15 أبريل، 2024 5:04 م
Search
Close this search box.

الغارديان البريطانية / إستراتيجية كردية في العراق : فرق واستغل

Facebook
Twitter
LinkedIn

من خلال تسهيل تشكيل ائتلاف حكومي يعاني الاختلال الوظيفي تحف به الشكوك في بغداد، استطاع كرد العراق مواصلة طموحاتهم الخاصة، عبر إستراتيجية تقوم على إبقاء بغداد ضعيفة، وإدامة الانقسامات السياسية، إضافةً إلى ممارسة تلك اللعبة الماكرة المعتمدة على التلاعب والمطاولة .
لا يزال العراق العربي منقسما والحكومة الائتلافية في بغداد تشهد اختلالا وظيفيا. فالمنازعات على الأراضي والموارد الطبيعية وتقاسم السلطة، بما في ذلك تنفيذ التشريعات الأساسية، والمشاكل الأمنية الجارية كلها أمور تقف في طريق الاستقرار والتقدم الدائم .
بيد ان إقليم كردستان مستقر، وهو يمضي قدما، على الرغم من كونه في صلب تلك الخلافات. لقد حصل ممثلو الكرد على ما يكفي من الأصوات خلال الانتخابات البرلمانية في شهر مارس 2010 كي يجعلوا من أنفسهم صناع ملوك ، منذ أن سعى من نالوا أعلى الأصوات (إياد علاوي مع رئيس الوزراء نوري المالكي) تشكيل تحالف مستقل عن الكرد .
حصل العراق العربي أخيرا حصل على حكومة، بعد تسعة أشهر من دون تشكيل حكومة ووسط هجمات إرهابية مستمرة، ولكن فقط لأن رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني، وبعد أن أبقى الجميع في حالة ترقب حول الشخص الذي سيدعمه الكرد، توسط لعقد اتفاق مهد الطريق لائتلاف الكتل السياسية الرئيسة في العراق .
حتى الآن، لم يأت الاتفاق ثماره؛ وفشل علاوي والمالكي في التوصل إلى اتفاق حول توزيع السلطة. ولكن من خلال توزيع الوزارات، جرى ما يكفي بالكاد لإرضاء شرائح مختلفة من الطيف السياسي في العراق، بمن فيهم السياسيون السنة العرب الرئيسيون الذين تنافسوا في الانتخابات إلى جانب علاوي، بيد أنهم ونتيجة للمكانة الجديدة والحظوة التي نالوها، يرفضون الإصغاء إلى أي دعوة للانسحاب من الحكومة والذهاب إلى المعارضة. وهكذا تم منح العراق العربي حكومة هشة ومختلة وظيفيا، وسهل الأكراد تشكيلها، ضامنين ان حكومة وحدة وطنية لن تكون على الأرجح حكومة رفاق درب واحد، وإنما ستخضع لقلة الثقة بين مكوناتها. لا يزال الساسة منقسمين بخطوط الطائفية: فالعداء قائم بين حزب الدعوة الشيعي الذي يتزعمه المالكي والسياسيين الأقوياء الذين ينتمون إلى القائمة العراقية ذات الغالبية السنية العربية، الذين ما زالوا حذرين من إحكام قبضته على السلطة كما أنهم حذرون من  صلاته وصلات كتل شيعية أخرى بإيران.
صب هذا الوضع في مصلحة الكُرد. لأنه يبقي بغداد ضعيفة وغير قادرة على المضي إلى الأمام. وسمح هذا الوضع للكُرد باستغلال التوترات لدفع طموحاتهم إلى الأمام. على سبيل المثال، عندما تحركت بغداد مؤخرا لمراجعة مسودة سابقة من قانون النفط والغاز لا تصب في صالح الكرد، استدعت حكومة اربيل المسؤولين الأكراد في بغداد، وفي الوقت نفسه، دعت علاوي (خصم المالكي) إلى أربيل لإجراء محادثات طارئة .
كان الهدف من ذلك  ممارسة الضغط على المالكي وحكومته، ولعل الكُرد قد حققوا الفوز: فمسودة القانون المنقحة الآن من غير المرجح أن تتم الموافقة عليها، وتأجلت جولة تراخيص النفط والغاز في بغداد، المقرر عقدها في كانون الثاني العام 2012. وفي حين أن بغداد قد تكون مصرة على أن الأكراد لن يحصلوا على كركوك الغنية بالنفط، فان قضية كركوك التي لم تحل بعد، توفر للأكراد  ورقة مساومة قوية تسمح لهم بالضغط من أجل أهداف أخرى في هذه الأثناء.
وهذا يشمل الأهداف المتصلة بقطاع الطاقة الخاص بكردستان. إذ أن الإقليم الكردي يعمل على جعل نفسه بطلا للصناعة، وسيستضيف لاعبي النفط والغاز العالميين في مؤتمر النفط والغاز المقبل في أربيل. وبالنسبة لمنظمي المؤتمر، فان الاخير يعد الأول؛ فمؤتمراتهم السابقة ركزت على العراق ككل، وهو ما لم يعد قائما .
ومدعاة ذلك هو ان الإقليم  يجذب اللاعبين الرئيسيين، لا شيء يدل على ذلك أكثر من صفقة سابقة لرئيس شركة بريتيش بتروليوم توني هيوارد بأكثر من ملياري دولار، بخصوص أصول نفطية في الإقليم. وهناك نحو 40 شركة أجنبية من 17 دولة مختلفة ملتزمة باستثمار نحو عشرة مليارات دولار في قطاع الطاقة.
ولكن هل أن إقليم كردستان يحتاج العراق؟ يملك الأخير السيطرة على خطوط الأنابيب التي تسمح بتصدير النفط بشكل أكثر كفاءة. ولا يزال تصدير النفط عبر الصهاريج، على الرغم من عدم كفاءته، ممكنا، ولكن عند نقطة معينة سوف تكون هناك حاجة إلى خط أنابيب إذا كان يتعين على كردستان أن تصبح دولة مصدرة قابلة للحياة، وقادرة على إدارة احتياطياتها الضخمة. حتى الآن، وعلى الرغم من ذلك، فان الطموحات الكردية النفطية لم تكن محط إعاقة من قبل بغداد المسيطرة على خطوط الأنابيب وسياستها الفوضوية .
توفر بغداد أيضا عائدات إضافية تسمح لإقليم كردستان بتحسين الخدمات الأساسية، والتعليم والبنية التحتية وتجهيزات عسكرية أفضل. وإضافة إلى موارد الإقليم الذاتية والإيرادات- التي لا تستطيع بغداد مراجعة حساباتها والاستفادة منها – تحصل حكومة الإقليم على 17 ٪ من الميزانية العراقية السنوية، وقيمتها، على الأقل ، 10 مليارات دولار تقريبا في السنة .
وثمة أمر آخر يتعلق بامتلاك موطئ قدم في بغداد كي يكون الكرد على بينة بما يدور وراء الكواليس من تطورات والتواصل المستمر مع النخبة السياسية، وتوفير فرصة لتعزيز الانحدار .
بطبيعة الحال، ليس على الكرد ان يكونوا جزءا من العراق ويعلنون الاستقلال غدا. هناك القليل الذي في إمكان تركيا والدول المجاورة الأخرى مثل إيران القيام به، نظرا للبلايين من الدولارات من التجارة مع كردستان، والمشاكل الداخلية والاضطراب العام في المنطقة، فضلا عن استحالة غزو واحتلال مدن كردستان العراق.
ومع ذلك، لن يعلن الكرد استقلالهم لأن لديهم شيء جيد يسير لصالحهم. إذ لا معنى للتضحية بذلك الصالح عند أي إعلان للاستقلال من جانب طرف واحد ويضعهم “في الطريق الخطأ”، وربما يضيق عليهم الخناق جغرافيا ويبرر الاستجابات المناهضة من قبل بغداد وجيرانها في المنطقة .
بدلا من ذلك، يريد الكرد إعلان الاستقلال كجزء من إطار إقليمي قابل للدعم، وبشرط ان يمنحهم هذا الإطار كركوك. في غضون ذلك، سيستمر الكرد في العمل لمصلحة الكرد وكردستان. وهذا يعني استغلالهم بغداد، وهو الثمن الذي على العراق والعراقيين أن يدفعوه للحفاظ على بلادهم من دون مساس .

* ترجمة كتابات / عن صحيفة الغارديان البريطانية

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب