم مع الإصلاحات، لكن هل يمكن للمالكي أن يتخلى عن كل ما لدية من مميزات منحتها إياه الدولة العراقية؟!، فيما يؤكد مسئول عراقي آخر أنه لا توجد أي فصيل سياسي داعم للتظاهرات لكنهم يدعون ذلك لكسب تعاطف الشعب وتجاوز المرحلة، فكيف لهم أن يتخلوا عن كل هذه المكتسبات؟!، وإذا لم يحدث ذلك وتنفذ هذه الإصلاحات بكل جدية، سوف تتحول هذه التظاهرات إلى إقتتال وعنف لا يريد أحد له أن يحدث.